![]() انتهاء الاعتصام بعد
1255
يــــــوم
بسم الله الرحمن الرحيم. يُنهي شيخ الطريقة العمرية عبد الغني العمري الحسني، إلى علم الرأي العام، ومن بعده إلى علم أتباع الطريقة العمرية في أنحاء العالم، أنه: 1. قد عزم على إيقاف اعتصامه مع عائلته داخل بيته نهاية يوم الثلاثاء 15-5-2018م، بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم لعام 1439ه. وللإشارة، فإن هذا الاعتصام قد بدأ يوم الاثنين 8-12-2014م، واستمر طيلة 1255 يوم. 2. سيغادر مدينة جرادة التي كانت محل اضطهاده وعائلته من طرف السلطات المحلية والأجهزة الأمنية، مع توظيف الأوباش والسفهاء من أهل المدينة في هذا العمل الشنيع. وسيكون مقر الشيخ المقبل إن شاء الله بمدينة سلا، مرفوقا بجميع أفراد عائلته. حرر بجرادة ليلة الأربعاء: 16-5-2018م. شيخ الطريقة العمرية: عبد الغني العمري الحسني ![]() ![]()
Translated
Sheikh's Books |
![]()
2022/01/17
الصفر واللانهاية الفيزيائيان
كلامنا عن الصفر وعن اللانهاية في الفيزياء، هو بسبب خصوصية معناهما فيها، بالمقارنة إلى العلوم الأخرى كالرياضيات، أو بالمقارنة إلى الفلسفة؛ وإن كنا نحن لا نعد الفلسفة علما بالمعنى الدقيق. فأما الرياضيات، فهي تجريد؛ منه ما يقبل التطبيق، كما هو شأن الرياضيات التطبيقية في مختلف المجالات؛ ومنه ما لا يقبل التطبيق. وما لا يقبل التطبيق من الرياضيات، هو في الحقيقة صنف من صنوف الفلسفة؛ قد يكون ضروريا أحيانا لبلوغ بعض الغايات التطبيقية. ونحن نعد الرياضيات لغة علمية تختزل التعابير اللغوية في رموز تم التواطؤ عليها عبر القرون. فهي من هذا الوجه، كعلم النحو بالنظر إلى اللغة المنطوقة؛ أي هي خادمة فحسب. وهذا يعني أنه يمكن ترجمة لغة الرياضيات إلى لغة معتادة، وإن كان ذلك سيطول كثيرا في هذه الحال؛ أو يتطلب عودة بالرياضيين إلى ما ظنوا أنهم تجاوزوه؛ فتكون الصعوبة في العودة من البساطة إلى التركيب أو العكس. وعندما يتكلم الرياضيون عند شرحهم، فإنهم يتكلمون بلغة معتادة، تتخللها كتابة رمزية، تكون بمثابة تثبيت وتقييد لمفاصل الكلام فحسب. ونحن نقرر هذه المعاني، حتى نخرج بالقارئ من حكم العادة، إلى ما هو مشترك عقلي، بقصد فتح العلوم بعضها على بعض... أما الصفر فينبغي أن نتناوله من عدة وجوه: 1. هل الصفر عدد؟: والجواب هو أن الصفر ليس بعدد؛ بل هو رمز يدل على انعدام العدد. وإذا كان هذا هو معنى الصفر، فهل نقول بوجود الصفر المطلق؟ الجواب، كلا!... لأن وجود الأحد، له السبق؛ وبالتالي، فلا يكون في الوجود إلا ما ينتج عن الواحد الذي هو تنزل الأحد، من أجل الظهور في المراتب؛ ما دام العدد كله، لم يظهر إلا بظهور مراتب الواحد. ويمكن في هذا المستوى، أن نقول إن الصفر المطلق هو المحال، وهو العدم المطلق. ولا يكون رقم الصفر (0) إلا تعبيرا عن المحال، كما هو التعبير عنه في اللغة بالعدم وبالمحال. ومن هنا نستنتج أن الصفر في هذا المستوى، لا وجود له إلا في الرقم. 2. ما وجه دخول الصفر في مراتب العدد؟ كدخوله في كتابة العشرة (10)، وفي المائة (100)، وفي الألف (1000)، والمليون (1000000)، والمليار (1000000000)، والترليون (1000000000000)؟: والجواب هو أن دخول الصفر في كتابة المراتب، هو من باب التواطؤ للدلالة عليها؛ وإلا فإنه كان يمكن أن نكتب مراتب العدد بطرائق مختلفة غير تلك. ولقد دعا إلى استعمال الصفر في الكتابة، ظهور الصفر الفيزيائي؛ لأن له السبق في الظهور على الصفر الرياضي. ومعنى الصفر الفيزيائي، هو الصفر الناتج عن انعدام العدد. فمثلا لو وضعنا على المنضدة أمامنا أربع تفاحات وسألنا عن عددها، فإن الجواب سيكون: 4. فإن وزعنا الأربع تفاحات فيما بيننا نحن الجالسين حول المنضدة، وأكلناها كلها؛ ثم سألنا: كم عندنا الآن من تفاحة؟ فإن الجواب سيكون: 0. فهذا الصفر ناتج (من جهة الكتابة الرياضية)، عن: 4-4=0. فهو صفر بالنظر إلى الأربع تفاحات، لا مطلقا؛ أي هو صفر مقيد. أما الصفر الرياضي، فهو صفر مجرد، معتبر لذاته؛ وهما مختلفان في المعنى من غير شك. 3. أما حقيقة الصفر في العلم الإلهي، فهو العدم المتعلق بالإمكان. وإن نحن عرفنا أن الإمكان في صورته البسيطة هو الثنائي: (0,1)، فإننا سنفهم أن الصفر هنا هو العدم المقيّد بالصفة المخصوصة (المعلومة). والعدم المقيّد، هو العدم الثابت، الذي يكون في مقابلة العدم المطلق، والذي هو المحال. أما إن كان هذا الممكن مما يقبل تغيير الاستعداد، وبلوغ درجة الكمال، كما هو الإنسان؛ فإنه في حال الكمال، سيصبح حكمه: (1,1)، لا (0,1). وهذا، لأن الله (1) عندما أحبه، صار سمعه وبصره وكله؛ فانقلب الصفر واحدا بالجود، وأصبح المقيّد مطلقا إطلاقا خاصا به؛ لأن الإطلاق الأصلي للحق وحده، وبه يمتاز عن خلقه. وإطلاق الحق، هو من كونه أحدا (1) مطلقا؛ ومعنى هذا الإطلاق، هو في مقابل الإطلاق وفي مقابل التقييد: أي هو مطلق عن الإطلاق وعن التقييد معا. لكن الإطلاق الأخير، والذي هو في مقابل التقييد، هو تقييد بالإطلاق. والله يتنزه عن التقييد، وعن الإطلاق المقابل له؛ وينفرد سبحانه بإطلاق الإطلاق. وعندما يكمل العبد ويصير مطلق الحقيقة، فإنه يبلغ الإطلاق المقابل للتقييد الذي هو عليه، لا الإطلاق المخصوص بالحق؛ تعالى الله!... وقد غلط كثير من المتصوفة في اعتبار هذا المعنى، وظنوا أن حقيقة العبد تنقلب؛ وهو أمر محال!... وهنا قال المتحققون: العبد عبد والرب رب!... أما الصفر الثابت، فإنه عندما ينفيه الواحد، لا يعود صفرا مطلقا؛ لأن الصفر المطلق عدم محض، وهو المحال. وإن نحن تدبرنا المسألة، فإننا سنعلم أن الصفر الباقي لدى العبد الكامل، هو الصفر الرياضي الذي أسبقنا الكلام عنه؛ والذي هو حكم الصفر عقلا. ومن هنا كان حكم العبودية لا يرتفع، عند بلوغ الكمال الإنساني؛ فنقول عن أكمل عبد صلى الله عليه وآله وسلم: عبد الله ورسوله، مع أن معنى الخلافة عن الله، يشير إلى حكم الواحد في العبد، لا إلى الصفر. ولهذه العلة كانت الخلافة في أغلب صورها باطنة لا ظاهرة، من بطون الواحد عند ظهور أحكام الصفر في جميع أكواد المخلوقات؛ أي عند ظهور أحكامها في مشاهدة الصور المختلفة. 4. ما الفرق بين الصفر والمجموعة الفارغة؟: وهذا لأن كثيرا من الناس يخلطون؛ خصوصا عندما تكون المجموعة الفارغة مساوية للصفر. والحقيقة هي أن الصفر غير المجموعة الفارغة، لأن مدلول المجموعة الفارغة، مؤسس على الصفر من غير شك؛ لكن باعتبار مجموعة ما، لا مطلقا. وبعبارة أخرى، فإن المجموعة ثابتة في نفسها، وإن كانت فارغة. وهذا يختلف عن معنى الصفر بالنظر إلى تعيُّنه وحده ومجردا. وهذا الذي نقوله هنا، يشبه في اللغة الفرق بين المنطوق والمفهوم، وعندما يكون المنطوق محددا لمعان لازمة له وخارجة في الآن ذاته عن لفظه. وأما اللانهاية، فلها معان نذكر منها: 1. مالانهاية في الفيزياء؛ وهو محال: لأن الفيزياء هي عالم التقيُّد بالأبعاد المعلومة، وبالأعداد المعلومة. ومهما بلغت الأجسام في الكِبر، فإنها تكون على هذه الصفة من التقييد. ولهذا كنا دائما نقول إن الجسم الكل (الكون كله باعتبار المادة الجامعة)، لا بد من أن يكون مقيَّدا. وهذا هو ما يجهله الفيزيائيون، عندما يبحثون عن معنى الإطلاق في المادة... 2. التقيّد داخل العالم الواحد: وهذا كتقيد إدراك المرء داخل المحسوسات المعتادة. ونعني بالمعتادة، ما يوجد من المادة داخل حيّز عتبة الإدراك المخصوص بكل حاسة؛ كما نعني بالعالم الواحد، عالم البشر دون عالميْ الجن والملائكة؛ مع أن هذه كلها عوالم مادية. فإن قال قائل: فإن كانت هذه العوالم خارج دائرة إدراك البشر، فكيف يُقطع بوجودها؟ قلنا: إن مجال إدراك الأشخاص متفاوت، وإن بعض الناس ينالون المقدرة على إدراك العوالم الأخرى، بإمداد من الله، فيشهدونها على أصلها، أو في المناطق المشتركة بينها. وهكذا، فإن من يرى بنفسه، لا ينتظر أن يرى غيرُه؛ حتى يصدق نفسه. وهذا لا يدخل ضمن الوهم الذي يسيطر على بعض مرضى العقول؛ ولكنه باب من العلم، يعلمه أهله. وربما سندخل في تفاصيل بعض ما يتعلق بهذا، في مقال آخر، عندما نتكلم عن الفيزياء الأخرى المخالفة، والتي يتصرف فيها بعض المؤهلين... وإن كان عالم الفيزياء المعهودة مقيدا، فإن الكلام فيه عن اللانهاية لا يكون إلا ضربا من التخيل والتجريد. وعلى هذا، يكون معنى اللانهاية رياضيا بحتا، لا فيزيائيا. 3. اللانهاية والإطلاق: من غير شك إن اللانهاية هي الإطلاق، ولو من وجه واحد. كأن نتصور في الذهن خطّا، لا بداية له ولا نهاية، أو له نهاية من جهة ولا نهاية له من الجهة الأخرى. ففي الحالة الأولى، يكون الخط مطلقا من جهتين، وفي الثانية يكون مطلقا من جهة واحدة. والخطان معا، لا يمكن وجودهما في الواقع؛ ومن يظن ذلك فإنه يكون واقعا تحت حكم الوهم فحسب. وهناك حالة واحدة قريبة مما نقول، توجد في الواقع وحدها، وهي: الحركة المستمرة الدائرية؛ فهذه لا نهاية لها، وإن كانت الدائرة من حيث هي شكل ذو بعديْن متناهية ولا بد. وهذا يعيدنا إلى معنى الإطلاق الناتج عن التقييد، كما أوضحنا سابقا عند كلامنا عن كمال المقيّد. 4. اللانهاية الرياضية: وهي العدد كله من جهة الاعتبار مع تصور زيادة عليه غير محدودة في كل مرة. وهذا، لأن العدد وحده، لا بد أن ينتهي إلى حد إما معلوم وإما مجهول. وكون الحد مجهولا، لا يجعل العدد لا نهائيا، إلا إن تصورنا زيادة لا نهائية عليه مطردة، كما ذكرنا؛ وهذا لا يكون إلا عقلا. وأما في الواقع، فلا يوجد عدد كهذا!... ومن هنا نعلم أن جميع الأعداد معلومة لله، من كون علمه محيطا بها؛ بخلاف العبد الذي يكون علمه جزئيا بالضرورة، ما لم يكن العبد هنا العبد الكلي (الإنسان الكلي المتعيّن). يقول الله تعالى: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59]. ومعنى الكتاب هنا: الحاصر لكل مكتوب؛ والآية تدل على أن الله يعلم أعداد أصناف المخلوقات، ويعلم أعداد كل صنف على حدة؛ بساطة وتركيبا؛ ويعلم ما يثبت منها زمنيْن فأكثر، ويعلم ما لا يثبت إلا زمنا واحدا، أو أزمنة معدودة؛ كما يعلم حال المعلوم الكيميائية والبيولوجية والقلبية (النفسية). ويعلم جسيمات ما تحت الذرة، ما هو معلوم للناس، وما لا يزال في الغيب ليس معلوما لهم. وهنا نعيد معنى اللانهاية إلى الإطلاق، ما دام علم الله (صفة من الصفات الإلهية) مطلقا، لا يُحد من أي وجه من وجوهه. وقد غلط بعض الفلاسفة عندما قاسوا علم الله على علمهم، وحكموا بأن الله يعلم الكليات، ولا يعلم الجزئيات. وهم بهذا -وإن بدا لهم أنهم يزعمون العكس- أرادوا أن يُساووا بين علمهم وعلم الله، عندما توهموا أنهم قد نالوا علم الكليات (العقلية)؛ وكأنهم يقولون: إن كان هناك من عليم، فهو الفيلسوف!... وهذا ليس غريبا على العقل المحجوب، الذي لا يرى إلا صورته في مرآة الوجود. ونحن كنا نقول: إن الفيلسوف لا يعلم من العالم إلا صورة عقله هو؛ لكنه عندما يشهد صورة عقله، قد يسميها الله تعظيما لها (لنفسه). ولقد تنبه إلى هذا المعنى بعض الفلاسفة، فحكموا بأن المشهود لعقل هو مخالف لمشهود عقل آخر بالضرورة؛ وبأن المشهود المشترك، لا وجود له في الحقيقة. وهذا معنى جيد، غير أنه لو أُخذ به وحده، فإنه يؤدي إلى القول بالعبث؛ وهو قول لا يصح!... وأما الفيزيائي، فإنه محجوب عن عقله بالمادة؛ لذلك هو يظن نفسه أكثر علمية من الفيلسوف، مع أنه أقل عقلانية منه بغير شك. وهو في الحقيقة لا يُدرك أنه لا يُدرك المادة إلا من وراء عقله هو؛ شأنه شأن الفيلسوف عند إدراكه المعقولات. ولو أن العقل كان غائبا في عملية تعقل المادة والعالم، لما اختلفت الفيزياء من واحد إلى واحد، ولا الفلسفة من واحد إلى آخر. وأما ما يظنه الفيزيائيون غير متغير في الفيزياء، فهو ما يقبل تعدد التجربة من جهة، وما يكتب بلغة رياضية متفق عليها، من جهة أخرى فحسب. وفي الحاليْن، لا يمكن الجزم بصحة المعلوم من الجهتيْن: فأما من جهة التجربة، فلتطرق احتمال نقضها ولو مرة واحدة، داخل عدد مالانهاية من التجارب؛ ما دام المجرب لا يتمكن من تكرار التجربة إلى مالانهاية بالقطع. وأما من ناحية المعادلة الرياضية، فإنه يمكن أن تُخالَف باعتبار متغير ما؛ قد لا يكون معتبرا في الصورة الأولى، أو قد لا يكون معلوما على حقيقته، أو قد تكون له قابلية التغيّر لا من حيث العدد وحده. وسنعود إلى هذه المسألة من وجه آخر، غير معلوم للفيزيائيين، وإن كان معلوما من الواقع؛ في مقال آخر بإذن الله. وهكذا، يمكن أن نخلص إلى أن مالانهاية عند الفلاسفة يخالف اللانهاية عند الرياضيين؛ لأن مالانهاية بالمعنى الرياضي، قد يكون معلوما من بعض الوجوه، لا من كلها؛ وإن قررنا آنفا، أنه لا يمكن أن يكون معلوما من جميعها دائما؛ ما دامت الإحاطة التامة، لا تكون لمخلوق أبدا. نعم، إن الفيزيائي، قد لا يرى نفسه مخلوقا، إن كان ملحدا؛ لكن هذا لا يُخرجه من دائرة المخلوقين، وإنما يدخل به في دائرة الجاهلين بأنفسهم فحسب. ونعني من هذا: أن الحقائق ليست تابعة لعلم الشخص بها، وإنما هي ثابتة في نفسها؛ إما أن يعلمها المرء على ما هي عليه، وإما أن يعلمها على صورة ذهنية مخصوصة به، لا تكون علما على الحقيقة. وهذا علم مجهول لدى من يظنون أن علومهم صلبة، ولا يتطرق إليها الشك... وسنرى في المقالات المقبلة -إن شاء الله- ما يدحض هذا الوهم دحضا. وفي انتظار ذلك، فلنبق مع الصفر ومع اللانهاية. ولنبدأ بالتقائهما في الحد؛ هل يصح؟ وكيف؟ وبعبارة أخرى متى يكون الصفر مساويا للانهاية؟: 1. يكون الصفر لانهاية، عندما يكون مطلق الصفرية؛ أي عندما يكون صفرا فلسفيا. وحتى الصفر الرياضي المجرد، لا يبلغ هذا الإطلاق؛ لذلك لا يكون مساويا للانهاية أبدا. والصفر الفلسفي، هو الصفر الذاتي، الذي لم ينشأ عن التوالد في عالم الطبيعة (التوالد هو العمليات الحسابية الممكنة في عالم الطبيعة). 2. إذا جمعنا ∞+ إلى ∞-، فإن الرياضيين يقولون إن النتيجة غير متعيّنة؛ وفي الحقيقة هذا هو الصفر المطلق الذي ذكرناه نحن. فهو متعيّن الصفرية من جهة، مع ثبوت إطلاقه من جهة أخرى. ومن هنا نعلم أن الرياضيين لم يُدركوا الصفر المطلق أبدا، بسبب عدم تعلقه بالموجودات الطبيعية، التي هي أصل الموجودات العقلية بعد التجريد الرياضي (الأعداد). فإن علمنا كل ما سبق، فلنسأل الآن: هل الصفر المقيد، موجود في عالم الطبيعية (الفيزياء)؟: فنجيب: أما مجردا فلا وجود له، وأما متولدا وموظفا بعد ذلك في المعادلات، فموجود. وهنا ينبغي أن نميّز في الفيزياء بين وجهيْن: الطبيعة، والرياضيات. وهذا، لأن الفيزيائيين عندما يجرِّدون ويدخلون إلى عالم الرياضيات العقلي، يبقون متوهمين أنهم يبحثون في الفيزياء الطبيعية؛ وهذا غير صحيح!... وحتى في القياسات، كقياس الشحنة الطاقية للجسيمات، فإن الصفر لا يوجد إلا نسبيا؛ أي بالنظر إلى قياسات أخرى. نقول هذا، لأن الصفر في القياسات، لا يكون إلا اعتباريا دائما؛ فلا يمكن أن نقول إن الصفر في القياس الفلاني ثابت، وإن ذلك الصفر هو الصفر الذي لا يقبل التغيير؛ بل قد يصير الصفر عند تغيُّر الاعتبارات، عددا سلبيا، كما قد يصير عددا إيجابيا. وهذا يعني أن كثيرا من التجارب الفيزيائية، تُثبت الظواهر أكثر مما تُثبت القياسات؛ ما دامت القياسات لا تكون أحيانا إلا بالمقارنة: كتحديد رمز العدد إجمالا، أو تحديد العدد بالنظر إلى غيره. وهذا جلي عند قياس الشحنات في مجال فيزياء الكم، ومع الحكم بتعدد الاحتمالات في المتعينات ذاتها. وهو ما كان العقل يعده محالا في شطر من الرياضيات، وفي الفيزياء الكلاسيكية. بقي لنا أن نسأل: هل الصفر موجود في العلم الإلهي؟: فنجيب: نعم الصفر موجود في العلم الإلهي، بجميع صنوفه: المقيد بأنواعه، والمطلق. يقول الله تعالى مخبرا عن نفسه: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 29]؛ والصفر من غير شك شيء. ومن صور الصفر في العلم الإلهي: الأعيان الثبوتية العدمية، أي التي هي عدم قابل للوجود؛ وهو معنى الممكنات. وينبغي هنا التفريق بين الممكن العلمي والممكن العيني، عندما نعلم أن الممكن العلمي هو عدم من كل وجه. ومع كونه عدما من كل وجه، فإن الله يعلم وجهه القابل للإيجاد في حال عدمه. وهذا العلم لا يدخل في قدرة المخلوقات (البشر والجن والملائكة) قط؛ لأن المخلوقات، لا يتعلق علمها الحادث بالموجودات إلا بعد إيجادها، لا قبله. وهنا ينبغي أن نذكر أن ما يتصوره الشخص من علم مجرد في عقله، قبل صنعه الأشياء في عالم الحس، ليس علما قبل الخلق إلا من جهة المجاز. أما من جهة الحقيقة، فإن ذلك العلم مخلوق في عقله لا مجرد كعلم الله. وكل ما يُدركه المخلوق من الكون بعقله، لا يكون إلا ممكنا أوجده الله في عالم برزخي، هو عالم الشهود العقلي. وهذا هو ما لا يُدركه الفيزيائيون، عند جزمهم بأن المادة موجودة. ونعني من هذا، أن المادة المشهودة في الحس، لا تختلف عن الصورة العقلية المخلوقة في العقل من حيث الحكم؛ وإن كان إدراك هذا، من أعسر الأمور على الناس!... أما نحن فنقول: إن أحد وجهيْ المخلوق (مادة أو غيرها) لا يكون أبدا إلا عدما. والعدم من وجه عدمه، هو صفر مطلق؛ لا صفر رياضي. ولهذا سبق لنا أن ذكرنا أن ما ظهر من العوالم كلها (لا عالم الطبيعة وحده)، هو الوجود الحق في صور المعدومات. أما المعدومات، فلا ظهور لها البتة؛ فهي قبل إيجادها كحالها بعد الإيجاد. ومن علم ما ذكرنا، علم معنى الإيجاد نفسه. ولنختم بسؤال أخير: هل يوجد ممكن ينقلب عدمه إلى وجود؟: فنجيب: من حيث المبدأ العام: لا!... ولكن من حيث اعتبار ما: نعم!... فما هو هذا الاعتبار؟ الاعتبار الوحيد، هو الحقيقة الإنسانية التي هي باطن الحق الأحد. فهي عند بطونها في مرتبة الأحد، تكون صفرا في الاعتبار، مع أنها حق في ذاتها. وهي هنا: (1,0)، لا (0,1)؛ وعندما تظهر في عالم الخلق، لا بد أن تظهر بصورة: (0,1)، كسائر المخلوقات الجزئية. ولقد وصفنا المخلوقات هنا بالجزئية، لأنها تفاصيل الحقيقة الإنسانية الكلية فحسب. ولهذه الحقيقة اعتباران بحسب ذلك: اعتبار بما هي إنسان، واعتبار بما هي أكوان متراتبة. والإنسان من حيث هو الصفر الباطن في الواحد، له إمكان الارتقاء إلى حقيقته من ظاهره إلى باطنه؛ إلى أن يصير: (1,1)، فإذا بلغ هذه المرتبة صار ربانيا؛ لكنه لا يتمكن من الخروج عن صورته العدمية التي هي حقيقته من حيث كونها صورة مقيِّدة لإطلاقه، من جميع الوجوه؛ وإلا صار مساويا للحق، وهذا محال! لهذا، فإن قيمة الصفر الأصلي في ثنائيته الحدية، ستكون بين الصفر والواحد؛ أي هكذا: (1,1˜0)؛ وهذا هو الفرق بين العبد والرب، الذي بيّنّاه سابقا. وهذا العدد المحدود بين الصفر والواحد، هو الإمكان المطلق؛ أي الإمكان القابل لجميع مراتب الإمكان. وستكون مراتب الإمكان بين مرتبة (0,1)، ومرتبة (1,1˜0). وهذا باعتبار أن العدد كله، هو مراتب للواحد فقط، مع تضمنها لكل الأصفار الاعتبارية المنوطة بالمراتب العددية. هذا، مع الجزم بأن الرياضيين والفيزيائيين لا يعلمون ما نذكره على حقيقته؛ وإنما يتوهمون أن كل مرتبة هي في حقيقتها مخالفة لحقيقة الواحد، مخالفة حقيقية. وهذا لا يصح!... ولعلنا سنتوسع في هذا مرة أخرى، عندما نتكلم عن توهمات الفيزيائيين والرياضيين في مقال مخصوص بإذن الله... |