انتهاء الاعتصام بعد 1255 يــــــوم
بسم الله الرحمن الرحيم. يُنهي شيخ الطريقة العمرية عبد الغني العمري الحسني، إلى علم الرأي العام، ومن بعده إلى علم أتباع الطريقة العمرية في أنحاء العالم، أنه: 1. قد عزم على إيقاف اعتصامه مع عائلته داخل بيته نهاية يوم الثلاثاء 15-5-2018م، بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم لعام 1439ه. وللإشارة، فإن هذا الاعتصام قد بدأ يوم الاثنين 8-12-2014م، واستمر طيلة 1255 يوم. 2. سيغادر مدينة جرادة التي كانت محل اضطهاده وعائلته من طرف السلطات المحلية والأجهزة الأمنية، مع توظيف الأوباش والسفهاء من أهل المدينة في هذا العمل الشنيع. وسيكون مقر الشيخ المقبل إن شاء الله بمدينة سلا، مرفوقا بجميع أفراد عائلته. حرر بجرادة ليلة الأربعاء: 16-5-2018م. شيخ الطريقة العمرية: عبد الغني العمري الحسني Translated
Sheikh's Books |
2012/11/10
البقرة: (101-120)
101.{ ولَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }: [ولما جاءهم رسول]: وهو الوجه الإلهي؛ [من عند الله]: هو وجه الاسم الجامع؛ [مصدق لما معهم]: مما ثبت في الفِطر؛ [نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب]: أعرضت جماعة ممن أهلوا لحمل التجلي من حيث القوة الآدمية؛ [كتاب الله]: لا غيره، حتى يعلموا شدة حرمانهم؛ [وراء ظهورهم]: كناية عن تولية وجوههم إلى الصور العدمية الفانية الظاهرة منهم. [كأنهم لا يعلمون]: كأنهم لا يعلمون أنه لا غنى لهم عن كتاب الله. هذا، وهم منه؛ فما أعرضوا إلا عن أصلهم. 102. { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }: [واتبعوا]: وهم من أعرضوا عن اتباع الحق المنزل إليهم؛ [ما تتلو الشياطين]: وهم الدعاة إلى البعد، من شطن بمعنى بعد؛ [على ملك سليمان]: أي في ملك سليمان، وهو عالم الخيال المنفصل، الذي تتخذه مجالا لإيهام الناس بما تريد. [وما كفر سليمان]: وسليمان من السلامة التي هي الخلو من العيوب؛ وذلك أن الخيال في الأصل حق؛ [ولكن الشياطين كفروا]: الشياطين هي التي تحرف الوهم حتى تخرج به إلى الكفر. [يعلمون الناس السحر]: وهو اختلاط الحق بالباطل، بسبب أن الباطل لا قيام له بنفسه؛ والسحر من السحَر الذي هو اختلاط الظلمة بالنور من آخر الليل. [وما أنزل على الملكين]: ويعلمون ما أنزل على الملكين اللذين هما من الأرواح المقربة؛ [ببابل]: وإل في اللغة الأكادية الإله؛ فهذان الملكان أخذا علم السحر من باب الله، وهو من علم القيومية. ومن هنا وجب التفريق بين علم السحر وفعله؛ ولا يذم إلا الفعل منه. [هاروت وماروت]: هرت الشيء: شقه، ومرته: كسره. وصيغة فعلوت تدل على عظم الاتصاف بالصفة التي جاءت بها، كالطاغوت، والجبروت. فعلى هذا يكون هاروت مستخرج المعاني، وماروت مخرجها من معناها الأصلي إلى معنى آخر مخالف، لكن بعلم محكم، لا يظهر للناظر معه التحريف. وإذا أنزل المعنى في صورة تبعا لذلك فهو السحر. [وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر]: أي وما يعلم الملكان من أحد التصرف في عالم الخيال، حتى يخبراه عن حقيقة هذا العلم، ويحذراه من استعماله في التلبيس وإخفاء الحق. [فيتعلمون منهما]: أي فيتعلم من لا ورع له من الملكين؛ [ما يفرقون به بين المرء وزوجه]: الزوج هي النفس؛ والتفريق هو إثباتها إلى جنب حقيقة المرء؛ وهو ما يخالف الحقيقة. [وما هم بضارين به من أحد]: لأن ذلك التفريق إضرار بمن ثبت عنده؛ وهو أصل كل سوء؛ [إلا بإذن الله]: لكن هذا لا يقع منهم إلا بإذن الله، الذي يريد أن يحجب بعض عباده عن الحقيقة، لحِكم هو سبحانه يعلمها. [ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم]: ومن يسعى إلى التفريق عند الآخرين، فإنما يضر نفسه، من كون الفعل عائدا عليه؛ كمن يضل الناس، فيعود إضلاله بالضرر عليه. [ولقد علموا]: أيقنوا؛ [لمن اشتراه ما له في الآخرة]: أيقنوا أن من اتبع سبيله ما له في التحقيق؛ [من خلاق]: من حظ أو نصيب. [ولبئس ما شروا به أنفسهم]: أي باعوها بما لا يعدلها فخسروها؛ [لو كانوا يعلمون]: بحقيقة ما أقدموا عليه. وإن من يفعل ذلك فإنما يكون قد سعى في إهلاك نفسه باختلاط حكم الوجود والعدم عليه في حقها؛ وهو بذلك قد سد باب الكمال لديه. والعياذ بالله. 103. { وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }: [ولو أنهم آمنوا]: بالحقيقة إيمانا، وإن لم تثبت لهم درجة العلم؛ [واتقوا]: بأعمالهم ما يسير بهم في طريق الانحراف؛ [لمثوبة]: لرجوع؛ [من عند الله]: وهو رجوع من الحق عليهم بفضله، حتى ينفي عنهم وهمهم؛ [خير]: لا أحسن منه في حقهم؛ [لو كانوا يعلمون]: الفرق بين المرتبتين؛ ولكنهم لا يعلمون. ولكنهم بعدم إيمانهم، قد سدوا عن أنفسهم باب الفضل وحُرموا هذا الخير. 104.{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ }: [يا أيها الذين آمنوا]: يا من تصدقون بإمكان وقوع التحقق؛ [لا تقولوا راعنا]: تطلبون من الحق مراعاتكم وترقبكم، وهو الغني عنكم. [وقولوا انظرنا]: أي، انتظرنا برحمتك حتى نلحق بك في الحكم؛ [واسمعوا]: أي أطيعوا فيما أمرتم به، حتى تكونوا من أهل الأدب. [وللكافرين]: المحجوبين بأنفسهم عن الحق؛ [عذاب]: من استعذابهم وجود أنفسهم في وهمهم؛ [أليم]: موجع، بسبب بعدهم عن الحق. وهذا من الأضداد، بسبب انعكاس الأمر عندهم. 105.{ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}: [ما يود]: يكرهون لكم؛ [الذين كفروا]: المحجوبون بأنفسهم عن الحق؛ [من أهل الكتاب]: وما من الناس إلا وهو منهم، لِما كتب في نفسه من الحق في أصل خلقه؛ [ولا المشركين]: الذين يثبتون أنفسهم إلى جانب الحق؛ [أن ينزل عليكم]: أن يصيبكم؛ [من خير من ربكم]: أن يتفضل عليكم ربكم فيغطي بوجوده ظلمة عدمكم، فتنتقلون إلى حكم الآخرة. وهذا أشد ما يتعلق به حسد الحاسدين؛ ومن أجله قُتل من قُتل من الأنبياء والصالحين. [والله يختص برحمته]: يصطفي لها؛ [من يشاء]: من غير علة ولا سبب، لأنها ليست من رحمة الجزاء. [والله ذو الفضل العظيم]: وإنما هذا الاختصاص من باب الفضل، وهو أعظمه ولا شك. ويبقى التفاوت بين أهله فيه، من حيث سعة الذوق. 106.{ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ألَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }: [ما ننسخ من آية]: الآية هي الصورة الكونية؛ والنسخ هو نسخ الحكم، بأن تصير وجودية بعد أن كانت عدمية؛ [أو ننسها]: بأن تعود إلى حكم العدم في حال ثبوتها وهو الفناء عند أهل الطريق. والعدم هنا غير العدم الأول الذي كان يلحقه الذم. وذلك أن العدم المذموم هو المغتصب لأحكام الوجود بغير الحق؛ أما هذا الأخير، فهو رد ما لله لله، ويبقى ما للنفس للنفس، وهو العدم الأصلي. [نأت بخير منها]: وليس إلا الحق المحض في حال البقاء؛ [أو مثلها]: وليس إلا عدمها في حال الفناء. [ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير]: يقدر أن يجعل التجلي إبقاء أو إفناء والصورة واحدة. وهذا مما لا تقبله العقول المقيدة بالمنطق المعلوم لديها. 107.{ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}: [ألم تعلم]: حتى تعلم؛ [أن الله]: المتجلي بجميع الأسماء؛ [له ملك]: لا يخرج عنه؛ [السماوات]: الحقية؛ [والأرض]: العبدية؟! [وما لكم من دون الله]: مما تتوهمون من وجودكم المستقل، ووجود الكائنات سواكم؛ [من ولي ولا نصير]: من سند ولا مدد؛ لأنكم عدم محض. فظهوركم هو بالله لا بأنفسكم. 108.{ أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ }: [أم تريدون أن تسألوا]: صورة مقيدة؛ [رسولكم]: من رسولكم الذي هو الوجه الإلهي الجامع؛ [كما سئل موسى]: كما سئل الوجه النيابي الموسوي، من قِبل قومه؛ [من قبل]: من قبل هذه المرتبة المحمدية العليا؟! فإذا لم يُقبل هذا السؤال في الحضرة الأدنى، فهل يقبل في الحضرة الأعلى؟! فما هذا الانتكاس؟! [ومن يتبدل الكفر بالإيمان]: من ركب الإنكار في تجلي المطلق في التقييد، وعدل عن التصديق بذلك وجعْله في الحسبان؛ [فقد ضل]: حاد عن؛ [سواء السبيل]: حاد عن الطريق الموصلة إلى الغاية. ولا غاية إلا الله! ومن ضل عنه سبحانه، فهو الضال حقا. 109.{ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }: [ود]: أراد؛ [كثير من أهل الكتاب]: أغلب أصحاب النسب الإلهي العام؛ [لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا]: أن يجعلوكم رافضين لاحتمال التحقق، من بعد أن أقررتم به. [حسدا]: ليس تصحيحا لاعوجاج في اعتقادكم، وإنما حسدا لكم على نعمة لم يطالوها؛ [من عند أنفسهم]: العدمية التي هي أصل السوء؛ [من بعدما تبين لهم الحق]: من بعد أن عرفوا أن الحق هو ما أنتم عليه، لا هم. [فاعفوا]: فلا تنظروا ذلك منهم، ولكن اشهدوه من الله، حتى لا تضلوا؛ [واصفحوا]: لا تؤاخذوهم وأنتم تشهدون الفعل منه سبحانه؛ [حتى يأتي الله بأمره]: حتى يكشف الله لهم حقيقتهم، فيشهدوا ما تشهدون. [إن الله على كل شيء قدير]: ومن قدرته سبحانه أن يحجب المحجوب، أو يكشف عن المكاشف، أو يُشهد الشاهد؛ كل هذا وما تغير على الصورة من حيث الشهود شيء. 110.{ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }: [وأقيموا الصلاة]: بقطع الطريق إلى الله. وهو طريق وهمي كلف الله عباده سلوكه، من منطلق شُهودهم لمـّا كانوا في حال البعد؛ وإلا فكيف تسير إلى من أنت عنده؟! أم كيف يكون طريق إلى من لا مسافة تفصلك عنه ؟! وهو سبحانه أقرب إلى العبد من نفسه؟! [وآتوا الزكاة]: والزكاة الطهارة. والمعنى طهروا أنفسكم؛ فإذا اشتغلوا بتطهير أوهامهم، وجدوها طاهرة بالأصالة من حيث النور الذي ظهرت به. [وما تقدموا لأنفسكم من خير]: من هذه الأعمال الوهمية؛ [تجدوه]: حاصلا بالأصالة؛ [عند الله]: إذا أنتم خرجتم عن وهمكم؛ لأنه ما الوجود وما فيه إلا الله. [إن الله]: من حيث المرتبة؛ [بما تعملون]: وهو العامل منكم؛ [بصير]: فكما لا يخفى عنكم ما تعملون مع عجزكم، فإنه لا يخفى عن الله مع علمه وقدرته سبحانه. 111.{ وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }: [وقالوا]: من غيبتهم عن الحق؛ [لن يدخل الجنة]: وقرنوا الدخول بالجنة، فقيدوا أنفسهم من المنطلق؛ [إلا من كان هودا أو نصارى]: فحصروا ما لا ينحصر، وتحجروا واسعا. [تلك أمانيهم]: بحسب ما تعطي عقولهم القاصرة؛ أما الحقيقة، فكل شيء هو في الحضرة الإلهية. [قل هاتوا برهانكم]: على ما قدمتم من كلام مناف للواقع؛ [إن كنتم صادقين]: في دعواكم. 112.{ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }: [بلى]: جواب على إنكارهم الإطلاق في الحضور؛ [من أسلم وجهه]: والوجه هو الصورة الكونية لكل شخص؛ وما في الوجود إلا من هو مسلم وجهه لله طوعا أو كرها. نعني طوعا وإن بدا كرها. [وهو محسن]: وما ثم إلا محسن، لأنه مجلى للأسماء الحسنى. فهل يكون عن الحسنى ما ليس بحسن؟! لذلك فالإحسان هو إلحاق الحسن بالحسنى فحسب. ومن يكون هكذا؛ [فله أجره]: حظه مناسبا لإحسانه؛ [عند ربه]: الذي هو الحق، فينتفي باطله بمجرد حصوله في العندية. [ولا خوف عليهم]: لأن الخوف يكون من الغير، ولا غير؛ [ولا هم يحزنون]: على فوات خير، وقد نالوا كل الخير. 113.{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}: أما أهل التقييد، فحالهم ما يأتي: [وقالت اليهود]: أصحاب الأعمال في زعمهم؛ [ليست النصارى]: ليس أصحاب مقامات الطريق؛ [على شيء]: لأنهم رأوا القرب بالأعمال لا بغيرها؛ فاعتبروا الأبدان ولم يعتبروا القلوب. [وقالت النصارى]: وهم من ذكرنا؛ [ليست اليهود على شيء]: لأنهم اعتبروا القلوب دون الأبدان؛ [وهم يتلون الكتاب]: أي وهم معا يتلون الكتاب. فدل هذا على أن الاختلاف الواقع لهم، هو من اختلاف التلاوة لا من اختلاف الكتاب؛ لأن الكتاب واحد. [كذلك قال الذين لا يعلمون]: ممن يظنون أنهم ليسوا يهودا ولا نصارى؛ [مثل قولهم]: اعتبروا وجها دون وجه، أو اعتبروهما معا. [فالله يحكم بينهم]: يبين لكل فئة منهم ما مناط القصور عندها، وما ينقصها لتبلغ الكمال. [يوم القيامة]: إذا علموا أنهم بالله قائمون في أعمالهم وأحوالهم. [فيما كانوا فيه]: من وهم الاستقلال؛ [يختلفون]: لأنه لا اختلاف إلا مع الكثرة، ولا كثرة إلا مع الوهم. 114.{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }: [ومن أظلم]: ومن أشد ظلما، فهذا ظلم على ظلم؛ [ممن]: من الذين تحققت فيهم الصفة التي ستأتي؛ [منع مساجد الله]: والسجود هو العودة بالنفس إلى العدم؛ والمساجد هي كل صورة كونية ظاهرة أو باطنة؛ شهادية أو غيبية. منع من منطلق عقله السقيم، [أن يذكر فيها اسمه]: وجاء بضمير الهوية العائدة على المرتبة؛ والمعنى منع أن يطلق الاسم الله على الصور المختلفة بصفتها مسماه؛ [وسعى في خرابها]: سعى في خراب المساجد، لأنه لا قيام لها بأنفسها؛ فستلحق بالعدم الذي هو الخراب الحق تلقائيا. هذا من حيث الحكم العقلي. [أولئك]: أصحاب التنزيه بالنفس؛ [ما كان لهم]: لا يحق لهم؛ [أن يدخلوها]: أي المساجد، ودخولها العلم بها؛ [إلا خائفين]: هذا في مقابل من قال سبحانه عنهم سابقا: لا خوف عليهم. والخوف لا يكون إلا من الغير. فهم عندما تمكنت منهم الغيرية وثبتت عندهم، دخل عليهم الخوف منها على قدر تمكنها في نظرهم. [لهم في الدنيا خزي]: صَغار وحقار، لأنهم في آخر مرتبة بين المكلفين؛ [ولهم في الآخرة]: وإذا انكشف الغطاء، فلهم؛ [عذاب عظيم]: من شهودهم مدى البعد الذي كانوا عليه؛ لأنه من ترك الصلاة في دنياه، تداركها في النار التي هي محل العذاب. ومنه جاء مثل قول الله تعالى: { سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ }[سورة المسد آية : 3]. 115.{ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }: [ولله المشرق]: للاسم الجامع ما أشرق منه نوره لدى أهل الشهود؛ [والمغرب]: ما حجب نوره سبحانه فيه عن أعين الرقود. [فأينما تولوا]: يا معشر العباد؛ [فثم وجه الله]: يواجهكم من كل صورة. [إن الله واسع]: لا يُحصر في صورة دون صورة، ولا يقيد بجميعها؛ [عليم]: يُعلم من كل صورة، دون أن يحصر فيها. لذلك سميت المظاهر آيات على غيب الذات. 116.{ وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ }: [وقالوا اتخذ الله ولدا]: أما صنف آخر من المكلفين، فقد أعطتهم إدراكاتهم السقيمة أن يجدوا منزلة بين المنزلتين، نسبوا إليها الصور الكونية، بين العدم وبين الوجود؛ وهم يعنون بذلك الإمكان. لما رأوا الإمكان متولدا عن العدم والوجود، قالوا بنسبة الولد إلى الله؛ ظانين أن الله له الوجود وحده. [بل له ما في السماوات]: من الوجود، لأنه أعلى رتبة من العدم؛ [والأرض]: من العدم، لأنه أخفض رتبة. فالله من حيث هو مسمى، نعني الذات، له كل هذه المراتب.[ كل له قانتون]: أي كل ما ظهر من الصور السماوية والأرضية له سائلون سؤال فقر؛ لأن القنوت هو الدعاء. والمقصود أن كل ما سوى الله فقير إلى الله من حيث الذات، فكيف يقال بالبنوة التي تقتضي المساواة في المرتبة؟! 117.{ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }: [بديع]: أي مبدع؛ [السماوات والأرض]: وما ظهر فيهن. [وإذا قضى أمرا]: إذا شاء أمرا أو أراده؛ فهما مرتبتان؛ [فإنما يقول له]: فإنما يخاطبه منه سبحانه؛ [كن]: وهو أمر بالكينونة الذاتية؛ [فيكون]: لا يتمكن من التخلف عن الإجابة بسبب القهر الإلهي. 118.{ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}: [وقال الذين لا يعلمون]: حقيقة الأمر من قوم آخرين؛ [لولا يكلمنا الله]: من توهمهم الفرق؛ [أو تأتينا آية]: يقصدون، مما يتماشى مع فرقهم؛ وإلا فالكون كله آيات قد كلمهم الله بها. [كذلك قال الذين من قبلهم]: الذين يشاركونهم مقامهم، لما قالوا بالبنوة سابقا؛ [مثل قولهم]: وإن كان بصيغة أخرى وأسلوب آخر. [قد بينا الآيات]: من حيث كونها آيات، وأظهرنا دلالاتها؛ [لقوم]: غير هؤلاء؛ [يوقنون]: لا شك عندهم فيما يجدون من أنفسهم؛ لأن أعلى العلم ما نبع من النفس. 119.{ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ }: [إنا أرسلناك]: أيها الوجه الجامع البدري؛ [بالحق]: الذي لا شيء غيره؛ [بشيرا]: لقوم كملت استعداداتهم؛ [ونذيرا]: لمن قصرت بهم الاستعدادات؛ [ولا تسأل عن أصحاب الجحيم]: أي لست مكلفا أن تحجز أهل النار عنها، من جحم النار إذا أوقدها. فهذا خارج عن دائرتك؛ لأنه شأن ذاتي. 120.{ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}: [ولن ترضى عنك]: أيها الوجه الكامل؛ [اليهود]: أهل الحس؛ [ولا النصارى]: أهل المعاني الجزئية؛ [حتى تتبع ملتهم]: من المعرفة النصفية. [قل]: بلساني؛ [إن هدى الله]: الجامع، [هو الهدى]: الحق. [ولئن اتبعت أهواءهم]: لأن ميلهم عن الجمع البرزخي هو من أهوائهم، كما يفعل الهواء بالأغصان يُميلها يمينا وشمالا. فإن اتبعتهم في انحرافهم؛ [بعد الذي جاءك من العلم]: بعد ما آتيناك من علم بما هو الأمر عليه؛ [ما لك من الله من ولي ولا نصير]: فستتحمل أنت مؤنة البرهنة على ما تقول، ولن تجد سندا من الله يدعمك، ولن يفتح لك بابا من العلم ينقذك مما سيصيبك من الحيرة؛ لأن أهل المعرفة النصفية أهل حيرة شديدة. |