انتهاء الاعتصام بعد 1255 يــــــوم
بسم الله الرحمن الرحيم. يُنهي شيخ الطريقة العمرية عبد الغني العمري الحسني، إلى علم الرأي العام، ومن بعده إلى علم أتباع الطريقة العمرية في أنحاء العالم، أنه: 1. قد عزم على إيقاف اعتصامه مع عائلته داخل بيته نهاية يوم الثلاثاء 15-5-2018م، بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم لعام 1439ه. وللإشارة، فإن هذا الاعتصام قد بدأ يوم الاثنين 8-12-2014م، واستمر طيلة 1255 يوم. 2. سيغادر مدينة جرادة التي كانت محل اضطهاده وعائلته من طرف السلطات المحلية والأجهزة الأمنية، مع توظيف الأوباش والسفهاء من أهل المدينة في هذا العمل الشنيع. وسيكون مقر الشيخ المقبل إن شاء الله بمدينة سلا، مرفوقا بجميع أفراد عائلته. حرر بجرادة ليلة الأربعاء: 16-5-2018م. شيخ الطريقة العمرية: عبد الغني العمري الحسني Translated
Sheikh's Books |
2023/01/12
شذرات مما يتعلق بموقعة صفين من أحكام وآيات (9)
(تابع) 9. نتائج دين معاوية: يا راكبا قف بالمحصَّب مـــــن منى واهتف بقاعد خيفها والناهض
سَحَرا إذا فاض الحــجيج إلى منى فيضا كملتطم الفُراتِ الفائـــض إن كان رفضا حــــب آل محمد فليشهــــــد الثقلان أني رافضيّ وهكذا، فإن الرفض بالمعنى اللغوي كان ينبغي أن يكون الرأي المناصر للدين كما هو في أصله؛ ولكن إبليس لن يترك هذا المعنى على أصله، رغم دلالة الأئمة من أهل البيت ومن فقهاء أهل السنة فيما بعد عليه. وسيجعله صفة لطائفة منحرفة عن الشيعة الأُول، والذين سيكون رفضهم متعلقا بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان عليهم السلام، عندما زعموا أنهم قد غصبوا الخلافة من عليّ وقد كان أولى بها. وغلط هذا الرأي باد، لأنه يَفترض أن الخلافة تُغصب، مع أنها تنصيب إلهي، كما بيّنّا من البداية. يقول الله تعالى: {وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ إِنِّی جَاعِلٌ فِی ٱلۡأَرۡضِ خَلِیفَةً} [البقرة: 30]؛ وما جعله الله، لا يُبدله عمل العباد. ولقد ألمحنا سابقا إلى أن العوام هم من وضعوا الأيديولوجيا الشيعية (الرفض بالمعنى الاصطلاحي)، لأن العلماء وعلى رأسهم الأئمة، لا يسقطون في هذه المخالفات الصريحة للوحي. والذي أخطأت فيه العامة، ليس هو الرفض من منطلقه، ولكنه الرفض بالأثر الرجعي. وهذا، لأن الرفض من المنطلق، كان رفضا لعمل معاوية، وكان حقّا، كما بيّنّا آنفا. أما رفض خلافة الخلفاء الثلاثة، فلم يكن له من معنى ولا اعتبار!... - تيار الرفض: سيصبح تيار الرفض بالمعنى الاصطلاحي، تيارا هداما، داخل جماعة الشيعة. وهكذا ستفسد الجماعة التي كانت على الحق، كلما اتسع فيها هذا التيار الخبيث. وبدل أن يبقى الشيعة على الحق، في مواجهة باطل معاوية ومن معه، فإنهم سيُصابون بالداء نفسه، وإن اختلفت أعراضه؛ وهو ما سيُدخل الأمة الإسلامية عامة في دوامة لا مخرج منها إلى الآن... وسيزداد الرفض اتساعا عند الشيعة، كلما ازداد تيّار النصب الخبيث عند من يُسمّون أنفسهم "أهل السنة". والتسميتان: الشيعة وأهل السنة، بمعناهما الاصطلاحي تسميتان بدعيتان، قد رسّختا الانقسام في الأمة الواحدة، مع أن الانقسام محرّم تحريما مغلّظا. يقول الله تعالى: {إِنَّ هَـٰذِهِۦۤ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةً وَ ٰحِدَةً وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُونِ} [الأنبياء: 92]؛ أي إن صفة أمتكم الأساس عند تحقق عبادتكم لي وأنا ربكم، هي الوحدة. فإذا صارت الأمة قِسَما، فإن ذلك يدل منها على أنها على خلل في عبادتها لربها. وهذا، لا يحتاج كثير كلام، لأنه داخل في المنطق الإيماني، الذي ينظم الدين كله عقيدة وعبادة!... - طغيان الرفض على التشيّع، والنصب على التسنن: إن التشيّع كما بيّنّا سابقا، هو التسنّن نفسه، عند بدايته؛ ولكن ظهور الرفض الخبيث، سينخره من الداخل، إلى أن يغيب فيه. فمن ينظر إلى الشيعة اليوم، يكاد لا يرى إلا الرافضة لكثرتهم. وما كثرتهم إلا لغلبة العصبية على العامة، لا من كثرة مناصري الحق كما يُزعم؛ لأن الحق مناصروه قلة من كل أمة، ومن كل زمان!... فلا يغشّ أحد نفسه بالأيديولوجيا التي تحكمه!... وفي المقابل، سيطغى النصب على أهل السنة، حتى لا يكاد يجد المرء منهم إلا النواصب!... وهكذا، سينتشر السوء من الجانبيْن، من دون أن يعلم الناس حقيقة ما هم عليه... وما نذكره هنا، لا يعني أن الروافض من العامة، أو النواصب من العامة، يشعرون بمبلغ انحرافهم عن أصل الدين؛ ولو شعروا، ما كان أحد منهم يبقى على ما هو عليه، لحرصهم على دينهم وآخرتهم؛ ولكنّ أئمة الضلال من الجانبيْن، يعملون على إبقاء الناس على هذا الانقسام، الذي يبدو وكأنه لا انفكاك عنه. وأئمة الضلال من هنا وهناك، لا يتمكنون من التحكم في العامة إلا عن طريق الأيديولوجيا المعتمدة لديهم: أيديولوجيا الرفض، وأيديولوجيا النصب. ولن يكون المتبوعون وأتباعهم على أيديولوجيا، حتى يقع تحريف بعض آيات القرآن، وبعض الأحاديث النبوية، عن معناها الأصلي؛ لأن هذا وحده، ما يُمكّن من تغيير أعمدة الدين وأصوله، ليصير دينا آخر مغايرا، وإن أبقى أصحابه على تسمية الإسلام له. ولنسأل سؤالا بسيطا هنا، وهو: عندما نجد الشيعة متمسكين بإسلامهم، ونجد أهل السنة أيضا متمسكين به على الدرجة نفسها تقريبا، مع عدم إمكان اجتماعهم عليه؛ فهل هو الدين نفسه؟... بالقطع، لا!... هذا، مع عدم تكفيرنا لأحد من الطرفيْن، ولا كليْهما. ونعني من هذا، أننا نقر لهما معا بالأصل الصحيح لديهما؛ مع عدم موافقتنا لهما على ما ابتدعاه من جانبيْهما!... إن هذا الانحراف العام، هو ما نتج عن انقلاب معاوية الديني، وإن لم يكن يقصده بكل تفريعاته. وهذا يعني أن الروافض هم موافقون لخطة معاوية، وإن ظنوا العكس. وأما النواصب فهم باقون على نهجه من جهتهم، لذلك يرون أنهم موافقون للدين من أصله، ويرون أن الشيعة هم من ظهرت منهم المخالفة. فما أعجب هذا التركيب، وما أصعب الخروج منه إذا أُنيط الخروج بالعامة وحدهم!... ولسنا نعني بالعامة هنا، إلا العامة من الفقهاء والمراجع!... 5. الانكشاف أمام الفلسفات والأيديولوجيات الدخيلة: بعد الانحطاط العقلي الذي أصاب الأمة، وبعد حلول الأيديولوجيا محل الدين، عاد المسلمون أدنى مرتبة في العقل من الكافرين؛ وهذا مفهوم لأهله، ولا يتطلب إطالة في البسط. وعندما كان الكافرون للضرورة، على فلسفة، من أجل تنظيم مجتمعاتهم، أو على أيديولوجيا؛ فإنهم صاروا يَبدون أرقى من مجتمعات المسلمين، في معاكسة جليّة لما ينبغي أن يكون الأمر عليه. وهو ما أدى إلى تقليد المسلمين للكافرين فيما بعد، من دون تمييز لمواضع التقليد؛ خصوصا مع موجات الاستعمار المتعاقبة. وهكذا -وإن كان الدين لا يتعايش مع المذاهب الوضعية- فقد ظهرت التيارات العلمانية باختلاف تدرجاتها في المجتمعات الإسلامية، حتى صار من بعض أتباعها شخصيات فقهية بارزة في زمانها؛ ورُكِن الدين -من حيث هو طريقة عيش- جانبا من الناحية العملية، وحُصر في المعابد (المساجد)، كما وقع للكتابيّين عند نسخ شرائعهم، مع وجوب الإشارة إلى استمرار صلوح شريعتنا... وزاد الأمر سوءا عندما أصبحت الدول القطرية، تتبنّى الفلسفات الغربية والشرقية، ما بين رأسمالية واشتراكية وغيرهما... بل لقد وصل الأمر ببعضها -على الأقل في مستوى الحكم أو في مستوى شطر من النخبة- إلى إعلان الإلحاد والانخراط فيما سيُسمّى حداثة تدور على مبدأ الأنسنة الدجّالي... لقد أدركنا فيما مضى طبقة من مفكري الأمة، يجاهدون في البقاء على سطح الفكر، ويرفضون الاستسلام لأمواج الظلمة المتدثرة بدثار العقلانية؛ وقد نفع ذلك عموم المسلمين، في مقاومة الغرق المعرفي في ظلمة الكفر إلى حين. وأما الآن، فقد تُرك الفرد المسلم أعزل في مواجهة موجة الإلحاد؛ فصار المسكين تارة يسقط على وجهه، وتارة يقوم قومة من لا يقوى على النهوض. وصار الإلحاد يزداد انتشارا في أمة الإسلام، وفقهاء الزمان (ولا فقه) يطنطنون بعبارات مكرورة، لا تدل إلا على غيبوبة عقولهم، في خرافية طالما أبينا إلصاقها بالدين... ولَشَدَّمَا يكون تعجّبنا، عندما نرى مدّعي الفقه في زمن العولمة، يتشبثون بسلطة فقهية باهتة، يزيدون بها من انضغاط الفرد المسلم تحت قهرهم عندما يُثبتون تحكمهم فيه بأحكامهم؛ وكأن القهر السياسي لم يكف في نظرهم، فأبوا إلا أن يُضيفوا إليه ما يخصهم منه. ونحن نرى هذا، من أقوى أسباب الإلحاد لدى الشباب، خصوصا وتخلف الفقهاء العقلي لم يعد خافيا على أحد... وهذا الصنف من الفقهاء، قد انقطع عن الدين انقطاعا إضافيا، غير الانقطاع الأول مع معاوية؛ عندما صاروا لا يعرفون مستندا لهم غير الوزارات التي تصرف لهم رواتبهم. فكأن دينهم لا رب له، أو ربه هو من نهى الله عن اتباعه؛ أو كأن الغاية عندهم صارت الدنيا وحدها، من دون اعتبار لآخرة!... فسبحان من يضلّ من يشاء، ويهدي من يشاء!... كما يشاء!... 6. انخراط الأمة في المشروع الدجالي: وهذا، أسوأ ما يمكن بلوغه من الضلال!... ولقد دخلت الأمة في المشروع الدجالي، منذ وقع الانحراف الأول مع معاوية؛ عندما اختارت طريق الباطل وآثرته على طريق الحق الأبلج. ولكن ذلك الانحراف جعلها تتبع سبيل الشيطان العامة، كما وقع للأمم السابقة الذين قص الله علينا أحوالهم في القرآن. غير أن الأمر الآن، ما عاد ضلالا عامّا كما كان؛ بل صار ضلالا خاصا، يتهيأ به حزب الشيطان لاستقبال الدجال عند ظهوره. والدجال هو أول شخص يظهر في الناس علنا، بوصفه رئيسا إنسيا للشياطين، وعاملا على تحقيق ملكهم على الأرض، بما لم يُسبق في الزمان، منذ خلق الله آدم وإلى الآن!... إن المسلمين قد حُذّروا من اتباع الدجال منذ عصر النبوة، عندما علمهم نبيّهم الاستعاذة من فتنته، وبصّرهم بصفاته؛ ولكن الفقهاء، بسبب الظلمة التي لحقتهم، وتراكمت على قلوبهم القرن تلو القرن؛ بدل أن يكونوا عونا لهم، صاروا أعوانا عليهم. ولا بأس هنا من التذكير ببعض ما يتعلق بهذه المسألة: ا. يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا مِنْ نَبِيٍ إلاَّ وَقَدْ أنْذَرَ أمَّتَهُ الْأَعْوَرَ الْكَذَّاب، ألاَ إنَّهُ أعْوَرُ، وإنَّ رَبَّكُمْ عَزَّ وجلَّ لَيْسَ بِأَعْوَرَ؛ مكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: ك. ف. ر.»[4]. وإنذار الأنبياء جميعا عليهم السلام، لا يعني إلا أن الدجال خليفة شيطاني إنسيّ عام، يبلغ به عمل الشيطان في الأمم كلها ما لم يبلغه من قبل، ولن يبلغه من بعد. وهو تمام تحقيق وعد الله لإبليس كما أخبر سبحانه في قوله: {قَالَ أَنظِرۡنِیۤ إِلَىٰ یَوۡمِ یُبۡعَثُونَ قَالَ إِنَّكَ مِنَ ٱلۡمُنظَرِینَ} [الأعراف:14-15]. وإن عمل الدجال، داخل هذه المدة الزمانية، لا شك هو من عمل الشيطان الذي سأل ربه بخصوصه. ولقد سمعنا بعض أدعياء العلم في زماننا، ينكرون خروج الدجال!... ونحن نقول: لا يُنكر خروجه إلا دجال مثله، وإن كان أقل منه في سوئه. وعلى الناس أن يستدلوا بكلامنا هذا، على دجاجلة العصر، إن كانوا يبغون اتقاء شرهم... ب. وعن أبي هريرة رضي الله عنه: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، ومِنْ عَذَابِ النَّارِ، ومِنْ فِتْنَةِ المـَحْيَا والمـَمَاتِ، ومِنْ فِتْنَةِ المـَسِيحِ الدَّجَّالِ.»[5]. وهذا يدل على أن المسيح الدجال فتنة للناس في زمانه، بسبب ما سيظهر عليه من الخوارق التي لم يعتادوا نسبتها في العادة إلا إلى الله. والدجال مخلوق منذ قرون، حتى إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كان يلتمسه في زمانه. وقد التقاه تميم الداريّ رضي الله عنه، في جزيرة وسط البحر، وأخبر بما كان من شأنه معه ومع أصحابه. وهو الآن ينتظر الإذن بالخروج، كما ينتظر المهدي. والحكمة في كون الدجال من البشر، هو أن الناس يعلمون بعض ما يعمله شياطين الجن من خوارق، فلن تنال منهم ما يناله بشر. والإنسان أكمل من الجني من حيث الخلقة، لذلك سيدعي الدجال الربوبية، ولن يقنع في النهاية بغيرها. وأما شيطان الجن، فلا يجرؤ على ذلك، وهو يرهب جناب الربوبية كثيرا، على ما به من كفر. وإن الله سيمد الدجال بكل ما أمدّ به إبليس قبله من صنوف الإمداد، حتى يتمكن من فتنة الناس. وهذا الباب من العلم مجهول للناس، علماء وغيرهم؛ ولو علموا منه قليلا، لارتعبوا... فلعل في الجهل به في بعض الأوقات، خيرا للجاهلين... ج. عن أنس بن مالك قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِن يَهُودِ أَصْبَهانَ، سَبْعُونَ ألْفًا عَلَيْهِمُ الطَّيالِسَةُ.»[6]. وهذا يبيّن الأصل اليهودي للدجال، ويبيّن أن أول أتباعه سيكونون من أهل الدين اليهودي، ممن يضعون أوشحة خضراء على أكتافهم، حتى تُعرف مكانتهم. واليهود بسبب كفرهم بالمسيح عيسى بن مريم عليه السلام، ما زالوا ينتظرون ظهور المسيح. وسيكون خروج المسيح الدجال كأنه إجابة لانتظارهم؛ وهو ما يليق بهم: لأنه المسيح الدجال، لا المسيح!... ولكنهم لشدة تصديقهم لأنفسهم، ولما اعتادوه من ضلال، سيتبعونه، وسيكونون أول المنخدعين به، جزاء مخادعتهم لله وأنبيائه. وأصبهان مدينة من إيران الآن (من وسطها)، وقد كانت هذه الأرض في القديم جزءا من خراسان، التي تجمع بين أراض من إيران وأفغانستان وتركمانستان. ولنلاحظ أن إيران الآن هي بلاد الشيعة الروافض ومركزهم؛ وكأن الدجال، سيخرج قريبا مما أنتجه معاوية بطريقة عكسية، ليلتقي سوء ختام الروافض بسوء بدء اليهود. وحتى من جهة إخطاء اليهود للمسيح الحق، ووقوعهم على المسيح الدجال، فإنهم يُشبهون الروافض الذين أخطأوا التشيع لعليّ عليه السلام، فأصابوا الرفض الذي هو الباطل بعينه. وهذا الذي نذكره، من المناسبات الجامعة بين أعوان الدجال وأتباعه. وسيأتي الكلام فيما بعد عن المهدي وعن أنصاره من تلك البلاد، لتكمل الدلالة على الحكم الإلهية... د. عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَجِيءُ الدَّجَّالُ، حتَّى يَنْزِلَ في ناحِيَةِ الْمـَدِينَةِ، ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلاثَ رَجَفاتٍ، فَيَخْرُجُ إلَيْهِ كُلُّ كافِرٍ ومُنافِقٍ.»[7]. ومعنى يخرج إليه كل كافر ومنافق، أي يخرج إليه من المدينة من كان على دين معاوية، حتى يلتحق الفرع بالأصل. هذا، لأن دخول المدينة ومكة محرم على الدجال. أما أهل الحق من أهل المدينة، فلا يخرجون، عصمة من الله لهم. وهذا لا يكون إلا بعد انقضاء ما كتبه الله من مدد الحق ومدد الباطل على الأرض. ومن يتتبع الأمور بعلاماتها، فإنه سيعلم أن التيار الدجالي، قد بدأ يُعلن عن نفسه منذ مدة: طورا عن طريق ادعاء إنجازات علمية مكذوبة، وطورا عن طريق إدخال الناس في الخوف والإرهاب بوسائل مختلقة، وطورا عن طريق النبوءات التي يُضمّنها في الأشرطة السينمائية المعدّة لذلك الغرض؛ إلى غير ذلك، مما لو تتبعه المؤمن لعرفه بسهولة... وحتى لا نُطيل بذكر التفاصيل المتعلقة بالدجال، فإنه يجدر بنا أن نشير إلى مجالات عمله الكبرى. وإن حصرنا للكبرى من مجالاته، يدل على أنه يهيمن على جل ما يتصل بمعاش الناس؛ ولكنه يخصّ مجالات بعينها بعنايته: * مجال التعليم: إن التعليم هو أخص مجال ينفذ منه التيار الدجالي إلى الناس. ومن ير ما يُقدّم الآن للأطفال في الدول الواقعة بالكلية تحت الهيمنة الدجالية، فإنه سيرعب لما يراه؛ وسيوقن أن الوالدِين لم تعد لهم ولاية على الأبناء، بسلطة الدول الداخلة في المشروع الدجالي. ورغم أن الدول الإسلامية تظن نفسها في منأى عما أصاب نظيراتها الكافرة قبلها، فإن التأثير الدجالي لا يلبث أن يحل بها قهرا برعاية النظام العالمي الدجالي. ولن ينفع حينها حذر من قدر!... وكل من أراد الله به خيرا، ممن ستُكتب لهم النجاة من هذه الفتنة العظمى، فإنه سيُوفّق إلى طريق التزكية التي شرعها لنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن نور الإيمان هو الحامي وحده، من إضلال الدجال... وهذا من الأصول في هذا المجال!... * مجال الإعلام: وهذا المجال، هو مُـلتقى الواقع بالخيال؛ والخيال هو مجال الشيطان الخصب ومجال الدجال. ولقد بدأ الإعلام يُظهر توجهه الدجالي جهارا. فحتى في الدول الكافرة، لم يعد المفكرون الأحرار يُستقبلون في القنوات التلفزيونية منذ عقود؛ بينما يكاد مَن هم مِن المفكرين الزائفين، أن يسكنوا في مقرات تلك القنوات. والشعوب (العامة)، تنفعل للتكرار، حتى يصير عندها المكرر حقائق مقررة، مع مرور الأيام. ومن تابع الإعلام في العقود الأخيرة، ومنذ النصف الثاني من القرن الماضي، فإنه سيعلم كيف أن الشعوب قد عاشت كذبات كُبرى، واستمرت فيها إلى أن جاءت الموجة الجديدة من الأوهام. ولن نتكلم عما يُعرف للناس بأقل تأمل، أو بأدنى تنبيه؛ لأن الأمر يتعدى ذلك، إلى ما لا يعلمه إلا أهل الاختصاص، من تحكم في العقول بالطرق المختلفة. ولو أن الناس قد بقي لهم الشيء القليل من الاستقلال، لكانوا يتعجبون من أنفسهم، كيف يتخذون قرارات جماعية بسرعة ومن دون تهييء مسبق، وقد كانوا غافلين عن ذلك قبل مدة قليلة. ثم هم عندما يدخلون فيما دخلوا فيه، يصيرون فاقدي السيطرة على أنفسهم، إلى حين بلوغهم ما سيبلغون!... * مجال الرموز البشرية: ونعني بهم من يصطنعهم النظام الدجالي، ويبرزهم في مجال من المجالات كالغناء والرياضة والفكر والسياسة وغير ذلك... وهؤلاء هم نظير الأنبياء في الأمم السابقة، وبدلاء عن الهادين في الأمم الحديثة. غير أن "المؤثرين" من الدجاليّين، لا يأخذون الناس إلا في طريق مظلم، يعلم الناس مدخله، ولا يرون له نهاية... ومن أهم ما يظهر على هذا الصنف من أعوان الدجال: المال الغزير!... فيجد الواحد من هؤلاء نفسه ينتقل من حال الفقر، إلى حال الغنى الفاحش، من غير حول منه ولا قوة؛ إلا ما يكون من استسلامه لمن سيوجّهونه في حركاته وفي سكناته. والنور النبوي وحده من الربانيّين، هو ما يُفسد عمل الشيطان وأتباعه، ويُسقط عنه الخيالات المنسوجة حوله؛ تماما، كما كشف نور موسى عليه السلام حيّات السحرة، وأظهرها على حقيقتها من كونها عصيا أو حبالا. فما أشبه اليوم بالأمس!... مع فارق معتبر، وهو اتساع دائرة المسحورين؛ فهم الآن شعوب بأكملها!... وهكذا يظهر أن الانحراف الديني الذي أسس له معاوية، لم يكن محصور الغايات، على قدر من أسَّس، أو على قدر من استهواه الطريق واتبع؛ ولكن الغاية الكبرى منه، هي ملاقاة الدجال الأعور على الضلال الأكبر، بتخطيط من إبليس نفسه، عند ترقّبه نيل وطره. وهذا لأن اللعين صدّق ربه -بخلاف بعض البشر- عندما أذن له بالشروع في الإضلال، كما أخبر عنه ربه تعالى بقوله: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغۡوِیَنَّهُمۡ أَجۡمَعِینَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنۡهُمُ ٱلۡمُخۡلَصِینَ} [ص: 82-83]، وهذا كان استئذانا من إبليس في الإغواء، وقد أقره الله عليه ومنحه ما يكون به ذلك الإغواء من مدد. وأما استثناء إبليس للعباد المخلصين، فلعلمه بآدم عليه السلام عن ذوق وتجربة، ولعلمه أنه لا بد أن يكون من ذريته من هو على شاكلته. فهو قد عرف أن آدم لم يكن له عليه سلطان، كما كان يتمنى عند دلالته له على الشجرة؛ وعرف أن العناية التي لحقته لا بد أن تلحق بعضا من الذرية، وهم العباد المخلَصون (بفتح اللام)؛ أي هم مخلصون باستخلاص من الله، لا بسبب منهم. فكان جواب الله للعين: {قَالَ فَٱلۡحَقُّ وَٱلۡحَقَّ أَقُولُ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنۡهُمۡ أَجۡمَعِینَ} [ص: 84-85]. فما بقي للشيطان إلا أن يسعى إلى جمع أتباعه من كل زمان، ليكونوا رفقاءه في جهنم. وهو في عمله على نقيض شيوخ التزكية، لأنه يُنزل أتباعه عن آدميتهم، بوسيلة الظلمة لا بوسيلة النور؛ ويُذيقهم دركات النزول في الطبيعة إلى أدناها؛ لا درجات الارتقاء إلى السماء. فمن سمى على هذا إبليس شيخ التدسيس فقد أصاب. يقول الله تعالى عن الفريقيْن: {قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا} [الشمس: 9-10]؛ أي النفس. وغاية التدسيس بلوغ النفس الشقاء... وهذا يتحقق لصنف من الناس قبل قيام الساعة، على يد الدجال، من كونه إماما كبيرا في طريق الشقاء. لذلك قلنا باجتماع فروع الضلال السابقة، بما عنده من ضلال، ليجمعها جمعا يتلقفه منه إمامه الأكبر إبليس على أنه إنجاز عمره. فلا يستهن أحد، بما الناس مقبلون عليه في هذه الأزمنة من فتن!... (يُتبع...) [1] . أخرجه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. |