انتهاء الاعتصام بعد 1255 يــــــوم
بسم الله الرحمن الرحيم. يُنهي شيخ الطريقة العمرية عبد الغني العمري الحسني، إلى علم الرأي العام، ومن بعده إلى علم أتباع الطريقة العمرية في أنحاء العالم، أنه: 1. قد عزم على إيقاف اعتصامه مع عائلته داخل بيته نهاية يوم الثلاثاء 15-5-2018م، بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم لعام 1439ه. وللإشارة، فإن هذا الاعتصام قد بدأ يوم الاثنين 8-12-2014م، واستمر طيلة 1255 يوم. 2. سيغادر مدينة جرادة التي كانت محل اضطهاده وعائلته من طرف السلطات المحلية والأجهزة الأمنية، مع توظيف الأوباش والسفهاء من أهل المدينة في هذا العمل الشنيع. وسيكون مقر الشيخ المقبل إن شاء الله بمدينة سلا، مرفوقا بجميع أفراد عائلته. حرر بجرادة ليلة الأربعاء: 16-5-2018م. شيخ الطريقة العمرية: عبد الغني العمري الحسني Translated
Sheikh's Books |
2020/12/14
عن استئناف العلاقات المغربية الإسرائيلية
1. من الناحية السياسية: إن جُلّ من يتكلمون في الأمور السياسية، ويُبدون فيها رأيهم محللين، موافقين أو رافضين، لا يكون لهم في الغالب علم بالسياسة، ولا لهم حِسّ سياسي. ونعني من هذا أن السياسة -بالإضافة إلى كونها علما من العلوم- تدخل ضمن الفنون، عندما تصير منفتحة على احتمالات متعددة، تزيد من خيارات السياسي، وتوسع من مدى تركيب عمله السياسي؛ بالنظر إلى الحركات البسيطة، وقياسا على لعبة الشطرنج. وإن كل من يتناول العمل السياسي، بمنطق الجيد والسيء، أو الجائز وغير الجائز، بحسب ما تدركه العامة، فإنه يكون متطفلا عليه، بعد فقده لأهلية النظر السياسي من الأصل. ونحن هنا -بصفتنا مسلمين- لا ندعو إلى سياسة براغماتية، تحكمها الاعتبارات المصلحيّة الدنيوية السطحية، التي لا يكاد يعلم سياسيونا غيرها اليوم؛ ولكن في مقابل ذلك، ندعو إلى عدم جمود المسلمين المتديّنين على صور منها، لو تفطنوا قليلا، لتبيّن لهم أنها لا تُنبئ إلا عن قصورهم، وتدنّي مرتبة عقولهم. وعلى هذا فإن ما نسمعه ضمن ردود الفعل على إعلان استئناف المغرب لعلاقاته بإسرائيل، من قبيل اتهامه بخيانة "القضية الفلسطينية"، لا أساس له في المنطق السياسي؛ ولا يُمكن الحكم عليه من البدايات، ولكن بعد بدوّ الثمار عند ملاحظة الغايات والنهايات. وقبل أن نستمر في الكلام، لا بد من إبراز نقط جوهرية، يتم إغفالها عمدا من قِبل الإعلام المـُغرض، وهي: ا. إن المغرب يعتبر الوضع القائم، ويبني عليه؛ ولا يؤسس للوضع من جديد. ونعني من هذا، أن المغرب ليس هو من جاء باليهود إلى فلسطين من أنحاء العالم، وإن كان مسؤولا عن ترحيل المغاربة منهم في نهاية أربعينيات القرن الماضي، بطرائق ملتوية، كانت تخدم الحركة الصهيونية عندئذ. ونحن نقول هذا، علما منا بكون جلّ اليهود أنفسهم ضحايا للحركة الصهيونية؛ كشأن العوام من جميع الشعوب مع نُخبهم السياسية. ب. إن المغرب لم يتخلف يوما عن مناصرة الشعب الفلسطيني، بما هو مستطاع له؛ رغم أن الفلسطينيّين أنفسهم، لا يعملون بتفرّق كلمتهم، وبعدم تأسيس "نضالهم" على ما هو معتبر عند عقلاء السياسيّين دائما، إلا على زيادة سوء الوضع لديهم. ولن يكون أحد فلسطينيا أكثر من الفلسطينيّين، مهما زعم لنفسه!... ج. إن إبقاء المغرب على صلته الحسنة باليهود المغاربة القاطنين بفلسطين المحتلة، هو من الحكمة السياسية، من الناحية الاستراتيجية؛ لأن المغاربة الإسرائيليين، قد يأتي يوم يكونون فيه الجسر بين المغرب (والعرب عموما) ودولة الاحتلال. والمـُراد في النهاية، هو التخفيف من معاناة إخواننا الفلسطينيين من المستضعفين، الذين لا يأبه لمعاناتهم أحد من نُخبهم التي تعيش في القصور؛ في صفاقة قليلة النظير في التاريخ كله. ونحن عندما كنا قد دعونا حركة "حماس" إلى حل نفسها في السابق، فلأننا وجدناها لا تقيم وزنا لمعاناة النساء والأطفال والشيوخ، وتدفع بهم إلى النار من أجل تحقيق مكاسب سياسية؛ أحيانا تكون داخلية، لا يُراد منها إلا غَلبة حركة "فتح" التي لا تقل عنها صفاقة. وفي وضع كهذا، لا يأتينَّ أحد ليكلمنا عن "الوفاء" للقضية، أو عن "خيانتها"!... د. إن اشتغال الإسلاميين من البلدان العربية بالسياسة، وهم بعيدون عن إدراك أسرارها، يجعلهم يوظفون القضية الفلسطينية داخل بلدانهم، من أجل ابتزاز الخصوم السياسيّين، من دون اعتبار لآثار ذلك على الشعب الفلسطيني، المعنيّ الأول. والدليل، هو أن جُلّهم لا يزيد على المظاهرات في الشوارع لساعات معدودة، أو على بيانات ركيكة يخادعون بها القريب والبعيد. والمصيبة، ليست في عدم إتقانهم للملاعبات السياسية المحلية والعالمية، ولكن هي في جعل رأيهم السياسي القاصر دينا. ونعني أنهم يجعلونه عقيدة تلحق بجانب العقائد لديهم من جهة، وفتوى تلحق بجانب الفقه من جهة أخرى؛ في محاصرة خبيثة لعوام المسلمين، وإجبار لهم على اتباعهم تحت الضغط والإرهاب. ونحن وإن كنا لا ننزه الأنظمة العربية الحاكمة في المقابل، عن الوقوع فيما هو من الإضرار المتحقق بالشعوب في الدنيا والدين؛ إلا أننا نشدد على محاسبة الإسلاميّين، بأكثر مما نحاسب الحكام؛ لأنهم (الإسلاميين) ينبغي أن يكونوا مـُصلحين كما يزعمون، لا أن يزيدوا في فساد بلدانهم، ويُضيفوا إلى صنوف الفساد السابقة فسادهم اللاحق. وهكذا يظهر أن الخروج برأي سديد في السياسة، ليس أمرا هينا على كل أحد؛ خصوصا إن نحن اعتبرنا المتغيرات المحلية والعالمية، وما أكثرها... وفي النهاية نقول: إن النتائج التي خرج بها المغرب، بعد إعلان "ترامب" لمغربية الصحراء جيدة ومقبولة؛ وإن كنا قد نخالف النظام السياسي المغربي من حيث المنطلقات. نقول هذا، لأن الأمور عندنا ليست منوطة بالنتائج وحدها، ولكن بالبواعث والتي على رأسها النيات. ونحن جميعا نعلم أن سياسيينا لا خبر لهم عن هذا الشّقّ من المسألة السياسية الشرعية. وهو ما سيدخل بنا إلى العنوان الثاني من هذه الورقة: 2. من الناحية الشرعية: إن ما دفع بالمغرب إلى اعتماد الطريق المستقل في حلّ قضية وحدته الترابية، هو خذلان إخوانه العرب والمسلمين له فيها، وابتزازهم له، وكأنه لا رابط بينه وبينهم!... هذا، رغم أن أرض الصحراء تكاد تنطق بأنها مغربية!... ورغم الحفاظ من جهةِ المغرب، على الأخلاق اللائقة في تدبير شؤونه الخارجية، بخلاف سياسته الداخلية، كما نذكر دائما. وإن كنا نتكلم عن واجبات العرب والمسلمين، نحو شقيقهم المغرب، فإننا نخص بالكلام نظام الجزائر الذي تنطبق عليه صفة الخيانة للوحدة الإسلامية والعربية من أول نظر؛ بالإضافة إلى صفة الغباء، لكونه لم يضر باختياراته إلا نفسه وإخوانه!... وليته (النظام الجزائري) يفيق عند هذا الحد، ليحُدّ من الأضرار الناجمة عن عبثه؛ لأنه الآن سيكون الخاسر الأوحد، دون سواه!... وأما المتديّنون من المسلمين، من جميع البلدان الإسلامية، فإنه لا بد من تركيز الكلام معهم في نقط أيضا، لعلهم يُصححون معلوماتهم، وبالتالي يصححون مواقفهم وتصرفاتهم؛ لأننا نراهم مخدوعين في أغلب ما يظنون وما يأتون؛ فنقول: ا. إن كُره جُلّ المسلمين لليهود، ناتج عن أيديولوجيا فقهية متوارثة، لا عن الدين؛ وهو يُسقطهم في النهاية في العنصرية المقيتة، التي يأباها عليهم الله والإسلام. وهم عند معاداتهم لليهود، لا يعتبرون معاملة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم، والعناية بالرد على مساءلاتهم ومحاوراتهم، بما يُرضي الله فيهم. ولا هم يعتبرون وصية الله بأهل الكتاب، عندما يقول سبحانه: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت: 46]. والسؤال هنا هو: هل يفرّق المسلمون -عمليا- بين الظالمين من اليهود وغيرهم؟ أم يُسارعون إلى جعل الجميع في خانة واحدة، ولو بالاحتيال: كأن يقولوا: إن عوام اليهود مؤيدون لنخبتهم الظالمة، وبالتالي فهم كلهم ظالمون!... أو كأن يقولوا -وهذا رأي الحمقى من المسلمين-: إنهم بعدم قبولهم للإسلام ظالمون!... في خلط جليّ بين ظلمهم لأنفسهم، وظلمهم لغيرهم!... وهكذا، فإن أكبر منطلقات المسلمين في معاداة اليهود، لا تصح من الناحية الشرعية. يقول الله تعالى إعلاما لنا باختلاف أحوالهم فيما بينهم: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل عمران: 75]. وأما معنى قول الله السابق للمؤمنين: {وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}، فهو أمر بالعمل على إيجاد أرضية مشتركة مع أهل الكتاب؛ لا العمل بعكس ذلك على الاجتهاد في عدّ الفوارق وأسباب التدابر!... فمن يعمل من المسلمين اليوم بهذا الأمر الإلهي الصريح؟!... هذا، وليعلم المسلمون أن الله يعتبر طاعته على إجمالها، ويعتبر معصيته على إجمالها؛ لا بالانتقاء الذي يتناولهما به أهل الأهواء منهم. ونعني من هذا، أن من عصى الله في كتابيّ أو في أحد من العباد، فإنها تُكتب عند الله معصية؛ فلا يغترّ أحد في مقابلها بصلاة صورية يأتي بها، أو تظاهر مخادع -كما هو شأن كثير من الإسلاميّين- مع إعراض عن الله في الباطن!... وعلى المسلمين أن يفرقوا بين كره الكافرين، وكره كفرهم؛ لأن الكافرين من جهة ذواتهم، لا يجوز كرههم البتة!... وكيف يجوز ذلك، وهم صنعته سبحانه (تحفته)، التي أبدعها وأودعها الأسرار التي لا يُدركها أغلب المؤمنين!... ب. عندما يقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51]، فهذا لا يعني أن نعاديهم بالمعنى الأصلي للعداوة؛ لأن الله لم يأمرنا بعداوتهم، وإنما نهانا عن موالاتهم. والموالاة المنهي عنها، لا تكون إلا عند كون الصف الآخر الذي يُعادونه مؤمنا؛ وهذا يشمل العمل السياسي والعمل العسكري، بجميع صنوفهما. وإن المسلمين المتأخرين دولا وأفرادا وجماعات، يقعون في عدم التمييز هذا، على الدوام، ولا يشعرون؛ لأنهم يتوهمون أن معاداة اليهود تجلب رضى الله تلقائيا!... ولا ندري من أين لهم بهذا الزعم؟!... وهم عندما يقصدون إلى إعلان العداوة الصريحة التي يُلبسونها لبوس الدين، يأتون بهذه الآية في غير محلها. وكلامنا يعني، أن إقامة العلاقات مع اليهود -إن لم يكن في ذلك إضرار بطرف مؤمن- لا شيء فيها من حيث المبدأ. فإن قيل: فدولة إسرائيل اليوم معادية للمسلمين من الفلسطينيّين، إذاً فلا تجوز معاملتها بما يدخل في معاني التعاون على المصالح المشتركة المزعومة! نقول: إن الأضرار والضرورات تُقدّر بقدرها، ولا تؤخذ على عمومها؛ وهذا يجعل الأمور لا تكون مـُدركة إلا للفقهاء من ذوي الملَكة. ونحن لم نر في زماننا فقيها ذا ملَكة، نشهد له بها عن علم؛ وإن كنا على يقين من أن الأرض لا تخلو من هذا الصنف. نقول هذا، حتى لا يغتر عوام المسلمين بفتاوى فقهاء الإخوان، الذين إلى جانب جهلهم بأصول العلم الشرعي، هم على ضعفٍ إيمانيّ كبير، يجعلهم يجترئون على الله ورسوله، ولا يبالون!... ج. عندما أخبر الله سبحانه بعداوة اليهود لنا في قوله: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 82]، فإنه يُخبرنا من جهةٍ، سبحانه، عن عداوة اليهود لنا، لنكون على حذر منهم فحسب؛ ولا يأمرنا بمبادلتهم العداوة. وذلك لأننا لو فعلنا، لاستوينا معهم في السوء؛ خصوصا إن لم نميّز بين الذات والصفات والأفعال فيهم. ومن الجهة الأخرى، فإنه سبحانه لا يُعمم حكم العداوة على اليهود كلهم؛ كما يفهم من لا خبرة له بالعربية؛ وهذا يعني أن بعض اليهود هم من يُعادوننا، لا كل يهودي؛ ومن عاشر اليهود من المسلمين -كالمغاربة- فإنه سيعلم هذا يقينا. ولقد سمعت من جدّتيَّ كلتيْهما، رحمهما الله، ما كان بين أسرتيْهما وجيرانهم من اليهود من حسن جوار، كان يبلغ إلى حد اقتسام الطعام، وإلى حد إعانة اليهود على ما يُقيم أودهم في أيام سبتهم على الخصوص. فلماذا يسعى الإسلاميّون اليوم، إلى تغطية هذه الحقائق؛ بما لا يخدم إلا غايات الشيطان؟!... أما البعض المعادي لنا من اليهود، على مر الأزمنة، فأمرهم جليّ؛ وإن كانت عداوتهم لا تقوم على أساس، ولكن تقوم على حسد منهم، بعد علمهم بفضل الله على هذه الأمة. ومن كان يعرف صفة الحسد، وما تفعله بصاحبها، فإنه سيسهل عليه إدراك ما نقول. وسنتوسع في بيان ما يتصل بهذا، في كتابنا "الحوار الغائب" إن شاء الله؛ فليُطلب ذلك فيه، بعد تنزيل الأجزاء تباعا على موقعنا الإلكتروني، أو بعد طبع الكتاب عند الفراغ منه كله. د. ورغم أن "إسرائيل" دولة محتلة غاصبة، يحرم إقرارها على جرائمها، فإن الشرع لا يمنع من معاملتها بما لا يُدخل الدول العربية المسلمة في مشاركتها جرائمها. ونعني من هذا، أن حكم معاملتها حكم بعث البعوث بين المسلمين والأعداء المحاربين. ويدخل ضمن هذا الحكم تبادل البعثات الديبلوماسية، من دون مجاوزة للحد الأدنى في التعاون على الخير العام... وكل من يظن أن العداوة بين الشعوب والأمم، تدعو إلى القطيعة التامة، فإنه يكون جاهلا؛ لأن الشعوب مـُجبرة على التعايش فيما بينها، لكونها تعيش على الأرض ذاتها، وتتقاسم خيراتها وأرزاقها فيما بينها. وهذا الأمر إن كان به بعض خفاء في القرون الماضية، فإنه مع العولمة شديد الجلاء. لكن الغرض من تبادل هذه التمثيليات الديبلوماسية، بين الدول العربية وإسرائيل، ينبغي أن يكون في المقام الأول، خدمة مصالح الشعب الفلسطيني المضطهد؛ وإلا فإنه يجلب على المسلمين غضب الله وانتقامه. ه. على المسلمين أن يعلموا أن الله هو من أراد قيام إسرائيل بينهم؛ وما أراده الله، فلا راد له سواه؛ وذلك ليجزيهم سبحانه ببعض ما عملوا (وهو من تكفير الذنوب الخاص بالمسلمين لو كانوا يعقلون). ومن هذا الوجه، ينبغي لهم أن يقبلوا تأديب الله بالتسليم، مع الحرص على معرفة مواطن الانحراف لديهم، حتى يعودوا عنها. وهذا لأننا نرى المسلمين عندما يُعاملون غيرهم، ينسون أنفسهم وسيئاتهم، ويتقمصون صفة الملائكية جهلا وزورا. والله لم يُخبرنا أننا معصومون، ولا أننا أقل سوءا في الظاهر من الكتابيّين؛ خصوصا في الأزمنة المتأخرة، التي لا نكاد نختلف عنهم فيها، إلا في صور العبادات الباقية، إن بقيت... وعلى هذا، فإن كل من يدعو إلى إزالة إسرائيل اليوم، هو جاهل بأسرار الدين؛ ولن يحصد من وراء سعيه ذاك إلا مزيد الضرر على نفسه وعلى أمته. وكل الإسلاميين واقعون في هذا الجهل، بسبب خروجهم من التديّن السليم، إلى الأيديولوجيا الإسلامية، التي يتوهمونها الدين عينه!... ويترتب على ما نقول، جواز الدخول في المعاملات الثنائية مع إسرائيل، لكن بعلم؛ وإلا فسقت الدول المسلمة حكاما وشعوبا. وبما أن فقهاء الرسوم لا خبر لهم عن علم الشريعة الذي نخوض فيه هنا، وبما أن الإسلاميّين أيضا لا يُحسنون السياسة بمعناها الشرعي، فإنه لا يبقى أمام المسلمين إلا الربانيّون منهم، ليأتمّوا بهم في هذا المضمار... هذا إن كانوا يريدون الخروج من الضيق الذي هم فيه؛ وأما إن استمروا على عنادهم وعصيانهم، فليتهيأوا لمزيد النكال من إسرائيل ومن غيرها؛ لأن الله يُسلّط من يشاء من عباده على من يشاء، بما يشاء!... ونعني من كلامنا أن قيام إسرائيل نفسه، يدل على انحراف الأمة الإسلامية في عمومها عن الجادة؛ فمن أراد أن يعتبر، فليعتبر؛ ومن وجد عناده لقضاء الله وقدره، يدفعه إلى مزيد فسوق، فليعلم أنه أوّل خائن لنفسه؛ قبل أن يتهم حاكما أو غيره بالخيانة!... نقول هذا، ولا نبرئ حاكما، مما قد يقع فيه من مخالفة الشرع الحكيم؛ لأن الحاكم فرد في النهاية كسائر الأفراد، يُحاسَب على أعماله، كما يُحاسب غيره... 3. خلاصة: وهكذا، فإن استئناف المغرب لعلاقته بإسرائيل، لا يُخالف من حيث المنطلق أحكام الدين، بشرط أن يلتزم فيما بعد ذلك من خطوات، بما لا يُضر بمصلحة المسلمين أفرادا وجماعات. ونحن نحذر أصحاب القرار عندنا، من التساهل في اتخاذ السياسات التي تجعل إسرائيل أو "المجتمع الدولي" يرضيان عنهم؛ وعليهم أن يتحروا حكم الشريعة، على الوجه الذي بيّنّاه، إن هم أرادوا الخروج سالمين من هذه المعاملات المركّبة. والحمد لله، فإن شريعتنا واسعة، وإن قلّ علم الناس بسَعَتها. وأما إن أُخذ الأمر على ما نرى من بداياته، فإن هذا سيدخل الأمة في فتن هي أشد من سابقاتها. وأما إسرائيل، فإن أحبار اليهود أنفسهم يعلمون أنها مخالفة لأمر الله منذ قيامها؛ ولكن الأقدار كما تجري علينا، تجري على أهلها. والحكيم من عامل الأقدار بما يناسبها في الوقت (التكتيك)، وبما لا يعاكس أحكام الله قدر المستطاع (الاستراتيجيا). والموفَّق من وفقه الله... |