انتهاء الاعتصام بعد
1255
يــــــوم
بسم الله الرحمن الرحيم. يُنهي شيخ الطريقة العمرية عبد الغني العمري الحسني، إلى علم الرأي العام، ومن بعده إلى علم أتباع الطريقة العمرية في أنحاء العالم، أنه: 1. قد عزم على إيقاف اعتصامه مع عائلته داخل بيته نهاية يوم الثلاثاء 15-5-2018م، بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم لعام 1439ه. وللإشارة، فإن هذا الاعتصام قد بدأ يوم الاثنين 8-12-2014م، واستمر طيلة 1255 يوم. 2. سيغادر مدينة جرادة التي كانت محل اضطهاده وعائلته من طرف السلطات المحلية والأجهزة الأمنية، مع توظيف الأوباش والسفهاء من أهل المدينة في هذا العمل الشنيع. وسيكون مقر الشيخ المقبل إن شاء الله بمدينة سلا، مرفوقا بجميع أفراد عائلته. حرر بجرادة ليلة الأربعاء: 16-5-2018م. شيخ الطريقة العمرية: عبد الغني العمري الحسني
Translated
Sheikh's Books |
2022/11/17
الدكتور ابن حمزة والإلحاد...
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن انتهج نهجه. لقد استمعت في هذه الأيام لجزء من محاضرة للدكتور مصطفى بن حمزة الوجدي، وجدته منشورا على جريدة "هوية بريس" الإلكترونية المغربية، يتكلم فيه عن ظاهرة الإلحاد المتنامية بين أبناء المسلمين. ولقد تم نشر الفيديو بتاريخ: 13 نوفمبر 2022م، تحت عنوان: "معلومات مثيرة عن ملاحدة بارزين". ومما نلاحظه على الدكتور في هذا الباب ما يلي: 1. عدم تعريفه للإلحاد: وربما يكون قد عرّفه فيما لم يُحفظ ضمن الفيديو المذكور، فإن كان، فنرجو أن يعمل المعنيون من كُتّاب الجريدة المذكورة على عرض هذا الجزء من المحاضرة من باب الأمانة (وهو ما وقع صوريا كما سنرى بعد ثلاثة أيام). أما إن كان الدكتور يتساهل في تناول الإلحاد (بالمعنى المعاصر)، من دون تأصيل، فإن هذا يُعدّ منه إخلالا بالمنهجية كما هو معلوم. والإلحاد الشائع الآن بين الشباب، هو ظاهرة اجتماعية نفسية، أكثر منه فكر ونظر. وإن كان الإلحاد هو عدم إقرار الملحد بوجود الله، فنحن قد رددنا عليه ردا غير مباشر في رسالتنا منذ أيام "إلى من يشك في الله...". والإلحاد لا شك هو فرع عن الكفر العام، والفقهاء لا يتناولون في العادة المقولات الكفرية بالتفكيك اللائق، وإنما هم يقررون أنها ممجوجة ومردودة بمنطق الإيمان. وهذا طورهم ومكانتهم، وهو ما يُؤمّل منهم. ونحن هنا لا نريد مجادلة الفقهاء في طريقة تناولهم للمسائل، ولكننا نسجل أن تناولهم هذا، لا يصلح لمحاورة الملحدين أئمةً ومأمومين. وهنا ينبغي أن نذكّر بأصل لا يجوز أن يُغفل، وهو أن الكفر (والإلحاد بعضه) لا يُرفع من الوجود. وقد توهم بعض الفقهاء، بسبب هيمنة منطق الشريعة على عقولهم، أن المنكرات يُطلب رفعها، كما يُطلب من العاصي أن يعود إلى الطاعة عموما؛ وهذا لا يصح. والسبب هو أن الكفر وما عداه من المنكرات الشرعية، له أصل وجودي هو ما يَصطلح عليه أهل المعرفة بـ "الحقائق" التي يستند عليها. والحقائق (وهذا لم نر أحدا يؤصل له بحسب علمنا)، هي ما ورد ذكره في القرآن بـ "سنة الله"، في مثل قوله تعالى: {سُنَّةَ ٱللَّهِ فِی ٱلَّذِینَ خَلَوۡا۟ مِن قَبۡلُۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبۡدِیلًا} [الأحزاب: 62]. ومع الأسف، صار الناس -وعلى رأسهم الفقهاء- يفهمون من السنة الإلهية صورا ظاهرية يسمونها أحيانا "سنة كونية"، مع عدم إبراز توفيقهم في الصفة بين الإلهية والكونية، على البعد الذي في المرتبة بينهما!... والإقرار بالأصل الوجودي والعلمي للكفر، الذي أومأنا إليه، لا يُعدّ إقرارا بالكفر كما يتوهم جل الفقهاء؛ بل يبقى الكفر معه مكروها عقلا ومحرما شرعا على الدوام. وقبل أن ننتهي من مراجعة هذا المقال، خرجت إلينا "هوية بريس" يوم 16 نوفمبر، بمقطع فيديو جديد بعنوان (والخطاب لهوكينغ): "أعطنا دليلا على عدم الجنة والنار، كما تعطي الدليل على وجود الثقوب السوداء!"، فألحقنا هذا الجزء من الكلام بما سبق، من دون أن نبدل في السابق شيئا، مراعاة للترتيب الزماني الذي ظهر فيه التسجيلان. وعند استماعنا إلى المقطع الجديد، سمعنا من الدكتور تعريفا للإلحاد بأنه ليس شيئا، وأن معناه هو: لا أؤمن، ولا أسمع شيئا، ولا أرى شيئا. ونحن نستغرب من أين أتى "الفقيه" بهذا التعريف، والملحدون لم يقولوا بعدم وجود شيء، أو بعدم سماع أو رؤية شيء؟!... وعندما يطالب الدكتور "هوكينغ" بعد موته، بإعطاء الدليل على عدم وجود جنة أو نار، فإنه يُقر بانهزامه أمام الفيزياء القاصرة. وهو بهذا يعين الشباب الملحدين من غير قصد، على التمادي فيما هم عليه؛ لأنهم في النهاية لا يبغون هم من الفيزياء إلا ما سأله هو لهوكينغ. وأما الجنة والنار (إن كان الفقيه لا يعلم)، فمستندهما الآن هو الخبر الوارد من عند الله، لا رؤية أحد لهما أو سماعه؛ وهذا يعني أن الدليل الآن إيماني غير حسي. وليعلم الفقيه ومَن بعده من الجاهلين أن الجنة والنار غير مخلوقتيْن الآن؛ مما يعني أن وجودهما علمي لا عيني. ولن يُخلقا إلا بعد تبديل الله للسماء والأرض الذي أخبر عنه سبحانه في قوله: {یَوۡمَ تُبَدَّلُ ٱلۡأَرۡضُ غَیۡرَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱلسَّمَـٰوَ ٰتُۖ وَبَرَزُوا۟ لِلَّهِ ٱلۡوَ ٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ} [إبراهيم: 48]، وهذا اليوم لم يأت بعد. فدليل الملحدين على عدم وجود الجنة والنار أصح من دليلك من جهة الثبوت العيني، فيبقى اعتراض الفقيه عليهم اعتراضا بالمنطق الإيماني الذي لا يعتمدونه هم؛ أي بغير منطقهم. وهذا لا يكون أبدا من منهج الحجاج المقتضي لإلزام الناس بما يُلزمون أنفسهم. وأما الثقوب السوداء، وغيرها من النظريات الفيزيائية، فهي من الجانب الإيماني في الفيزياء، الذي يتوهم القائلون به بثبوته عينا. والاستناد إلى هذه المقابلة بين الإيمان بالوحي والإيمان بالفيزياء من الدكتور، لا يرد كلام الملحدين، وإنما يُضعف ظاهر مقولة المؤمنين، عند نفي ثبوت الاستناد إلى الإيمان من الوجهيْن: الوحيِيّ والفيزيائي. والدكتور ابن حمزة لا يتفطن إلى ما هو عليه من جهل ومن ضحالة إيمان. وأما دليل ابن حمزة على هزم علماء المسلمين للملاحدة منذ القدم، بذكره لمقولة: "إن عدم العلم بالشيء ليس علما بالعدم"، فهو مردود؛ لأن المقولة تقوم على المغالطة اللفظية فحسب. ونعني من جهة، أن عدم العلم بالشيء، لا يقتضي عدم الشيء في نفسه حتما؛ ومن جهة أخرى، أن علم المخلوقين لا يتعلق بالعدم. وما لا حقيقة له (تعلق العلم بالعدم) لا يكون علما معتبرا في نفسه، حتى يُقدّم في شطر صورة مقولة علمية ثابتة. هذا، وإن علم الله يخالف من هذه الناحية علم المخلوقين، لأنه يتعلق بالمعدومات في حال عدمها. فيعلم سبحانه من المعدومات ما هو قابل للإيجاد (الممكنات)، وما هو غير قابل له (المحالات). ولو أن الدكتور راجع مقولة أهل العقائد الشهيرة: "إن الله يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون."، وأدرك فحواها، ما كان ليسقط فيما سقط فيه من شناعات. [انتهى الجزء المـُلحق]. 2. التغافل عن كون الفقهاء سببا من أسباب الإلحاد: لقد عمد الدكتور -كعادته- إلى "رمي الكرة خارج ملعبه"، وإلى تبرئة الفقهاء من الدفع بالشباب إلى الإلحاد، عندما يصرون على تقديم الدين بطريقتهم الكهنوتية، المنفرة لكل ذي عقل راجح. وهو من دون أن يدري، يؤكد على مبدأ الكهنوت غير الإسلامي، والذي تسرب إلى فقهاء الإسلام (أو متفقهته على الأصح) مع مرور الزمان، وبعد انقطاعهم عن نور النبوة الذي هو الأساس في الاهتداء. ولقد تكلمنا نحن عن هذا الانقطاع كثيرا، وبيّنّا أسبابه في غير هذا المقال، لمن كان معنيا بما نقول... ولو أن الدكتور ابن حمزة رجع إلى المسألة كما هي في الواقع، لوجد أن الشباب الذين يراهم هو مقلدين عن باطل لـ "نيتشه" ولغيره ممن يُعدون فلاسفة ملحدين، ما فعلوا ذلك إلا بعد كفرهم بفقه الفقهاء الذي ظنوه كفرا بالدين نفسه، بعد الاعتياد على الخلط وإنشائهم عليه. ولو أن الدكتور سعى إلى التفريق في الأذهان بين "فقه الفقهاء" والدين، لكان أفضل له وأنجع لغيره؛ ولكنه -على عادته- لا يعلم الدين إلا فقها رسميا جامدا وقاصرا؛ وهذا تحريف منه ومن أمثاله لمعنى الدين لو كان يعلم. فالدين الذي هو الإسلام المحمدي في أكمل صوره، لا يقبل منه فقيهنا إلا ما وافق مالكا بحسبه، لا على ما كان عليه مالك رضي الله عنه في نفسه. يدل على هذا، تجنب الدكتور لكثير من المسائل الشائكة عن جهل بها أولا، ثم يدل عليه، عدم قبول الآراء الفقهية من خارج مدرسته التي يتعصب لها تعصبا أقل ما يقال عنه أنه غير علمي؛ رائيا للكمال فيها وللنقص في غيرها. بل إن المدرسة (المذهب الفقهي) الذي يصدر عنه الدكتور، لا يعتبِر فيه إلا جزءا خاصا أيضا، وهو الجزء الوطني. وعلى هذا يصير الدين لديه أضيق فأضيق: فأنت ملزَم في نظره إن كنت مغربيا، بأن تكون مالكيا تابعا لوزارة الأوقاف، حتى تكون مسلما كاملا. نعم، هو لا يُعرب عن هذا بالعبارة التي ذكرناها نحن، ولكن لا معنى لما يُكرره على مدى السنين على الأسماع، إلا ما ذكرنا!... وهكذا يكون الدكتور ومن على شاكلته من حملة الفقه الجامدين، من أسباب إلحاد الشباب؛ لأن الشباب القريبين من الفطرة، لا يقبلون دينا يسجن عقل معتنقه، ويجعل مفتاح زنزانته بأيدي فقهاء يكاد الغباء يتقطر منهم تقطرا... ولقد وجدنا على النت عبارة منسوبة إلى الدكتور، هذا نصها: [التعليم الشرعيّ جُرّب فصحّ، فلا يُحتاج إلى توالي ما يُسمّى بالخطاب الديني وإصلاحه، كأننا فئران تجارب!]. وإن هذه العبارة لو صحت عن الدكتور، لا تدل إلا على إصراره على مخالفة الشريعة التي يزعم أنه من حرّاسها. إذ كيف نقبل منه هذا، والشارع عليه الصلاة والسلام نفسه يقول: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا.» [أخرجه أبو داود عن أبي هريرة]. ولكن فقيهنا يبدو أنه يرفض القول بالتجديد، في معارضة صريحة للنص. وربما قد دفعه إلى هذه الضلالة، عدم إلمامه بمعنى التجديد وعدم أهليته له. وهو ما لا بد له هنا من بعض التفصيل: ا. إن كان إنكار ابن حمزة للتجديد الديني تاما، فهو كفر لا يليق بمن يدعي العلم. وأما إن أنكر عبارة "تجديد الخطاب الديني"، فهذا يُقبل منه اكتفاء بالعبارة النبوية والتي مفادها "التجديد الديني". ويبقى أن نميّز معنى التجديد، وهذا الحيّز لا يتسع له... ب. إنّ رفض فقيهنا للتجديد بزعم التنزه عن صفة فئران التجارب، تجعله هو ومن يوافقه فئرانا فحسب. وفئران التجارب، لها المكانة على سائر الفئران، كما هو معلوم. هذا مع تنزيه شريعتنا عن هذا المعنى، وهي التي تتأسس على تكريم ابن آدم. ج. ادعاء الدكتور بأن التعليم الشرعي قد جُرِّب فصح، به مغالطتان: الأولى: هو أن التعليم الذي يتلقاه الطلبة في المعاهد العتيقة، لا يكون دائما شرعيا. وأفضل مثال على هذا تعليم العقائد (علم الكلام) الذي حكم جميع أئمة الفقه المعتبرين بحُرمته. فلو كان هؤلاء القيمون على المعاهد الدينية (عتيقة وعصرية) يلتزمون بفقه الفقهاء (بأصوله)، لتركوا هذا التعليم. وإن كان علم الكلام محرما الدخول فيه جملة، فإن العلوم الأخرى لا تسلم من جهالات صار يتوارثها الخلف عن السلف. وهذا العلم الذي حقيقته جهل، هو ما يُنتج لنا فقهاء بالاسم، يعارضون صراحة أصول الشريعة ولا يبالون. الثانية: لم يُنتج لنا التعليم العقيم الذي يسميه ابن حمزة شرعيا، إلا جَهَلَة متعالمين؛ قد صاروا مانعا لهذه الأمة من أن تعود إلى دينها، وبالتالي لتعتلي مكانتها اللائقة بها في العالم، بدل أن تكون عالة على الكافرين فيما يُنتجون من فكر كُفريّ. 3. مغالطة الدكتور في مسألة القدوة: وتكمن المغالطة في تخيير الشباب بين الاقتداء بفلاسفة الإلحاد، على ما يُعرف عنهم من انحراف عقلي وأخلاقي كما بيّن، والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا وإن كان جائزا من باب الخوض في معنى قول الله تعالى: {وَمَن یُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَیَتَّبِعۡ غَیۡرَ سَبِیلِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَاۤءَتۡ مَصِیرًا} [النساء: 115]، فإن التعريض بذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مقابل الفلاسفة، أو غيرهم من أهل الضلال، لا يخلو من سوء أدب بيّن مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم. والمتفقهة لدينا، لا يعلمون قدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حتى يتأدبوا معه، ومنهم فقيهنا؛ وإنما هو عندهم عنصر من عناصر فقههم التي يوظفونها كما اتفق لهم، غير بعيد من وحي الشيطان لهم في الغالب. ولو شئنا أن نصنِّف في طريقة إضلال الشيطان للفقهاء خصوصا، لأخرجنا على الأقل مجلدا معتبرا إلى الناس. فلا يغتر الدكتور إن سكتنا عنه طويلا!... ولا شك أن المؤمن في بداية تديُّنه "يُؤْثِر" اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لعلو أخلاقه، ولطهارته وقداسته ظاهرا وباطنا، كما أخبر الفقيه؛ غير أن الأمر لا ينبغي أن يبقى عند هذا الحد، وكأنه لا ينبغي لنا أن نتجاوز الخطوة الأولى في طريق الدين!... بل على المؤمن أن يزداد تقربا، حتى يستغني بنور النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن كل مقارنة من هذه المقارنات التي يجدر بالناس الاستغفار منها... وإن نحن نظرنا في موانع التقرب بالمعنى الشرعي، فإننا نجد غَفَلَة الفقهاء على رأسها، بسبب انعدام النور أو ضآلته لديهم. ولو أنهم تدبروا القرآن قليلا، لعرفوا أن مدار الأمر كله على النور. يقول الله تعالى: {أَوَمَن كَانَ مَیۡتًا فَأَحۡیَیۡنَـٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُۥ نُورًا یَمۡشِی بِهِۦ فِی ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِی ٱلظُّلُمَـٰتِ لَیۡسَ بِخَارِجٍ مِّنۡهَاۚ كَذَ ٰلِكَ زُیِّنَ لِلۡكَـٰفِرِینَ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ} [الأنعام: 122]. ومع أن الكلام جاء صريحا في الآية عن الكفر في مقابل نور الإسلام، إلا أن الفقهاء في الغالب لا يعلمون من النور إلا نور العقل، بينما النور في الآية هو نور النبوة؛ ولا يعلمون من الكفر في المقابل إلا الكفر الأكبر. ولو أن الفقهاء كانوا حقيقة متابعين لأئمتهم بالزعم، ما تجاوزوا مقولة الإمام مالك رضي الله عنه، والتي يجدر أن تُكتب على باب كل معهد شرعي، والتي يقول فيها: "لَيْسَ الْعِلْمُ بِكَثْرَةِ الرِّوايَةِ وَالدِّرايَةِ، وَلَكِنَّهُ نُورٌ يَضَعُهُ اللهُ في قَلْبِ مَنْ يَشاءُ اللهُ رَفْعَهُ!". وعلى العموم، فالمعنى لدى الفقهاء الأُصلاء لا يحتاج إلى إعادة تقرير. وبتعظيم الفقهاء لنور العقل الذي هو كنور الشمعة بالقياس إلى نور الشمس النبوي -بسبب اعتيادهم على النظر الفقهي الذي يكون بإعمال العقل للضرورة (والمسألة تحتاج إلى تأصيل ليس هذا محله)- فقد صاروا مشابهين للفلاسفة في الطريق، مباينين لأصل الدين المبني على الإيمان؛ وإن لم يبلغوا شأوهم فيه في أغلب الأحايين. وهم بهذه المشاركة للفلاسفة في الطريق، يُشاركونهم في الظلمة، التي هي الكفر في حقهم، بالمعنى الجزئي. ولا مناص لهم!... ومن هنا كان العقلاء من كل زمان، يحتقرون آراء الفقهاء، ويرونهم من العامة... ونعني من هذا أن المسألة ليست دائما، ومن كل وجه، مقابلة بين نور وظلمة (أي بين دين وفسوق) كما يُقدمها الفقهاء؛ بل هي في أحيان كثيرة تعود إلى قصور الفقهاء في المجال العقلي ذاته عما يبلغه الفلاسفة، من دون نظر إلى النور المقتبس من مشكاة النبوة... 4. عدم أهلية الفقهاء في المجال الفلسفي حقيقةٌ ثابتة: ولا يعترضن أحد علينا هنا بإيراده لنماذج من رجالات أمتنا كالإمام الغزالي رضي الله عنه، الذي رد على الفلاسفة بعد أن فاقهم إدراكا بالنور، أو كابن رشد وهو أقل من الغزالي في العقلانية من غير أدنى ريب؛ لأن الدكتور ابن حمزة لا يبلغ هذه المكانة قطعا، ولا يقاربها!... وقول الدكتور بأن الإلحاد ليس شيئا، مردود عليه؛ لأنه لو لم يكن شيئا لما استوقفه وتطلب منه النظر فيه. نعم، هو يقصد بكلامه أنه غير معتبر شرعا، وهذا لا يدخل ضمن النظر في إلحاد ولا غيره؛ وإنما هو تقرير لما تقرر لدى الفقهاء بطريقة التقليد. ولو اكتفى من كونه فقيها (بتجوّز)، بإبراز حكم الإلحاد في الشريعة، من غير زيادة ولا نُقصان، لكان ذلك يُحسب له؛ ولكنه أبى -على عادة أهل الاغترار- إلا أن ينازل قوما في مجالهم، وهو لا يُتقن مبادئهم! ولا يبلغ مكانتهم!... وهذا لعمري من الجهالة التي يتنزه عنها طالب الفقه المعتبر، فضلا عن الفقيه... وأما رد ابن حمزة على بعض الفلاسفة، فسنورده ونعلق عليه باقتضاب، ما دام العرض كله لا يوافق شروطنا: ا. مقولة "نيتشه" بموت الإله: إن الدكتور أسس لرده بالانتقادات الشخصية لنيتشه، وبانحرافاته الخُلقيّة التي ليست دائما انحرافات كما يتوهم. فمثلا عندما ينتقد الدكتور عدم قدرة نيتشه (بهذه العبارة) على الزواج، فهل هو يعترض على العبد غير القادر، أم على الرب الذي لم يُقْدِرْه؟... مع علمنا أن الفقهاء في الغالب لا ينفكون عن هذا الشرك الملازم لمرتبة الإسلام، في مثل هذه المسائل، إن لم يزيدوا توغلا فيه، بنظرهم المعوجّ. وليتأمل فقيهنا امتداح الله لسيدنا يحيى في قوله تعالى: {فَنَادَتۡهُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ وَهُوَ قَاۤىِٕمٌ یُصَلِّی فِی ٱلۡمِحۡرَابِ أَنَّ ٱللَّهَ یُبَشِّرُكَ بِیَحۡیَىٰ مُصَدِّقَۢا بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَیِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِیًّا مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ} [آل عمران: 39]، وليعلم أن الزواج وإن كان سنة نبوية محمدية مرغَّبا فيها، فإن الآية السالفة، والتي هي من القرآن الذي أُنزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، تمتدح الحَصور الذي لا يقرب النساء. وهذا مما يدل دلالة يعلمها أصحابها، على أن بعض المحمديين سيكونون على السنة اليحيوية الفرعية، وإن لم يعلم الفقهاء ذلك. وهنا أصل لا بد أن نُثبته، وهو أن العلم الدينيّ أوسع بكثير من الفقه، إن كان صوابا ولم تدخل عليه الظلمة كما ذكرنا آنفا. وعلى هذا، فإن أحكام عدم الزواج تتراوح بين الوجوب والكراهة الشديدة في شريعتنا، بحسب حال العبد المعني، وبحسب مبلغ الناظر من العلم؛ وإلا فما حكم الفقهاء على عدم زواج الإمام الشافعي رضي الله عنه، وهم لا يبلغون أن يكونوا من تلاميذه كما هو واضح؟!... فهل كان رضي الله عنه عاصيا؟ أم كان مخالفا للسنة النبوية؟... لا والله!... ثم إن مقولة نيتشه بموت الإله، ليست عامة كعموم لفظها، ولكنها وردت في بيئة نصرانية يهودية، كان الإله يُقدم فيها إما بشرا، وإما ربا لقبائل دون غيرها من الناس. وعلى هذا، كان ينبغي أن يُسأل عن مدى مطابقة مقولة نيتشه للواقع، لا عن مدى مخالفتها لمعتقدات من حوله، أو لفقهائنا؛ لأننا بفعلنا هذا، فنحن نسد الباب دون نيتشه والنيتشويين، لئلا يتعرفوا على الإسلام كما جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم نقيا، والذي لا نرى كبار العقلاء إلا مجبرين على احترامه، وإن لم يبلغوا مرتبة قبوله دائما... وإنّ تناول الدكتور ابن حمزة للمسألة بالطريقة التي سمعناها، لا يكون إلا تهافتا منه وسوقية يترفع عنها العلماء، مع تأكيدنا مجددا، على عدم بلوغه لمرتبة الفلاسفة العقلية!... وأما كلام الدكتور عن الاقتران الذي يحدث أحيانا بين الجنون والعبقرية، فهو كلامُ ناقلٍ، لم يبلغ فيه كنه المعنى المراد. وهذا لأن الجنون هنا ليس جنونا بمعنى السفه؛ وإنما هو جنون بمعنى الأخذ عن الجن (والعبقرية في أصلها من "عبقر" الذي هو اسم لجني كان معروفا عند العرب)، أو هو جنون بمعنى خفاء كلام المجنون عن عقول العامة المحيطين به. ومن هذا الباب وُصفت الأنبياء زورا، بالجنون من قبل سفهاء أقوامهم، عندما لم يُدركوا مرامي كلامهم المتعلق بالله واليوم الآخر (الغيب). وفي كلام ابن حمزة -على عادته- تعريض عند الوصف، بعقلاء المجانين، بطائفة أرباب الأحوال من الأولياء الذين يصفهم البعض بذلك الوصف الخُلفيّ (المتناقض)، بما أن العقل والجنون في العرف لا يجتمعان. وابن حمزة نُرجّح أنه لا يؤمن بولاية الأولياء كما هي مذكورة في القرآن والسنة، على غرار العوام من المتسلفة؛ فإن كان الأمر كذلك، فهو يريد من تعريضه بالتسوية بين صفة من صفات بعض الأولياء وصفة من صفات ملاحدة المتفلسفين، الحكمَ بكفر بعض الصوفية إن لم يكفرهم جملة. ونحن نراه أجبن من أن يُصرّح بهذا التكفير، لأنه دون مرتبة تناول المسألة من الناحية العلمية؛ وهو يعلم هذا... ولقد وصفنا أئمة الإلحاد بالمتفلسفة لا بالفلاسفة، لأننا نرى أن الفيلسوف لا بد أن يوصله عقله إلى الإيمان بالألوهية؛ وهذا أقصى ما يبلغه العقل المجرد في هذه المسألة. وكل ما تكلم فيه الفلاسفة المتألهون بعد ذلك، مما هو من شؤون الألوهية فهو تكلف ورجم بالغيب، وإن وافق في ظاهره بعض الحق الذي جاء به الوحي من عند الله. أما من يُنكر الإله ويزعم بعد ذلك أنه فيلسوف، كما هو شأن كثيرين من معاصرينا، فلا يكون عندنا فيلسوفا؛ بل هو مفكر أو متفلسف، وقد يكون أستاذا للفلسفة... ب. استدلال الدكتور بمقولة نيتشه على وجود الله: وهو من أعجب الاستدلالات: وذلك لأن الدكتور يجعل قول نيتشه بموت الإله، إقرارا منه بوجوده إبان حياته التي كانت قبل موته!... ونحن لا نرى كيف يرى ابن حمزة الموت وجودا!... هذا، مع أن ابن حمزة لا يعلم من الحياة إلا الحياة الطبيعية التي يُقابلها الموت الطبيعي؛ وأما الحياة التي هي صفة إلهية، والتي لا يقابلها موت، فلا يعلمها وإنما يتصورها. فإن أراد الدكتور أن يردّنا إلى قول الله تعالى: {وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱلۡحَیِّ ٱلَّذِی لَا یَمُوتُ} [الفرقان: 85]، فليعلم أن نفي الموت هنا إنما هو نفي للتلازم العقلي الذي يكون عليه العامة من الناس بين الحياة والموت؛ لا رفعا لاحتمال جريان الموت على الله، تعالى الله عن ذلك. ثم إن ربط الدكتور بين الحياة والموت من جهة، والوجود من جهة أخرى، لا يدل إلا على عدم علمه بمعنى الوجود؛ أو على الأقل، كان يجدر به تمييز مرتبته عن مرتبة صفة الحياة، من باب الدخول في التعريف. أما إن كان لا يميّز بين المرتبتيْن، فمصيبته عظيمة، لأنه سيجعل الصفة قائمة بالصفة، وهو ما لا يقبله العلم. وهكذا فإن كلام الدكتور على الناس بهذه الترهات، يجعل عقلاءهم ينفرون من الدين، ويحتقرون فقهاءه، وإن كانوا (الأئمة منهم) من غير شك، أجل من صاحبنا على كل حال. ج. إشارة الدكتور إلى مقولة شوبنهاور: ونعني قوله بأن الناس هم من صنعوا آلهتهم، إن صح عنه هذا القول. وهذه المقولة تصدق حسا على الوثنيين كما لا يخفى، وتصدق عقلا على كل أهل العقائد ممن سوى الكُمّل من العارفين؛ والدكتور منهم بلا شك. ونعني من هذا أن كل من يبنون عقائدهم على علم الكلام من المسلمين، يكونون خالقين لصورة مـُعتقَدهم وإن لم يتفطنوا. وهذا الإله المـُصوَّر، يظن مـُصوِّروه أنهم على الحق في تصويره، لأنهم يصدرون عن الحق الذي هو الوحي؛ بينما هم يكونون في نظرهم إلى الوحي، ناظرين بعقولهم. وهذا يدخل في طريق التفلسف، ويخرج عن طريق الدين، وإن كره الفقهاء. والعمدة في مسألة معرفة الله، من طريق الدين أمران لا ثالث لهما: - الإيمان عن طريق التصديق بالخبر من دون إعمال للعقل. وهذه هي المرتبة الدنيا، التي ينبغي أن يكون عليها عامة المسلمين. - الكشف: وهو تعليم الله لعبده المؤمن. يقول الله تعالى فيه: {وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۖ وَیُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمٌ} [البقرة: 282]. ونحن نكاد نجزم بأن الدكتور ابن حمزة يُنكر الكشف مع ثبوته قرآنا وسنة. وكل من كان على هذه الحال، فعليه التوبة من السوء الذي هو عليه، والعودة إلى صريح الإيمان، قبل أن ينزل به الموت فيُكتب عند الله من المـُكذّبين!... وأما إن كان الدكتور على غرار صغار المتسلفة، يُنكر الكشف من باب سد الذرائع، ومنعا لاختلاق الكذّابين من المتصوفة لمنكراتهم، فليعلم أن الكشف من مرتبة هي أعلى من مرتبة الفقهاء؛ لذلك فليس لهم أن يحكموا عليها أو على أهلها. وأما ما أشرنا إليه من ضلالات المتصوفة، فالتصدي له يكون بالفقه الصحيح الذي لا يُعارض الكشف الصحيح؛ لا بفقه عوام الفقهاء. والفقه الصحيح، كان ينبغي أن يرجع فيه الفقهاء من كل عصر، إلى أهل الكشف في زمانهم؛ ولكنهم بسبب ضعفهم العقلي، يتوهمون أنْ لا أعلم منهم في الأمة!... وهذا جنون!... والسبب في خروج بعض الفقهاء عن الإيمان عند النظر في الوحي، هو أنهم يسمحون لعقولهم بالتصرف في معاني الوحي، وإن لم يشعروا، ويتوهمون بعد ذلك أن ما تستخلصه بنفسها هو معنى الآية أو الحديث. وهذه مسألة بعيدة عن إدراك الفقهاء، فلنكتف منها هنا، بالإشارة إليها وإلى مبدئها، ولنعد إلى ما كنا بصدده، فنقول: لقد سمعنا من أئمتنا في أصل مسألة معرفة الله، أن العمدة هي قوله تعالى: {وَلَمۡ یُولَدۡ} [الإخلاص: 3]؛ أي لم تلده الأفكار ولا تصورته العقول... وقد تنبه المنزِّهة من المتكلمين إلى هذا الأصل، فقالوا: "كل ما خطر ببالك، فالله مخالف لذلك!". وهذا يصح في شطره لا في كله، لكن عن كشف لا عن غيره. وأما العامة ممن يسمعون إخبار الله عن نفسه، وإخبار نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، ثم يتخيلون ذلك قهرا بسبب نزول مرتبتهم العقلية، فهم على أصل شرعي معتبر وصحيح، بخلاف المتكلمين الذين هم من أهل النظر. والكلام يتسع من هذا الوجه، فلنمسك عنه هنا... د. خلط الدكتور بين هاوكينز الأمريكي وهوكينغ البريطاني: فهاوكينز هو ديفيد وهو أمريكي، أما ستيفن هوكينغ فهو بريطاني. والأول يُنسب إلى الفلسفة، أما الثاني فإلى الفيزياء. وتبقى مقولات هوكينغ في مسألة الإلحاد قاصرة بسبب عدم تخصصه في الفلسفة. ونحن كنا قد كتبنا مقالات في هذا المضمار، تبيّن وجوه قصور الفيزيائيّين عند إرادتهم التفلسف، فليُطلب الأمر من مظانه على موقعنا "العمرية للتجديد الصوفي". وأما الدكتور ابن حمزة فكان ينطق الاسم هكذا: ستيفن هاوكينز، خالطا بينهما؛ ونحن لا نلومه على ذلك، لعُجمة الاسميْن؛ ولكن الذي استوقفنا في كلامه عن ستيفن هوكينغ عند وصفه لوضعه الصحي (الشلل التام)، هو قوله بأنه مثال في الصبر والتحدي، كما يقول بذلك العلمانيون؛ مع أن الصبر معنى شرعي، لا بد فيه من الإيمان بالله. وقد قال الله تعالى في هذا المعنى لأهل النار: {ٱصۡلَوۡهَا فَٱصۡبِرُوۤا۟ أَوۡ لَا تَصۡبِرُوا۟ سَوَاۤءٌ عَلَیۡكُمۡۖ} [الطور: 16]. أما التحدي فينبغي أن يُسأل الدكتور بخصوصه: لمن؟... وفيمَ؟... هل هو للمبتلي ولو من غير قصد، فيكون هذا المعنى كفريا؟... أم هو للمرض، فيكون الكلام كلام غافل؟... وكيف يكون الكافر "مثالا"، والدكتور قبل قليل كان ينهى عن اتخاذ الفلاسفة قدوة؟... على ما بين الفلاسفة المعتبرين وهوكينغ من بوْن كما أسلفنا!... 5. لمَ يدخلُ الدكتور ابن حمزة فيما لا يُحسن؟: هل هو تكليف من جهة ما؟... أم إن الأمر تطوع، كان الدكتور في غنى عنه وعن تبعاته الدنيوية والأخروية؟... وتناول مثل هذه المسائل، مع عدم إتقانها، يأتي بنتيجة عكسية في الغالب كما لا يخفى. ثم إننا نلاحظ من كلام الدكتور، أنه كان يوجه الكلام إلى فئة الآباء، ليدلهم على كيفية معاملة الأبناء؛ وهذه آفة الفقه التقليدي المرفوض. ولسنا نعني من هذا، إلا السلطوية المعمول بها في مجتمعاتنا المتخلفة، والتي شبعت تخلفا. وكأن الشاب المـُلحد، لا بد من أن يشدّ حبلَه أبوه؛ والأب لا بد من أن يقوده الفقيه؛ والفقيه لا بد من أن تسوقه سلطة المال والجاه. وهذا السياق التخلُّفي، هو ما نعاني منه منذ قرون طويلة؛ وهو ما كاد يأتي على الدين جملة وتفصيلا؛ ولكن الدكتور من شدة ممارسته للسلطة الفقهية (التي لا محل لها في الإسلام)، قد نسي نفسه، وظن أن الأمر الذي هو عليه هو الأصل. وهيهات!... وأما ما نحتاج إليه في الحقيقة، فهو تصدر فقهاء بروح العصر، يخاطبون الشباب من مستواهم، ويعتبرون نظرتهم، ولا يستعلون عليهم. غير أن دراسة الفقه بالطريقة التقليدية، لا تهتم بهذا الجانب السيكولوجي والاجتماعي كما هو جلي؛ وإن كان الدكتور يظن نفسه معتبرا له، عندما يخوض فيما لا يفقه. ونحن من باب النصيحة، ولعلمنا بأن المرء قد لا يعرف نفسه إلا من غيره أحيانا، نقول له: دع عنك الاغترار عند مخاطبة الناس، ودع عنك التعالي ونبرة التعليم؛ لأن درجة الفقه التي أنت عليها، لا تخوّلك ذلك. والأمراض القلبية التي يُعاني منها الفقهاء في مجتمعاتنا، ومع الأسف أنت واحد منهم، قد نتجت عنها أمراض للمجتمعات ذاتها، وقد صارت عونا للشيطان وتعسيرا على أهل الإيمان. وهذا في المجمل هو ما أوصلنا إلى حال من التخلف والجمود، يأباه الفلاسفة أنفسهم؛ فكيف يُنسب على سوئه إلى الدين!... وقبل أن نختم، نذكِّر بأننا لا نقرّ بصفة الفيلسوف لكل أحد، وإنْ كان الشخص متفلسفا أو أستاذا للفلسفة. والتفريق في هذه الأمور ضروري، حتى لا نسقط عند التناول في البناء على أخطاء غيرنا، فنكون أدخل منهم فيها. وشطر الذين عدهم الدكتور فلاسفة، ليسوا إلا مفكرين. وأما الفيلسوف (ونحن لا نقر لأحد ممن نعرف بمرتبته لعدم إحاطتنا لا لعدم وجوده)، فنشترط له ثلاثة أمور: الأول: هو أن يكون عقله كبيرا ودرجته العقلية عالية (سماوية بالمعنى الفلسفي)، وأن يكون فكره سليما منطقيا ومنضبطا، واستنتاجاته غير مصادمة للحق في كل مرتبة وعند أهله. الثاني: هو أن تكون فلسفته تامة النسق، تتضمن تصورا شاملا للوجود؛ ولا تكون جزئية كما هي النظريات المعروفة والأنساق الفكرية المجتزأة. وهنا لا نشترط موافقة الحق، لأن شطرا من النسق يكون تأويلا وتتميما عقليا من أجل سد الثغرات المعرفية؛ لكن نشترط عدم وصف المفكر بالفيلسوف... الثالث: وهو عيش الفيلسوف لفلسفته، وهذا يُشبه ذوق الحال لدى الصوفية. وعلى هذا، فإن من يكون ذا إنتاج فكري نظري، يُخالف ما يعمل به في حياته اليومية، وما يتطلبه الأمر من مواقف قد تودي بحياته (كما أودت بسقراط)، فإنه لا يكون فيلسوفا البتة. وهذا التمييز للفيلسوف، لا بد من اعتباره الآن، ومن تدريسه في الشعب العلمية المتخصصة؛ من أجل الحد من هذا الخلط العام الذي يعاني منه المسلمون، ويعاني منه العالم مِن بعدهم. وفي الختام، نرجو أن يتسع صدر الدكتور ابن حمزة لكلامنا، وليأخذْه من باب إهدائنا لعيوبه التي لو لم نرها تتعدى إلى غيره ما سمحنا لنفسنا بالإشارة إليها. مع دعائنا بإعانة الله له على السماع منا، والنظر نظرة المنصف في كلامنا؛ لعل الله أن يختم له بأفضل مما هو عليه الآن. والحمد لله رب العالمين. |