![]() انتهاء الاعتصام بعد
1255
يــــــوم
بسم الله الرحمن الرحيم. يُنهي شيخ الطريقة العمرية عبد الغني العمري الحسني، إلى علم الرأي العام، ومن بعده إلى علم أتباع الطريقة العمرية في أنحاء العالم، أنه: 1. قد عزم على إيقاف اعتصامه مع عائلته داخل بيته نهاية يوم الثلاثاء 15-5-2018م، بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم لعام 1439ه. وللإشارة، فإن هذا الاعتصام قد بدأ يوم الاثنين 8-12-2014م، واستمر طيلة 1255 يوم. 2. سيغادر مدينة جرادة التي كانت محل اضطهاده وعائلته من طرف السلطات المحلية والأجهزة الأمنية، مع توظيف الأوباش والسفهاء من أهل المدينة في هذا العمل الشنيع. وسيكون مقر الشيخ المقبل إن شاء الله بمدينة سلا، مرفوقا بجميع أفراد عائلته. حرر بجرادة ليلة الأربعاء: 16-5-2018م. شيخ الطريقة العمرية: عبد الغني العمري الحسني ![]() ![]()
Translated
Sheikh's Books |
![]() «السابق
التالي»
2017/03/09
حوار من صحيفة "البوابة" المصرية مع شيخ العمرية
أجرت صحيفة " البوابة" المصرية، حوارا مع شيخ الطريقة العمرية "عبد الغني العمري الحسني" المغربي، فكان الحوار، كالآتي: 1. ما هي الطريقة العمرية؟ ومتى نشأت؟ وكم عدد أتباعها في الوطن العربي؟ بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه. أما بعد؛ ففي البداية، أريد أن أتوجه بالشكر لجريدة البوابة المصرية، لاهتمامها، ولإتاحة فرصة مخاطبة الشعب المصري الشقيق على صفحاتها؛ راجيا من الله أن يكون هذا اللقاء نافعا، للخير جالبا، وللشر دافعا. الطريقة العمرية طريقة صوفية تجديدية، مؤسسها هو الشيخ "عبد الغني العمري"، الذي تربى في بدايته في حضن الطريقة البودشيشية في المغرب. دخل الشيخ مجال التصوف في بداية العشرينيات من عمره، وبقي مع شيخه حمزة بودشيش رضي الله عنه، ما ينيف عن ست عشرة سنة. وتحقق له الوصول عند بلوغه الأربعين، حيث انفصل عن شيخه، واستقل بطريقته. والطريقة عند الصوفية، هي بمعنى المذهب في الفقه. وهي (أي الطريقة) تعني أن الشيخ صار له مذهب مخصوص في مجال التزكية. واختلاف الطرائق بين الشيوخ المؤهلين، يعود إلى اختلاف الأزمنة والأمكنة، وإلى اختلاف الاستعدادات. وهذا يعني أن التجديد الديني العام، يشمل طرائق التربية أيضا، حتى لا تتقادم وتفقد نجاعتها. وفي المسألة جوانب تفصيلية أخرى، لا يسمح الوقت بالتوسع فيها الآن. وقد صار الشيخ العمري، بعد انتهاء سلوكه، يدل على الله، بما يوافق القرآن والسنة، نابذا لكثير مما عليه متصوفة الزمان، من طقوس وعادات. ولقد تأسست الطريقة العمرية في بداية الألفية الجديدة، عندما بدأ الشيخ يكتب في علم السلوك. وكان أول كتاب صدر له، كتاب "مراتب العقل والدين"، الذي صار يُنشر متضمنا لكتابين بعده، هما "كشف الحجب الإدراكية" و"الكمال والتكميل". ولكن التأسيس الفعلي للطريقة، قد تم في دمشق سنة2010، عندما أقام بها الشيخ سنة كاملة، كانت كافية لتأسيس أول جماعة للطريقة في العالم. والآن، قد صارت الطريقة العمرية، متواجدة في أربع قارات، وفي دول مختلفة. وأما عدد الأتباع، فهو قليل نسبيا؛ لأن منهاج الطريقة، الذي يحرص الشيخ على أن يكون المريدون فيه على الحق، عملا وحالا، يحول دون انتساب اللاهين والعابثين. وهذا يعني أن الطريقة صارمة في اختيار مريديها، وحريصة على أن لا يضيّع المريد وقته فيما لا ينفع؛ تأسيا بما كان عليه السابقون من جد واجتهاد. وقد صار للطريقة فرع في مصر بحمد الله، وفي القاهرة على التحديد، نرجو أن يكون زيادة خير وبركة، على مصر وأهلها. وإن الشيخ في تجديده للتصوف، يريد أن يعود به إلى أصوله الأولى، حيث كان هو الفقه المتعلق بالباطن، الذي يكمّل فقه الظاهر؛ وحيث كان علمَ التزكية المأمور بها شرعا، والتي لم يستغن عنها الأولون قط، في تحقيق القرب من الله تعالى؛ بخلاف المتأخرين الذين طغت عليهم الغفلة، وصار التديّن عندهم قشريا. 2. هل الطريقة مشهرة ضمن الطرق الصوفية المعروفة في الوطن العربي؟ وهل تتبع أيا من أقطاب التصوف المعروفة كأبي الحسن الشاذلي، و إبراهيم الدسوقي وغيرهما من الأسماء المعروفة لدينا؟ إن الطريقة العمرية، طريقة ربانية، مددها نبوي، لا تتبع في مجال تخصصها، الذي هو التزكية الشرعية، لأي جهة، رسمية أو غير رسمية؛ ولعل هذا، من أسباب اضطهاد شيخها في المغرب، حيث اعتادت السلطة التحكم في كل ما له صلة بالدين. هذا، رغم أن الطريقة ليست سياسية، ولا تعارض النظام. ولكن المفسدين، لم يكتفوا بمخالفة الشرع في أنفسهم، فصاروا يطمعون في منع غيرهم، من العمل على إصلاح أنفسهم. وهذا، أقل ما يُقال عنه، إنه قهر للناس على ما لا يريدون، بغير وجه حق. وأما عند مقارنة الطريقة العمرية، إلى مختلف الطرائق الصوفية في الوطن العربي، فينبغي في ذلك التفريق بين طرائق الإسلاك، وطرائق التبرك التي تعيش على الانتساب إلى المؤسس فحسب. أو لنقل ينبغي التفريق بين الصوفية، والمتصوفة الذين يتشبهون بالصوفية، وليسوا منهم في الحقيقة. والمعيار هنا للتفريق، هو تحقُّق الترقي للمريدين، الذي لا يكون من نصيب المتبركين. ومن الآفات الكبرى في زماننا، طغيان التصوف التبركي (الشعبي الجاهل) على التصوف الحق، بسبب انصراف القلوب إلى الدنيا، بصفة شبه كلية؛ وبسبب عدم التقيد بما يعطيه العلم. وأما مسألة انتساب الطريقة العمرية، لإحدى المدارس الرئيسة المعروفة، كالقادرية والشاذلية والنقشبندية وغيرها، فهي متحققة من الوجه العام، بسبب الوحدة الجامعة لهذه المذاهب التربوية كلها، التي هي ثابتة من وجه شمول التربية النبوية لها كلها. ومن هذا المنطلق، نعدّ كل أتباع هذه الطرائق إخوة لنا، لا فرق بيننا وبينهم إلا في مدى القرب من الله تعالى، ومدى موافقة الحق، قولا وعملا. وأما من الجهة الخاصة، التي تمتاز فيها الطرائق بعضها عن بعض، فنحن مستقلون عنها كلها، لكون الشيخ العمري، ليس خليفة في إحداها، وإنما هو مؤسس لطريقة مثيلة لها في القيمة، وإن تأخرت عنها في الزمان. وإن الحال، ولله الحمد، يشهد بهذا؛ ويعلمه المريدون الصادقون، بمجرد شروعهم في الذكر معنا. ومنهاج تربيتنا في الطريقة العمرية مطلق، لا يتقيد إلا بالقرآن والسنة. وهذا هو ما يجعلنا لا نعتمد الرقص المعروف لدى غيرنا؛ ونكتفي بالأعمال والأذكار التي لا نتميّز فيها عن عموم المسلمين، إلا بالخصوصية التي لها من جهة العدد، ومن جهة المدد. ونحن في الحقيقة، وبعبارة صريحة، لا ننتسب إلا إلى الله ورسوله: إلى الله بالعبودية؛ وإلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالاتباع. هذا، ولا شيء سواه!.. ومن كون الطريقة العمرية طريقة مطلقة، فهي تُعدّ جامعة لما تفرق في غيرها، في هذا الزمان. فهي طريقة علم وحال، وطريقة كشف وشهود. وتُعتبر إلى جانب هذا، جامعة لكل المذاهب الفقهية والعقدية الإسلامية؛ بما يناسب أهل كل بلد. وهي تحرص على أن تكون على السنة الثابتة من جهة الفقه، من دون تعصب لمذهب من المذاهب؛ كما تحث على الاجتماع على العقيدة الإسلامية المشتركة، بعيدا عن كل المسائل الخلافية التي بين الفرق. وهي من هذا الوجه، تريد أن تكون لبنة من لبنات توحيد الأمة الإسلامية كلها، على غرار ما كان عليه الصحابة والتابعون؛ تمهيدا لما سيكون عليه المهدي في زمن الخلافة الخاتمة. 3. لماذا نجد أغلب المتصوفين من المغرب العربي؟ وهل الطبيعة لديكم هي وراء الصبغة الصوفية للمجتمع المغربي؟ إن الله لما خلق الخلق، ميّز بعضهم عن بعض؛ فميّز بين الناس، وبين الأماكن، وغير ذلك... وشاء الله أن يجعل من ذلك، بلاد المشرق للنبوة، وبلاد المغرب للولاية. ومن يدقق في الأنساب فإنه يجد أكثر الأولياء المعروفين في المشرق -بله المغاربة- إما مغاربة، أو من أصل مغربي. ويكفي في هذا المضمار، أن يكون ختم الولاية المحمدية، الشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي، رضي الله عنه، مغربيا من بلاد الأندلس. وبسبب ما ذكرنا، فقد اختص المشارقة في الدين بعلم الظاهر (على العموم)، واختُص المغاربة بعلم الباطن. ولنكتف في هذا المضمار بما ذكرنا، حتى لا ندخل فيما لا تحتمله عقول الناس من الكلام. وأما الطبيعة إن كنت تقصد منها، المناخ وغيره، فلا دخل لها بما نحن بصدد الكلام عنه؛ وأما إن كنت تقصد منها أمزجة الناس التي يُخلقون عليها، فلا شك أن لذلك صلة بما هم عليه من استعداد، يجعلهم أكثر ملاءمة للتصوف من غيره من صنوف العلم. ولقد كان التصوف سمة عامة للمغاربة، كما ذكرتَ سيادتك، منذ القرون الأولى؛ حتى لم يكن كبار فقهائنا إلا صوفية أو معتقدين للصوفية. ولعل الشبه بين المغرب ومصر في هذا، كبير ومتصل؛ لم تكن الأجيال المتعاقبة تختلف فيه، إلا من حيث القوة والضعف، اللتان يتسم بهما كل زمان. ولكن الحال قد تغير عندنا، كما تغير عندكم، منذ انتشار المذهب التيمي الوهابي المشؤوم، الذي جرّأ السفهاء على النيل من الكبراء؛ وعلى التنكر لما كان عليه الأولون، الذين ثبتت ولايتهم لدى الخاص والعام. 4. كيف تنظرون إلى التنظيمات الإسلامية المنتشرة في الوطن العربي؟ وهل يكتوي الصوفية بنيران الانخراط السياسي لهؤلاء؟ إن التنظيمات الإسلامية، لها وجهان، يميّزان بعضها عن بعض؛ وهما: العقيدة والطبيعة الحركية. فأما من حيث العقيدة، فإن جلها، قد أصبحت تيمية وهابية، علم أصحابها أم لم يعلموا. والسبب في هذا، قلة النور، وضعف العقل. وكلما ضعف العقل لدى الإنسان، صار أميل إلى المقولات الوهابية، القشرية والسطحية. وأما من جهة الطبيعة الحركية، فإن أغلب التنظيمات الإسلامية، متأثرة بالنموذج الإخواني. وعلى هذا، فإن التنظيمات عندنا، منها ما هو إخواني على الصورة الأصلية، التي يكون أصحابها أشاعرة من حيث المعتقد؛ ومنها ما هو سروري يجمع بين العقيدة الوهابية، والطبيعة الحركية الإخوانية. وهؤلاء أخطر من غيرهم بلا شك، لكونهم يجمعون بين السوء من جهتين. وهناك تنظيمات، لا هي من هؤلاء ولا من أولئك، ولكنها تعمل في المجتمع كاللحمة بين الطرفين معا. فتجد الأفراد ينفصلون عنها بسهولة، ليلتحقوا بعد مدة في الغالب، بأحد النمطيْن المشهورين. فإن لم يلتحقوا فعليا، فإنهم يكونون كأفراد الاحتياط بالنسبة إليهما. والمغرب قد وصل فيه تنظيم سروري إلى الحكم، منذ سنة 2012. ورغم أن البلاد لا تسمح لأي كان بأن يُغير نظامها كما يحلو له؛ إلا أن هؤلاء الإسلاميين، على غرار الإخوان في مصر، قد بدأوا بتعزيز مواقعهم في مفاصل الحكم، وصاروا ينسجون العلاقات السياسية مع مختلف الأطراف، ليضمنوا الاستيلاء على الحكم، ولو بعد حين. ولعل مخالفة الطريقة العمرية للإسلاميين في الغاية -حيث إن طريقتنا تعمل على إصلاح الفرد والمجتمع، من دون اعتبار آخر- قد جعلتهم يُناصبونها العداء. ولعل هذا، كان من أهم الأسباب التي أدت إلى اعتصام الشيخ في بيته مع أسرته، منذ سنة 2014، وإلى الآن؛ بعد تضييق أجهزة الدولة عليه وعلى أسرته. ولا تخفى عن أحد هنا، معالم التنظيم العالمي للإخوان (والسرورية)، الذي يريد أن ينقض على الحكم في كل البلدان العربية، من أجل إقامة ما يسمونه خلافة؛ هي في الحقيقة لا تمت إلى الخلافة الشرعية بأي صلة. ونحن في الطريقة العمرية، بما أننا نفضح هذا التلاعب بالدين، ونبيّن بالأدلة مخالفته للأصول، فإننا قد صرنا غرضا (هدفا)، لكل هذا التيار، ما ظهر منه وما خفي؛ ولكننا لا نأبه لذلك، ولا ننصاع. ومصلحة الأمة عندنا مقدمة على كل اعتبار خاص وشخصي. ورغم أن للشيخ مؤلفات في السياسة، يخاطب بها عموم الأمة، فإنه يمنع على مريديه الاشتغال بالسياسة؛ حتى لا تعمى قلوبهم بالغفلة التي تنجرّ عنها، ويصيروا نسخة مكررة عن الإسلاميين الذين أخطأوا الطريق. والسياسة عندنا -إن لم يكن المرء ربانيا، يدخل فيها بالله، ويخرج به سبحانه- هي من أسباب هلاك الناس من جهة الباطن؛ لكونها مسببة للأمراض القلبية المانعة للقرب. بل وتكون سببا في ارتكاب كبائر الآثام، عند انفعال الناس للعصبيات والحميّات. وما رأينا من فقهاء العصر، من ينبه إلى هذه الشرور المحققة، مع شدة ظهورها في الناس!.. 5. ماذا يعني اعتصام شيخ صوفي في بلد كالمغرب؟ إن اعتصامنا لمدة تقارب ثلاث سنوات، ليس اعتصاما احتجاجيا، كما هو الشأن عند السياسيين؛ ولا هو من أجل مطالب مخصوصة، كما هي العادة؛ وإنما هو اعتصام اضطراري، فررنا به، من الاعتداءات التي شنتها علينا جهات مشبوهة، خفنا معها على أرواحنا. والغريب في الأمر، هو تواطؤ إدارات الدولة من أمن وقضاء وتربية (لكون أُختين كانتا تشتغلان بالتدريس قبل عزلهما)، مع المعتدين (البلطجية)، الذي (التواطؤ) جعلنا لا نفهم حقيقة ما يجري، بالنظر إلى الدولة التي كان ينبغي أن تلتزم القانون، ولا تنصاع لأهواء الإسلاميين المغرضين. وأما ما يعرف عن المغرب، من أنه مناصر للتصوف، فهو مخادعة للرأي المحلي والعالمي فحسب؛ لأن التصوف الذي يقصدونه، ليس تصوفا عندنا، وإنما هو بقايا تبرك؛ تسعى الدولة إلى توظيفه سياسيا، كما تشاء. أما التصوف الرباني، فإن للدولة موقفا منه، رغم أنه ليس عدوانيا ولا سياسيا. وهذا يجعلنا نتساءل عن حقيقة صلة الدولة عندنا بالدين. ونحن من خلال تجربتنا هذه، فإننا توصلنا إلى أن شطرا من أصحاب القرار لدينا، لا يريدون الدين؛ لأنهم يعلمون أنه يخالفهم فيما هم عليه من فساد إداري ومالي. زد على هذا، ما يُمكن أن تؤثر به الجهات الدجالية العالمية، على دولنا، لترغمها على الانصياع لسياساتها، التي صارت أظهر من أن تُنكر. 6. وما موقف وزارة الأوقاف هناك؟ وزارة الأوقاف، تعمل بحسب ما تمليه المواءمات السياسية، لا بحسب ما يُمليه الشرع وحده. والعلماء الرسميون عندنا، هم موظفون سياسيون وأمنيون، في مجال الدين في الحقيقة؛ ولا يقومون بواجبات العالم كما هي معلومة من الدين. وقد صار شطر منهم على العقيدة الوهابية، التي تعتبر الصوفية مشركين؛ وهم مخالفون في هذا لِما يزعمون من كونهم على العقيدة الأشعرية. وقد وصل الأمر بأحدهم، إلى أن جمع المسؤولين من مختلف أجهزة الدولة، وجمع الخطباء والأئمة، وصار يحذرهم مني، وكأني جئت لأهدم الدولة والدين. كل هذا، ولا أحد يتصل بي، أو يحاورني؛ وكأنني في جزيرة خالية من السكان. إن هذا الأمر مشبوه للغاية!.. في زمن تدّعي الدولة أنها تسعى إلى أن تكون دولة حق وقانون!.. وقد توفيت إحدى أخواتي -رحمها الله- ونحن في الاعتصام، من دون أن تغير الدولة من معاملتها شيئا؛ وكأنها تنتظر أن نموت جميعا، الواحد تلو الآخر. والحمد لله على كل حال. 7. ماذا عن جماعة الإخوان؟ وهل يمكن القول بأن التنظيم ساهم بشكل أو بآخر فيما نشهده من تدهور الأوضاع في الوطن العربي؟ إن جماعة "الإخوان المسلمون" كان لنشوئها مسوغ، إبان الاستعمار الإنجليزي. ولقد كانت عاملا من عوامل الحد من موجة التغريب التي تعرضت لها مصر، في النصف الأول من القرن الماضي. ولكن الجماعة سرعان ما انقلبت عبئا على الشعب المصري، عندما صارت تبغي الوصول إلى الحكم، بأي وسيلة. ولا شك أن تنظير سيد قطب رحمه الله، قد دشن لها مسارا جديدا، صار ينحرف عن سواء السبيل، مع مرور الأيام، وبالتدريج؛ إلى أن وصل إلى ما وصل إليه، من مخالفة جلية لفقه الظاهر وفقه الباطن معا. ولا شك أيضا، أن جل التنظيمات الإسلامية التي لجأت إلى العنف فيما بعد، قد كانت على ارتباط ما، أيديولوجي، بجماعة الإخوان؛ مما يجعل هذه الأخيرة، مسؤولة مسؤولية خلقية عن كل ما عرفته الأمة من انحرافات، وإن لم تكن على صلة مباشرة بها. ولقد نصحناها نحن، في كتابينا "الدروس المصرية" و"العبر الإخوانية"، قبل 30 يونيو، أن تحل نفسها قبل أن تُحل رغما عنها. ولا زلنا ننصح شبيهاتها، في المغرب وفي غيره، بالنصيحة نفسها؛ لأن المرحلة ما عادت تحتمل وجود جماعات منغلقة، تمزق الأمة وتفرق كلمتها، وهي واحدة في الأصل. ولكن المعروف عن الإخوان أنهم عنيدون، ومصرّون على مواصلة مسارهم، لا يلتفتون إلى ناصح، ولا يستمعون لنصيحة. والمساكين من الأتباع المقلدين، يظنون أن ذلك من الثبات على المبدأ، ومن قوة الإيمان. وهو لا يعدو أن يكون جهلا محضا، أو ارتهانا لسياسات خارجية، أكبر منهم، وأبعد عن مصلحة المسلمين. ومع تحقق الضرر، من جماعة الإخوان للأمة جمعاء، بتصدرها للقيادة من دون إذن؛ ومع شيوع هذا الضرر، حتى لم يعد بلد من بلداننا العربية في مأمن منه، إلى الحد الذي صاروا معه عائقا عن الإصلاح الحقيقي في تلك البلدان، فنحن لا ندعو إلى العنف عليهم، ولا إلى محاولة استئصالهم؛ وإنما ندعو إلى محاججتهم، وإلزامهم بالرجوع إلى صف المسلمين العام، والتخلي عن وهم الزعامة، الذي سيهلكهم كما أهلك من قبلهم من المتنطعين. إنه صنف من الحمق الجماعي، الذي نرجو أن تبرأ منه الأمة عاجلا، حتى تنهض إلى ما ينفعها في دينها ودنياها. وإن أهم ما ينبغي دحضه من جهالات الإخوان، الخلافة التي يزعمون العمل لإقامتها. ذلك لأنهم يجهلون معناها، ويجهلون شروطها. فكيف بعد هذا، يزعمون إقامتها؟!.. ونحن قد كتبنا في هذا المجال، وتناولنا الخلافة من عدة وجوه، بما نراه كافيا لرد كل شارد، وهاديا لكل طالب. ولكننا نرى من المؤسسات الرسمية عندنا، تقاعسا -بسبب تغليب المنطق السياسي الظرفي- لا يخدم الغرض، ولا يسير بالبلاد نحو الصلاح المنشود. 8. إذا أردنا أن نضع الأصبع على أصل الداء لدى الإخوان، فماذا سيكون في نظركم؟ هذا السؤال مهم جدا؛ لأنه سيجعل الناس يفهمون حقيقة ما يدور في مجتمعاتهم، وسيجعلهم يفكون الارتباط في أذهانهم، بين ما هو دين، وما هو غير ذلك. ونحن نقول: إن ما عليه الإخوان من عقائد سياسية، هو أيديولوجيا، لا دين. والفرق بينهما، هو أن الأيديولوجيا بشرية، تُنتجها عقول لاعتبارات تخصها؛ وأما الدين فهو رباني، لا دخل لأحد من الناس في وضعه. والخلط بين ما هو بشري وما هو رباني، هو اللبس الذي يستثمره الإخوان وأضرابهم. وإدخال الإيديولوجيا في الدين، ليس وليد اليوم، ولا هو من اختراع الإخوان؛ لأنه قد بدأ، منذ عصر التابعين، عند التأسيس للأيديولوجيا العقدية (علم الكلام). ولكن الإخوان انتقلوا من هذا الصنف من الأيديولوجيا، إلى أيديولوجيا جديدة، هي الأيديولوجيا السياسية الدينية، أو العقيدة السياسية؛ فصار الأمر مركبا تركيبا مضاعفا، زائدا على ما كان عليه طيلة قرون. كل هذا والعامة لا يفرقون، بين ما هو رباني، وما هو هوى أو غرض للمنظرين. وهكذا، استُغفل عدد غير يسير من المسلمين، واقتيد إلى خوض حروب لا تعنيه، ولا مصلحة له فيها البتة. بل لقد بلغ الأمر، إلى أن صار الناس يخدمون سياسات دجالية شيطانية، معادية لهم ولأمتهم، وهم لا يعلمون!.. 9. كيف تجد الدعوات التي خرجت تطالب بهدم التراث الإسلامي أو تجديده، كونه سبباً للإرهاب؟ أولا، لا بد من الإقرار بأن التراث الإسلامي، محتاج إلى إعادة نظر، وإعادة ترتيب؛ لأن تراكمه عبر كل هذه القرون، قد جعله لسعته، متناقضا أحيانا، من جهة؛ وبعيدا عن سمة العصر، التي هي الدقة والتحديد والاختصار، طلبا للسرعة، من جهة ثانية. وقد طالبنا بهذه العملية، منذ أزيد من العقد والنصف، من الزمان. وقد دعونا في مجال الفقه، إلى الخروج عن المذاهب كما هي معلومة الآن، إلى الشريعة الجامعة، في صور أبسط ما تكون، حتى تناسب زمن العولمة، الذي لا بد أن يُعتبر لدى الفقهاء، إن كانوا على فقه حقيقة. وأما من الناحية العقدية، فقد دعونا، إلى التزام المشترك لدى المسلمين، والموافق لمحكم القرآن، وترك التفاصيل التي تناولها علم الكلام، لِما يرتضيه الأفراد لأنفسهم، لأنها غير ملزمة شرعا، بسبب كونها استنتاجات عقلية، تختلف فيها العقول، بعضها عن بعض. والأمة لن تعود إلى وحدتها، ما لم تحقق هذين المطلبين، إما عاجلا، وإما آجلا. ولا شك أن مقلدة الفقهاء، يكبر عليهم ما نذكره هنا، لشدة انطباعهم بما تلقوه بالتسليم عن شيوخهم. وهم بهذه الصفة، سيكونون معاكسين لكل عمل علمي تجديدي حقيقي. وهذا، مما تنبه إليه المنادون بالإصلاح الديني، وإن لم يعلموا دائما، كيفية الخروج منه. لكن ما ندعو إليه، ليس هو ما يرومه المنادون بالإصلاح والتجديد دائما؛ فنحن، خلافا لغيرنا، نعلم أنه لا بد أن يقوم على هذا الأمر، علماء أمناء، ذوو ملَكة ونور؛ لأن الدين ليس عُرضة لأن يتكلم فيه، كل من شاء أن يتكلم. ولقد ظهر قوم، صاروا يُطالبون بإعادة قراءة التراث، وبتنقيحه، وبرد ما يرونه جديرا بالرد؛ لا نوافقهم على كثير مما يذهبون إليه. وكان من أبرز هؤلاء، إسلام بحيري، الذي سُجن لذلك؛ ولم يكن من داع إلى ذلك. ونحن نرى أن هذا الرجل وأمثاله، مؤهلون لأن يَسألوا، عما يستشكلونه من مضامين التراث؛ لا أن يُجيبوا غيرهم من الناس، إن هم سُئلوا. ولكن الإنصاف يقتضي منا، أن نذكر أن بعض الأزهريين، الذين تصدوا للرد على البحيري، لم يزيدوا البلاء إلا استفحالا، عند إبانتهم عن قصور بادٍ، وعن جمود فكري، لا يُمكن أن يقنع أيا من المفكرين المستقلين في عصرنا. وهذه الآفة، ينبغي أن يتنبه إليها الأزهر، وأن يُعد لها رجالا يصلحون لها، في زمان صار الحوار فيه مفتوحا على العالم بأسره؛ شئنا أم أبينا. ولا شك في أن الأزهر نفسه في حاجة، إلى إصلاح جذري؛ نرجو أن يوفق الله لتحقيقه علماء مصر الأفذاذ. ولكن، مع كل ما ذكرنا، فإنه لا ينبغي أن نُغفل مكر الدجاليين في العالم، الذين يريدون صرف الناس عن الأديان كلها، وعن الإسلام خاصة، بدعوات ظاهرُها يتغيّى التصحيح والمواءمة مع العصر، وباطنها السعي إلى هدم الدين هدما تاما. وإنهم يستعملون في هذه المهام القذرة، كثيرا من أصحاب النفوس الضعيفة، الذين يبيعون آخرتهم بعرض من الدنيا قليل. فالذين يدعون إلى نبذ السنة جملة، أو إلى الطعن في أئمة الأمة المجمع على فضلهم، لا يمكن أن يكون مبتغاهم الإصلاح!.. والذين يغمزون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بكيفية غير مباشرة، عند التعريض ببعض الأحاديث، التي يرونها مخالفة لما تُعطيه عقولهم، لا يُمكن لأحد أن يشك في سوء نيتهم، وفي خبث طويتهم!.. وعلى كل حال، فإن التجديد والإصلاح ضروريان؛ لكن ما كل أحد نسمح له بتولي ذلك، أو نقبل منه كل ما يريد هو أن نقبل. ونحن واثقون أن المجددين لا يخلو منهم زمان، كما جاءت بذلك الأخبار. فما علينا، إلا حسن الإصغاء لمختلف الأقوال، لنتبيّنهم إن كنا من أهل العلم التمييزي. وأما ربط التراث بالإرهاب، فلا يمكن أن نحكم بصحته عموما؛ وإنما هو مختص ببعض التراث. ونحن نؤكد أن من التراث، ما هو أرضية لكل إرهاب، من زمنه في الماضي، إلى قيام الساعة. ونخص بالذكر هنا تراث ابن تيمية، الذي ابتدع في مجال العقائد، حتى أخرج عموم المسلمين من الملة. ولما جاء ابن عبد الوهاب الذي هو أشد عمى منه، فإنه قد شيّد للإرهاب قلعة منها ينطلق في الاتجاهات الأربعة. وما الاقتتال الداخلي في الأمة، في معظمه، إلا عن هذا التيار الخبيث، الذي لا صلة له بسلف، ولا بخلف؛ وإنما هو مروق عن الصراط المستقيم، واجتراء على الله ورسوله، واستباحة لدماء المسلمين وأعراضهم. ومثل هذا التراث، جدير به أن يُحرق، ويُعاد إلى طيّ العدم!.. ونحن قد رددنا على جل مقولات ابن تيمية، في باب من كتاب لنا بعنوان "تجريد التوحيد"، نرجو أن ييسر الله نشره قريبا؛ فإن للوهابية نفوذا على دور النشر، يحولون به دون خروج أمثاله من الكتب. 10. هل الوطن العربي شهد ثورات ربيع عربي أم أن هناك مؤامرة شاركت في صنعها دول خارجية وجماعات داخلية؟ لا شك أن لِما سمي "الربيع العربي" أسبابا موضوعية داخلية، تتمثل في الفساد المتنامي، والاستبداد المتعامي؛ اللذين قتلا من شعوبنا كل ما هو معتبر من مقومات نهوضها ورخائها. ولقد ابتليت أمتنا في معظمها، بحكام لا يكادون يفقهون من أمور السياسة والاستراتيجيا شيئا؛ خاضعين لإملاءات الخارج، وكأنهم ليسوا منا. وإن كل من يظن أن مثل هذه الحال ستدوم، فإنه لا يعلم من "فيزياء" القدر شيئا. ونحن نميل إلى أن أولى شرارات الربيع العربي، كانت عربية خالصة، رأت فيها الشعوب فرصة للقطيعة مع حال "المرض" السياسي، الذي طال أمده. ولكن سرعان ما دخلت على الخط الدول الأجنبية الكبرى، التي لا تريد أن تفقد "مركوبها" المألوف، في جميع الأحوال. وهو ما جعلها تسارع إلى تغيير تكتيكاتها، في التعامل مع الحكام ومع الشعوب على السواء. فلم يكن -مثلا- تنكر الولايات المتحدة لمبارك، ودعمها للإخوان، إلا من هذا القبيل. ولما كانت شعوبنا في عهود الاستبداد، لا تتوفر لديها نخب سياسية معتبرة، فإنها دخلت في حال الارتباك بسهولة، وبعد مدة يسيرة. وقد زاد تداعي جميع الأطراف داخليا على الحكم، وكأنه غنيمة لا ينبغي التفريط في الظفر بها، من توسيع الاضطراب الشعبي، إلى الحد الذي كان سيؤول معه إلى حرب أهلية، مكتملة الشروط. ورغم أننا لم نكن نرغب، في إفراغ ميدانيْ رابعة والنهضة في القاهرة، بذلك الأسلوب العنيف، الذي لا يقبل به مسلم؛ إلا أننا لا ننكر، أن إخراج الإخوان من الحكم، كان نجاة لمصر وللعالم العربي كله، من مصير مجهول، لا يعلم مآله إلا الله. والسبب في ذلك، هو أن الجماعات الإسلامية، لا علم لها بشؤون السياسة والحكم. وهي في الحقيقة لم تكن تُعدّ نفسها لذلك، بعد طول إلف لها بالمعارضة. وقد رأينا كيف كان مرسي يرتجل القرارات، ويتراجع في الآن ذاته عما قد قرر بسهولة؛ وكأنه متدرب لا حاكم. وهذا يفتح البلاد أمام كل الاحتمالات، الداخلية والخارجية على السواء. وكل من يرى أن الإخوان كان لا بد أن يستمروا، فإنه لا يرى من الصورة إلا بعضها؛ خصوصا إن كان ممن يتوهمون أنهم يمثلون نقاء الدين، في مقابل دنس السياسيين المحترفين. وهذا وهْم لا أساس له؛ بسبب كونهم سياسيين محترفين كغيرهم، إلا أنهم من صنف مختلف، يستعمل الدين ويستثمره. وأما الدول العربية الأخرى، فإنها كانت ستصير نُهبة للإخوان، لو أنهم تقوَّوْا في مصر، واستتب لهم الأمر. وما الذي عاينّاه من إسلاميي المغرب، عندما وصلوا إلى الحكم، إلا بعض ما كان سيصيب الجميع. إن الحكومة التي كانت محسوبة على حزب إخواني سروري لدينا، عملت على محاصرة طريقتنا، إلى الحد الذي لم يفدنا معه، سوى الاعتصام في بيتنا، خوفا على أنفسنا، كما سبق أن أوضحنا. هذا، مع كوننا لا ننافسهم على الحكم، ولا نسعى إليه، بوصفنا صوفية. فما ظنك بمن ينافسهم على الحكم من أمثالهم، أو من العلمانيين المخالفين؟!.. لكنه تبيّن لنا، بعد تجربة سنين، أن الإسلاميين لا يريدون خدمة الدين من حركاتهم؛ وإنما يتخذون الدين مطية إلى أغراضهم، التي قد تلتقي مع أغراض الدجاليين في العالم؛ وهم غير آبهين. ونحن لن نسكت على هذا التحريف الخطير، الذي تكاد تذهب الأمة ضحية له، وتكاد تقتتل من أجله. نقول هذا، ونحن نعلم أن من قواعد الإخوان (الجماهير)، من هم على صدقهم، مغرر بهم. يظنون أنهم في معركة بين الحق والباطل، وأن الإخوان هم صف الحق فيها. ليت الأمر كان هكذا!.. ولكنها الفتنة التي يصبح المؤمن فيها مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا؛ مِن هول الخطاب التدليسي الذي يتعرض له. ونحن ندعو بهذه المناسبة، كل أتباع الحركات الإسلامية، إلى إعادة النظر في ولاءاتهم، ونسألهم أن يجعلوها لله ورسوله خالصة؛ حتى يقطعوا الطريق على المتلاعبين بآمال الأمة، ممن لا خوف لهم من الله ولا حياء. 11. لماذا لم يقم العرب وحدة على غرار الاتحاد الاوروبي؟ إن وحدة أوروبا، ليست وحدة حقيقية؛ بل هي وحدة صورية مصلحية، سرعان ما تتهاوى، أمام أبسط الابتلاءات والمحن. ووحدة كهذه، لا يرضاها الله لنا، ونحن أمة شرفها الله، بحمل خاتمة الرسالات. فنحن إما أن نجتمع على الحق، أو لا نجتمع. وهذه رحمة من الله بنا، يمنعنا بها سبحانه من اتباع أهوائنا، التي قد تردينا. نحن سنبقى متفرقين على الصعيد العام للأمة، إلى أن يظهر خليفة آخر الزمان المهدي، الذي وردت بذكره الأخبار. ولكن مع هذا، فإنه يبقى أمامنا تحقيق تكتلات فيما هو دون الأمة، تكون إقليمية، تمليها الجغرافيا؛ أو اقتصادية، تمليها المصلحة؛ أو سياسية، تتصدى للأخطار المشتركة. وليس الاتحاد الذي بين دول الخليج، إلا نموذجا من هذه النماذج الممكنة، والتي ينبغي إنشاؤها بأكبر عدد ممكن، وبأقوى صيغ التعاون الممكنة. 12. يُتهم الصوفية بأنهم يفعلون أعمالاً شركية بزيارة القبور والتمسح بالأضرحة الخاصة بالأولياء وآل البيت ويجب تصحيح عقيدتهم؟ أولا، إن هذا الذي يتحدث عنه الناس أنه تصوف، ليس تصوفا، وليس أصحابه صوفية؛ وإنما هم عوام يعتقدون في الأولياء. وتعظيم العامة للأولياء، لا شرك فيه؛ لكون المعظَّم معظَّم عندهم لله، لا لنفسه. وقد يكون من العامة، من لا يُحسن التعبير عن بعض عقائده، فيتصيد ذلك منه، من يُعادي الأولياء أنفسهم، فيشنع عليه، ليُظهر هؤلاء العوام بمظهر الشرك. والمقصود، هو صرف الناس عن الأولياء أحياء وأمواتا؛ حتى لا تعود بركتهم على البلاد والعباد، ويصير الناس فرائس سهلة المنال للشياطين. وهذا المكر، لا يليق بمؤمن أن يتصف به، فضلا عمن ينسب نفسه إلى العلم؛ بل هو من خصال أعوان الشيطان وأوليائه. ولم نر من يجعل هذا ديدنه، غير التيميين الوهابية، الذين لا نشك في أنهم على وحي شيطاني. وأما التصوف، فهو علم ثابت من علوم الدين؛ بل إنه من سائر العلوم بمثابة القلب من الجسد. وذلك لأن الأعمال والأحوال لا تصفو، ولا تكون على السنة حقا، إلا إن صفا باطن صاحبها. وهذه هي سنة الباطن، على غرار ما في مقابلها من سنن الظاهر (الأقوال والأعمال). وإنّ علم التزكية الذي هو أول العلوم التي للصوفية، هو من أدق العلوم الإسلامية، ومن أبعدها غورا، وأدخلها في القرآن والسنة. وإن هذا العلم وحده، لو اعتُنِيَ به وبأهله، لصار في زماننا بديلا عن علم النفس الغربي، الذي يُضطر أبناء الأمة، إلى اللجوء إليه، بعد أن نضب لدينا المـَعين. وأما العلم الثاني الذي للصوفية، فهو علم الحقائق. والحقائق هي التي وردت في الوحي بلفظ "سنة الله". وهذه الحقائق، هي التي يقوم عليها الوجود كله. ومن له علم بها، فإنه يصير عالما بجميع العلوم الشرعية من باطنها؛ ويصير فيها أمهر من المتخصصين. وهذا العلم، يختص الله به الأنبياء عليهم السلام، وورثتهم الذين هم خلفاؤهم في أممهم. فهذا هو التصوف الذي لا يريد المغرضون أن يتكلموا عنه. وهم في هذا، كمن يريد أن يقدح في كبار العلماء، بإبراز تلاميذ الكتاتيب والقدح في هيئاتهم وأقوالهم. فهل يكون هذا الفعل، إلا من جبناء الشياطين، الذين لا يصمدون للربانيين!.. أما الشرك، فلا يعلمه إلا من عَلم التوحيد؛ والأمور بأضدادها تُعرف. وكل هؤلاء الذين يرمون غيرهم بالشرك، لأتفه الأمور، من الوهابية المخذولين، لا يعلمون من التوحيد إلا عامّه. والتوحيد العام عند المسلمين، لا يخلو من شرك يتجاوز عنه الشرع، رحمة بالعوام. فكيف يكون مَن حاله هذه، حاكما على خواص الموحدين من أولياء الله، الذين هم قلب هذه الأمة النابض، ونورها القاهر الباهر!.. إن كان ابن تيمية لا يسلم مما نذكر، وهو عند هؤلاء "شيخ الإسلام"، فكيف يكون حال عُمي البصائر، ممن لا يُدرك حتى كلام إمامه نفسه!.. 13. كيف تجد أعمال داعش التخريبية ضد أضرحة الصوفية في ليبيا والعراق؟ وهل يمكن الحكم عليهم بالكفر؟ بداية ينبغي أن نقرر أن داعش، لا تمثل إلا نفسها؛ وأما الإسلام فهو أسمى مما هي عليه بكثير. ومع هذا فنحن لا نكفرهم؛ ولكن نقول بسفاهتهم. هذه السفاهة (صغر العقل) استغلها فيهم أعداء الأمة، فنفخوا في عِجلهم، بأموالهم وإمداداتهم، ليخوروا خوارا، ينخدع له من لا علم له مثلهم فحسب. وأما العالمون، فإن داعش ومثيلاتها مئات الأضعاف، لا تحرك منهم شعرة. والتخريب الذي يصيب الأمة ومعالمها على أيدي هؤلاء المتوحشين، يريد منه الأعداء أن يُظهروها بصورته، تقليلا من قدرها، وحسدا لها؛ وهذا لا ينفع صاحبه شيئا في النهاية. بل إن العدو لن يزداد إلا غيظا، عندما يرى أن مكره يعود عليه؛ وتبقى هذه الأمة الشريفة، بعناية الله، في مكانتها الرفيعة، لا تزداد إلا شرفا. إن من يريدون أن يُظهرونا بهيئة المتوحشين، هم في حاجة لأن يتعلموا منا ما يرفعهم عن حيوانيتهم، إلى مصاف بني آدم. وهم يعلمون هذا من أنفسهم، ولكنهم يريدون أن يُبقوا على عوامّهم في غفلتهم، حتى لا ينقلبوا عليهم؛ ويريدون أن يُدلسوا على عوامنا، حتى يقطعوهم عن سبب قوتهم التي يخشونها. إن داعش، قد جمعت قوة السلاح التي تمكنها من العنف المادي، إلى العقيدة التيمية الوهابية التي هي عنف معنوي؛ وهذا لا يكون إلا في غياب العلم والنور. والعلم والنور، لا يكونان إلا في معية الربانيين، الذين يزكون الأنفس بالإذن النبوي الخاص. 14. كيف ترى مصر الآن؟ إن مصر أحسن الآن مما كان يُراد لها؛ لكننا نرجو لها ما هو أليق بها وأنسب. وهذا لن يتحقق لها، طالما الشعب منشطر شطرين. إن كثيرا من عوام الناس الذين استخفهم الإخوان، ما زالوا على نقمتهم من السلطة الحاكمة بسبب ما جرى. وهؤلاء يكون إهمالهم، وتركهم لظنونهم، من أشد الأغلاط للدولة. ما ينبغي الآن، هو فتح الحوار الجاد والهادف، مع كل المتعاطفين مع الإخوان، لا مع قيادات الإخوان. وينبغي أن يكون هذا الحوار مبنيا على الصدق والشفافية التامة، وأن يقوم عليه رجال أكفاء، لا يخافون في الله لومة لائم. وأما الاعتماد على الإعلاميين الديماغوجيين، فإنه لن يزيد الأمر إلا استفحالا. إن الشعب المصري إذا توحد، وصار تحت لواء واحد، فإنه لا يتمكن أي عدو من النيل منه. إن إيمان المصريين، لا ينقصه إلا صفاء المعاملة، الذي يجعل الشعب يثق في قيادته، ويمضي خلفها يقتحم الأهوال على عادته. وإن كل العرب ناظرون إلى مصر، فلا تُخيّبوا لإخوانكم فيكم الرجاء. إن فلاح مصر، فلاح للعرب أجمعين؛ ونصر مصر، نصر للمسلمين أجمعين. على الشعب المصري أن يعي هذا. 15. كيف تمكن مواجهة الإلحاد والعلمانية في الوطن العربي؟ الإلحاد لا يُواجه، لأنه عدم (عدم الإيمان). كل ما ينبغي، هو أن يُقدَّم الدين للشباب بطريقة غير منفرة. هذا، لأن كثيرا ممن يرون أنفسهم دعاة إلى الدين، هم في الحقيقة طاردون لأهله منه. والمصيبة هي أن هؤلاء يكونون أحيانا تابعين للهيئات الرسمية، ويأخذون الأجرة على ما يقترفون. على دولنا أن تعيد النظر في الفقهاء المعتمدين لديها، لكي يكونوا نافعين ومقنعين. أما العلمانية، فهي عامة لدينا. نعني أن أهل الدين أنفسهم علمانيون جزئيا، في بلداننا. والعلمانية كالإلحاد، هي "عدم" الدين؛ إما كليا وإما جزئيا. وعلى هذا، فالقضاء على العلمانية، لا يكون بالتركيز عليها؛ وإنما بنشر الدين الحق، حتى تعود جميع جوانب حياتنا منسجمة معه، في غير ما تعسير ولا تكلف. 16. كيف تنظرون إلى المشاركة السياسية للمرأة؟ وهل تقلدها مناصب الفتوى والوعظ يشمل خطورة على المجتمعات الإسلامية من وجهة نظركم؟ لا فرق في التشريع الإسلامي بين المرأة والرجل، حتى نجعل الكلام عنها خاصا. وقد توجد في النساء من هي أعلم وأشجع من كثير من الرجال؛ خصوصا في زماننا. وإن روعيت المحارم، فلا فرق بين الرجل والمرأة إلا بالتقوى. ولهذا، فلا مانع من أن تكون مفتية أو واعظة مبدئيا؛ لكن هذا ليس بالأمر الهين، ولا هو منوط بالكلام وحده؛ وإنما هو عائد إلى مدى تزكية نفس المرأة، على غرار ما اشترطناه سابقا لصلاح الرجل والمرأة عموما. إن المرأة لا يمكن أن يأتي منها ضرر على المجتمع لكونها امرأة فقط؛ لأن هذا سيصير تمييزا نوعيا دنيئا. والمرأة في هذا وفي غيره كالرجل على التمام؛ ما يُصلحها يُصلحه، وما يُفسدها يُفسده. ونحن ندعو المرأة إلى أن تتنبه لجانب التزكية، وأن لا تنساق وراء التنظير الفارغ، والكلام الأجوف؛ حتى تتمكن من بلوغ بعض ما كانت عليه الصحابيات والتابعيات رضي الله عنهن. وبالنظر إلى حال الأمة اليوم، فإننا نراهن على المرأة قبل الرجل، لما نعلمه من قوتها عند الشدائد. يغلط الناس كثيرا، عندما يظنون أن المرأة ضعيفة. اسأل عنها الحكماء، لا تسأل الجاهلين!.. 17. هل هناك أوجه للتشابه بين السنة والشيعة؟، وهل توافق على إقامة حوار بينهما؟ أوجه الشبه بين الشيعة والسنة أكثر من أن تُحصى؛ بل إن الفئتين كانتا جماعة واحدة في الأصل. وكل الاختلافات، هي مختلقة، عمل على إبرازها شياطين، غرضهم أن يُضعفوا أمة الإسلام، بجعل بعضها يطعن في بعض. ونحن نرى أن الشيعة والسنة معا، ليسوا على الباطل التام، ولا على الحق التام. وهذا يعني أنه في مسألة ما، قد يكون كلام الشيعة أولى بالاعتبار من كلام السنة؛ وفي مسألة أخرى قد يكون العكس، وهكذا.. وكل من يعتقد الكمال في طائفته وحدها، فهو جاهل، يعتمد منطق العصبية، وليس له من إنصاف العلماء أدنى حظ. وأما الحوار بين الشيعة والسنة، فإننا ندعو إليه بإلحاح؛ ولكن ما كل أحد من الفريقين يصلح له. لا يصلح للحوار إلا كبار العلماء من الجانبين. ولسنا نعني بالعلماء هنا الفقهاء، وإنما نعني من تتسع عقولهم، لمعرفة ما عند المخالف من حق، والإقرار به من دون غضاضة. فإن وُجد هؤلاء، فمرحبا بالحوار؛ وإلا فالانتظار يكون خيرا من المغامرة مع الصغار. نسأل الله أن يوفق أمتنا لما فيه خيرها، وخير الإنسانية جمعاء؛ وأن يوفق علماءنا بجميع مشاربهم، إلى خدمة هذا الدين، خدمة خالصة لوجه الله. وشكرا لكم على احتمالكم، واتساع صدركم. بارك الله فيكم وفي مصر وشعبها. والحمد لله رب العالمين. (نشرت صحيفة " البوابة" المصرية جزءا من الحوار فقط) |