انتهاء الاعتصام بعد
1255
يــــــوم
بسم الله الرحمن الرحيم. يُنهي شيخ الطريقة العمرية عبد الغني العمري الحسني، إلى علم الرأي العام، ومن بعده إلى علم أتباع الطريقة العمرية في أنحاء العالم، أنه: 1. قد عزم على إيقاف اعتصامه مع عائلته داخل بيته نهاية يوم الثلاثاء 15-5-2018م، بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم لعام 1439ه. وللإشارة، فإن هذا الاعتصام قد بدأ يوم الاثنين 8-12-2014م، واستمر طيلة 1255 يوم. 2. سيغادر مدينة جرادة التي كانت محل اضطهاده وعائلته من طرف السلطات المحلية والأجهزة الأمنية، مع توظيف الأوباش والسفهاء من أهل المدينة في هذا العمل الشنيع. وسيكون مقر الشيخ المقبل إن شاء الله بمدينة سلا، مرفوقا بجميع أفراد عائلته. حرر بجرادة ليلة الأربعاء: 16-5-2018م. شيخ الطريقة العمرية: عبد الغني العمري الحسني
Translated
Sheikh's Books |
2023/01/12
شذرات مما يتعلق بموقعة صفين من أحكام وآيات (9)
(تابع) 9. نتائج دين معاوية: ونعني منه بقاء التديّن صورة، مع الخروج عن الدين حقيقة. ولا يثبت هذا الصنف من الدين، إلا مع إشغال الناس بصور العبادات، وترسيخ الغفلة عن الله. وهو ما ذكره النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قوم بقوله: «يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاتَكُمْ مع صَلاتِهِمْ، وصِيامَكُمْ مع صِيامِهِمْ، وعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ، وَيَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لا يُجاوِزُ حَناجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ...»[1]. وما زال هذا الاعتبار عاملا في الأمة إلى الآن، فنجد كبار مفسديها يواظبون على صلاة الجمعة في الصف الأول، وعلى إحياء المناسبات الدينية بقراءة القرآن وترديد الأمداح النبوية؛ وكأن هذا باستطاعته غسل قلوبهم من النفاق، أو تطهير أيديهم من السيئات!... وبحسب مفهوم الحديث، فإننا قد نجد قوما من المؤمنين يخلطون بين الطاعة والمعصية، ولا يجترئون على الظهور في الناس بمظهر لباس التقوى حياء من ربهم؛ فيستهين الناس بهم ولا يحسبون لهم حسابا، وهم عند الله من الصالحين المعفوّ عن زلاتهم بسبب أدبهم. والأدب في العمل دائما مقدّم على العمل، عند معاملة ملك الملوك... ونحن دائما كنا نقول: إن أفضل الناس في الأمة بعد خواصها، هم العوام الذين لا يدّعون شيئا، مع أنهم مؤمنون بالله ورسوله، ولا يدخلون فيما لا علم لهم به من خلافات وصراعات داخلية في الأمة. وهؤلاء هم سواد الأمة، الذين تقوم عليهم الخلافة الخاتمة عندما يأتي أوانها. وهم متوزعون بين جميع الفرق والطوائف الإسلامية بحمد الله... ونحن عندما نحكم بموت الدين، فإننا لا نعني انتهاء الإسلام؛ فهذا لا يكون، ولا يقول به أحد؛ ولكن نعني غياب تماسك المجتمع الإسلامي الذي يكون نتيجة التديّن الأصيل. ونعني أيضا، عجز غالبية المتديّنين عن الترقي في مراتب الدين من الإسلام إلى الإيمان ثم الإحسان. وهذا يعني أن الغالبية من أهل القرون المتأخرة، لا يكونون إلا من مرتبة الإسلام؛ بل لا يكونون إلا من أدنى درجة في مرتبة الإسلام. ولقد صرنا نسمع من يعُدّ نفسه علامة العصر، يتردد بين الكفر والإيمان في مواعظه، أكثر من مرة، وهو لا يشعر. كل هذا، لأن الغفلة طغت على عموم المسلمين، كما سبق أن طغت على الكتابيّين قبلهم، مع كون الإسلام المحمدي دين الحق إلى قيام الساعة، بخلاف الكتابيّين الذين انتهى صلوح دينهم بالبعثة المحمدية... وحتى هذه المعلومات الأولية التي لا بد للمتديّن من معرفتها، قد صارت مجهولة، بسبب موت الدين الذي تكلمنا عنه. ولهذا، ما كان عوام المسلمين يخفى عنهم ما يميّزهم عن غيرهم من الأمم، فضلا من الله ونعمة!... وما سقطوا في عدم التمييز، إلا بعد السقوط في آفة التحريف: فتجد بعض العامة ينتهون إلى أن لكل أمة دينها، وأن كلا منها يرى أنه على الدين الحق، وأن الناس في النهاية لا يميّز بينهم إلا مقدار فعلهم للخير تجاه غيرهم من الناس... وهذا غلط جسيم، يقع فيه العامة وكثير من المفكرين!... والحقيقة هي أن الدين يكون حقّا، لا بحسب نظر الناس إليه، ولكن بحسب اعتبار الله له طريقا إليه. وهذه الصفة لا تثبت إلا للدين المحمدي وحده، من البعثة الشريفة، إلى قيام الساعة... ولكون الدين حقا، معايير وبراهين، من شاء تبيّنها، فعليه أن يسأل عنها الخبراء بها، والذين لا يكون فقهاء الدين الرسميون منهم، على أي حال... 2. تحول الدين إلى معلومات: وهذا، بعد أن كان معاملة لله. وهذا يعني أنه قد أصبح مجالا للدراسة، كسائر المجالات؛ واستولى الفقهاء على الإمامة الدينية وهم غير مؤهلين لها، فصار الدين خادما للسلطة بسبب ضعفهم عن القيام بشروط الإمامة، وتخلفت الأمة تخلفا نزل بها إلى أسفل الدركات. والعجيب، هو أنه لا يُنظر في أسباب الأزمة الدينية إلا داخل المجال الفقهي المعتاد؛ وكأن الناس لا يستفيدون من تجاربهم. أما إنكار التزكية الشرعية التي بها يتحقق للأمة الشفاء من أدوائها، فقد صار سمة لجلّ علماء الدين، رغم نص القرآن عليها صراحة. وأما الولاية الخاصة، التي هي عمدة الإمامة في الدين، فقد صار صغار الفقهاء لا يقبلون ذكرها في مجالسهم؛ وكأن هذه الأمة مع كونها خير أمة بين الأمم، كُتب عليها أن يكون أفرادها جميعا من العامة، أو من عامة العامة. ولن يبقى هذا السوء الحالُّ بالمسلمين مقتصرا على ما ذكرنا، من باب لحوق النتائج بالمقدمات؛ لذلك فستسوء صلة الأمة بنبيّها صلى الله عليه وآله وسلم، وسيجترئ على مقامه السفهاء ممن زعموا العلم والإصلاح في القرون المتأخرة، من متسلفة وإسلاميّين. وانقلب الدين بانقلاب معاوية انقطاعا عن الله ورسوله في الظاهر، بعد أن كان المنافقون الأولون يحرصون على عدم الوقوع فيه، خوفا من الافتضاح. وأصبحت الأمة تقتات على فلسفات دخيلة، أصلها كفريّ، تظن أنها قد تنفعها في دنياها، بعد أن ضعف النظر إلى الآخرة؛ فانضاف التخلف في الدنيا، عند فقد الخصوصيات، إلى خسران الآخرة -إلا أن يرحم الله-، وأصاب اليأس الأجيال الجديدة في عصور الجفاف الإيماني إلى الحد الذي انتشر معه الانتحار في المجتمعات المسلمة، بعد أن كان لا يكاد يُعرف فيها... 3. طغيان التخلف العقلي على المسلمين: لم تكتف الأمة بانقلاب الدين الذي أصابها في مقتل، بل لقد فقدت معه الحد الأدنى من العقلانية نتيجة له؛ فصار حالها يُشبه الجنون الجماعي. والسبب هو استصحابها للمتناقضات في عقائدها، مع التنظير المـُغرض الذي ساد منذ حكم معاوية. ولا بد في البداية من أن نقرر أن التخلف العقلي سيزداد مع مرور الزمان؛ لأن الأزمنة الأولى -ورغم كونها جاءت بعد انقلاب معاوية- لم تقع في التخلف العقلي دفعة واحدة؛ وبقي أفراد من الأمة، ممن تتحقق فيهم الأهلية الشخصية، في مقدمة الركب العقلي الإسلامي والعالمي؛ من الأسماء المشهورة في المجالات "العلمية" والفلسفية على الخصوص. ولكن سرعان ما صار التخلف العقلي سمة عامة للمجتمعات الإسلامية، بسبب هيمنة العقل الفقهي السني والشيعي، على تلك المجتمعات. ففي المجتمعات السنية -مثلا- رغم أن معاوية كان مقاتلا للخليفة عليّ من غير خفاء، ومع أن عليّا لم يجرؤ أحد على الطعن في مكانته عند الله ورسوله ولدى الأمة، فإن العقل الناصبي اخترع جمعا بينه وبين معاوية في الفضل، حتى صار الناس يترضّون على الرجليْن على ما بينهما من تقابل صارخ. ولكي يعرف القارئ مدى قوة هذا التضاد والتنافر، مع عدم اعتباره من الجهة الأخرى، فليتصور أن الأمة تعظم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لأنه منقذها من الظلام، والسبب في نيلها كل صنوف الرحمة الخاصة؛ لذلك هي تصلي عليه كلما ذكرته. ثم ليزد الآن على هذا، أنه وقع من الضلال للأمة، بحيث صارت تعظم إبليس نفسه، لاعتبارات أخرى مختلفة؛ لكنها موهمة. فصارت تظنّ أن إبليس يتسبب لها في نفع، لم تكن لتبلغه من دونه؛ فأدى ذلك إلى أنها صارت تُصلّي عليه كلما ذكرته هو أيضا. فهي رغم عيشها لهذا التناقض البيّن، لم تعد تشعر أنها فيه على تناقض؛ وكأنه تركيب ضروري لا تناقض!... هكذا هو الأمر في أصله!... ولقد كنّا من هذا الصنف لردح من الزمن، ولو في أدنى درجاته، بسبب العقيدة الجمعية التي نُشِّئنا عليها. وهذا قد أفقد الناس من حولنا المعايير العقلية، ودخل بالعقل الجمعي إلى التناقض المفضي إلى انمحاء المعايير. فكانت النتيجة جنونا عاما، ما يزال قائما إلى زماننا. ثم انضاف إلى كل هذا، ما أنتجه العقل الفقهي الفرعي من تناقضات أخرى متفرعة عن الأولى؛ إلى الحد الذي صار فيه مجال الدين بعمومه، مجالا خاصا، لا يقبل الفحص العقلي، إن توافرت شروطه!... وحتى يميّز القارئ ما نقول، فعليه العودة -مثلا- إلى ما سُمّي الربيع العربي في بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة بالحساب النصراني. وعليه أن يلاحظ كيف نهضت الشعوب العربية تباعا، تطالب بإصلاحات ضرورية، قد تجاوزتها الأمم الكافرة منذ عقود، إن لم يكن منذ قرون. وقد توهم الناس أن الشعوب العربية، عندما قامت، قد بلغت مستوى من النضج، لن تقبل معه بالعودة إلى ما كانت عليه. ونحن -بحمد الله- كنا نعلم أن ذلك لا يعدو أن يكون حركة مضطربة، هي علامة على المرض أكثر مما هي علامة على الصحة. وأخبرنا من كنا نكلمهم، بأن الأمور ستعود إلى أسوأ مما كانت عليه، لا لشيء، إلا لأن أمتنا قد فقدت المعايير العقلية التي تسبق في الترتيب العام، المعايير الدينية؛ وهو ما سميناه نحن جنونا جماعيا. فالشعوب عاشت لأيام وهي تحلم ببلوغ الجنة في الدنيا، مع أن الجنة محلها الآخرة. وصارت تطالب بالعدل في كل شيء، وهي لا تعرف معناه على التحقيق. وأهم ما غاب عنها: التفريق بين طريقي الإيمان والكفر؛ لأنها لو فرقت لاختارت، وهي لم تختر. وهذه هي الفوضى المعرفية التي يعيشها الناس، بسبب ما وقع عند انقلاب معاوية، وما تبعه مما هو من حتميات نتائجه منذئذ وإلى الآن. فـ-مثلا- عندما كان الناس يُطالبون في الساحات بإسقاط "النظام"، أو إسقاط "الحاكم"، كنا نحن نعلم أن مكمن الداء ليس النظام ولا الحاكم؛ لأن هذيْن يمكن تغييرهما في أوجز المدد، ومن دون عناء؛ ولكن مكمن الداء في الفقه والفقهاء، أي في الدين الرسمي، الذي يحمل جميع صنوف "الجراثيم" النفسية والحضارية. وكما كنا نتوقع عودة الأمور إلى أسوأ مما كانت عليه، بسبب إخطاء مكمن الداء، فكذلك وقع؛ عندما عاد "رجال الدين" يوجهون المجتمعات من جديد. والعجيب هو وقوع الشعوب مرة أخرى، فيما كانت فيه عينه، من دون إدراك لحقيقة ما جرى. وكأن الأمر دوامة، لا خروج لأمتنا منها!... وهذا هو ما سميناه فقد الحد الأدنى من العقل فيما سبق!... وحتى نكون منصفين، فلا بد من أن نستثني الشيعة من هذا الجنون الجماعي؛ لأنهم -رغم كل شيء- لم يسوّوا بين الحق والباطل، وإن ضل بعضهم في مناصرة الحق. وهكذا سيبقى الشيعة على عقل معتبر، فيما سوى التنظير الأيديولوجي المنحط، والذي يقابلون به التنظير السّنّيّ. وسيمتازون عن "أهل السنة" كثيرا، بما سيحفظ لهم المكانة بين دول العالم، في الوقت الذي لا تكاد تحظى بعض الدول السنية بأدنى احترام. ولم نر أحدا من الدارسين -بحسب مبلغ علمنا- اعتنى بمسألة انعكاس أثر العقائد على المستوى العقلي في المجتمعات الإسلامية، من الناحية التي اعتبرناها نحن، على وضوحها وجلائها. ورغم أن هذا يدخل في صميم الدراسات الفلسفية والاجتماعية والنفسية، فإن أصحابها بقوا على انفصام جليّ، وكأن النفاق الدينيّ قد ولّد لديهم نفاقا فكريا يزيد من تعقيد الوضع تعقيدا يكاد يخرج عن الحصر. ورغم أن آثار هذا الوضع كارثية، وتحول بين الأمة وكل نهوض، بأي معنى من معاني النهوض، فإننا لم نر من يقوم لهذه الآفة، يحقق أسبابها، ويعمل على رسم طريق الخروج من شؤم نتائجها، ولو من باب التنظير المعتبر فحسب... نعم، نحن نقدّر عمل بعض المفكرين الإسلاميّين من أمثال مالك بن نبيّ، في سبيل تشخيص داء الأمة؛ ولكننا نجده غير مكتمل في نفسه، ومن جميع الوجوه. أما من يعدّون أنفسهم مفكرين من أهل هذه المرحلة، فإننا لا نراهم يبلغون من العقل ما يُلحقهم بابن نبيّ نفسه، وإن زعموا مواصلة طريقه. والسبب الأول في هذا القصور، هو الانفتاح على الفكر الكفري في مراحل الدراسة، من دون تحصيل منعة إيمانيّة تحول بين الدارسين وتقمص مختلف الأفكار. وهذه مسألة ينبغي أن تُدرج ضمن دراسة المنهجية العلمية، إن كنا نريد التقدّم في مختلف المجالات... 4. ظهور الرفض وتطوره: عندما وقع انقلاب معاوية، كانت الشيعة ما يزالون على الأصل الأول من الدين؛ ولكن بعد انتقال عليّ عليه السلام إلى الرفيق الأعلى، وعند تنازل الحسن لمعاوية عن المـُلك؛ ومع جهل عموم الشيعة بكل التفاصيل الضرورية لحُسن قراءة المشهد، ومع إيحاء إبليس لهم بما يصبّ في إضلالهم، مما هو مخالف لوحيه لأهل السنّة، من باب الإيهام؛ فقد صار العامة من الشيعة يبغون فهما لحقيقة ما وقع، وهم يفقدون أهلية النظر في ذلك كله؛ فلم يجدوا غير نظرية الرفض، لمواجهة باطل النصب؛ وكأن الشرّ لا يُواجه إلا بالشرّ!... ولنذكر بعض ما أدى بعوام الشيعة إلى القول بالرفض من أسباب، بحسب ما يتيسّر: ا. انبثاق العداوة عن التقابل العقلي: وهذا مبدأ سارٍ، لا تكاد تخلو منه نظرية في العالم. وعندما رأت الشيعة ما ظهر من معاوية وأصحابه من معاندة للحق، علموا يقينا أن المعاندين لا يمكن إلا أن يكونوا على الباطل التام. وما كان اهتداؤهم في هذه المرحلة، إلا بعليّ عليه السلام، شمس زمانه. ولكن تشويش الخوارج على الخليفة، نال منهم؛ لأن العقول البسيطة، لا تُدرك الخير والشر إلا في الصور البسيطة؛ فإذا وقع التركيب، ضلت عما يفوق إدراكها. وهذا هو ما يجعلنا دائما نقول: الحلول في الأزمات الدينية لا تكون عقلية أبدا، ولكن تكون إيمانية!... ولكنْ ما كل الناس يعلم هذا!... والناس عندما يعتنقون عقيدة ما، فلا بد أن يسعوا إلى تخليصها من الشوائب والمنغصات؛ لا طلبا للحق وحده، ولكن طلبا للطمأنينة القلبية، التي قد تكون وهمية، وهم لا يدرون. وهذا، هو ما سيقع فيه عموم الشيعة... ب. ضعف الإيمان عند وقوع ما يُستبعد: ونعني من هذا، أن الناس عندما يكونون تابعين لإمامٍ حق، فإنهم يؤمنون أن الله معه؛ فإذا رأوا أن الله سلط عليه أحدا من الخسيسين بالغلبة أو بالقتل، فإنهم يشكون، إن كانوا على نظر؛ لأن بعض أسافل العامة تكون القاعدة لديهم: "لو أنه كان على الحق، ما غلبه فلان!". وهذه القاعدة رغم سطحيتها، فإنها تنال من أغلبية العوام؛ أقروا بذلك، أم لم يُقرّوا. وهنا مسألة ينبغي التنبه إليها، وهي أن العامة عندما يحبون غلبة إمامهم، فإنهم يكونون محبين لغلبة أنفسهم، لا لغلبة إمامهم حصرا. وهذا، لأن الإمام في نظرهم، قد صار طريقا إلى ما يبغون الوصول إليه في أنفسهم، وإن لم يتبيّنوا ذلك من الناحية التحليلية. ولهذا السبب، كان أتباع الإمام الحق يتأثرون إن هو مات أو قُتل؛ ولو أنهم على يقين منه، ما تأثروا؛ بل سيفكرون في كيفية مواصلة طريقه فقط. يقول الله تعالى منبها إلى هذه الحقيقة: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُۚ أَفَإِی۟ن مَّاتَ أَوۡ قُتِلَ ٱنقَلَبۡتُمۡ عَلَىٰۤ أَعۡقَـٰبِكُمۡۚ وَمَن یَنقَلِبۡ عَلَىٰ عَقِبَیۡهِ فَلَن یَضُرَّ ٱللَّهَ شَیۡـًٔاۗ وَسَیَجۡزِی ٱللَّهُ ٱلشَّـٰكِرِینَ} [آل عمران: 144]. والمعنى هو: هل كنتم مع الظاهر أم مع المظهر، حتى إذا رأيتم المظهر يلحقه الفناء، انقلبتم على أعقابكم؟!... وإن كانت هذه الآفة، مما يعرض لمن اتبع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أفلا تعرض لمن كان متبعا لمظهر وراثيّ أقل منه في المرتبة على كل حال؟!... وهذه الآفة المتربّصة بمن فقد مظهر إمامه بموت أو قتل، لا ينجو منها إلا من كان من أهل الكشف، لكونه على علم بالظاهر لا بالمظهر وحده؛ أو من كان مِن أهل الإيمان التام، لكونه سيتبع دلالة قلبه من دون تحليل عقليّ. وإلى جدلية الظاهر والمظهر، كان يُشير الصّدّيق عليه السلام، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما قال مقولته الشهيرة الدالة على صحة وراثته: "أيها الناس، من كان يعبد محمدا، فإن محمدا قد مات؛ ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت!". وعلى بساطة هذه العبارة، وعلى جلائها، فإنها مما يغيب عن الأتباع عند فقْدِ مظهر إمامهم!... ولقد كانت الشيعة في حاجة إلى من يُذكّرها بها، بعد فقد أئمتهم: علي والحسن والحسين، عليهم السلام؛ وإلا سيقع لهم، ما كان سيقع للصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لولا الحق الذي ظهر على لسان أبي بكر عليه السلام!... وهذا هو ما وقع عينه، بصورة متقاربة، للنصارى أيضا، عندما أيقنوا بقتل الروم (بحسب ما يشهدون) لمن كان مـُعظّما لديهم تعظيما بالغا؛ مما يدل على أنه امتحان مستمر للمؤمنين حيثما كانوا... والذي زاد من محنة الشيعة، هو تنازل الحسن عليه السلام لمعاوية عن المـُلك، وإن كان التنازل ظاهريا ومشروطا. والسبب في محنتهم هو أنهم توهموا -كما توهمت النصارى قبلهم- أن معاوية قد غلب حزب الله؛ وهذا من تلبيس إبليس، الذي سيجعل غير الموقنين يُعيدون حساباتهم كلها. ولو أن الناس عادوا إلى الله يستهدونه في كلامه، لوجدوه سبحانه يقول: {وَكَأَیِّن مِّن نَّبِیٍّ قَـٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّیُّونَ كَثِیرٌ فَمَا وَهَنُوا۟ لِمَاۤ أَصَابَهُمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا۟ وَمَا ٱسۡتَكَانُوا۟ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِینَ} [آل عمران: 146]. وفي قراءة: {وَكَأَيِّنْ مِّنْ نَبِيٍّ قُتِلَ}. وإذا كان الأنبياء يُقتلون من قِبل الأشقياء، فهذا لا يدل على أن الأشقياء على الحق، أو أن لهم من القوة ما ليس للحق؛ ولكن يدل على أن الدنيا ليست محلا لظهور العدل التام. وعدم ظهور العدل التام (من جهة الظاهر) في الدنيا، هو امتحان للمؤمنين، كما أسلفنا، ليعلم الله الصابرين الذين لن يصبروا إلا على يقين، ويعلم الكاذبين الذين سيبدلون الموضع من صف أهل الحق إلى صف أهل الباطل، والذي سيكون (التبديل) هو الردّة بالمعنى الشرعي. وقبل أن يرتد المرتدّون، فهم أمام حاليْن: - إما أن يكون بينهم رجال من أهل الحق، تتمكن قوة إيمانهم من إمساك من حولهم، بمجرد أن يكونوا معهم. فهؤلاء هم الطبقة من الرجال، الذين يثبِّت الله بهم المؤمنين. يقول الله تعالى: {لَا تَقُمۡ فِیهِ أَبَدًاۚ لَّمَسۡجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقۡوَىٰ مِنۡ أَوَّلِ یَوۡمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِیهِۚ فِیهِ رِجَالٌ یُحِبُّونَ أَن یَتَطَهَّرُوا۟ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِینَ} [التوبة: 108]، وإن نحن أخذنا الآية بما يُعطيه عموم اللفظ، فإننا سنفهم من المسجد محل السجود (القرب)؛ وهو هنا صف عليّ عليه السلام. وسنفهم أن اللحمة بين عليّ ومن يتبعونه، أو بين خلفاء عليّ في الصف ومن يبقى معهم، هي حبّ التطهُّر (التزكية). فمن كان من الراغبين في التزكية، فإنه سيبقى مع أهلها، وإن تغيرت عليه الصور. وأما من كان على نظر، أو على غرض، فإنه سيفقد الرابط، وسيطلب التعضيد من النظر (وهم أهل الحال الثاني)؛ وهنا يدخل إبليس مفتيا عقلانيا، لا يُجارى. - والحال الثاني هو لمن لم يقوَ إيمانه على مواجهة الفتنة، وصار محتاجا إلى تعضيد عقلي. وقد زاد من فتنة هؤلاء، تنازل الحسن في نظرهم. ونحن نقول: "في نظرهم"، لأن نظرهم يعطيهم ما لا تُعطيه الحقيقة. والحقيقة تُعطي أن الحسن، لم يتنازل إلا عن الدنيا، لا عن الدين والحق. والدنيا قد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنها لا تعدل عند الله جناح بعوضة؛ يقول عليه وآله الصلاة والسلام: «لَوْ كَانَتِ الدُّنْيا تَعْدِلُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ ماءٍ!»[2]. وهذا يعني أن كل من تألم لتنازل الحسن عليه السلام، كان على منطق دنيوي مخالف لما يُعطيه الإيمان. وقد زاد من محنة هؤلاء الضعفاء، تباهي معاوية ومن معه بما حقّقوه؛ حتى صاروا يُسمّون عام التنازل "عام الجماعة"، إمعانا في إضلال الصف المقابل؛ وكأن الجماعة الشرعية لا شروط لها!... فإن كانت جماعة معاوية بحسب مطموسي البصائر الذين معه جماعة، فأين الإمام الذي تقوم به الجماعة؟!... ولو كان صف الحسن على علم صحيح، ما اهتزت منهم شعرة؛ لأن جماعتهم هي الجماعة، وإن كان عددهم في تناقص!... ج. نشوء التنظير لعقيدتَيِ الرفض والنصب: قد لا يخطر على بال الناس أن الرفض نتاج مباشر لعمل معاوية، قبل النصب. وهذا، لأن النصب سيتطور شيئا فشيئا في الجانب السني؛ بخلاف الرفض الذي لا بد من تبلوره سريعا، في الجانب الشيعي المقابل، من أجل التصدّي لانقلاب معاوية وتقليل أضراره بقدر المستطاع. ولنقصر كلامنا الآن على الرفض، اعتبارا للتسلسل الزماني... فنحن نذكر أن التشيّع الأول كان تشيّعا سنّيّا أصيلا، لا غبار عليه. لكن استشهاد الخليفة عليّ عليه السلام بتلك الطريقة المشبوهة، في زمن تصاعد قوة معاوية؛ واستشهاد الحسن والحسيْن بعد ذلك بقليل، بطريقة تؤكد أن المؤامرة أكبر مما تبدو عليه؛ سيجعل تيّارا ضمن الشيعة يظهر، بقصد التصدي لكل ما يقع!... وهنا ستكون المبادرة بالدرجة الأولى لعوام الشيعة، لا لخواصهم. وهذا كما يحدث في الغالب، عند استشعار الجماعات للخطر... وستكون الغلبة في الخطوة الموالية، للأيديولوجيا التي يرى فيها العامة الحصن الحافظ لتماسك جماعتهم، بعيدا عن العلم الذي يُفترض أن يتبع فيه العوام الأئمة... ولنلاحظ الآن أهم ما ميّز تيار الرفض عند ظهوره: - اسم الرفض: إن أصح ما يقال فيه، أنه من الرفض بالمعنى اللغوي، فهو نظير "المعارضة" السياسية في زماننا. وهذا المعنى هو ما كان عليه الأئمة من أهل البيت عليهم السلام، عندما رفضوا انقلاب معاوية الديني، والذي لم يكن جانبه السياسي إلا أقلّه. وحكم هذا الرفض، الوجوب؛ كما لا يخفى. وقد روى أبو الجارود عن الإمام محمد الباقر، أنّ رجلاً قال له: إنّ فلاناً سمّانا باسم! قال: "وما ذاك الاسم؟" قال: سمّانا الرافضة. فقال الإمام (مشيراً بيده إلى صدره): "وأنا من الرافضة، وهو مني."[3]. وهنا ينبغي أن ننزه الأئمة عليهم السلام، عن المنافسة على الحكم، وعن المنازعة للحكام؛ من كونهم أهل دين لا أهل دنيا. وهذا الرفض الذي هو بالمعنى اللغوي، هو الرفض السّنّي (المنسوب إلى السنة النبوية)؛ لأن الأئمة من أهل البيت عليهم السلام، هم أئمة السنة، لا أئمة التشيّع بالمعنى الضيّق وحده. والدليل على أن الرفض سنيّ، هو ما بلغنا عن الشافعي رضي الله عنه في قوله من إحدى قصائده: يا راكبا قف بالمحصَّب مـــــن منى واهتف بقاعد خيفها والناهض سَحَرا إذا فاض الحــجيج إلى منى فيضا كملتطم الفُراتِ الفائـــض إن كان رفضا حــــب آل محمد فليشهــــــد الثقلان أني رافضيّ وهكذا، فإن الرفض بالمعنى اللغوي كان ينبغي أن يكون الرأي المناصر للدين كما هو في أصله؛ ولكن إبليس لن يترك هذا المعنى على أصله، رغم دلالة الأئمة من أهل البيت ومن فقهاء أهل السنة فيما بعد عليه. وسيجعله صفة لطائفة منحرفة عن الشيعة الأُول، والذين سيكون رفضهم متعلقا بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان عليهم السلام، عندما زعموا أنهم قد غصبوا الخلافة من عليّ وقد كان أولى بها. وغلط هذا الرأي باد، لأنه يَفترض أن الخلافة تُغصب، مع أنها تنصيب إلهي، كما بيّنّا من البداية. يقول الله تعالى: {وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ إِنِّی جَاعِلٌ فِی ٱلۡأَرۡضِ خَلِیفَةً} [البقرة: 30]؛ وما جعله الله، لا يُبدله عمل العباد. ولقد ألمحنا سابقا إلى أن العوام هم من وضعوا الأيديولوجيا الشيعية (الرفض بالمعنى الاصطلاحي)، لأن العلماء وعلى رأسهم الأئمة، لا يسقطون في هذه المخالفات الصريحة للوحي. والذي أخطأت فيه العامة، ليس هو الرفض من منطلقه، ولكنه الرفض بالأثر الرجعي. وهذا، لأن الرفض من المنطلق، كان رفضا لعمل معاوية، وكان حقّا، كما بيّنّا آنفا. أما رفض خلافة الخلفاء الثلاثة، فلم يكن له من معنى ولا اعتبار!... - تيار الرفض: سيصبح تيار الرفض بالمعنى الاصطلاحي، تيارا هداما، داخل جماعة الشيعة. وهكذا ستفسد الجماعة التي كانت على الحق، كلما اتسع فيها هذا التيار الخبيث. وبدل أن يبقى الشيعة على الحق، في مواجهة باطل معاوية ومن معه، فإنهم سيُصابون بالداء نفسه، وإن اختلفت أعراضه؛ وهو ما سيُدخل الأمة الإسلامية عامة في دوامة لا مخرج منها إلى الآن... وسيزداد الرفض اتساعا عند الشيعة، كلما ازداد تيّار النصب الخبيث عند من يُسمّون أنفسهم "أهل السنة". والتسميتان: الشيعة وأهل السنة، بمعناهما الاصطلاحي تسميتان بدعيتان، قد رسّختا الانقسام في الأمة الواحدة، مع أن الانقسام محرّم تحريما مغلّظا. يقول الله تعالى: {إِنَّ هَـٰذِهِۦۤ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةً وَ ٰحِدَةً وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُونِ} [الأنبياء: 92]؛ أي إن صفة أمتكم الأساس عند تحقق عبادتكم لي وأنا ربكم، هي الوحدة. فإذا صارت الأمة قِسَما، فإن ذلك يدل منها على أنها على خلل في عبادتها لربها. وهذا، لا يحتاج كثير كلام، لأنه داخل في المنطق الإيماني، الذي ينظم الدين كله عقيدة وعبادة!... - طغيان الرفض على التشيّع، والنصب على التسنن: إن التشيّع كما بيّنّا سابقا، هو التسنّن نفسه، عند بدايته؛ ولكن ظهور الرفض الخبيث، سينخره من الداخل، إلى أن يغيب فيه. فمن ينظر إلى الشيعة اليوم، يكاد لا يرى إلا الرافضة لكثرتهم. وما كثرتهم إلا لغلبة العصبية على العامة، لا من كثرة مناصري الحق كما يُزعم؛ لأن الحق مناصروه قلة من كل أمة، ومن كل زمان!... فلا يغشّ أحد نفسه بالأيديولوجيا التي تحكمه!... وفي المقابل، سيطغى النصب على أهل السنة، حتى لا يكاد يجد المرء منهم إلا النواصب!... وهكذا، سينتشر السوء من الجانبيْن، من دون أن يعلم الناس حقيقة ما هم عليه... وما نذكره هنا، لا يعني أن الروافض من العامة، أو النواصب من العامة، يشعرون بمبلغ انحرافهم عن أصل الدين؛ ولو شعروا، ما كان أحد منهم يبقى على ما هو عليه، لحرصهم على دينهم وآخرتهم؛ ولكنّ أئمة الضلال من الجانبيْن، يعملون على إبقاء الناس على هذا الانقسام، الذي يبدو وكأنه لا انفكاك عنه. وأئمة الضلال من هنا وهناك، لا يتمكنون من التحكم في العامة إلا عن طريق الأيديولوجيا المعتمدة لديهم: أيديولوجيا الرفض، وأيديولوجيا النصب. ولن يكون المتبوعون وأتباعهم على أيديولوجيا، حتى يقع تحريف بعض آيات القرآن، وبعض الأحاديث النبوية، عن معناها الأصلي؛ لأن هذا وحده، ما يُمكّن من تغيير أعمدة الدين وأصوله، ليصير دينا آخر مغايرا، وإن أبقى أصحابه على تسمية الإسلام له. ولنسأل سؤالا بسيطا هنا، وهو: عندما نجد الشيعة متمسكين بإسلامهم، ونجد أهل السنة أيضا متمسكين به على الدرجة نفسها تقريبا، مع عدم إمكان اجتماعهم عليه؛ فهل هو الدين نفسه؟... بالقطع، لا!... هذا، مع عدم تكفيرنا لأحد من الطرفيْن، ولا كليْهما. ونعني من هذا، أننا نقر لهما معا بالأصل الصحيح لديهما؛ مع عدم موافقتنا لهما على ما ابتدعاه من جانبيْهما!... إن هذا الانحراف العام، هو ما نتج عن انقلاب معاوية الديني، وإن لم يكن يقصده بكل تفريعاته. وهذا يعني أن الروافض هم موافقون لخطة معاوية، وإن ظنوا العكس. وأما النواصب فهم باقون على نهجه من جهتهم، لذلك يرون أنهم موافقون للدين من أصله، ويرون أن الشيعة هم من ظهرت منهم المخالفة. فما أعجب هذا التركيب، وما أصعب الخروج منه إذا أُنيط الخروج بالعامة وحدهم!... ولسنا نعني بالعامة هنا، إلا العامة من الفقهاء والمراجع!... 5. الانكشاف أمام الفلسفات والأيديولوجيات الدخيلة: بعد الانحطاط العقلي الذي أصاب الأمة، وبعد حلول الأيديولوجيا محل الدين، عاد المسلمون أدنى مرتبة في العقل من الكافرين؛ وهذا مفهوم لأهله، ولا يتطلب إطالة في البسط. وعندما كان الكافرون للضرورة، على فلسفة، من أجل تنظيم مجتمعاتهم، أو على أيديولوجيا؛ فإنهم صاروا يَبدون أرقى من مجتمعات المسلمين، في معاكسة جليّة لما ينبغي أن يكون الأمر عليه. وهو ما أدى إلى تقليد المسلمين للكافرين فيما بعد، من دون تمييز لمواضع التقليد؛ خصوصا مع موجات الاستعمار المتعاقبة. وهكذا -وإن كان الدين لا يتعايش مع المذاهب الوضعية- فقد ظهرت التيارات العلمانية باختلاف تدرجاتها في المجتمعات الإسلامية، حتى صار من بعض أتباعها شخصيات فقهية بارزة في زمانها؛ ورُكِن الدين -من حيث هو طريقة عيش- جانبا من الناحية العملية، وحُصر في المعابد (المساجد)، كما وقع للكتابيّين عند نسخ شرائعهم، مع وجوب الإشارة إلى استمرار صلوح شريعتنا... وزاد الأمر سوءا عندما أصبحت الدول القطرية، تتبنّى الفلسفات الغربية والشرقية، ما بين رأسمالية واشتراكية وغيرهما... بل لقد وصل الأمر ببعضها -على الأقل في مستوى الحكم أو في مستوى شطر من النخبة- إلى إعلان الإلحاد والانخراط فيما سيُسمّى حداثة تدور على مبدأ الأنسنة الدجّالي... لقد أدركنا فيما مضى طبقة من مفكري الأمة، يجاهدون في البقاء على سطح الفكر، ويرفضون الاستسلام لأمواج الظلمة المتدثرة بدثار العقلانية؛ وقد نفع ذلك عموم المسلمين، في مقاومة الغرق المعرفي في ظلمة الكفر إلى حين. وأما الآن، فقد تُرك الفرد المسلم أعزل في مواجهة موجة الإلحاد؛ فصار المسكين تارة يسقط على وجهه، وتارة يقوم قومة من لا يقوى على النهوض. وصار الإلحاد يزداد انتشارا في أمة الإسلام، وفقهاء الزمان (ولا فقه) يطنطنون بعبارات مكرورة، لا تدل إلا على غيبوبة عقولهم، في خرافية طالما أبينا إلصاقها بالدين... ولَشَدَّمَا يكون تعجّبنا، عندما نرى مدّعي الفقه في زمن العولمة، يتشبثون بسلطة فقهية باهتة، يزيدون بها من انضغاط الفرد المسلم تحت قهرهم عندما يُثبتون تحكمهم فيه بأحكامهم؛ وكأن القهر السياسي لم يكف في نظرهم، فأبوا إلا أن يُضيفوا إليه ما يخصهم منه. ونحن نرى هذا، من أقوى أسباب الإلحاد لدى الشباب، خصوصا وتخلف الفقهاء العقلي لم يعد خافيا على أحد... وهذا الصنف من الفقهاء، قد انقطع عن الدين انقطاعا إضافيا، غير الانقطاع الأول مع معاوية؛ عندما صاروا لا يعرفون مستندا لهم غير الوزارات التي تصرف لهم رواتبهم. فكأن دينهم لا رب له، أو ربه هو من نهى الله عن اتباعه؛ أو كأن الغاية عندهم صارت الدنيا وحدها، من دون اعتبار لآخرة!... فسبحان من يضلّ من يشاء، ويهدي من يشاء!... كما يشاء!... 6. انخراط الأمة في المشروع الدجالي: وهذا، أسوأ ما يمكن بلوغه من الضلال!... ولقد دخلت الأمة في المشروع الدجالي، منذ وقع الانحراف الأول مع معاوية؛ عندما اختارت طريق الباطل وآثرته على طريق الحق الأبلج. ولكن ذلك الانحراف جعلها تتبع سبيل الشيطان العامة، كما وقع للأمم السابقة الذين قص الله علينا أحوالهم في القرآن. غير أن الأمر الآن، ما عاد ضلالا عامّا كما كان؛ بل صار ضلالا خاصا، يتهيأ به حزب الشيطان لاستقبال الدجال عند ظهوره. والدجال هو أول شخص يظهر في الناس علنا، بوصفه رئيسا إنسيا للشياطين، وعاملا على تحقيق ملكهم على الأرض، بما لم يُسبق في الزمان، منذ خلق الله آدم وإلى الآن!... إن المسلمين قد حُذّروا من اتباع الدجال منذ عصر النبوة، عندما علمهم نبيّهم الاستعاذة من فتنته، وبصّرهم بصفاته؛ ولكن الفقهاء، بسبب الظلمة التي لحقتهم، وتراكمت على قلوبهم القرن تلو القرن؛ بدل أن يكونوا عونا لهم، صاروا أعوانا عليهم. ولا بأس هنا من التذكير ببعض ما يتعلق بهذه المسألة: ا. يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا مِنْ نَبِيٍ إلاَّ وَقَدْ أنْذَرَ أمَّتَهُ الْأَعْوَرَ الْكَذَّاب، ألاَ إنَّهُ أعْوَرُ، وإنَّ رَبَّكُمْ عَزَّ وجلَّ لَيْسَ بِأَعْوَرَ؛ مكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: ك. ف. ر.»[4]. وإنذار الأنبياء جميعا عليهم السلام، لا يعني إلا أن الدجال خليفة شيطاني إنسيّ عام، يبلغ به عمل الشيطان في الأمم كلها ما لم يبلغه من قبل، ولن يبلغه من بعد. وهو تمام تحقيق وعد الله لإبليس كما أخبر سبحانه في قوله: {قَالَ أَنظِرۡنِیۤ إِلَىٰ یَوۡمِ یُبۡعَثُونَ قَالَ إِنَّكَ مِنَ ٱلۡمُنظَرِینَ} [الأعراف:14-15]. وإن عمل الدجال، داخل هذه المدة الزمانية، لا شك هو من عمل الشيطان الذي سأل ربه بخصوصه. ولقد سمعنا بعض أدعياء العلم في زماننا، ينكرون خروج الدجال!... ونحن نقول: لا يُنكر خروجه إلا دجال مثله، وإن كان أقل منه في سوئه. وعلى الناس أن يستدلوا بكلامنا هذا، على دجاجلة العصر، إن كانوا يبغون اتقاء شرهم... ب. وعن أبي هريرة رضي الله عنه: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، ومِنْ عَذَابِ النَّارِ، ومِنْ فِتْنَةِ المـَحْيَا والمـَمَاتِ، ومِنْ فِتْنَةِ المـَسِيحِ الدَّجَّالِ.»[5]. وهذا يدل على أن المسيح الدجال فتنة للناس في زمانه، بسبب ما سيظهر عليه من الخوارق التي لم يعتادوا نسبتها في العادة إلا إلى الله. والدجال مخلوق منذ قرون، حتى إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كان يلتمسه في زمانه. وقد التقاه تميم الداريّ رضي الله عنه، في جزيرة وسط البحر، وأخبر بما كان من شأنه معه ومع أصحابه. وهو الآن ينتظر الإذن بالخروج، كما ينتظر المهدي. والحكمة في كون الدجال من البشر، هو أن الناس يعلمون بعض ما يعمله شياطين الجن من خوارق، فلن تنال منهم ما يناله بشر. والإنسان أكمل من الجني من حيث الخلقة، لذلك سيدعي الدجال الربوبية، ولن يقنع في النهاية بغيرها. وأما شيطان الجن، فلا يجرؤ على ذلك، وهو يرهب جناب الربوبية كثيرا، على ما به من كفر. وإن الله سيمد الدجال بكل ما أمدّ به إبليس قبله من صنوف الإمداد، حتى يتمكن من فتنة الناس. وهذا الباب من العلم مجهول للناس، علماء وغيرهم؛ ولو علموا منه قليلا، لارتعبوا... فلعل في الجهل به في بعض الأوقات، خيرا للجاهلين... ج. عن أنس بن مالك قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِن يَهُودِ أَصْبَهانَ، سَبْعُونَ ألْفًا عَلَيْهِمُ الطَّيالِسَةُ.»[6]. وهذا يبيّن الأصل اليهودي للدجال، ويبيّن أن أول أتباعه سيكونون من أهل الدين اليهودي، ممن يضعون أوشحة خضراء على أكتافهم، حتى تُعرف مكانتهم. واليهود بسبب كفرهم بالمسيح عيسى بن مريم عليه السلام، ما زالوا ينتظرون ظهور المسيح. وسيكون خروج المسيح الدجال كأنه إجابة لانتظارهم؛ وهو ما يليق بهم: لأنه المسيح الدجال، لا المسيح!... ولكنهم لشدة تصديقهم لأنفسهم، ولما اعتادوه من ضلال، سيتبعونه، وسيكونون أول المنخدعين به، جزاء مخادعتهم لله وأنبيائه. وأصبهان مدينة من إيران الآن (من وسطها)، وقد كانت هذه الأرض في القديم جزءا من خراسان، التي تجمع بين أراض من إيران وأفغانستان وتركمانستان. ولنلاحظ أن إيران الآن هي بلاد الشيعة الروافض ومركزهم؛ وكأن الدجال، سيخرج قريبا مما أنتجه معاوية بطريقة عكسية، ليلتقي سوء ختام الروافض بسوء بدء اليهود. وحتى من جهة إخطاء اليهود للمسيح الحق، ووقوعهم على المسيح الدجال، فإنهم يُشبهون الروافض الذين أخطأوا التشيع لعليّ عليه السلام، فأصابوا الرفض الذي هو الباطل بعينه. وهذا الذي نذكره، من المناسبات الجامعة بين أعوان الدجال وأتباعه. وسيأتي الكلام فيما بعد عن المهدي وعن أنصاره من تلك البلاد، لتكمل الدلالة على الحكم الإلهية... د. عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَجِيءُ الدَّجَّالُ، حتَّى يَنْزِلَ في ناحِيَةِ الْمـَدِينَةِ، ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلاثَ رَجَفاتٍ، فَيَخْرُجُ إلَيْهِ كُلُّ كافِرٍ ومُنافِقٍ.»[7]. ومعنى يخرج إليه كل كافر ومنافق، أي يخرج إليه من المدينة من كان على دين معاوية، حتى يلتحق الفرع بالأصل. هذا، لأن دخول المدينة ومكة محرم على الدجال. أما أهل الحق من أهل المدينة، فلا يخرجون، عصمة من الله لهم. وهذا لا يكون إلا بعد انقضاء ما كتبه الله من مدد الحق ومدد الباطل على الأرض. ومن يتتبع الأمور بعلاماتها، فإنه سيعلم أن التيار الدجالي، قد بدأ يُعلن عن نفسه منذ مدة: طورا عن طريق ادعاء إنجازات علمية مكذوبة، وطورا عن طريق إدخال الناس في الخوف والإرهاب بوسائل مختلقة، وطورا عن طريق النبوءات التي يُضمّنها في الأشرطة السينمائية المعدّة لذلك الغرض؛ إلى غير ذلك، مما لو تتبعه المؤمن لعرفه بسهولة... وحتى لا نُطيل بذكر التفاصيل المتعلقة بالدجال، فإنه يجدر بنا أن نشير إلى مجالات عمله الكبرى. وإن حصرنا للكبرى من مجالاته، يدل على أنه يهيمن على جل ما يتصل بمعاش الناس؛ ولكنه يخصّ مجالات بعينها بعنايته: * مجال التعليم: إن التعليم هو أخص مجال ينفذ منه التيار الدجالي إلى الناس. ومن ير ما يُقدّم الآن للأطفال في الدول الواقعة بالكلية تحت الهيمنة الدجالية، فإنه سيرعب لما يراه؛ وسيوقن أن الوالدِين لم تعد لهم ولاية على الأبناء، بسلطة الدول الداخلة في المشروع الدجالي. ورغم أن الدول الإسلامية تظن نفسها في منأى عما أصاب نظيراتها الكافرة قبلها، فإن التأثير الدجالي لا يلبث أن يحل بها قهرا برعاية النظام العالمي الدجالي. ولن ينفع حينها حذر من قدر!... وكل من أراد الله به خيرا، ممن ستُكتب لهم النجاة من هذه الفتنة العظمى، فإنه سيُوفّق إلى طريق التزكية التي شرعها لنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن نور الإيمان هو الحامي وحده، من إضلال الدجال... وهذا من الأصول في هذا المجال!... * مجال الإعلام: وهذا المجال، هو مُـلتقى الواقع بالخيال؛ والخيال هو مجال الشيطان الخصب ومجال الدجال. ولقد بدأ الإعلام يُظهر توجهه الدجالي جهارا. فحتى في الدول الكافرة، لم يعد المفكرون الأحرار يُستقبلون في القنوات التلفزيونية منذ عقود؛ بينما يكاد مَن هم مِن المفكرين الزائفين، أن يسكنوا في مقرات تلك القنوات. والشعوب (العامة)، تنفعل للتكرار، حتى يصير عندها المكرر حقائق مقررة، مع مرور الأيام. ومن تابع الإعلام في العقود الأخيرة، ومنذ النصف الثاني من القرن الماضي، فإنه سيعلم كيف أن الشعوب قد عاشت كذبات كُبرى، واستمرت فيها إلى أن جاءت الموجة الجديدة من الأوهام. ولن نتكلم عما يُعرف للناس بأقل تأمل، أو بأدنى تنبيه؛ لأن الأمر يتعدى ذلك، إلى ما لا يعلمه إلا أهل الاختصاص، من تحكم في العقول بالطرق المختلفة. ولو أن الناس قد بقي لهم الشيء القليل من الاستقلال، لكانوا يتعجبون من أنفسهم، كيف يتخذون قرارات جماعية بسرعة ومن دون تهييء مسبق، وقد كانوا غافلين عن ذلك قبل مدة قليلة. ثم هم عندما يدخلون فيما دخلوا فيه، يصيرون فاقدي السيطرة على أنفسهم، إلى حين بلوغهم ما سيبلغون!... * مجال الرموز البشرية: ونعني بهم من يصطنعهم النظام الدجالي، ويبرزهم في مجال من المجالات كالغناء والرياضة والفكر والسياسة وغير ذلك... وهؤلاء هم نظير الأنبياء في الأمم السابقة، وبدلاء عن الهادين في الأمم الحديثة. غير أن "المؤثرين" من الدجاليّين، لا يأخذون الناس إلا في طريق مظلم، يعلم الناس مدخله، ولا يرون له نهاية... ومن أهم ما يظهر على هذا الصنف من أعوان الدجال: المال الغزير!... فيجد الواحد من هؤلاء نفسه ينتقل من حال الفقر، إلى حال الغنى الفاحش، من غير حول منه ولا قوة؛ إلا ما يكون من استسلامه لمن سيوجّهونه في حركاته وفي سكناته. والنور النبوي وحده من الربانيّين، هو ما يُفسد عمل الشيطان وأتباعه، ويُسقط عنه الخيالات المنسوجة حوله؛ تماما، كما كشف نور موسى عليه السلام حيّات السحرة، وأظهرها على حقيقتها من كونها عصيا أو حبالا. فما أشبه اليوم بالأمس!... مع فارق معتبر، وهو اتساع دائرة المسحورين؛ فهم الآن شعوب بأكملها!... وهكذا يظهر أن الانحراف الديني الذي أسس له معاوية، لم يكن محصور الغايات، على قدر من أسَّس، أو على قدر من استهواه الطريق واتبع؛ ولكن الغاية الكبرى منه، هي ملاقاة الدجال الأعور على الضلال الأكبر، بتخطيط من إبليس نفسه، عند ترقّبه نيل وطره. وهذا لأن اللعين صدّق ربه -بخلاف بعض البشر- عندما أذن له بالشروع في الإضلال، كما أخبر عنه ربه تعالى بقوله: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغۡوِیَنَّهُمۡ أَجۡمَعِینَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنۡهُمُ ٱلۡمُخۡلَصِینَ} [ص: 82-83]، وهذا كان استئذانا من إبليس في الإغواء، وقد أقره الله عليه ومنحه ما يكون به ذلك الإغواء من مدد. وأما استثناء إبليس للعباد المخلصين، فلعلمه بآدم عليه السلام عن ذوق وتجربة، ولعلمه أنه لا بد أن يكون من ذريته من هو على شاكلته. فهو قد عرف أن آدم لم يكن له عليه سلطان، كما كان يتمنى عند دلالته له على الشجرة؛ وعرف أن العناية التي لحقته لا بد أن تلحق بعضا من الذرية، وهم العباد المخلَصون (بفتح اللام)؛ أي هم مخلصون باستخلاص من الله، لا بسبب منهم. فكان جواب الله للعين: {قَالَ فَٱلۡحَقُّ وَٱلۡحَقَّ أَقُولُ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنۡهُمۡ أَجۡمَعِینَ} [ص: 84-85]. فما بقي للشيطان إلا أن يسعى إلى جمع أتباعه من كل زمان، ليكونوا رفقاءه في جهنم. وهو في عمله على نقيض شيوخ التزكية، لأنه يُنزل أتباعه عن آدميتهم، بوسيلة الظلمة لا بوسيلة النور؛ ويُذيقهم دركات النزول في الطبيعة إلى أدناها؛ لا درجات الارتقاء إلى السماء. فمن سمى على هذا إبليس شيخ التدسيس فقد أصاب. يقول الله تعالى عن الفريقيْن: {قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا} [الشمس: 9-10]؛ أي النفس. وغاية التدسيس بلوغ النفس الشقاء... وهذا يتحقق لصنف من الناس قبل قيام الساعة، على يد الدجال، من كونه إماما كبيرا في طريق الشقاء. لذلك قلنا باجتماع فروع الضلال السابقة، بما عنده من ضلال، ليجمعها جمعا يتلقفه منه إمامه الأكبر إبليس على أنه إنجاز عمره. فلا يستهن أحد، بما الناس مقبلون عليه في هذه الأزمنة من فتن!... (يُتبع...) [1] . أخرجه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. |