انتهاء الاعتصام بعد
1255
يــــــوم
بسم الله الرحمن الرحيم. يُنهي شيخ الطريقة العمرية عبد الغني العمري الحسني، إلى علم الرأي العام، ومن بعده إلى علم أتباع الطريقة العمرية في أنحاء العالم، أنه: 1. قد عزم على إيقاف اعتصامه مع عائلته داخل بيته نهاية يوم الثلاثاء 15-5-2018م، بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم لعام 1439ه. وللإشارة، فإن هذا الاعتصام قد بدأ يوم الاثنين 8-12-2014م، واستمر طيلة 1255 يوم. 2. سيغادر مدينة جرادة التي كانت محل اضطهاده وعائلته من طرف السلطات المحلية والأجهزة الأمنية، مع توظيف الأوباش والسفهاء من أهل المدينة في هذا العمل الشنيع. وسيكون مقر الشيخ المقبل إن شاء الله بمدينة سلا، مرفوقا بجميع أفراد عائلته. حرر بجرادة ليلة الأربعاء: 16-5-2018م. شيخ الطريقة العمرية: عبد الغني العمري الحسني
Translated
Sheikh's Books |
2023/01/02
شذرات مما يتعلق بموقعة صفين من أحكام وآيات (7)
(تابع) 7. وراثة الخلافة والإمامة في الدين: لعل القارئ يذكر تفريقنا في الاصطلاح بين "الخلافة" و"الإمامة"، تفريقا أردنا منه خروج الناس من هذه المسائل كلها بطائل؛ مع أنهما من جهة اللغة قد يكونان في أحيان كثيرة مترادفيْن. وقد جمع بين الإمامة والخلافة عليّ عليه السلام، بالمعنى الخاص كما أسلفنا؛ وإلا فإن كل خليفة لا يخلو من إمامة دينية إبان خلافته، مع احتمال أن يكون غيره أعلى مرتبة منه فيها، وهو المسمّى عند أهل الله "ختما" في الزمان. ومعنى الختمية في الحقيقة هو: انتهاء العلم في الزمان إلى واحد، هو الختم. وهذا مفهوم جدا من الناحية العقلية، إن نحن أقررنا بتفاوت الناس في العلم؛ لأن التفاوت يقتضي وجود الأدنى ووجود الأعلى. وهذا الأعلى، هو الختم المذكور... وقد أشار الله إلى حقيقة التفاوت في العلم، عند قوله تعالى: {نَرۡفَعُ دَرَجَـٰتٍ مَّن نَّشَاۤءُۗ وَفَوۡقَ كُلِّ ذِی عِلۡمٍ عَلِیمٌ} [يوسف: 76]. وقبل أن نمضي في الكلام، لا بد أن نزيح من طريقنا مغالطة كبرى، صارت سمة عصر الانحطاط والتخلف؛ ألا وهي اعتبار "العلوم الكونية"، علماً هو "العلم" بالتعريف العهدي. وهذا -وإن كان سيبدو غريبا في نظر الجاهلين لأول وهلة- نظير للخرافة عندما كانت تُعتبر عند بعض الشعوب البدائية علما. ولقد غلط كثيرا من يسمّي تلك "الخرافة" سحرا (وإن كانت المجتمعات لا تخلو من سحر دائما)؛ لأن السحر علم مستقل بنفسه، يجهله من يتكلم في شؤون المجتمعات البدائية... ونحن عندما أنكرنا أن تكون العلوم الكونية علما، فلا من كل وجه؛ بل من الوجه الذي ينظر إليه الكافرون ومن على طريقهم. أما من وجه رد المعلومات كلها إلى الله، فإن تلك العلوم الكونية تُصبح علما، إن هي رجع بها العالم إلى الحقائق الإلهية المشيِّدة لها. وهذا كله، لأن المعلوم في الحقيقة واحد، هو الله؛ ومن لا يعلم الله من المعلومات، فإنها تصير في حقه عدما. وعلى هذا، فإن من يعُدّهم الجاهلون علماء ممن لا يتجاوز نظرهم الأكوان، هم في الحقيقة لا يعلمون إلا العدم؛ ومن كان يعلم العدم، فعلمه أيضا عدم. وقد يجد بعض من يفهم ظاهر كلامنا، تناقضا في العبارة، بما أن العدم لا يتعلّق به العلم؛ فنقول: نحن قد أومأنا من قبلُ إلى أن المسألة لها وجوه؛ والوجه الذي يُعلم منه العدم، لا يُعلم حتى يتلبس بالوجود، فيكون المعلوم الوجود، لكن من جهة العدم. وبما أن من يعلمون الأكوان، لا يعلمون الوجه الوجوديّ الذي ذكرناه، فإن علمهم يلحق بالعدم لأن الحُكم يتبع نظرهم ومرتبتهم. وعلى كل حال، فإن هذه المسألة طويلة الذيول، ونحن لا نريد أن ندخلها في هذا الكتاب؛ ونكتفي بالإشارة إليها، لأهميتها فيما نتناوله من خلافة وإمامة. فإذا علمنا ما تقدّم، فلنقرّر الآن أن ما تكلمنا فيه، هو بعض ما يدخل في علم الخليفة والإمام. ونحن نقول هذا، حتى لا يبقى أهل الدين على التخصيص، مع معنى العلم الشائع لديهم، والذي هو معنى العلم بالأحكام الشرعية، التي هي مناط الفقه بالمعنى الاصطلاحي؛ هذا فحسب!... ولقد عرفنا أيضا أن الخلفاء اثنا عشر، لا يزيدون ولا ينقصون. يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَنْقَضِي حَتَّى يَمْضِيَ فِيهِمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً. قَالَ: ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ خَفِيَ عَلَيَّ (على الراوي). قَالَ: فَقُلْتُ لِأَبِي: مَا قَالَ؟ قَالَ: كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ.»[1]. وأول هؤلاء الخلفاء أبو بكر، وآخرهم المهدي؛ على الجميع السلام. وأما الإمامة فرجالها اثنا عشر أيضا، أولهم عليّ، من يوم الغدير؛ وآخرهم المهدي، على الجميع السلام. والخلفاء هم غير الأئمة، كما بيّنّا عند التفريق في الاصطلاح سابقا؛ إلا من جمع بينهما كعلي والحسن في البداية، وكالمهدي في النهاية؛ ولا يجمع بينهما على هذه الصورة الفائقة، إلا هؤلاء الثلاثة عليهم السلام. والخلفاء بالترتيب، كما أخبر عنهم ختم هذه الأمة ابن العربي الحاتمي عليه السلام، هم: 1- أبو بكر الصديق عليه السلام. 2- عمر بن الخطاب عليه السلام. 3- عثمان بن عفان عليه السلام. 4- عليّ بن أبي طالب عليه السلام. 5- الحسن بن عليّ عليه السلام. 6- معاوية بن يزيد عليه السلام. 7- عمر بن عبد العزيز عليه السلام. 8- جعفر بن محمد (المتوكل) عليه السلام. 9- محمد بن أحمد الناصر (الظاهر بأمر الله) عليه السلام. 10- مراد الثاني عليه السلام. 11- سليم الأول عليه السلام. 12- المهدي عليه السلام. وهؤلاء الخلفاء، هم في مقابل الخلفاء من الأنبياء في الأمم السابقة. وقد ذكر الله بعضهم في القرآن، في قوله تعالى: {یَـٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَـٰكَ خَلِیفَةً فِی ٱلۡأَرۡضِ فَٱحۡكُم بَیۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ فَیُضِلَّكَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِۚ} [ص: 26]، وقوله سبحانه: {وَوَرِثَ سُلَیۡمَـٰنُ دَاوُۥدَۖ وَقَالَ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمۡنَا مَنطِقَ ٱلطَّیۡرِ وَأُوتِینَا مِن كُلِّ شَیۡءٍۖ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡمُبِینُ} [النمل: 16]. وإيتاء الله للخلفاء من كل شيء، هو مخصوص بهم (الأغواث) وحدهم؛ لأن ذلك شرط في قيامهم بتدبير شؤون الأكوان جميعها. وأما خاتم الخلفاء من الأنبياء، فهو نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، الذي جمع الله له بين النبوة الكبرى الأصلية، والخلافة العظمى الأصلية، والحكم. ونعني بالأصلية، ما كان من مرتبة الحقيقة المحمدية (الكلمة) الجامعة، لا ما كان من المرتبة النيابيّة التي للأنبياء عليهم السلام. وهذا يعني أيضا أن خلافة الأنبياء الخلفاء، هي بالنيابة عنه صلى الله عليه وآله وسلم؛ كما هي خلافة الخلفاء من أمته بالخلافة عنه، لا بالأصالة. فإليه يرجع الأمر كله، صلى الله عليه وآله وسلم؛ علم من علم، وجهل من جهل... ونحن نرجّح أن يكون عدد الخلفاء من الأنبياء اثنا عشر على عدد الخلفاء من الأمة، وإن كنا لا نعلم على وجه التحديد منهم إلا ثلاثة: داود وسليمان ومحمد. ونرجح أيضا أن يكون آدم منهم، وإن كان ملكه مطويا في خلافته، وهي صورة جامعة خاصة به، لكونه أول البشر على الأرض؛ فصاروا أربعة. ونرجح أن يكون يوسف أيضا منهم، لقول الله عنه: {وَكَذَ ٰلِكَ مَكَّنَّا لِیُوسُفَ فِی ٱلۡأَرۡضِ یَتَبَوَّأُ مِنۡهَا حَیۡثُ یَشَاۤءُۚ نُصِیبُ بِرَحۡمَتِنَا مَن نَّشَاۤءُۖ وَلَا نُضِیعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ} [يوسف: 56]. وهكذا -إن صح قولنا- يصيرون خمسة؛ ويبقى سبعة في طيّ الكتمان، أو قد يكونون من أهل الممالك القاصية. هذا مع العلم أن الخلافة الغيبية، التي صارت للأغواث من الأمة المحمدية، قد كانت في الأمم السابقة للأنبياء وحدهم عليهم السلام. كما أن ديوان رجال الغيب الذي يترأسه الخليفة الغيبي، قد كان أعضاؤه قبل البعثة المحمدية من الملائكة حصرا؛ وأما بعد البعثة فقد انضم إليه الأولياء من هذه الأمة؛ كرامة لنبيّها صلى الله عليه وآله وسلم. فلا بدّ من تمييز ما ذكرنا، حتى لا تختلط الأمور!... وكل من أراد أن يُخضع شخصيات الخلفاء من أمتنا، لمعاييره في العدل -مثلا- فإنه لن يهتدي؛ وسيجد من هؤلاء المذكورين من لا يصلح -في نظره أو في نظر المؤرِّخين- لهذه المرتبة. والحقيقة هي أن ما يراه العوام ظلما منسوبا إلى أي خليفة، هو من العدل التام؛ سواء علمه الناظر أم لم يعلمه. وهذا، لأن خليفة الله الجامع، لا يحكم إلا بالعدل وبما يوافق الشريعة، عصمة من الله؛ وإن جهل الناس هذه العصمة. وهذه العصمة أخصّ من غيرها من صنوف العصمة، لأنه لا أعلى منها. والحكم على الشخص، لا يصح حتى يكون الناظر جامعا بين علمي الظاهر والباطن (الغيب والشهادة) بالدرجة التي يكون عليها الخليفة، وهو متعذّر في الغالب. فلم يبق إلا التسليم للخلفاء!... وقد كنا نحن دائما ننصح من يأخذ عنا، بعدم قياس خليفة على آخر، في حال أقر بخلافة أحدهم وجعلها مرجعا في نظره؛ لأن ذلك لا يصح، وليس في مقدور الناس. والسبب هو عدم التكرار في التجليات الإلهية، والتي لو تكررت (بحيث يتطابق خليفتان) لانتفى اسم الله "الواسع"، والحال أنه ثابت؛ فوجب التذكير... أما الأئمة الذين ورثوا الإمامة عن عليّ عليه السلام، والتي هي الختمية في زمانهم، فهم: 1- (عليّ بن أبي طالب عليه السلام). 2- الحسن بن عليّ عليه السلام. 3- الحسيْن بن عليّ عليه السلام. 4- عليّ زين العابدين عليه السلام. 5- محمد الباقر عليه السلام. 6- جعفر الصادق عليه السلام. 7- موسى الكاظم عليه السلام. 8- عليّ الرضى عليه السلام. 9- محمد الجواد عليه السلام. 10- عليّ الهادي عليه السلام. 11- الحسن العسكري عليه السلام. 12- محمد المهدي عليه السلام. والخلفاء -كما يلاحظ القارئ- غير الأئمة من حيث الأشخاص، إلا الثلاثة المذكورين آنفا؛ وقد غلط أهل السنة في معرفة الخلفاء الذين لهم الخلافة الباطنة والظاهرة، بسبب دخول الملوك عليهم، وعدم تمييزهم من جهة غيبهم؛ كما غلطت الشيعة عندما توهّموا أن الإمامة هي عينها الخلافة، وهو سبب مطالبتهم بتولّي الأئمة الحكم في أزمنتهم. ولم يكن لهم فقه في الواقع، يدلهم على أنهم مجانبون للصواب؛ لأن الإمامة لو كانت تقتضي الحكم، لكان الأئمة قد نالوه؛ لا يتمكن أحد من منعهم ذلك، من جهة القدَر!... وعلى المتأخرين الآن من جميع المسلمين أن يعلموا أن الخلفاء، هم مَن تولّوا الحكم مِن الأغواث في الأمة؛ وهذا لم يكن إلا للاثنيْ عشر الذين ذكرناهم، والذين مضى منهم أحد عشر إلى الآن. وعليهم أن يعلموا أيضا، أن الأئمة ليسوا عند الله من أهل السلطان باستثناء عليّ والحسن والمهدي الذين اجتمعت فيهم الخلافة والإمامة كما بيّنّا أكثر من مرة. وخلافتهم، هي ما حَكَم فيهم بتولّي الحكم، لا الإمامة. وهذا لأن من لم يتولّ السلطان، فلا خلافة له وإن كان أعلم أهل زمانه. فلا يُتعب أحد نفسه فيما لا يُحصّل!... كما يعني هذا، أن الأعداد التي تزيد فيمن تولوا الحكم على الاثني عشر، لا يكونون إلا ملوكا، وإن بلغوا في حسن السياسة ما بلغوا. وإنّ هذا التفصيل يعني أن ما كان ملتبسا في نظر السابقين من المسلمين، لم يعد كذلك لدلالة القدَر (الواقع) عليه الآن، وبعد تولّي زمنه؛ ولسهولة التفصيل العلمي الآن أيضا، بما لم يُتَح للأولين؛ وبالتالي لسهولة التفريق بين كل الأصناف، من الوجوه التي ذكرنا. ومن لم يتمكن بعد هذا التوضيح من التفريق بين الخلافة والإمامة من جهة الاصطلاح، فيصعب أن يجد جلاءً لالتباسه، ورفعا لانتكاسه... وأما المهديّ عليه السلام، فهو يعيش بقدرة الله في عالم مواز، في زمن مختلف عن زماننا؛ ولن يخرج من ذلك العالم، إلا عندما يحين وقت خلافته. ولا يستغربن أحد من قدرة الله هذه، فإن الخضر عليه السلام أبقاه الله إلى قيام الساعة، وعيسى سيستأنف حياته الدنيا بعد نزوله عليه السلام مرة ثانية، والعزير عليه السلام قد أماته الله مائة عام ثم بعثه... فلا مسوّغ للتوقف في المهدي وحده!... وهو محمد بن الحسن العسكري، كما تقول الشيعة؛ لا أنه سيُخلق في زمن الخلافة على رأي أهل السنة. وقد تكلم الناس فيه كثيرا، ولم يحيطوا بعلمه إلا قليلا. غير أن الشيعة عندما يعتبرونه إمام الزمان، في هذه القرون كلها التي تفصل بين ميلاده وخلافته، يغلطون؛ لأنه منفصل في هذه المدة عن هذا العالم، إلا ما يكون من اختصاص بعض الخواص بلقائه كرامة من الله لهم؛ أو ما يكون من ذوقه هو لأحوال العالم حيث هو. ولقد لقيه بعض أصحابنا منذ مدة، فأخبر عليه السلام أن طريقنا موصول به. ودلت الدلالات على أننا من سلسلة أهل البيت المتصلة به، لاعتبار خاص، قد يظهر للناس بعد تعاقب الأحداث واتصالها به عليه السلام. ونحن لا نأخذ هذه البشارات إلا من باب التفاؤل وإحسان الظن بالله، ثم به عليه السلام، ومن باب التحدث بالنعمة؛ لا على أننا أهل لذلك... فنحن أكثر تواضعا، مما يظن كثير من الناس!... ولا بد هنا، وقبل أن نمضي في الكلام، من أن نلاحظ أن الأئمة من أهل الإمامة الكبرى، من بعد الحسيْن عليه السلام، كانوا كلهم من ذريّته الشريفة. وهذا اختصاص من الله لهذه الذرية، إكراما للحسيْن عليه السلام، وتنبيها على علوّ مرتبته في الشهادة. فليُعتبر هذا، مِن دون تنقيص في أبناء الحسن عليه السلام؛ لأن المقصود الجمع بين الحسنييْن، لا الحرمان من إحداهما؛ وما التوفيق إلا من عند الله. ونحن بالإضافة إلى ما يُمكن أن يندرج ضمن ما ذكرنا، قد أذاقنا الله من حال عليّ عليه السلام نفسه، وعرفناه بعلامته؛ وهو حال غريب يُعطي افتراق الناس عن صاحبه، وإن علموا أنه أولى من غيره بصحبتهم. وهو بباطنه -عليه السلام- قاصد لذلك، لا بظاهره؛ لأن ظاهره يُعطي الحرص على الأصحاب لا العكس. وهذا الحال محمدي في أصله كجميع الأحوال، ولكن الله لم يُظهره على ظاهر النبي إلا قليلا؛ حتى يثبت المؤمنون معه، عليه الصلاة والسلام، رأفة منه سبحانه ورحمة. وهو ليس حال الخمول المعروف للصوفية، وإنما هو أصله ومنشأ مادته. وإنْ هذه إلا إشارة إليه، لأن الكلام فيه فوق الأطوار... ولسنا هنا نقصد بهذا الكلام الدلالة على نفسنا، ونحن من لا ندل إلا على الحق بالحق، فضلا من الله ونعمة؛ ولكن ندل أهل العلم على كمال الأدب فحسب. وحسبنا الله فيما نقول، وفيما عنه نسكت؛ وكفى!... لا إله إلا هو، هو ربنا، وإليه المصير... وأول ما ينبغي أن يتحلى به الناظر المنصف، هو تخلّيه عن الموروث لديه من طائفته؛ لأن أهل السنة لم يظفروا إلا بشطر المعنى (إن أصابوه)، وخلطوه بكثير من الباطل؛ ولأن الشيعة أيضا، لم يظفروا إلا بشطر المعنى الآخر، وخلطوه كغيرهم بكثير من الباطل. وهذا يدل على أن الأمة حين افتراقها الافتراق الأكبر، قد توزعت الحق فيما بينها؛ وهذا من العدل الإلهيّ، وإن خفي... ولن تعود الأمة إلى الحق الكامل، إلا إن اجتمع شطر من أهل السنة وشطر من الشيعة على الحق الكامل المتوزَّع بينهم، نافين للباطل الذي كان لديهم جميعا. أما من ينتظرون من كل طائفة أن يضموا إليهم الطائفة الأخرى، عندما يَبين لها أن الحق معهم، فليعلموا أنهم على أيديولوجيا موروثة، لا يخلِّصهم منها إلا العودة عن الباطل الذي معهم بالعلم الصحيح. فإذا رجعوا إلى الحق بالعلم، فإنهم عندئذ سيعلمون المشتركات التي بينهم وبين غيرهم، فيسهل اجتماع الأمة من جديد، كما كانت مجتمعة على عهد النبوة. وليلاحظ القارئ أننا قلنا عن احتمال وقوع الاجتماع بين شطر من أهل السنة وشطر من الشيعة، لا من جميعهم؛ وهذا، لأنه لن يزال على عقائد أهل السنة وعقائد الشيعة أقوام، لا يرون الحق إلا فيها. وهذا الصنف من الناس، لن ينفع معه بعث المهدي نفسه؛ وسيبقى على ما كان عليه في باطنه، وإن خاف على نفسه إظهار مخالفة المهديّ في وقته، على ظاهره!... وهذا من أعجب ما يكون من أصحاب العقائد!... وسنتوقف عن الكلام في هذه المسائل، إلى أن يأتي أوان تبيين كيفية الوقوع في الأيديولوجيا من الطرفيْن، بإذن الله... وبعد هذا، ينبغي أن نقرر أن الخلافة التي ذكرناها إلى الآن، هي الخلافة الجامعة الخاصة، وتبقى بعد ذلك الخلافة العامة الغيبيّة التي تكون لأغواث الزمان الذين لا يعلم الناس أشخاصهم، مع كون حكام زمانهم، لا يكونون إلا تحت حكمهم، ولا بد. فهؤلاء لا يخلو منهم زمن من الأزمنة كلها، إلى قيام الساعة. يخلف بعضهم بعضا، حتى إذا مات أحدهم ولم يخلفه أحد؛ قامت القيامة. وهذا المعنى مـُضمّن في قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تقومُ السَّاعةُ حتَّى لا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ: اللَّهُ، اللَّهُ!»[2]. ومعنى قول الله! الله! في الحديث هو القول بالمرتبة (المقام) والحال، لا القول باللسان؛ لأن القول باللسان ليس له هذا الخطر!... وقد أُخبرنا أن سيدي أبا مدين رضي الله عنه، قد تقطّب (تولى القطبية التي هي الخلافة الغيبية) قبل الغرغرة بثلاث ساعات. وهذا إن دل على شيء، فإنه يدل على أن المرتبة لا ينبغي أن تشغر، ولو لحظة؛ فإذا شغرت، انهد بناء العالم في الوقت. ومن فهم هذا المعنى، فهم أن هذا الخليفة، هو الذي يُمسك السماوات والأرض أن تزولا، كما أخبر الله في قوله تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ یُمۡسِكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ أَن تَزُولَاۚ وَلَىِٕن زَالَتَاۤ إِنۡ أَمۡسَكَهُمَا مِنۡ أَحَدٍ مِّنۢ بَعۡدِهِۦۤ} [فاطر: 41]. ولا ينبغي لأحد التفريق بين الاسم ومظهره (الخليفة) في الآية؛ لأن الظاهر لا بد له من مظهر، ولأن "الله" هنا الاسم لا الذات. وقد غلط كثيرون عند جهلهم بهذه التفاصيل، فدخلوا إلى الشرك من الوحي!... فهم كما أخبر الله عن قوم: {وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ مَا هُوَ شِفَاۤءٌ وَرَحۡمَةٌ لِّلۡمُؤۡمِنِینَ وَلَا یَزِیدُ ٱلظَّـٰلِمِینَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: 82]... وقد يكون الخلفاء الغيبيون من أهل البيت عليهم السلام، كما كان سيدي عبد السلام بن بشيش وسيدي عبد العزيز الدباغ من مشاهير أهل المغرب؛ وقد يكونون من غيرهم، كما كان بعض الأعاجم والأمازيغ... وبما أن أمر هذه الخلافة غيبيّ على التمام، فإن الإشارة إليها تكفي حتى تُعلم. وكل ما يكون فوق ذلك، فهو لخاصة الخاصة وحدهم من دون الناس. والله لا يكلف نفسا إلا ما آتاها، فليعلم العبد ما آتاه مولاه، وليرع حقه؛ إن كان يريد أن يكون مرضيّا!... ولا يقلِّد أحدا في هذه الأمور، لأنها مما لا ينفع فيه التقليد... وقد يبلغ التلاميذ من التصديق، ما لا يُطيقه شيوخهم؛ فليُبقوا على الباب دونهم مفتوحا، ولا يُغلقوه باتباع الشيوخ!... فإنه قد حُرم الخير بالتقليد أقوام كثيرون، ما لم يتداركهم الله برحمته!... والمنصف، قد يعلم هذا من نفسه، أو ممن حوله، من دون عناء!... وكما تفرع عن الخلافة الجامعة خلافة غيبية خاصة، فكذلك تفرع عن الإمامة الكبرى في الدين، إمامة صغرى تكون لكبار العلماء من المسلمين عموما، وللصالحين وأئمة المراتب من شيوخ الإسلاك خصوصا، كلا بحسبه. ومن النماذج البارزة في مرتبتيْن من الإمامة والمشتركة في الزمان: جعفر الصادق عليه السلام في الإمامة الكبرى المنوطة بالدين، وأبو حنيفة ومالك في الإمامة الصغرى (الفقه). ومن النماذج في إمامة التزكية من جهة الظاهر وحده، ومن دون نظر إلى غيبهم: الجيلاني والرفاعي ومن على شاكلتهما عليهما السلام. والفرق بين الإمامة في الدين والإمامة في الفقه، هو أن الأولى تكون عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كشفا عُلويا (وحيا خاصا)، وأن الثانية تكون عن كشف من وراء العقل. فالأولى تُسمّى ختميّة، ولا يخلو منها زمان، ولو بعد انقضاء الإمامة الكبرى الخاصة التي للاثني عشر من أهل البيت عليهم السلام؛ والثانية تُسمّى اجتهادا، كما هو معلوم للفقهاء، وهي أيضا لا يخلو منها زمان. والثانية حيث كانت، تكون فرعا عن الأولى، ويكون صاحبها تحت حكم صاحب الإمامة الأولى؛ علم أم لم يعلم. وهذا لأن كثيرا من الأئمة يستمدون ممن هو أعلى منهم درجة في الإمامة، ولا خبر لهم. بل إن منهم من يغلط في نفسه، فيظن أنه صاحب الإمامة الكبرى (الختمية) في زمانه، وهو ليس كذلك. وما نذكره هنا، هو سبب اختلاف بعض الأئمة في الأقوال، من أهل الزمان الواحد؛ بحيث يزعم كل واحد أنه الأحق بها. ومن رزقه الله علم التفريق، فإنه بمجرد الاطلاع على كلام المختلفين، يعلم الأعلى من الأدنى. وما يجعل الأمر صعبا على العامة من العلماء والصالحين، هو أن الأدنى درجة، قد يكون كلامه الأعلى من جهة الظاهر. فلا يخرج بما ينفع من هذا البحر، إلا من أخذ الله بيده!... لذلك فمن أراد المقارنة بين جعفر الصادق عليه السلام -مثلا- والإمام مالك؛ فإنه سيكون مخطئا، لأن إمامتيْهما ليستا من مرتبة واحدة!... وإذا كانت هذه المقارنة خفية، فما القول في المقارنة بين إماميْن من المرتبة ذاتها!... فلا شك ستكون أخفى!... وأما ما يكون من التعصب لهذا أو لذاك، من دون علم، فهو من أحوال العامة والجاهلين؛ لذلك لا يُعتبر!... وجدير بالذكر هنا، مرتبة الختمية الكبرى، التي تنتهي إليها كل ختمية، كما انتهى كل علم في الزمان إلى الختم. وهذه الختمية الكبرى، والتي يُسمّى صاحبها الختم المحمدي من كونه جامعا لما تفرق في كل الأختام من هذه الأمة، هي لمحمد بن العربي الحاتمي عليه السلام الملقب عن جدارة واستحقاق بـ "الشيخ الأكبر". فختميته هي الجامعة لكل ختمية (إمامة)، واستمداد الأختام لا يكون إلا منه، من جميع أزمنة هذه الأمة. ونعني بهذا الصنف من الاستمداد، المباشر منه؛ وأما غير المباشر، وما يكون بواسطة أو أكثر، فلا يُنسب إليه وإن كان كله من جهة الباطن يعود إليه عليه السلام. وهو ليس من أهل البيت في الظاهر، للدلالة على النسب الإلهي الأوسع والأعم؛ وحتى يخرج من هذا التقييد المحمود إلى الإطلاق الذي لا يكون إلا محمودا. وكل من لا يعتبر الإمامة الكبرى التي للختم المحمدي، فإنه لا يكون إلا ناقص العلم؛ كما هو حال بعض الصوفية، وكثير من أهل السنة ومن الشيعة، الذين يُنكرون عليه، مع أنهم يستمدون منه!... ويكفيهم هذا، لو علموا!... ولا بد الآن من التمييز بين مصطلح الشيعة، ومصطلح أهل السنة؛ لأنهما قد عرض لهما التحريف معا. وأول ما ينبغي أن نقرره هنا، هو أن الشيعة منحرفون عن التشيع، وأن أهل السنة، ليسوا على السنة إلا جزئيا وظاهريا في الغالب. ولنعد إلى أول ظهور للمصطلحين، لنتبيّن وجه التحريف الذي طرأ على كل منهما: فمصطلح "الشيعة" قد بدأ بمعناه اللغوي، عندما كان يدل على أتباع عليّ عليه السلام، مباشرة بعد معركة صفّين. وقد بدأ استعمال مصطلح "شيعة عليّ"، عندما واجه معاوية الخليفةَ الشرعي، وصار له أتباع، فوجب التفريق والتمييز. ويجدر بالذكر أن نقول هنا: إن شيعة علي، هم أهل السنة في ذلك الوقت؛ لأنهم كانوا على بصيرة من أمرهم، كما كانوا موافقين للحق من جهة الأحكام ومن جهة العمل معا. وهذا، هو معنى السنّة على التحقيق!... ولنؤكد على أن هذه الطائفة الناجية، التي ستتقلص هي الأخرى مع انفصال الخوارج، ستبقى هي طائفة أهل الحق، أي أهل الإسلام في صورة الجماعة الشرعية، إماما ومأمومين، من ذلك الزمان وإلى قيام الساعة: يظهر أصحابها ويخفون، ويكثرون ويقلّون، بحسب كل زمان. وهذه الصورة، هي التي ستطابقها صورة خلافة المهدي التي تكون على منهاج النبوة فيما سيأتي من الزمان. أما ما بين الصورتيْن المعلومتيْن: صورة الجماعة زمن عليّ والحسيْن، وهي زمنَ المهدي، على الجميع السلام؛ فهو انقسام في الأمة بين الحق والباطل، من جميع الأطراف، ومن جميع الوجوه؛ وهو ما يجعلنا نحكم في هذا الشأن بالنسبيّة، وندلّ عليها غيرنا، تسهيلا منا لدلالتهم على ما يكون به اجتماع الأمة... وأما مصطلح أهل السنة، فقد ظهر متأخرا، في القرن الرابع؛ وهو يدل على أنه كان يختمر منذ حقبة معاوية. وهذا، لأنه كان لا بد لمعاوية ومن حذا حذوه، أن يتقمصوا مذهبا يكون ظاهره الحق، وإن كان باطنه الفسوق والنفاق؛ يُقابلون به ويزاحمون الجماعة الحق؛ كشأن إبليس عندما يزمع الإضلال. فإنه -لعنه الله- لم يثبت عنه أنه أخبر أحد المغرورين بأنه الشيطان وأنه لا يريد إلا إضراره!... وهذا الأمر مما هو معتاد من شؤون الناس، إن هم خافوا من افتضاح أمرهم لدى العامة. وقد حرص "أهل السنة"، على نسبة أنفسهم إلى الصحابة، في مقابل الشيعة المنتسبين لأهل البيت؛ وكأن الخلاف الأصلي هو بين الصحابة وأهل البيت؛ وهيهات!... فإن الخلاف دائما كان بين أهل الحق وأهل الباطل، من دون اعتبار لصفة أخرى. لكن عندما يغيب العلم، يتخذ الناس بدله معايير تعتمد العصبية وتبنّي المواقف بناء على ما حدث في التاريخ، وكأنهم يُعيدون المعارك باستمرار، ويديمون حياتها لتكون محور تديّنهم؛ أو (وهذا ما يقع للعلماء) يتخذون معايير في العلم ثانوية أصلا، يبنون عليه آراءهم، ويُهملون الأصول الحقيقية... وليت الجميع كانوا في النظر إلى المعارك والخلافات على بيّنة، حتى لا يدخلوا فيما يضرهم ولا ينفعهم؛ بل هم في الغالب يستندون إلى تفاسير لتلك المعارك والمواقف، يضعها لهم أئمة مذهبهم فحسب. وهذا، هو ما جعلنا لا نقرّ لطائفة بما تزعم اليوم... وهذا هو التقليد الذي نبهنا إلى خطره وأثره... ولقد استفحل الأمر، عندما أُسِّست العقائد من الجانبيْن على ما ذُكر، وعُمل على التنظير لها بالأثر الرجعي. ونعني من هذا، أن الفرقة عندما كانت تتخذ موقفها من الحدث أو من الشخص، كانت تعود إلى ما قبل ذلك من قرون، لتجعلها موافقة لتوجّهها. وهكذا اختلقت طائفة من الشيعة عداوة بين الصحابة وأهل البيت منذ أول يوم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والأمر لم يكن كذلك؛ وتصوّر جلّ أهل السنة مذهبهم موافقا لما ترك النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الأمة عليه، وهو غير ذلك. وقد وصلت الحال في أزمنة التأسيس والأزمنة التي بعدها، إلى افتراق تام، لا يمكن معه الاجتماع على أصل الدين مع أنه واحد ومعلوم الاشتراك... وقد ظهر من الجانبيْن فقهاء يرسّخون العقائد، ويحافظون على تمايُز المذاهب (العقدية على الخصوص)، مع النفخ في العصبيات وتضخيم الخلافات، إلى أن انتهى الأمر إلى تكفير كل طرف للطرف الآخر. وكاد إبليس أن يفرح ببلوغ مراده من الأمة، لولا الطائفة التي على الحق من الجانبيْن، وإن كانت لا تظهر معالمها دائما، بسبب اشتداد الرقابة عليها من طائفتها، قبل غيرها. ويُفهم من كلامنا هذا، أن من أهل السنة من هو من طائفة الحق، وأن من الشيعة من هو منهم أيضا؛ قد لا نعلمهم، والله يعلمهم؛ مع كون هؤلاء لا يُعرفون من جهة الظاهر إلا بكونهم من إحدى الطائفتيْن الكبريين، أو من إحدى الطوائف الصغرى التي تلحق بهما جزئيا. وهذا الأمر مؤذن من الناحية العلمية، باندثار القشرتيْن المذهبيتيْن عندما يحين الحين، بإذن الله... وبما أن الإمامة في الدين غير محصورة بمعناها العام في الأئمة الاثني عشر، كما قررنا، وأنه لا يخلو منها زمان كما نبهنا؛ فلا بد للناس من كل زمان، أن يلتمسوا هؤلاء الأئمة على قدر الاستطاعة، سواء كان غيرهم من الناس يقرون بفضلهم في الظاهر، أم لا. وهذا، لأنهم هم من يدلّون على الدين الأصيل دائما، وإن بدوا مخالفين لمحيطهم. يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «يَحْمِلُ هَذا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ؛ يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْجَاهِلِينَ وَانْتِحالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلَ الْغالِينَ.»[3]: - ومعنى: «عُدُولُهُ» هنا: العلماء الذين يأخذون علمهم على نور من الله ورسوله، لا مَن يُعدّلهم أهل طائفتهم. - ومعنى: «يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْجَاهِلِينَ»: أي يردونه إلى أصله من الوحي، ويخلّصونه من الشوائب والزوائد العالقة به من المذهب والطائفة. - ومعنى: «وَانْتِحالَ الْمُبْطِلِينَ»: أي يقطعون عنه النسبة الطائفية التي تتقوّى بها العصبية الجاهلية المانعة عن نيل النور النبوي؛ والداعية إلى معاداة شطر مقابل من المسلمين... - ومعنى: «وَتَأْوِيلَ الْغالِينَ»: أي ينزعون عنه الغلو في أئمة الطائفة من أهل السنة ومن الشيعة جميعا، ويعيدونه إلى دلالته الأصلية على الله. وهذا، لأن الأصل في العلم أنه لا يدل على الرجال، وإنما يدل على الله. وكل علم يُبقي الناس مع الرجال -وإن كانوا محقّين- فهو علم مدخول. وتكفي هنا مقولة عليّ عليه السلام الشهيرة، والتي سببها أن الحارث بن حوط الليثي قال له بعد وقعة الجمل الشهيرة ومقتل الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما: أتظن يا أمير المؤمنين أننا نظن أن طلحة والزبير كانا على ضلال، وهما من العشرة المبشرين بالجنة؟! فقال الإمام علي قولته الخالدة على مر الزمان: «يا حارث، إنه لملبوس عليك!»؛ ثم قال: «الحق لا يعرف بالرجال، وإنما يعرف الرجال بالحق؛ فاعرف الحق تعرف أهله.». ومن فهم معنى كلمة عليّ عليه السلام هذه، فقد أوتي العلم كله، وأمِن الشرّ كله!... ولعلنا سنعود إلى هذه المسألة فيما بعد، بتفصيل أكبر، إن شاء الله... ورغم أن الأئمة من كل زمان يدلّون على الحق لا على غيره، فإن الفِرق قد ترفضهم بسبب هدمهم لما تقوم عليه أسسها البدعية، فيبقون غرباء بين المسلمين على علوّ مكانتهم العلمية؛ كما جُهل عليّ في زمانه، مع أنه لا يختلف فيه اثنان!... فما أعجب هذا الأمر، ولا عجب!... (يُتبع...) [1] . متفق عليه، عن جابر بن سمرة؛ واللفظ لمسلم. |