انتهاء الاعتصام بعد
1255
يــــــوم
بسم الله الرحمن الرحيم. يُنهي شيخ الطريقة العمرية عبد الغني العمري الحسني، إلى علم الرأي العام، ومن بعده إلى علم أتباع الطريقة العمرية في أنحاء العالم، أنه: 1. قد عزم على إيقاف اعتصامه مع عائلته داخل بيته نهاية يوم الثلاثاء 15-5-2018م، بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم لعام 1439ه. وللإشارة، فإن هذا الاعتصام قد بدأ يوم الاثنين 8-12-2014م، واستمر طيلة 1255 يوم. 2. سيغادر مدينة جرادة التي كانت محل اضطهاده وعائلته من طرف السلطات المحلية والأجهزة الأمنية، مع توظيف الأوباش والسفهاء من أهل المدينة في هذا العمل الشنيع. وسيكون مقر الشيخ المقبل إن شاء الله بمدينة سلا، مرفوقا بجميع أفراد عائلته. حرر بجرادة ليلة الأربعاء: 16-5-2018م. شيخ الطريقة العمرية: عبد الغني العمري الحسني
Translated
Sheikh's Books |
2022/12/24
شذرات مما يتعلق بموقعة صفين من أحكام وآيات (5)
(تابع) 5. إصرار معاوية على باطله: [ولم يكتف معاوية بالبغي على إمام زمانه وقتل في هذا البغي آلاف المسلمين وخيرة الصحابة، بل استمر في بغيه بالاعتداء على الأبرياء الذين يوالون الإمام عليّا عليه السلام باعتباره الخليفة الشرعي؛ وكان يبعث الغارات على المدن التابعة للدولة الإسلامية التي يحكمها الإمام علي عليه السلام: فبعث بُسر بن أرطأة (وهو من الصحابة) في ثلاثة آلاف إلى الحجاز وإلى المدينة، فدخلها فخطب في الناس وهدّدهم وقال: "والله ما لكم عندي من أمان ولا مبايعة، حتى تأتوني بجابر بن عبد الله!". فلما سمع الصحابي جابر بن عبد الله انطلق إلى أُم المؤمنين أم سلمة (عليها السلام)، وقال لها: "ماذا ترين؟ إنّي قد خشيت أن أُقتل، وهذه بيعة ضلالة!"، وكان ذلك الجيش يقتل من أَبَى أن يقرّ بالحكومة...][1]: إن ما قام به معاوية بعد منازعته للخليفة، هو التأسيس لحُكم الضِّرار. ونعني منه دولة الشيطان التي ستعمل على قتل الصالحين من الصحابة والتابعين، وعلى إخضاع الناس بالقوة والقهر لحكم السلاطين. وهذا أمر أسوأ من الجاهلية الأولى؛ لأن الجاهلية الأولى كانت ظلاما انقشع بنور الإسلام، وأما هذا الضلال فهو إلباس للظلام اسم النور، وزعم باتباع شريعة الإسلام والغاية هدمه. فمعاوية بهذا الفعل قد سبق التنويريّين الذين ظهروا في زماننا، والذين يأخذون الناس في طريق الظلام الدامس، وهم يزعمون أنهم على نور. وبعد الكفر النفاقي المتدثّر بدثار الإسلام، لا بد من أن يأتي يوم يدخل فيه شطر من الناس الكُفر الصُّراح. وقد رأينا في أزمنتنا دعوات القومية، والدعوات الكفرية من شيوعية وليبرالية وحداثة وغيرها... بل لقد وصلنا إلى تأليه شخص الحاكم لنفسه في بعض الصور. كل هذا، وعموم الأمة باق على الإسلام بحسب الزعم، والأذان يُرفع على المآذن والصلوات تُقام من قِبل العوام والخواص. إنها الفتنة التي تموج كما يموج البحر!... وسنعود إلى معاوية وأثره على الدين فيما بعد إن شاء الله، مكتفين الآن بإثبات ما أثبته التاريخ... لكن قبل أن نمضي، لا بد من أن نثبت حكم الله في قتل النفس المؤمنة، يقول الله تعالى: {وَمَن یَقۡتُلۡ مُؤۡمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاۤؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَـٰلِدًا فِیهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِیمًا} [النساء: 93]. فهذا حكم الله فيمن قتل مؤمنا واحدا، فما الحكم فيمن قتل العدد من الصحابة المعتبرين؟ ومن كبار التابعين؟!... وأما قتل عليّ للمناوئين، فإنه ليس كقتل معاوية؛ وهذا لأن الخلافة الربانية تُعطي صاحبها حكم الإماتة والإحياء. وإن كان هذا الأصل يثبت للملوك، فهو يثبت من باب الأحروية للخلفاء. والفرق بين الملوك والخلفاء في هذه المسألة، هو أن الملوك يُحاسبون على أفعالهم، وأن الخلفاء لا يُحاسبون؛ لكونهم قائمين فيها بربهم. وهذا المعنى معرفي تحقُّقي، يغيب عن عقول الفقهاء وعقول المفكرين جميعا... [ثم مضى بسر بن أرطأة إلى اليمن فقتل جماعة من أهلها، ومنهم طفلان صغيران لعبيد الله بن العباس.][2]: إن معاوية يُبين عن عداوته للربانية المتمثّلة في الخليفة، وعن عداوته لعموم المؤمنين المتحرّين للحق، ويُبين خصوصا عن كونه رأس النصب، عند تتبعه لأهل البيت عليهم السلام كبارا وصغارا. وهو بهذا الجمع بين هذه الطوامّ، لا يكون إلا عدوّا لله ورسوله، مبغضا للنبوة وما يتصل بها. وكل من يظن به خيرا، فإنه يكون على عمى بصيرة من غير شك!... ولقد ذهب بعض المنكوسين إلى أن معاوية كان أقدر من عليّ على إدارة الدولة بدهائه، وأن عليّا عليه السلام وحاشاه، كان أضعف عن ذلك!... سبحان الله!... لو قيل ذلك عن غير عليّ، من عموم السلاطين لكان أقرب إلى الحقيقة، وإن كان أمر السلاطين أيضا مجهولا لعموم الفقهاء والمؤمنين؛ ولكن أن يُقال هذا عن عليّ، ولا أعلم منه ولا أشجع ولا أحكم ولا أطهر، بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه العمى والخذلان التّامّان!... يقول عليه السلام: " والله ما معاوية بأدهى منّي ولكنه يغدر ويفجر. ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس!... ولكن كل غدرة فجرة، وكل فجرة كفرة. ولكل غادر لواء يُعرف به يوم القيامة. والله ما أُستغفَل بالمكيدة، ولا أُستغمَز بالشديدة!"[3]. وقد قالها من قبله الخليفة عمر عليه السلام، بعبارة مقاربة: "لست بالخب، ولا الخب يخدعني!". وسنعود إلى هذه المعاني، عندما نتكلم عن خصيصة الربّاني بالوراثة النبوية، إن شاء الله... [ثم إنّ الإمام عليه السلام قد أوصى بالإمامة من بعده (بأمرٍ من الله ورسوله) إلى ولده الإمام الحسن بن علي عليهما السلام، وقد بايعه أيضاً أهل الكوفة وبعض الأمصار، وعلى الرغم من شرعية خلافته، إلاّ أنّ معاوية لم يستجب إلى بيعته وتمرّد على شرعيته وأعلن العصيان والبغي، وحينما رأى الإمام الحسن عليه السلام أنّه لا يستطيع إخماد التمرّد، وأنّه لا يملك القوة اللازمة في الاستمرار في الخلافة صالح معاوية، واشترط عليه شروطاً لم يفِ بها.][4]: قبل أن نتكلم عن انتقال الخلافة من عليّ إلى الحسن عليهما السلام، ينبغي أن نتكلم عن معركة الرهوان، وعن استشهاد الخليفة الأب عليه السلام... قاتَل عليّ عليه السلام الخوارج الذين انفصلوا عنه وكفّروه كما كفّروا معاوية ومن معهما، وكان ذلك سنة 39 هـ. وكانوا بعد انسحابهم من جيش الخليفة، قد عمدوا إلى قطع الطرق وإلى امتحان الناس في آرائهم؛ ليقتلوا من خالفهم شرّ قِتلة. وقد اشتهروا برفع شعار: {إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ} [الأنعام: 57]، فلما بلغ ذلك عليّا، قال عنه حكمته الشهيرة: "كلمة حق أريد بها باطل!". ففرّق عليه السلام بين كلام الله في نفسه، والفهم الباطل؛ وعَلَّمنا أنه ما كل من يستدل بالوحي مُحقّ، وأن كثيرا من الباطل سيبنيه أهله على ظاهر القرآن وظاهر السنّة. وهذا أصل من أصول الضلال، التي ستستمر في الأمة إلى أوان الخلافة الخاتمة. وعلينا هنا أن نقرر أن معاوية والخوارج قد انتهوا جميعا إلى النهاية ذاتها، وهي جحود المظهر الإلهي الأعظم في زمانه. وهذا عندنا صنف من الكفر، لا بد أن يؤول بصاحبه -إن لم تتداركه رحمة الله بالتوبة- إلى الكفر الصُّراح. وهذا، لأن الأمور متصلة فيما بينها، بحيث يكون بعضها فرعا عن بعض، وبعضها مؤدّيا إلى بعض. ألم يقل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلى الْبِرِّ، وإنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلى الجَنَّةِ؛ وإنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حتَّى يَكونَ صِدِّيقًا. وإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلى الفُجُورِ، وإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلى النَّارِ؛ وإنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا.»[5]؟!... وهذا المنطق التحقيقي الإيماني، ليس منوطا بأصليْ الصدق والكذب وحدهما؛ بل هو منوط بكل الأصول المؤدية إلى النهايات الكبرى الخالصة. فمعاوية قد بلغ النهاية في طريقه، من أصل منازعة الخليفة والخروج عليه الخروج الأصلي؛ والخوارج بلغوه بسبب تكفير الخليفة والمسلمين واستهانتهم بذلك. وخروج الخوارج وإن كان علماء الأمة يجعلونه صنفا مستقلا، يصح لمعاوية أن يُعتبر إماما فيه، وأن يُعتبر أول خارجيّ بالمعنى اللغوي العام. وقد سعى الخليفة عليّ إلى إعادة الخوارج إلى الحق بالكلام قبل القتال، فأبوا إلا القتال. فأفناهم عليه السلام في معركة النهروان، وكانوا -بحسب المؤرخين- زهاء الأربعة آلاف. وهكذا ستختفي أشخاص الخوارج، وسيبقى مذهبهم مستمرا في الأمة، مع كل محكّم لرأيه في الدين من مرتبة الإسلام، غير معتبر لخليفة زمانه، أو لإمام زمانه. ونحن نُخصّص مرتبة الإسلام هنا، قبل الخروج إلى الكفر بتكفير المسلمين؛ لأن الخوارج لم يكونوا يعلمون (كمعاوية ومن معه) بأن الدين ثلاث مراتب: إسلام وإيمان وإحسان، وهي مراتب التوجّه. وهذا يعني أن المسلمين المتخطّين للمراتب العليا التي هي مراتب المواجهة، من رسالة ونبوة ووراثة، فإنهم يكونون ناقضين لنظام الدين، وخارجين عنه إلى الضلال المبين. وقد وقع في هذه الآفة جلّ الفقهاء، عندما توهموا أن الوحي يُدرك بالعقل، وأن ذلك أقصى ما يكون من العلم. فدخلوا في أصول مذهب الخوارج، من دون أن يتفطنوا. وقد يصل بعض منهم إلى تكفير بعض المسلمين بناء على رأيه الفقهي، فيصير خارجيا حقيقة ولا يشعر. ولا بأس الآن من ذكر مناظرة عليّ للخوارج، حتى نتبيّن تفاصيلها، وما يندرج فيها من أصول: [قال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى الطباع، حدثني يحيى بن سليم، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن عبيد الله بن عياض بن عمرو القاري، قال: جاء عبد الله بن شداد، فدخل على عائشة - ونحن عندها مرجعه من العراق ليالي قتل عليّ- فقالت له: يا عبد الله بن شداد، هل أنت صادقي عما أسألك عنه؟ تحدثني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم عليّ؟ قال: وما لي لا أصدقك! قالت: فحدثني عن قصتهم. قال: فإن عليّا لما كاتب معاوية وحكم الحَكمان، خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس، فنزلوا بأرض يقال لها: حروراء، من جانب الكوفة؛ وأنهم عتبوا عليه، فقالوا: اِنسلختَ من قميص ألبسكه الله، واسم سماك به الله، ثم انطلقت فحكمت في دين الله، ولا حكم إلا لله!][6]: والخوارج قد أخطأوا في مؤاخذاتهم كلها: - فالانسلاخ من قميص ألبسه الله، والذي هو الخلافة، ليس في مقدوره من الأصل. فبقي الانسلاخ من المـُلك، وهو لم ينسلخ منه. - الانسلاخ عن اسم سماه الله، وهو الخليفة؛ وهم لم يكونوا يعلمون أن الخليفة خليفة الله. ولو علموا، لعرفوا أنه لا يجوز لهم رد كلامه بتاتا. ومن رد كلام الخليفة، فقد رد كلام الله. وهذا يعني أن ظاهر كلامهم يدل على أنهم يعلمون ما يقولون، والحقيقة هي أنهم يرددون ألفاظا لا يعلمون مدلولها!... - وأما عندما جعلوا الحكم لله، فهم محقون مخطئون في التنزيل؛ لأن حكم الله (والمقصود الاسم الله)، يظهر من مظهره الذي هو الخليفة. وعليّ عليه السلام هو مظهر الاسم الله، بلا منازع في زمانه؛ وحكمه، هو حكم الله. والخوارج -بسبب جهلهم- يُثبتون الشيء وينفونه، ولا يشعرون!... ومن كان على هذا الجهل الكبير، كيف يجعل من نفسه ناطقا في زعمه بالحق!... ومع من؟: مع الخليفة الذي لا يصدر ذلك الحق إلا عنه!... فما أشده من التباس!... [فلما أن بلغ عليّا ما عتبوا عليه وفارقوه عليه، أمر فأذّن مؤذّن: ألّا يدخل على أمير المؤمنين إلا رجل قد حمل القرآن! فلما أن امتلأت الدار من قراء الناس، دعا بمصحف إمام عظيم، فوضعه بين يديه، فجعل يصكه بيده، ويقول: أيها المصحف، حدث الناس! فناداه الناس فقالوا: يا أمير المؤمنين، ما تسأل عنه! إنما هو مداد في ورق، ونحن نتكلم بما روينا منه، فماذا تريد؟][7]: أراد الخليفة عليه السلام، أن ينبه الناس إلى معنى جليل، لا زال مجهولا عند جل المسلمين، وهو أن القرآن الذي هو المصحف المكتوب أو المحفوظ، لا ينطق بنفسه عما في آياته من معان؛ حتى يجزم من يزعم أنه يصدر عنه، أنه يقول الحق. وإذا كان المصحف هنا، لا يدل دلالة جليّة على المعاني المرادة، فمن يدل عليها!... هذه المرتبة سيدل عليها عليّ عليه السلام بالفعل كما سنرى، من دون أن يذكرها بالاسم؛ وهذه المرتبة هي "ترجمان القرآن"، أي المتكلم به في زمانه، وكأنه طريّ النزول من عند ربه؛ وهذه المرتبة في ذلك الزمان لم تكن إلا لعلي عليه السلام. ولو كان مناوئوه يعقلون، لكانوا يعودون إليه في كل معنى استشكل عليهم من القرآن، ولكنهم عموا عنه؛ فصاروا كمن يطلب الشيء من غير محلّه. ومرتبة "ترجمان القرآن"، لا تكون إلا لرجل واحد في الزمان؛ ولا تثبت له، حتى يصير نسخة قرآنية آدمية، وراثةً نبوية؛ بما أن النسخة القرآنية الأصلية، هي النسخة المحمدية. وهذا العلم مجهول لدى فقهاء الدين، شائع لدى أئمة الدين... [قال: أصحابكم هؤلاء الذين خرجوا، بيني وبينهم كتاب الله][8]: وهو يقصد عليه السلام بهذه العبارة، بيني وبين هؤلاء الذين خرجوا، القرآن الذي هو أنا؛ فمِن فِيَّ يسمعونه إن كانوا يسمعون!... [يقول الله تعالى في كتابه في امرأة ورجل: {وَإِنۡ خِفۡتُمۡ شِقَاقَ بَیۡنِهِمَا فَٱبۡعَثُوا۟ حَكَمًا مِّنۡ أَهۡلِهِۦ وَحَكَمًا مِّنۡ أَهۡلِهَاۤ إِن یُرِیدَاۤ إِصۡلَـٰحًا یُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَیۡنَهُمَاۤ} [النساء: 35]؛ فأمة محمد صلى الله عليه وسلم، أعظم دما وحرمة من امرأة ورجل؛][9]: وها قد بدأ عليه السلام يرد على مسائلهم واحدة واحدة: فمسألة التحكيم التي أنكروها عليه، قد جعل لها أصلا، وهو التحكيم في القرآن بين أهل الزوج (الرجل) وأهل الزوج (المرأة)، في حال الشقاق. وهو يستدل على قبول التحكيم مع معاوية، بكون الشقاق الذي يحدث في الأمة أعظم، وأولى بالتحكيم طلبا للإصلاح. ومن لا يفقه دلالات الأحكام من صورة لها، على صورة أولى، فإنه لا يكون جديرا بالدخول في المناظرات العلمية. وعلى عكس ما فهمت الخوارج من فعل التحكيم من قبل الخليفة، فهو ليس تنازلا عن حقه لمن ليس من أهله، كما يتوهمون؛ وإنما هو فتح لباب التشاور على مصراعيه، وسدّ لباب الاستبداد سدّا متينا. وقد رسخ عليّ لهذا الأصل عمليا، بعد تأسيس النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهو ما سيدل عليه -عليه السلام- في الأسطر الموالية... [ونقموا عليَّ أن كاتبت معاوية: كتب علي بن أبي طالب!... وقد جاءنا سهيل بن عمرو ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالحديبية حين صالح قومه قريشا، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم. قالَ سُهَيْلٌ: أمَّا الرَّحْمَنُ، فَوَاللَّهِ ما أدْرِي ما هو، ولَكِنِ اكْتُبْ "باسْمِكَ اللَّهُمَّ" كما كُنْتَ تَكْتُبُ. فَقالَ المـُسْلِمُونَ: واللَّهِ لا نَكْتُبُهَا إلَّا «بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»! فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اكْتُبْ «باسْمِكَ اللَّهُمَّ»، ثُمَّ قالَ: هذا ما قَاضَى عليه مُحَمَّدٌ رَسولُ اللَّهِ، فَقالَ سُهَيْلٌ: واللَّهِ لو كُنَّا نَعْلَمُ أنَّكَ رَسولُ اللَّهِ ما صَدَدْنَاكَ عَنِ البَيْتِ، ولَا قَاتَلْنَاكَ، ولَكِنِ اكْتُبْ "مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللَّهِ"، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «واللَّهِ إنِّي لَرَسولُ اللَّهِ، وإنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللَّهِ.»[10] . يقول الله تعالى في كتابه: {لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِی رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ یَرۡجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلۡیَوۡمَ ٱلۡـَٔاخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِیرًا}[الأحزاب: 21]][11] : وفي هذا المقطع، يبيّن عليّ عليه السلام مستنده في مكاتبة معاوية من حيث المبدأ، وهو مكاتبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمشركي قريش يوم الحديبيّة. وهو أصل متين يصلح لأن يُعمل عليه في هذا الموطن. لولا أن عمرو بن العاص خادَعَ وغدر، وأفسد الاتفاق!... ومن هنا يظهر أن معاوية وعمرو بن العاص، كانا أسوأ من مشركي قريش، حيث إن مشركي قريش كانوا أصدق لهجة وأوفى عهدا!... [فبعث إليهم عبد الله بن عباس فخرجت معه، حتى إذا توسطت عسكرهم قام ابن الكواء يخطب الناس فقال: يا حملة القرآن، هذا عبد الله بن عباس فمن لم يكن يعرفه فأنا أعرفه، هذا ممن يخاصم في كتاب الله بما لا يعرفه، هذا ممن نزل فيه وفي قومه: {بَلۡ هُمۡ قَوۡمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58]، فرُدّوه إلى صاحبه، ولا تواضعوه كتاب الله. فقال بعضهم: والله لنواضعنه، فإن جاء بحق نعرفه لنتبعنه، وإن جاء بباطل لنبكِّتنه بباطله. فواضعوا عبد الله الكتاب ثلاثة أيام، فرجع منهم أربعة آلاف كلهم تائب، فيهم ابن الكواء، حتى أدخلهم على عليّ الكوفة، فبعث عليّ إلى بقيتهم فقال: قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم، فقفوا حيث شئتم حتى تجتمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم! بيننا وبينكم أن لا تسفكوا دما حراما، أو تقطعوا سبيلا، أو تظلموا ذمة؛ فإنكم إن فعلتم، فقد نبذنا إليكم الحرب على سواء: {إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ ٱلۡخَاۤىِٕنِینَ} [الأنفال: 58]][12] : إن بعث عليّ عليه السلام بعبد الله بن عباس لمناظرة الخوارج، هو عمل على جمع شمل الأمة، ما وسعه الأمر؛ والحمد لله، قد رجع منهم أربعة آلاف، وهذا ما كان إلا ليُرضي الله ورسوله!... ولنتأمل اعتراض بعض الخوارج من البداية على المناظرة، بزعم أنهم حاملون للقرآن، ويتوهمون أن ابن عباس عليه السلام، يقول في القرآن برأيه؛ بل بما لا يعرف. فهم يتوهمون أنهم هم العالمون بالقرآن، لا لشيء، إلا لأنهم يحفظون ألفاظه. ومن تأمل حال هذا الصنف، وجده ينطبق على كثير من القرّاء الذين يظنون أنفسهم علماء. وهم من كل زمان، يردّون كل فهم للقرآن يُجاوز عقولهم؛ ولو تريّثوا لخافوا على أنفسهم أن يكونوا كمتشددي الخوارج!... ولكن أين التوفيق!... ثم إن عليّا قد استبرأ لمن بقي من الخوارج على رأيه، واشترط عليهم أن يختاروا لأنفسهم موقفا حياديا، ريثما تجتمع الأمة؛ وألّا يرتكبوا المحرمات التي لا شبهة فيها والتي فصلها لهم. فإن فعلوا، فإنه أعلن الحرب عليهم كما هي معلنة على معاوية ومن معه، والذين هم الأصل في معصية الله بالخروج عن الخليفة الإمام... ولينظر المنصف، إلى استيصاء عليّ بأهل الذمة، والفتنة مشتعلة بين المسلمين، ليعلم أنه عليه السلام لا يصدر عنه إلا الحق الذي لا مرية فيه!... [فقالت له عائشة: يا ابن شداد فقتلهم؟ فقال: والله ما بعث إليهم حتى قطعوا السبيل، وسفكوا الدماء، واستحلوا أهل الذمة. فقالت: آلله؟ (تستوثق). قال: آلله الذي لا إله إلا هو، لقد كان ذلك. قالت: فما شيء بلغني عن أهل العراق يقولون: ذو الثدي أو ذو الثُّدَيَّةِ (رأس من رؤوس الخوارج)؟ قال: قد رأيته، وقمت مع عليّ عليه في القتلى، فدعا الناس فقال: أتعرفون هذا؟ فما أكثر من جاء يقول: قد رأيته في مسجد بني فلان يصلي ويقرأ، ورأيته في مسجد بني فلان يصلي؛ ولم يأتوا فيه بثبت يعرف إلا ذلك. قالت: فما قول عليّ حين قام عليه كما يزعم أهل العراق؟ قال: سمعته يقول: "صدق الله ورسوله!". قالت: هل سمعت منه أنه قال غير ذلك؟ قال: اللهم لا. قالت: أجل، صدق الله ورسوله!... يرحم الله عليّا، إنه كان لا يرى شيئا يعجبه إلا قال: صدق الله ورسوله. فيذهب أهل العراق يكذبون عليه ويزيدون عليه في الحديث.][13]: إن تحري أمنا عائشة عليها السلام، كان بحسب علمها؛ لأن الصحابة حين جهلوا الخلافة، بقوا يعملون على ما يعلمون، وهم صادقون في ذلك من غير شك، وإن فاتهم العلم بمرتبة الخليفة وما يتبعه من فوائد. وأما قولها عليها السلام عن عليّ، أنه كان إذا أعجبه شيء قال عنه: صدق الله ورسوله، فليس بهذا المعنى؛ وإنما لأنه عليه السلام عندما رأى الرجل قتيلا بالصفة التي هو عليها، ذكر حكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه. والخلاصة هي كما رواها أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَقْسِمُ قِسْمًا أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ!... فَقَالَ: «وَيْلَكَ! وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟!... قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ!»، فَقَالَ عُمَرُ "يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي فِيهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ! فَقَالَ: «دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَأُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ؛ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ. آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ، إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ، أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ (أي تضطرب)، وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنْ النَّاسِ.». قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ؛ فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ، فَالْتُمِسَ، فَأُتِيَ بِهِ، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي نَعَتَهُ."[14]. وفي رواية أخرى: «إنَّ مِن ضِئْضِئِ هذا (أَوْ: في عَقِبِ هذا)، قَوْمًا يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإسْلَامِ، ويَدَعُونَ أَهْلَ الأوْثَانِ. لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ، لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ!»[15]. وهذا يدلّ دلالة جليّة، على أن الخليفة عليّا عليه السلام، لم يحكم في الخوارج إلا بحكم الله ورسوله، وأن كل من يتهمه في ذلك، فإنه يكون متهما لله ورسوله. ثم يدل على أن الخوارج قد حكم عليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالقتل كفرا (ردة)، لا حدا فحسب. وذلك لأنهم لم يكتفوا بمعصية قتل المؤمنين، وإنما ساروا على طريق من اتهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قسمته وأمره بالعدل. ويُستفاد من جهة اللغة، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما رد عليه بقوله: «وَيْلَكَ!»، فقد أبان عن حكم الله فيه؛ لأن الويل لأهل النار. يقول الله تعالى: {فَوَیۡلٌ لِّلَّذِینَ یَكۡتُبُونَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِأَیۡدِیهِمۡ ثُمَّ یَقُولُونَ هَـٰذَا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ لِیَشۡتَرُوا۟ بِهِۦ ثَمَنًا قَلِیلًاۖ فَوَیۡلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتۡ أَیۡدِیهِمۡ وَوَیۡلٌ لَّهُم مِّمَّا یَكۡسِبُونَ} [البقرة: 79]. وأما المؤمن، فيُقال له: ويحك!... كما يُستفاد من الحديث أن الأمة تكون على افتراق، حين يظهر الخوارج. ونفهم نحن تبعا لهذا، أن الأمة ما دامت على حال الفرقة، فإن صنف الخوارج لا يفارقها. ومن الخوارج في عصرنا كثير من الفقهاء ومن الإسلاميين، الذين يُفسرون كلام الله بعقولهم، ولا يتورعون عن الحكم بقتل من يخالفهم رأيهم (خصوصا الحكام). [وذكر ابن جرير أن عليّا خرج بنفسه إلى بقيتهم، فلم يزل يناظرهم حتى رجعوا معه إلى الكوفة، وذلك يوم عيد الفطر أو الأضحى (شك الراوي في ذلك). ثم جعلوا بعد ذلك يعرضون له في الكلام، ويسمعونه شتما ويتأولون تآويل في أقواله. قال الشافعي رحمه الله: قال رجل من الخوارج لعلي وهو في الصلاة: {لَىِٕنۡ أَشۡرَكۡتَ لَیَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَـٰسِرِینَ} [الزمر: 65]، فقرأ علي: {فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَا یَسۡتَخِفَّنَّكَ ٱلَّذِینَ لَا یُوقِنُونَ} [الروم: 60]. وذكر ابن جرير أن هذا الكلام إنما قاله وعلي يخطب، لا في الصلاة (قلنا وهو الراجح). وذكر ابن جرير أيضا أن عليّا بينما هو يخطب يوما إذ قام إليه رجل من الخوارج فقال: يا علي، أشركت في دين الله الرجال، ولا حكم إلا لله! فتنادوا من كل جانب: "لا حكم إلا لله! لا حكم إلا لله!". فجعل عليّ يقول: "هذه كلمة حق أريد بها باطل!" ثم قال: إن لكم علينا، ألّا نمنعكم فيئا ما دامت أيديكم معنا، وألّا نمنعكم مساجد الله، وألّا نبدأكم بالقتال حتى تبدأونا به. ثم إنهم خرجوا بالكلية عن الكوفة وتحيزوا إلى النهروان، (على ما سبق ذكره).][16]: يظهر من هذا، أنه رغم علم عليّ عليه السلام بكفر الخوارج من جهة الباطن، فإنه آثر أن يُبقيَ على حكم النفاق، لكونهم باقون على ظاهر الإسلام. وهو ما جعله -من عدله التام- يحكم بعدم منعهم الفيء إن هم جاهدوا مع المسلمين تحت راية الخليفة، وبعدم منعهم المساجد لكونهم يُصلّون، وأن لا يُبدأوا بقتال، إن هم خرجوا عن الصف، حتى يكونوا هم البادئين؛ من باب إقامة الحجة الشرعية عليهم. [كان عليّ يؤم المسلمين في صلاة الفجر في مسجد الكوفة، وفي أثناء الصلاة، ضربه عبد الرحمن بن ملجم بسيف مسموم على رأسه، فقال عليّ جملته الشهيرة: "فزت ورب الكعبة!"][17]: ختم الله لخليفته بالشهادة، وهي أسمى ما يطمح إليه عبد. وهنا ينبغي أن نعود إلى ما كنا قد ذكرناه عن مرتبة الخليفة من جهة الغيب، عندما ذكرنا أنه يتصرف في السماوات والأرض وما بينهما بإذن الله تعالى. فنحن نعلم أن بعض العقول ستتوقف وتسأل: كيف لمن له كل هذا التصرف، أن يتسلط عليه واحد من أشقياء هذه الأمة بالقتل الذي هو أقصى ما يكون من التصرف؟!... فنقول: الاعتراض صحيح من جهة الصورة، ولكنّ ما ينبغي أن يُعلم هو أن الخليفة لا يتمكن أحد من التصرّف فيه إلا بإذنه؛ فيكون هو المتصرف في نفسه بنفسه من هذا الوجه. وهذا ليس كقاتل نفسه في الظاهر، حتى يقيسه من لا علم له عليه؛ لأن أحكام الغيب تخالف أحكام الشهادة. وعلى العموم، فإن أحكام الغيب تُنسب إلى الله الذي لا يُسأل عما يفعل، وإن ظهرت من مظهر الخليفة (غيبا دائما لا شهادة). أما ظهور الفعل في الشهادة، فقد ظهر هنا من ابن ملجم الشقيّ؛ الذي لم يكن إلا أداة بيد عليّ عليه السلام، من جهة الغيب. والسبب في طلب عليّ للشهادة، هو محبة الله البالغة؛ لأن المحبة إذا اشتدت لا يهنأ بها المحبّ إلا إن لحق بمحبوبه حكما. ومن هذا الباب، قول الصوفية: "لا تصلح المحبّة بين اثنيْن، حتى يقول أحدهما للآخر: يا أنا!". ومن لم يعلم المحبة على هذه الصفة، فما علمها!... وهذه المكرمة تعدل عند عليّ ومن على قدمه، الدنيا بما فيها؛ بل تفوق عندهم الجنة ونعيمها، مما ليس من نعيم التملّي بالنظر إلى وجه الله في الرفقة المحمديّة العليا. وقد دل على هذا الأصل مِن طلب الشهادة، النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلا أَنَّ رِجالًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لا تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي، وَلا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ، ما تَخَلَّفْتُ عَنْ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللهِ! وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ!»[18]. ولقد مضت هذه السنّة الوراثية في أهل البيت جيلا بعد جيل، خصوصا منهم الأئمة. أما ما يتصوره العامة مما يتعلق بذلك، فلا يصح منه شيء؛ لأن من استشهد من أهل البيت لو علم الناس حالهم لغبطوهم، ولم يحزنوا على واحد منهم مثقال ذرة. نعم، إنّ من ظلمهم يبوء بإثمهم، بحسب نيته وسوء فعله، من عدم توقيرهم وتعظيمهم؛ لكن هذا شيء، والاستشهاد في الله (وهو غير الاستشهاد في سبيل الله) شيء آخر. والخلط في هذه الأمور يُعمي البصائر!... يقول الله تعالى: {وَٱلَّذِینَ جَـٰهَدُوا۟ فِینَا لَنَهۡدِیَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ} [العنكبوت: 69]... [ثم حمل (الخليفة المضروب) على الأكتاف إلى بيته، وقال: «أبصروا ضاربي، أطعموه من طعامي، واسقوه من شرابي. النفس بالنفس: إن هلكت، فاقتلوه كما قتلني، وإن بقيت رأيت فيه رأيي.» ونهى عن تكبيله بالأصفاد وتعذيبه. وجيء له بالأطباء الذين عجزوا عن معالجته فلما علم عليّ أنه ميت، قام بكتابة وصيته كما ورد في مقاتل الطالبيين. وظل السم يسري بجسده إلى أن توفي بعدها بثلاثة أيام، تحديدا ليلة 21 رمضان سنة 40 ه.][19]: يُلاحظ هنا أن الخليفة، مهتم لجريان الأمور وفق الشريعة، في حال حياته، وفي حال مماته. ولا يليق به إلا هذا، وهو الذي لا يعيش إلا عبدا لربه، ويصدق فيه قول الله تعالى: {قُلۡ إِنَّ صَلَاتِی وَنُسُكِی وَمَحۡیَایَ وَمَمَاتِی لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ لَا شَرِیكَ لَهُۥۖ وَبِذَ ٰلِكَ أُمِرۡتُ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُسۡلِمِینَ} [الأنعام: 162-163]. ومعنى أول المسلمين هنا، أي في زماني الذي هو زمن الوراثة؛ وإلا فإن جميع هذه المعاني، هي بالأصالة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم... وربما سيأتي الوقت الذي نتكلم فيه عن الربط بين النبوة والوراثة بشيء من التفصيل... [وبعد استشهاده تولى عبدالله بن جعفر والحسن والحسين غسل جثمانه وتجهيزه ودفنه، ثم اقتصوا من ابن ملجم بقتله([20] ). ولقب الشيعة عليّ بن أبي طالب بعدها بشهيد المحراب.]: الشيعة في هذه المرحلة، هم من قاتلوا مع عليّ عليه السلام ونصروه وعزّروه؛ فهم أهل السنة أيضا، ومن كانوا على المحجة البيضاء. أما من كانوا مع معاوية، فقد كانوا مبطلين من أتباع الشياطين. نقول هذا، حتى لا يُؤخذ لفظ الشيعة هنا بالمعنى الشائع عند المتأخرين؛ لأن المتأخرين لا الشيعة منهم هم شيعة، ولا أهل السنة أهل سنة. وقد نشأ عن هذا الخلط ضرر عظيم، ما زالت الأمة تقاسي آثاره إلى اليوم. [وعبد الرحمن بن ملجم أحد الخوارج، كان قد نقع سيفه بسم زعاف لتلك المهمة. ويُروى أن ابن ملجم كان اتفق مع اثنين من الخوارج على قتل كل من معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وعلي بن أبي طالب يوم السابع عشر من رمضان؛ فنجح بن ملجم في قتل عليّ وفشل الآخران][21]: أولا: لا يُستبعد أن يكون لمعاوية دخل في الجريمة، وإن كان ابن ملجم خارجيّا حقّا. وهذا لأن دهاء معاوية لا حد له، حتى نحكم بشيء ثابت فيه. ونحن نعلم أنه لم يكن أبغض إليه من عليّ، كما نعلم خسّته وخبثه؛ لهذا، فهو على أقل تقدير شريك في الجريمة بنيته ورضاه؛ وإن كنّا لا نستبعد ضلوعه بالفعل فيها، كما أسلفنا. ثانيا: إن ذكر الرواة لمؤامرة كانت تستهدف معاوية وصاحبه، وأن شريكيْ ابن ملجم أخلّا بشطر الاتفاق الخاص بهما؛ يكاد يُثبت ضلوع الرجليْن في المؤامرة، بإبعاد الشبهة عنهما بهذه الطريقة التي لا يتمكن أحد من تمحيصها. فلِمَ لم يتابِع معاوية الخارجيّيْن، ليجعل الناس يعرفونهما، وليبرئ ذمته أمام المسلمين؟!... [عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَن أشْقى الأوَّلينَ؟ قلْتُ: عاقِرُ النَّاقةِ، قال: صَدَقْتَ. فمَن أشْقى الآخِرِينَ؟ قلْتُ: لا عِلْمَ لي يا رسولَ اللهِ، قال: الَّذي يَضرِبُك على هذه، وأشار إلى يافُوخِه، وكان يقولُ (أي عليّ): وَدِدتُ أنَّه قدِ انبعَثَ أشقاكُم، فخَضَّبَ هذه مِن هذه. يعني: لِحيتَهُ مِن دَمِ رأْسِه.»[22]. ويعضده قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «يا عَلِيُّ، مَنْ أَشْقَى الْأَوَّلِينَ؟ قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ! قَالَ: عَاقِرُ النَّاقَةِ. فَمَنْ أَشْقَى الْآخِرِينَ؟ قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ! قَالَ: فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَةِ عَلِيٍّ، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ، الَّذِي يُخَضِّبُ هَذِهِ مِنْ هَذَا! وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى قَرْنِهِ. قَال َأَبُو هُرَيْرَةَ: فَوَاللهِ مَا أَخْطَأَ الْمَوْضِعَ الَّذِي وَضَعَ رَسُولُ اللهِ يَدَهُ عَلَيْهِ.»][23]: وقد عجبنا لبعض "أهل السنة" يُضعّفون الحديث، بدعوى الغلوّ في بعض الصحابة!... وكأن عليّاً عليه السلام كبعض الصحابة!... وما يدفعهم إلى الإنكار إلا النّصب الذي يجري مجرى دمائهم!... ولو أنهم كانوا على شيء يسير من العلم، لعلموا أن حكم قاتل عليّ في أمتنا، هو حكم قاتل نبيّ من الأنبياء السابقين. يقول الله تعالى: {لَّقَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّذِینَ قَالُوۤا۟ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِیرٌ وَنَحۡنُ أَغۡنِیَاۤءُۘ سَنَكۡتُبُ مَا قَالُوا۟ وَقَتۡلَهُمُ ٱلۡأَنۢبِیَاۤءَ بِغَیۡرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا۟ عَذَابَ ٱلۡحَرِیقِ} [آل عمران: 181]. ويقول سبحانه: {وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَـٰبَ وَقَفَّیۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ بِٱلرُّسُلِۖ وَءَاتَیۡنَا عِیسَى ٱبۡنَ مَرۡیَمَ ٱلۡبَیِّنَـٰتِ وَأَیَّدۡنَـٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِۗ أَفَكُلَّمَا جَاۤءَكُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰۤ أَنفُسُكُمُ ٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ فَفَرِیقًا كَذَّبۡتُمۡ وَفَرِیقًا تَقۡتُلُونَ} [البقرة: 87]. وقتل خليفة تام الخلافة في أمتنا، إذا كان يعدل قتل نبيّ، فإن صاحبه لا شك يكون مخلدا في النار، على أسوأ مما حكم به الله على من قتل مؤمنا من عامة المؤمنين. فقد قال سبحانه: {وَمَن یَقۡتُلۡ مُؤۡمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاۤؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَـٰلِدًا فِیهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِیمًا} [النساء: 93]. ومع كل هذا، فإن من يزعمون أنفسهم من أهل السنة، يشكّون: هل مات ابن ملجم على الكفر أم على الإسلام؟... ويشكّون: هل قتله الحسن عليه السلام لعلة الكفر، أم قصاصا؟... بئس ما يقولون!... والله إن من يقول مثل هذا أو يشكّ فيه، فعليه أن يعيد النظر في إيمانه!... ولن ينفعه في هذا تقليد فلان أو فلان آخر، من أئمة الضلال... [ووفقا للشيخ المفيد (وهو من علماء الشيعة الاثني عشرية)، فإن عليّا بن أبي طالب طلب من ابنه الحسن أن يدفنه سرا وأن لا يعرف أحد مكان دفنه، لكي لا يتعرض قبره للتدنيس من قبل أعدائه. وظل مدفن عليّ مجهولا إلى أن أفصح عن مكانه جعفر الصادق (وهو من أئمة الأمة من أهل البيت عليهم السلام)، في وقت لاحق خلال الخلافة العبّاسيّة. وبحسب الرواية الأكثر قبولا عند الشيعة فإن عليّا بن أبي طالب دفن في النجف حيث بني مشهد ومسجد الإمام علي الموجود حتى الآن( [24]). وبالمـُقابل، فإنَّ بعض علماء أهل السنة قال ببطلان نسبة القبر الكائن في النجف إلى عليّ بن أبي طالب، وقالوا إنَّ جثمانه حُمل على ناقته وأطلقت في الصحراء فلا يعلم أحد أين قبره تحديداً. وقال آخرون إنه دفن بمقر الإمارة بالكوفة، وقيل بحائطِ جامعِ الكوفةِ. وقد حكى الخطيبُ البغدادي عن أبي نعيم الفضلِ بنِ دكين أن الحسنَ والحسينَ حولاه فنقلاهُ إلى المدينةِ، فدفناه بالبقيعِ عند قبرِ زوجتهِ فاطمةَ أمهما (عليها السلام).]: وهذا الذي ذكر، يؤكد معنى رفع عليّ عليه السلام بعد وفاته، ليكمل الشبه بينه وبين عيسى عليه السلام. والحقيقة تعضد هذا المذهب، من كون محتده الحقيقة المحمدية كعيسى عليهما السلام. ولسنا هنا نوافق القائلين بالرجعة من الشيعة، كما قد يتوهم المتوهّمون... [رحل علي بن أبي طالب تاركا خلفه الفتنة مشتعلة بين المسلمين، واستلم الخلافة من بعده ابنه الحسن بن علي، خامس الخلفاء الراشدين؛ وبايعه الناس في الكوفة، واستمرت خلافته ستة أشهر، وقيل ثمانية؛ وانتهت خلافته فيما عرف بـ "عام الجماعة"، بصلح الحسن مع معاوية، وتنازله عن الحكم حقنا لدماء المسلمين.][25]: إن انتقال عليّ إلى جوار ربه، فوز له، وخسارة كبيرة للمسلمين. وهذا، لأنه عليه السلام، عندما رأى انتكاس حالهم، آثر الرحيل على البقاء بينهم. وهذا يدخل ضمن خصائص الخليفة من جهة غيبه. ولو أن المسلمين كانوا يشعرون، لعلموا أن أمرهم سيسوء بأكثر مما يخطر في بالهم؛ ولكنها الغفلة ضربت بأطنابها على جل القلوب، ليحل بالناس ما جرى به القضاء من ربهم عليهم. وأما خلافة الحسن بن عليّ عليهما السلام، فهي خلافة صحيحة، بها يتم عدد الخلفاء الراشدين خمسة. ونحن نعجب لغياب ذكرها عند من يزعمون أنهم أهل سنة؛ ونذكر كيف أن الخطاب على المنابر، وفي المقررات الدينية، يُشيع في بلداننا أن الخلفاء الراشدين أربعة. ولا نجد سببا لإنكار خلافة الحسن، أو لتعميتها، إلا نصب العداء لأهل البيت عليهم السلام... ولا بد أن نصحح هنا مغالطة عُظمى، يتداولها الناس في هذه المسألة، وهي تنازل الحسن لمعاوية عن الخلافة؛ وكيف يكون ذلك، ونحن قد ذكرنا سابقا أن الخليفة ليس في إمكانه أن يخلع ثوبا ألبسه الله إياه. وهكذا، وبعد تأكيد القاعدة، فإننا نقول: إن الحسن عليه السلام، لم يتنازل لمعاوية إلا عن الخلافة الظاهرة المسماة مـُلكا؛ لا عن الخلافة الغيبية. وهذا يعني أن معاوية بهذا التنازل، صار ملكاً على المسلمين، لا خليفة، وأن الخلافة بقيت عند الحسن، علم من علم وجهل من جهل. وهذا الترتيب يقتضي، أن يكون معاوية تحت حكم الحسن من جهة الغيب. ولو أن المسلمين كانوا يعلمون، لعرفوا أنهم قد نزلوا جميعا من مرتبة الخلافة التي لم يرعوها حق رعايتها، إلى مرتبة المـُلك، ليصيروا من هذا الوجه نظراء للشعوب التي كانت تحت حكم الفرس وتحت حكم الروم!... وهذا النزول، هو حكم من الله على معصيتهم، كحكمه سبحانه فيما قبل على بني إسرائيل عندما قال لهم: {وَإِذۡ قُلۡتُمۡ یَـٰمُوسَىٰ لَن نَّصۡبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَ ٰحِدٍ فَٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ یُخۡرِجۡ لَنَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۢ بَقۡلِهَا وَقِثَّاۤىِٕهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَاۖ قَالَ أَتَسۡتَبۡدِلُونَ ٱلَّذِی هُوَ أَدۡنَىٰ بِٱلَّذِی هُوَ خَیۡرٌۚ ٱهۡبِطُوا۟ مِصۡرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلۡتُمۡۗ وَضُرِبَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡكَنَةُ وَبَاۤءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِۗ ذَ ٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُوا۟ یَكۡفُرُونَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ وَیَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِیِّـۧنَ بِغَیۡرِ ٱلۡحَقِّۗ ذَ ٰلِكَ بِمَا عَصَوا۟ وَّكَانُوا۟ یَعۡتَدُونَ} [البقرة: 61]. ولنتلمس المشتركات بين بني إسرائيل وبني إسماعيل من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الآن: 1. بنو إسرائيل لم يصبروا على طعام واحد رباني، وسألوا الأطعمة المعتادة لديهم؛ والمسلمون لم يطيقوا حكم خليفة رباني عليهم، وفضلوا أهل الأهواء الموافقين لسفلهم. 2. قول الله لبني إسرائيل: {أَتَسۡتَبۡدِلُونَ ٱلَّذِی هُوَ أَدۡنَىٰ بِٱلَّذِی هُوَ خَیۡرٌۚ}، تقرير لحالهم الذي هو انتكاس واضح في حقهم. وهو في حق المسلمين تقرير لانتكاسهم عندما استبدلوا مـُلك معاوية بخلافة عليّ والحسن عليهما السلام... 3. والآن سيبوء المسلمون بالذلة والمسكنة وبغضب الله، جزاء صنيعهم؛ وسيظهر ذلك في أجيالهم شيئا فشيئا، كما ظهر في أجيال بني إسرائيل. والسبب هو: {ذَ ٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُوا۟ یَكۡفُرُونَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ وَیَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِیِّـۧنَ بِغَیۡرِ ٱلۡحَقِّۗ ذَ ٰلِكَ بِمَا عَصَوا۟ وَّكَانُوا۟ یَعۡتَدُونَ}. والكفر بآيات الله في حق المسلمين، هو الكفر بمظهر خليفة الله فيهم، عندما جعلوه كغيره من الناس. وأما قتلهم الأنبياء، فهو قتلهم لعليّ عليه السلام، ثم لبنيه من بعده؛ وهو نظير للأنبياء في الأمم السابقة، مع كونه ليس بنبيّ. وقد تقدم كلامنا عن هذه المسألة... كل هذا، هو من معصية الله الذي يزعمون أنهم يسعون في طاعته، وتَعَدّ منهم للحدود الشرعية المرسومة لهم، عندما اتبعوا أهواءهم وآراءهم. ومع دخول المسلمين مرحلة المـُلك، فإن أحوالهم ستنأى عما كانت عليه أحوال سلفهم الأول، وسيدخلون في بلاء عظيم، لا يعلم حقيقته إلا الله ومن آتاه الله العلم. [كما تذكر بعض المصادر أن أحد بنود الصلح كان أن يكون الأمر بعد موت معاوية للحسن ثم لأخيه الحسين. يذكر ابن كثير وابن الأثير أن الحسين بن علي كان رافضا صلح أخيه مع معاوية، وأنه كان يريد السير على نهج أبيه والقتال حتى النهاية، ومع إصرار أخيه الحسن الشديد سلم الحسين بالأمر.][26]: 1. انحصار الأمر بعد عليّ عليه السلام في ابنيه الحسن والحسين عليهما السلام، لم يكن عن أثرة كما يتوهم أهل الظُّلمة؛ وإنما لأنه لم يكن على وجه الأرض أفضل منهما. 2. إن تنازل الحسن عن المـُلك، وقع لأن المسلمين ما عادوا يصلحون لأن يتأمر عليهم خليفة رباني؛ خصوصا وأن الأمر كان سيؤول إلى اقتتال عظيم فيما بينهم. والخليفة الحسن كأبيه وأخيه عليهم السلام، يفدون الأمة بدمائهم الزكية؛ ولا يرضون أن يُسفك دم مسلم واحد من عوام المؤمنين. هذا هو شأن العظام!... أما معاوية الصغير، الذي لا يأبه لو أبيدت الأمة بأكملها، في سبيل استعادة بعض أمجاد قبيلته الجاهلية، فإنه كان عازما على المضيّ فيما يُريد!... وما مَثَل الأئمة من أهل البيت عليهم السلام مع معاوية، إلا كمثل أم الولد مع دعيّته في حضرة سليمان عليه السلام. يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «بَيْنَمَا امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا، جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ هَذِهِ لِصَاحِبَتِهَا: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ! وَقَالَتِ الْأُخْرَى: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ! فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى؛ فَخَرَجَتَا إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ فَأَخْبَرَتَاهُ فَقَالَ: اِئْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَكُمَا! فَقَالَتِ الصُّغْرَى: لا تَفْعَلْ يَرْحَمْكَ اللهُ، هُوَ ابْنُهَا! فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى.»[27]. فأما الحسن، فإنه أشفق على الأمة بشفقة جده عليه وآله الصلاة والسلام؛ وراثة محققة. وأما معاوية، فلا نسبَ بينه وبين الأمة حتى يُشفق عليها. فليُعتبر هذا الأصل، فربما لم يدلّ عليه أحد قبلنا. وشفقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لا يعلم قدرها إلا الله!... وشفقة الورثة ومنهم أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ والحسن والحسين، تدفعهم عليهم السلام جميعا إلى افتداء الأمة بأنفسهم محبة في النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكونها أمته!... وهذا العلم، لا يعلمه إلا الربانيّون من كل زمان... يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم، عن الحسن والحسين: «مَنْ أَحَبَّهُمَا فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي»[28]؛ وهذا يقاس به إيمان الأولين والآخرين. وكل من لا يعتبر السبطيْن إلا صحابييْن، ويزعم أنه يرفض الغلوّ فيهما، فليعلم أن بينه وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيء. وعلى المسلمين أن يحذروا هذا الصنف، لأن النصب يرشح منه رشحاً. وأما أولئك الذين لا يعدّونهما -عليهما السلام- حتى صحابييْن، بدعوى أنهما كانا دون البلوغ عند وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهم مشكوك في إيمانهم وإن صلّوا وصاموا!... ونحن نقول لهؤلاء: إن كان الصحابة قد اكتسبوا المكانة من معاشرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على إيمان به، فإن الحسن والحسيْن يحملان نور النبوة في جيناتهما وراثة. وهذا هو ما كان يجعلنا دائما نقول: تؤخذ السنة الصحيحة عن أهل البيت؛ وإنما غيرهم من علمائها، عالة عليهم فيها!... ومعاداة معاوية للسبطيْن عليهما السلام، تدلّ حقيقة، وبدلالة النص، على أنه كان عدوا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. وسيأتي المزيد بعدُ!... [بعد وفاة الحسن ثم معاوية أعلن الحسين ثورته ضد يزيد بن معاوية، وقتل في معركة كربلاء في مواجهة جيش يزيد. تقول بعض المصادر أن في الفترة الأموية استحدثت سنة سبّ عليّ على المنابر، حتى أبطلها عمر بن عبد العزيز.]: لقد آل المـُلك إلى معاوية، كما تؤول الدنيا إلى شرار الناس؛ ولا منقبة له ولا محمدة. يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ!»[29]. وهذا يعني أن الخلافة من الدين، وأن المـُلك من الدنيا، في أصلهما. ولقد رُوي في الصحيح أن معاوية كان يأمر بلعن عليّ على المنابر: فَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: "اُسْتُعْمِلَ عَلَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ مِنْ آلِ مَرْوَانَ، قَالَ فَدَعَا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتِمَ عَلِيًّا. قَالَ فَأَبَى سَهْلٌ؛ فَقَالَ لَهُ: أَمَّا إِذْ أَبَيْتَ، فَقُلْ: لَعَنَ اللَّهُ أَبَا التُّرَابِ. فَقَالَ سَهْلٌ: مَا كَانَ لِعَلِيٍّ اسْمٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَبِي التُّرَابِ، وَإِنْ كَانَ لَيَفْرَحُ إِذَا دُعِيَ بِهَا..."[30]. وهذا دليل على أن معاوية، ومن تابعه من بني أميّة -سوى الخليفتيْن معاوية الثاني وعمر بن عبد العزيز عليهما السلام- قد كانوا على بُغض عليّ بغضا بيّنا لا شُبهة فيه. وهذا هو الدليل الآخر على نفاقهم، من ذلك الزمان إلى قيام الساعة: يروي عليّ عليه السلام -عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم- قائلا: "والذي فَلَقَ الحَبَّةَ، وبَرَأَ النَّسَمَةَ، إنَّه لَعَهْدُ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيَّ: أَنْ لا يُحِبَّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ، ولا يُبْغِضَنِي إلَّا مُنافِقٌ."31. وقد رُوي الحديث مرفوعا (عن عليّ) إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بهذا اللفظ: «إِنَّهُ لا يُحِبُّكَ إِلَّا الْمُؤْمِنُ، وَلا يُبْغِضُكَ إِلَّا مُنَافِقٌ!». والآن، ليُجبنا سفهاء الأمة: كيف يُصنّف معاوية، على ضوء هذا الحديث؟... بل إننا نقول: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قد علمنا رائزا نروز به الناس في كل الأزمنة، نعرف به المؤمن من المنافق، من دون أن ندخل في متاهات قد تتشعب حتى يفقد الناس فيها المعايير؛ ألا وهو حب عليّ وبغضه. فكل من أحبّ عليّا، فهي البشارة له بأنه مؤمن؛ وكل من أبغضه، فهي البشارة بأنه منافق!... وهذا الرائز لا يتخلّف، لمن جرّبه!... وأما دليله وعلامته، فيأتي الكلام عنهما فيما بعد إن شاء الله... ولعل القارئ يذكر قولنا السالف، بأن معاوية لم يكن بعيدا عن حادثة اغتيال عليّ عليه السلام. وها هو الحسن عليه السلام، يتنازل له عن الوجه الدنيويّ من الخلافة تعفُّفاً، وحقنا لدماء المسلمين؛ فهل سيصرف معاوية النظر عنه؟... كلا!... لأن مجرد وجود الحسن (ومعه الحسين)، يعلم أنه خطر على ملكه؛ خصوصا وأن الحسن قد اشترط على معاوية الحكم بما يوافق القرآن والسنة؛ لذلك سيسعى إلى اغتيال الحسن عليه السلام هو الآخر... قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "يقال إنه (أي الحسن) مات مسموما: قال ابن سعد: "أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم، أخبرنا ابن عون، عن عمير بن إسحاق قال: "دخلت أنا وصاحب لي على الحسن بن علي، فقال: "لَقَدْ لَفَظْتُ طَائِفَةً مِنْ كَبِدِي؛ وَإِنِّي قَدْ سُقِيتُ السُّمَّ مِرَارًا، فَلَمْ أُسْقَ مِثْلَ هَذَا (أي هذه المرة)!... فأتاه الحسين بن علي فسأله من سقاك؟ فأبى أن يخبره رحمه الله تعالى."""[32]. وقال ابن كثير: "وكان سبب موته (يعني الحسن) أن زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس، سقته السم، فمات منه. ولما اشتد مرضه قال لأخيه الحسين رضي الله عنهما: يا أخي سقيت السم ثلاث مرات، لم أسق مثل هذه: إني لأضع كبدي!... قال الحسين: من سقاك يا أخي؟ قال: ما سؤالك عن هذا؟ أتريد أن تقاتلهم؟ أَكِلُهم إلى الله عز وجل!"[33]. ورغم كل ما قيل من النواصب، في دفع الجريمة عن معاوية وعن يزيد؛ إلا أن عبارة الحسن عليه السلام تدل على أنهما وراء تحريض زوجه عليه. ومِن منة الله على عبده الضعيف، كاتب هذه الأسطر، أني سُمّمت ثلاث مرات وراثة حسنية، ومات جدي والد والدتي القاضي محمد الحميدي مسموما وهو في شبابه. فأما تسميمي في المرة الأولى، فقد حدث وأنا لم أجاوز العاشرة من عمري؛ وفي المرة الثانية، حدث وأنا دون السابعة عشرة من عمري، وفي الثالثة، كان وأنا دون الثلاثين من عمري. ولقد شارفت على الموت، وصحبته عقودا!... وقد دللت بعض الناس من جلسائي دلالة جليّة واضحة، على من سمّني في المرتيْن الثانية والثالثة، ودللت دلالة عامة على من فعل ذلك في الأولى، وإن كان لدي ترجيح في ذلك. هذا مع أن السم الذي خالط لحمي ودمي وعظمي، لم يُفلح الأطباء الذين درسوا الطبّ الحديث في التعرف عليه عن طريق التحاليل. ولم أسمع عن طريقة تحضيره، إلا من أحد مشاهير البيولوجيّين المغاربة. ونحن إنما نقول هذا، للدلالة على أن تيّار النصب مستمر في اغتيال أهل البيت، من آنس منهم السير على نهج سنة أسلافهم، ولو قبل ظهور ذلك منهم بالفعل. نسأل الله العافية والمعافاة لنا، ولجميع إخواننا في النسب الشريف، وللمسلمين أجمعين... وأما موت الحسين عليه السلام فمعلوم، ومعروف من باء بإثمه من الأشقياء. ونحن نذكرهم بترتيبهم، حتى لا يُستغفل في هذا أحد من المؤمنين، إنهم: معاوية بالأمر والوصية، ويزيد بن معاوية بالأمر؛ وابن زياد بالأمر والإشراف، وعمر بن سعد بإمارة الجيش المقاتل له، وشمر بن ذي الجوشن بقطع الرأس الشريفة، وكل أفراد الجيش الذي واجه الحسين عليه السلام؛ ثم كل من فرح لذلك واستبشر. وقد استشهد الحسيْن عليه السلام يوم العاشر من محرم سنة إحدى وستين للهجرة. ولقد كانت هذه المأساة أسوأ ما وقع في ذلك التاريخ من تقتيل لأهل الحق، وأسوأ حدث سيجلب على الأمة ما جلب على بني إسرائيل قتلة الأنبياء من غضب إلهي، منذئذ وإلى قيام الساعة... ولقد كنا تكلمنا سابقا، بأن عليّا كان على خلافة تامة (غيبا وشهادة)، وأن ابنه الحسن كان أيضا على خلافة تامة، إلى أن تنازل عن شقّ المـُلك لمعاوية وقتيا وبشروط؛ والآن نقرر أن الحسين كان على خلافة غيبية، كالتي كان عليها الحسن بعد تنازله لمعاوية. وحتى نرفع اللبس المحيط بالمسألة، فإن الحسيْن وهو من هو عليه السلام، لم يكن يجوز له أن يبايع يزيد وهو من هو. يقول الحسين مبيّنا مـُنطلقه: "إِنَّا أَهْلُ بَيْتِ النُّبُوَّةِ، وَمَعْدِنُ الرِّسَالَةِ، وَمُخْتَلَفُ الْمَلائِكَةِ، وَمَهْبِطُ الْوَحْيِ؛ بِنَا فَتَحَ اللهُ وَبِنَا يَخْتِمُ. وَيَزِيدُ رَجُلٌ فَاسِقٌ، شَارِبُ الْخَمْرِ، قَاتِلُ النَّفْسِ الْمُحْتَرَمَةِ، مُعْلِنٌ بِالْفِسْقِ وَالْفُجُورِ؛ وَمِثْلِي لَا يُبَايِعُ مِثْلَهُ!"[34]. ويبني موقفه عليه السلام بروايته لحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ رَأَى سُلْطاناً جَائِراً مُسْتَحِلّاً لِحَرامِ اللهِ، نَاكِثاً عَهْدَهُ، مُخالِفاً لِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ، يَعْمَلُ فِي عِبادِ اللهِ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ، فَلَمْ يُغَيِّرْ عَلَيْهِ بِفِعْلٍ وِلَا قَوْلٍ، كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ مَدْخَلَهُ.»[35]؛ أَلَا وَإِنَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ قَدْ لَزِمُوا الشَّيْطَانَ وَتَرَكُوا طَاعَةَ الرَّحْمَنِ، وَأَظْهَرُوا الْفَسادَ، وَعَطَّلُوا الْحُدُودَ، وَاسْتَأْثَرُوا بِالْفَيْءِ، وَأَحَلُّوا حَرَامَ اللهِ، وَحَرَّمُوا حَلَالَهُ؛ وَأَنَا أَحَقُّ مَنْ غَيَّرَ!"[36]. أي والله!... لقد ظهر في الأمة سفهاء ينسبون أنفسهم إلى العلم، حكموا بأن الحسيْن خرج على الخليفة، وتبعا لذلك فإنه وجب قتله!... وكأن العمى صار إبصارا، والظلمة صارت نورا: 1. إن الحسين عليه السلام طاهر من طاهر من طاهر. يقول الله تعالى: {إِنَّمَا یُرِیدُ ٱللَّهُ لِیُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَیۡتِ وَیُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِیرًا} [الأحزاب: 33]. وما يريده الله كائن لا محالة، وهو القائل سبحانه: {إِنَّمَاۤ أَمۡرُهُۥۤ إِذَاۤ أَرَادَ شَیۡـًٔا أَن یَقُولَ لَهُۥ كُن فَیَكُونُ} [يس: 82]. وحتى لا يقول قائل إن آية التطهير قد وردت في الأزواج بدليل السياق، فإننا نقول لا شك أنها وردت في الأزواج الطاهرات عليهن السلام؛ ولكن الذرية أدخل في المعنى بالتّضمّن. وقد قيل من قِبل العموم: "الولد سرّ أبيه". وعلى هذا فالحسن والحسيْن أخص الأمة، وأقربهما إلى تمثل النور النبوي في الظاهر وفي الباطن. والدين عندهما نَفَس يتنفسانه، والعلم التام يجري منهما مجرى الدم!... لهذا كله، لم يكن أحد يتوجب عليه القيام ليزيد كالحسيْن؛ وهو يرى دين جده ينقلب جاهلية، ويرى الأمة تُساق إلى الهاوية!... وحاشاه أن يقوم ثائرا كما يقولون، والثورة عمل غير محسوب في الغالب!... 2. لو أن الأمة كانت في مستوى الحدث، لقامت بعد استشهاد الحسيْن؛ لا يردّها إلا هدم القصر على رأس صاحبه!... أو قتل بعضها لبعض كما أمر الله بني إسرائيل في قوله تعالى: {وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ یَـٰقَوۡمِ إِنَّكُمۡ ظَلَمۡتُمۡ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلۡعِجۡلَ فَتُوبُوۤا۟ إِلَىٰ بَارِىِٕكُمۡ فَٱقۡتُلُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡ ذَ ٰلِكُمۡ خَیۡرٌ لَّكُمۡ عِندَ بَارِىِٕكُمۡ فَتَابَ عَلَیۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِیمُ} [البقرة: 54]؛ ولكنه القَدَر يجري بما يشاء الله!... وإن القِتلة التي لقي بها الحسين ربه، يهتز لها عرش الرحمن، وتموج السماء وتزلزل الأرض، لو أن الناس كانوا يعلمون... وإن عقوبتها، لن تزال قائمة بالأمة إلى يوم القيامة، كما أسلفنا!... علم ذلك من علمه، وجهله من جهله!... 3. من واقعة استشهاد الحسيْن، سيظهر النصب عَلَنا، وسيُصبح له منظّرون يملأون كتب الفقه منه، بلا خوف ولا حياء. وسنطل على هذا الأثر الخبيث، عندما يحين الكلام عن آثار الانقلاب الديني الذي أسس له معاوية... (يُتبع...) [1] . تاريخ الطبري: 139. |