انتهاء الاعتصام بعد
1255
يــــــوم
بسم الله الرحمن الرحيم. يُنهي شيخ الطريقة العمرية عبد الغني العمري الحسني، إلى علم الرأي العام، ومن بعده إلى علم أتباع الطريقة العمرية في أنحاء العالم، أنه: 1. قد عزم على إيقاف اعتصامه مع عائلته داخل بيته نهاية يوم الثلاثاء 15-5-2018م، بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم لعام 1439ه. وللإشارة، فإن هذا الاعتصام قد بدأ يوم الاثنين 8-12-2014م، واستمر طيلة 1255 يوم. 2. سيغادر مدينة جرادة التي كانت محل اضطهاده وعائلته من طرف السلطات المحلية والأجهزة الأمنية، مع توظيف الأوباش والسفهاء من أهل المدينة في هذا العمل الشنيع. وسيكون مقر الشيخ المقبل إن شاء الله بمدينة سلا، مرفوقا بجميع أفراد عائلته. حرر بجرادة ليلة الأربعاء: 16-5-2018م. شيخ الطريقة العمرية: عبد الغني العمري الحسني
Translated
Sheikh's Books |
2022/12/06
شذرات مما يتعلق بموقعة صفين من أحكام وآيات (2)
(تابع) 2. معرفة مكانة الخليفة الإمام عليّ عليه السلام: لقد غلط في النظر إلى سيدنا عليّ عليه السلام الفريقان من الشيعة وأهل السنة معا، ونخص بالذكر أهل الرفض وأهل النصب. وأما عموم الصحابة والتابعين، فقد كانوا على أضرُب ثلاثة، سنتبيّنها كلها لاحقا بإذن الله. هذا، مع تقرير أن الدين هو الإسلام، قبل الافتراق في الأمة وبعده؛ وإن كنا نحن نرى أن أهل كل طائفة يرفعون المذهب على الدين، بقصد أو من دونه. وهذه آفة قد وقع فيها أهل الكتاب، واقتفت الأمة أثرهم فيها، كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَن كانَ قَبْلَكُمْ، شِبْرًا شِبْرًا، وذِراعًا بذِراعٍ؛ حتّى لو دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ! قُلْنا: يا رَسولَ اللهِ، آليَهُودُ والنَّصارى؟ قالَ: فَمَنْ!»[1]. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن هذا الغلط من الفريقيْن بقوله: «إنَّ فِيكَ (والخطاب لعليّ) مَثَلًا مِنْ عِيسى: أَبْغَضَتْهُ الْيَهودُ حَتَّى بَهَتُوا أُمَّهُ، وأَحَبَّتْهُ النَّصارى حَتَّى أَنْزَلُوهُ بِالْمَنْزِلِ الَّذِي لَيْسَ بِهِ.»[2]. ورغم أن بعض المحدثين قد تكلموا في هذا الحديث، إلا أنه مما يُصححه الواقع تصحيحا لا ريب فيه. وإن عدم قبول مثل هذا الحديث على جلائه، لهو من أسباب الوقوع في محاذيره؛ فليُتنبّه إلى أثر القدر في فهم الخبر، فإنه باب من العلم ما رأينا من دل عليه على نفاسته!... فأما أهل الرفض، فقد غالَوْا فيه عليه السلام بما لا يُرضي الله ورسوله، ولا يقبله الإمام الولي نفسه، وحاشاه. فمنهم من جعل مكانته فوق النبوة أو منها، وما هو بنبي؛ ومنهم من ادعى فيه الألوهية وما هو بإله. فهؤلاء هم من عاملوه كما عاملت النصارى عيسى عليه السلام. وأما أهل النصب، فلم يروا له منقبة على غيره، وإن كانت السنة طافحة بها، وكانت سيرته العطرة دليلا عليها. وعمدوا إلى تسفيه رأيه عند الحاجة إليه، وانتهوا إلى قتله وقتل ذريته، وهم بقية النبوة بينهم؛ كمن يسعى في هلاك نفسه!... فعلمنا أن المكروه لهؤلاء هي النبوة في أصلها، وهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم أولاً، الذي عصمه ربه منهم. ولكنهم عندما عجزوا عن الأصل، فقد عمدوا إلى الفروع يقطعونها واحدا واحدا، إلا من جعل الله لهم عن كيدهم من لدنه جُنّة. وهؤلاء، كانت معاملتهم لعلي عليه السلام، معاملة اليهود لعيسى. ونحن نعلم أن اليهود قد سعوا بعيسى إلى الرومان يستعدونهم عليه، لولا أن الله عصمه من شرهم. فأثبت الله ظنهم ليُحاسبهم عليه، ونفى عن حبيبه شرهم إغاظة لهم، فقال جلّ من قائل: {وَقَوۡلِهِمۡ إِنَّا قَتَلۡنَا ٱلۡمَسِیحَ عِیسَى ٱبۡنَ مَرۡیَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمۡۚ} [النساء: 157]. فهل يا تُرى: يُشبه عليّ عليه السلام عيسى حتى في هذه، فيكون الشبه تاما؟ أم لا؟... أما نحن، فنرى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يدل على الشبه بين عيسى وعلي (والذي يؤكده الشبه بهارون كما سنرى)، إلا ليدل على هذا المعنى. فإن قيل: فلمَ لمْ يُصرح النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك؟ قلنا: إن فريقا من الناس قد عبدوا عليّا من دون ذكر للرفع، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يعلم ذلك منهم؛ أفتراه يُخبرهم بما يزيد من توغّلهم في ضلالهم؟ أم يحول دون ذلك بما يستطيع؟... فإن وُفقت إلى الجواب، فلا شك ستُوفّق إلى حسن الفهم فيما ذكرنا لك!... وبهذا، سنعلم أن لعليّ خصوصية عند الله ورسوله، هي ما جعل الحاقدين ينقمون عليه، رغم ما أصابه وأصاب ذريته من بلاء الدنيا. فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «أَنْتَ مِنِّي بمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِن مُوسَى، إِلَّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي.»[3]. وهذه المنقبة ليست لأحد من الصحابة إلا لعلي، ولولا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخرج النبوة منها صراحة، لقلنا بثبوتها له قياسا على هارون عليه السلام. ورغم أن النبوة بالاصطلاح لا تثبت لكبار هذه الأمة مراعاة لمكانة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها، وختميته لها؛ إلا أنهم كلهم في مرتبة النظراء للأنبياء من الأمم السابقة من حيث العلم الخاص والولاية الخاصة؛ بل إن منهم من يفوق بعضهم من هاتيْن الجهتيْن!... ولعل شمّ رائحة هذا المعنى، هو ما جعل غُلاة الشيعة يقولون بنبوة عليّ. وأما نحن، فلا نقول بها، حتى لا نُكذّب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فننتهي إلى أسوأ مما منه فررنا؛ كما لا ننفي العلم الخاص والولاية الخاصة اللائقيْن بكبير من كبار ورثة النبوة فينا. وهذا، حتى تثبت الأفضلية لهذه الأمة الشريفة، عند مقابلة ورثتها للأنبياء السابقين، مع أنهم ليسوا بأنبياء، كما ذكرنا. وفي المسألة وجه خفي من الدلالة على مكانة محمد صلى الله عليه وآله وسلم عند ربه، وهو: إن كان ورثته صلى الله عليه وآله وسلم، نظراء للأنبياء من الأمم السابقة، مع عدم ثبوت النبوة لهم، فما القول في نبوته هو؟... هل نأخذها على ما تعطيه اللغة من تسوية؟ كلا، وحاشا!... وما منع من الحكم بنبوة الورثة عندنا، إلا كون النبوة منقطعة بعد مجيء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، صاحبها الأصلي، على المعنى الذي بيّنّا!... هذا فحسب!... ومن أراد أن يستدل على ما نقول: فليتأمل كلام عليّ عليه السلام، أو كلام الأئمة من ذريته الطاهرة؛ أو ليتأمل كلام الشيخ الأكبر وهو الختم. فوالله ليجدنّ عبق النبوة ينتشر من بين الألفاظ كما ينتشر البخور من العود. ومن لا يشم للنبوة رائحة، فما عرفها في أصل ولا في فرع!... فلا يُسارعن أحد إلى الإنكار قبل استفراغ الوُسع في تحصيل هذا العلم من أهله ومظانّه!... ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه، (بمناسبة الحجة من السنة التاسعة للهجرة، والتي كان قد أَمَّر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليها أبا بكر رضي الله عنه): "بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ فِي مُؤَذِّنِينَ بَعَثَهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ يُؤَذِّنُونَ بِمِنًى: أَلَا لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ! وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيانٌ! ثُمَّ أَرْدَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤذِّنَ بِبَراءَةَ (السورة)، فَأَذَّنَ عَلِيٌّ مَعَنَا يَوْمَ النَّحْرِ فِي أَهْلِ مِنًى: أَلَّا يَحُجَّ بَعْدَ الْعامِ مُشْرِكٌ! وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيانٌ!... وَرَوَى النَّاسُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: "لَمَّا نَزَلَتْ بَرَاءَةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلامُ، كَانَ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ لِيُقِيمَ لِلنَّاسِ الْحَجَّ، قِيلَ لَهُ: يا رَسُولَ اللهِ لَوْ بَعَثْتَ بِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ؟ فَقَالَ: لَا يُؤَدِّي عَنِّي إِلَّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي (وفي رواية منّي)، ثُمَّ دَعَا عَلِيًّا فَقَالَ لَهُ: اُخْرُجْ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ مِنْ صَدْرِ بَرَاءَةَ، وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ يَوْمَ النَّحْرِ إِذا اجْتَمَعُوا بِمِنًى: أَنَّهُ لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ! وَلا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيانٌ!... وَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ عَهْدٌ، فَهُوَ لَهُ إِلَى مُدَّتِه. فَخَرَجَ عَلَى نَاقَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ليُعرف من بعثه)حَتَّى أَدْرَكَ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ حِينَ رَآهُ: أَمِيرٌ أَمْ مَأْمُورٌ؟ فَقَالَ: بَلْ مَأْمُورٌ!... ثُمَّ مَضَى...""[4] . ولنستخلص هنا ما يأتي: ا. أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقبل مبلِّغا للقرآن عنه إلا عليّا، لكونه من أهل البيت (أي من نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم). وهكذا يكون عليّ رسول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تبليغ تلك الآيات المخصوصات خاصة. وهذه المكانة لم تثبت لغيره عليه السلام، في مكان وزمان كالحج الجامع!... وإلا فإن لفظ "رسول رسول الله" قد أطلقه الرسول نفسه، صلى الله عليه وآله وسلم، على معاذ بن جبل رضي الله عنه بقوله: «اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللهِ!»، وذلك عندما بعثه إلى اليمن معلِّماً، فسأله: «بِمَ تَقْضي؟» قال: "أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ!"، قال: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتابِ اللَّهِ؟»، قال: "أَقْضِي بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ!"، قال: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ؟»، قال: "أَجْتَهِدُ رَأْيِي"[5]. ب. أن أبا بكر عندما استفسر عليّا، كان يظنّ أنه قد بُعث محلّه بالأمر السابق. ولكن عليا، قد أقر أبا بكر على مكانته، وأعلم بالأمر الجديد الذي اختص به. ورغم أن أبا بكر له من المكانة عند رسول الله ما لا يُشاركه فيه أحد، إلا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قد جعل لعليّ ما أباه على أبي بكر. وهذا ينبغي أن يُعتبر عند المؤمنين جميعا، أولهم وآخرهم!... وسنرى فيما سيأتي من الأحداث، كيف أن المسلمين سينتكسون!... وروى البراء بن عازب رضي الله عنه فقال: "أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ الَّتِي حَجَّ، فَنَزَلَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَأَمَرَ الصلاةَ جامعةً، فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ: «أَلَسْتُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟» قَالُوا: بَلَى! قَالَ: «أَلَسْتُ أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ؟» قَالُوا: بَلَى! قَالَ: «فَهَذَا وَلِيُّ مَنْ أَنَا مَوْلَاهُ. اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ! اللَّهُمَّ عَادِ مَنْ عَادَاهُ!»"[6]. وقد اختلط معنى الموالاة هذا، على كثير من أهل السنة ومن الشيعة جميعا. والحقيقة هي أن هذه الولاية العلوية على المؤمنين، هي الولاية العامة في الدين على الأمة من بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ كما كان هارون وليا على بني إسرائيل في غياب موسى؛ ويؤكّد هذا المعنى، معنى منزلة هارون من موسى سابقة الذكر. فهي ولاية كولاية الأنبياء من الأمم السابقة، عندما يُبعثون مجددين بعد رُسلهم، أو عندما يُنصّبون نوابا في غيابهم. والشيعة قد ظنوا أن هذه الولاية هي ولاية السلطان والحكم، فضلوا؛ وظن أهل السنة في مقابل ذلك، أنها ولاية دينية، تكاد لا تتجاوز ولاية الفقيه على غير الفقيه! وهيهات!... وقد أخطأ الفريقان، لأن هذه الولاية ولاية على عموم الأمة، فهي خاصة بهذا المعنى، وليست عامة؛ أي هي مخصوصة بعليّ وحده دون سائر الناس!... وهي متضمنة لخلافة عليّ التي ستثبتُ فيما بعد من الزمان، على أنها أوسع منها... ونعني من هذا كله، أن كل خليفة من الاثني عشر الوارد بعددهم الحديث، له هذه الولاية، لكن من جهة الباطن وحده، وفي زمانه حصرا؛ أما عليّ عليه السلام، فقد خُصّ بها من جهة الظاهر أيضا، وفي جميع الأزمنة. وهذا يُشبه ظهور الأنبياء في أممهم السابقة، مع أنهم لم يُؤمروا بالتبليغ المستقل عن رسلهم. فهم أئمة أتباع!... ولو أن الناس تبيّنوا ما ذكرنا، لارتفع الخلط الذي يركبه فريق من هنا وآخر من هناك ليفرقوا الأمة الواحدة!... وهذه الولاية العامة التي يُختص بها عليّ عليه السلام، يشهد لها قول عمر رضي الله عنه، بعد سماعه لحديث الغدير، حين قال لعليّ مهنئا، وهو يعلم مدلول الكلام النبوي: "هَنِيئًا يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ! أَصْبَحْتَ وَأَمْسَيْتَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ!"[7]. فها هو الفاروق رضي الله عنه، يحسم في معنى الولاية التي أثبتها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعليّ على جميع المؤمنين. فما يُنكرها بعدُ إلا منافق، ولا يتجاوز فيها الحد إلا ضال أو مغرض!... وأما الخلافة التي صارت محل نزاع بين الشيعة وأهل السنة سلفا وخلفا، بين كثير منهم، فلا بد من تبيين أحكامها في نفسها، قبل إثباتها لأي خليفة من الخلفاء، كما يقتضي العلم: فاعلم رحمنا الله وإياك، أن الخلافة لا تكون إلا عن الله رب العالمين، خلافا لمن قال بها عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؛ وإن كنا نحن لا نعتبر الفارق في اللفظ، ولكن نجاري القائلين به. وكلنا نعلم أن الصحابة كانوا يُنادون أبا بكر زمن خلافته رضي الله عنه، بـ "يا خليفة رسول الله!". فظن من لا علم له أنه لا يجوز القول بالخلافة عن الله، وهذا جهل. وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو بالأصالة خليفة عن الله، وهكذا فمن كان خليفة عنه فهو وارثه في الخلافة عن الله لا غير!... وأما خلافة آدم عن الله، والتي ذكرها في قوله تعالى: {وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ إِنِّی جَاعِلٌ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِیفَةً} [البقرة: 30]، فهي تُشبه خلافة الخلفاء عندنا؛ لأن آدم نائب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما هم الخلفاء خلفاء. هذا فحسب!... وهذه الخلافة التي هي في الأصل لسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والتي لم يكن آدم إلا أول مظهر لها على الأرض، ستستمر من زمن آدم، إلى قيام الساعة. لكن استمرارها من هذا الوجه، متعلق بالغيب وحده. ويبقى وجه منها آخر، متعلقا بالشهادة كما سنرى. فأما ما كان من الغيب، فهو التصرف بالأسماء الإلهية في العوالم. ودليل هذا من القرآن: {وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَاۤءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31]؛ وتعليم الأسماء يُقصد منه خلعها على آدم حتى يصير منها بمثابة المـُسمّى. وهذه المرتبة هي التي يُسميها أهل الطريق بـ "الغوثية"، إشارة إلى إغاثة العوالم والمخلوقات بما يُصلحها من الأمداد. وقد جاء في الحديث ما يشير إلى هذه الوظيفة، كالحديث الذي أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، والذي لفظه: «إِذَا أَضَلَّ أَحَدُكُمْ شَيْئًا، أَوْ أَرَادَ أَحَدُكُمْ عَوْنًا وَهُوَ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسٌ، فَلْيَقُلْ: يَا عِبَادَ اللهِ أَغِيثُونِي! يَا عِبَادَ اللهِ أَغِيثُونِي! فَإِنَّ للهِ عِبَادًا لَا نَرَاهُمْ.»، وقد تَكلّم في الحديث من لا نثق بعقيدته، كابن تيمية والألباني؛ وأما المعتبرون من المحدثين، فقد وجدوا له شواهد؛ منهم: البزار عن ابن عباس، والبيهقي في شعب الإيمان، وابن أبي شيبة في المصنف وغيرهم. وأما نحن فنرى أن العدول إلى لفظ الملائكة في الشواهد، لا يُعضِّد الحديث المذكور في معناه الأصلي، إلا من باب إلحاق الفرع بالأصل. وهذا لأمريْن: - أحدهما: أننا بصدد الكلام عن مرتبة تخص الورثة من بني آدم في هذه الأمة. فكان لا بد من الكلام عن هؤلاء الأغواث حصرا، ولكن علماء الحديث كعموم الفقهاء، في الغالب يجهلون هذه الطبقة. - ثانيهما: لا نعتبر الشواهد المذكورة للحديث، إلا إن علمنا أن الغوث يتصرف بالأسماء الإلهية؛ وعلمنا أن الأسماء الإلهية لها خدم من الملائكة؛ فتكون إغاثة الملائكة للمستغيث، عن إِذنٍ للغوث الذي يرجع إليه الحكم في هذه الأمور. وأما من جهة الكشف فالحديث عندنا صحيح بروايته الأولى... وأما الشق المتعلق بعالم الشهادة من الخلافة، فهو ما يُسمّى مُلكا في العادة. وصاحبه هو من يُؤتيه الله التحكم في رقاب الناس بقوة السلطان، وبحسب ما يجري به القَدَر. وبما أن وجه عالم الشهادة من الخلافة سهل الإدراك من كونه يدخل في العلم بالظاهر، فإن جُلّ من تكلم في الخلافة أخذها بمعنى المـُلك لقصوره. وهذا سبب ضلال الشيعة على الخصوص في مسألة الولاية العامة لعليّ عليه السلام!... وأما مجموع وجه الغيب ووجه الشهادة، فهو الخلافة بالمعنى التام؛ وهي الثابتة لاثنيْ عشر رجلا من هذه الأمة على طول عمرها. وسيدنا علي قد زاد على الإمامة في الدين الثابتة لكل خليفة في زمنه من جهة الغيب، بإمامة عامة تنسحب على كل الخلفاء وكل الأئمة؛ لكن من وجه الإمامة لا من وجه خلافة الملك، بما أن المـُلك محصور في الزمان. والدليل على هذا، هو أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، لم يكونا يجهلان إمامة عليّ العامة، والتي كانت تدعوهما إلى استشارته في المهمات، وإلى تقريبه في مجالسهم ضمانا لرضى الله ورسوله على غوثيتهما في نفسيْهما عليهما السلام. والكلام في هذا يطول... غير أن خلافة عليّ بالمعنى الظاهر، لن يأتي زمانها إلا بعد استشهاد عثمان عليه السلام. وعلى هذا، فإن من فهم إمامة علي على أنها الخلافة، ثم حكم بعد ذلك ببطلان خلافة أبي بكر وعمر، فإنما يُبين عن ضلاله وجهله، وسوء رقوب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وصاياه. والخلاصة من هذا كله، هي أن أبا بكر خليفة وأن عمر خليفة، وأن عثمان خليفة، وأن عليّا خليفة، وأن الحسن خليفة؛ كل هؤلاء خلفاء بالمعنى التام غيبا وشهادة، على تفاوت فيما بينهم، لا يجوز لمن دونهم في المرتبة الدخول فيه، أدبا مع الله ورسوله. ولما كان الله يعلم لحوق أبي بكر به قبل غيره، وأن الترتيب بحسب الموت سيعطي تتابع عمر ثم عثمان ثم عليّ ثم الحسن؛ فقد جعل الله بحكمته مدة خلافتهم على ذلك الترتيب. ولا دخل هنا لتفضيل أحد على أحد، كما يقول بذلك النواصب من أهل السنة زعما، فإنا سمعنا بعضهم يقول بأفضلية أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، ويجعلون ذلك عقيدة يمتحن فيها بعضهم بعضا. وهذا رجم بالغيب، لا حجة لهم عليه (التفضيل)، لأنه من علم الله ورسوله الخاص؛ إن شاء أطلع بعض عباده على بعض وجوه التفضيل، وإن شاء استأثر بذلك العلم في غيبه. {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23]. بل لو كان الأمر بالأفضلية وحدها، لكانت الخلافة أولاً لعليّ لجمعه بين الخلافة والإمامة الكبرى ([8])، ولكنه حكم الله بحسب مشيئته وحدها. وعلى هذا فإن عليّا عندما ولي الخلافة، فإنه سيليها من أرفع درجاتها، مقرونة بالإمامة في الدين من أرفع درجاتها هي الأخرى. فاجتمع له -عليه السلام- ما لم يجتمع لغيره. كل هذا، والناس ممن سوى كبار الصحابة يجهلون، إلا أنه صحابي بُويع له بعد استشهاد عثمان رضي الله عنه؛ أي بعد اشتداد الفتنة على الناس، وبعد دخول الغفلة عليهم. بل إن علو درجة عليّ عليه السلام في العلم وفي الولاية، هو أكبر سبب دعا العوام إلى عدم اعتبار خصوصيته. كيف لا وقد جهلوا قبله، قدر نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم نفسه؛ لا لشيء، إلا لكون نبوته فوق نبوة الأنبياء!... وكيف لا، وقد جهل جل العباد قدر ربهم، فعاملوه كما يعامل بعضهم بعضا!... ألم يقل الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِ} [الزمر: 67]!... (يُتبع...) [1] . أخرجه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. |