![]() انتهاء الاعتصام بعد
1255
يــــــوم
بسم الله الرحمن الرحيم. يُنهي شيخ الطريقة العمرية عبد الغني العمري الحسني، إلى علم الرأي العام، ومن بعده إلى علم أتباع الطريقة العمرية في أنحاء العالم، أنه: 1. قد عزم على إيقاف اعتصامه مع عائلته داخل بيته نهاية يوم الثلاثاء 15-5-2018م، بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم لعام 1439ه. وللإشارة، فإن هذا الاعتصام قد بدأ يوم الاثنين 8-12-2014م، واستمر طيلة 1255 يوم. 2. سيغادر مدينة جرادة التي كانت محل اضطهاده وعائلته من طرف السلطات المحلية والأجهزة الأمنية، مع توظيف الأوباش والسفهاء من أهل المدينة في هذا العمل الشنيع. وسيكون مقر الشيخ المقبل إن شاء الله بمدينة سلا، مرفوقا بجميع أفراد عائلته. حرر بجرادة ليلة الأربعاء: 16-5-2018م. شيخ الطريقة العمرية: عبد الغني العمري الحسني ![]() ![]()
Translated
Sheikh's Books |
![]()
2024/01/15
القضية الفلسطينية: من المنظوريْن: الديني والعقلي (14)
الفصل الثالث عشر: قراءة في ضربة السابع من أكتوبر
1. الإعداد للعملية: نشرت الـ "بي بي سي" على موقعها، تحقيقا بتاريخ 28 نوفمبر 2023م، تحت عنوان "كيف أعدّت حماس قوة لضرب إسرائيل في السابع من أكتوبر؟"، يتناول مراحل الإعداد للعملية، سنورده هنا، مع بعض التصرف بإذن الله: [[خمسة فصائل فلسطينية مسلحة انضمت إلى حماس في الهجوم الدموي على إسرائيل، الذي وقع في السابع من أكتوبر هذا العام، بعد أن شارك مقاتلو تلك الفصائل في تدريبات مشتركة، اتخذت طابعا عسكريا منظما، وذلك منذ نهاية العام 2020م، حسب تحليل أجرته بي بي سي. ونفذت تلك الفصائل على اختلافها تدريبات في مناطق متفرقة من قطاع غزة، تشبه من حيث التكتيكات والسيناريوهات إلى حد كبير تلك التي استُخدمت خلال الهجوم على إسرائيل. وكان من بين الأماكن التي جرت فيها التدريبات، موقع يبعد أقل من كيلومتر واحد (0.6 ميل) عن السياج الأمني الفاصل بين إسرائيل وغزة من ناحية الشمال، ثم نُشرت صور تلك التدريبات على وسائل التواصل الاجتماعي. اشتملت التدريبات على سيناريوهات مثل اختطاف الرهائن، واقتحام المجمعات، واختراق الدفاعات الإسرائيلية، وكانت آخرها قبل خمس وعشرين يوما فقط، من هجوم السابع من أكتوبر. جمعت "بي بي سي" أدلة عديدة حول تلك النشاطات، وأظهر فحصها كيف قامت حماس بلمّ شمل فصائل فلسطينية عدة في قطاع غزة، لتطوير الأساليب القتالية لمسلحيها. وفي نهاية المطاف تمكنت الحركة بالتعاون مع تلك الفصائل من شن هجومها على إسرائيل، والذي تسبب في اندلاع حرب في المنطقة. في التاسع والعشرين من شهر ديسمبر 2020م، وصف إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أول مناورة من المناورات الأربع التي أطلق عليها اسم "الركن الشديد"([1]) بأنها "تمثل رسالة قوة ورسالة وحدة من فصائل المقاومة في قطاع غزة". وبما أن "حماس" هي أقوى الفصائل الفلسطينية المسلحة، والأكثر تنظيما في القطاع، فقد كانت هي القوة المهيمنة في تحالف ضم عشرة أذرع مسلحة أخرى، نفذت جميعها تدريبات عسكرية شملت سيناريوهات حربية لقتال بين قوتين، وكان كل ذلك يجري تحت مراقبة دقيقة مما أطلق عليه تسمية "غرفة عمليات مشتركة". وكانت المرة الأولى التي ظهرت فيها هذه الغرفة في عام 2018م، بهدف تنسيق العمل بين الفصائل المسلحة في غزة تحت قيادة مركزية. وقبل عام 2018م، كانت كتائب عز الدين القسام، الذراع المسلح لحماس، تنسق رسميا مع سرايا القدس، الذراع المسلح لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية. وتُعَدّ السرايا ثاني أكبر فصيل مسلح في غزة، وكانت قد قاتلت إلى جانب فصائل أخرى في نزاعات سابقة ضد إسرائيل. ومع ذلك، تم تسويق مناورة "الركن الشديد" الأولى في عام 2020م في الدعاية باعتبارها دليلا على الوحدة بين مجموعة أوسع من الأذرع المسلحة. وقد قال قائد "حماس" إن التدريب الأول يعكس "الجاهزية الدائمة" للفصائل المسلحة. وكانت تلك المناورة في عام 2020م، هي الأولى من أربع مناورات مشتركة أُجريت على مدى ثلاث سنوات، وتم توثيق كل منها في مقاطع فيديو دقيقة التصوير والتركيب، نشرتها "حماس" على منصات التواصل الاجتماعي. وقامت "بي بي سي" بمسح دقيق للمواد المرئية المنشورة لعشرة فصائل، بما في ذلك الجهاد الإسلامي، من خلال عصبة الرأس المميِّزة لكل فصيل، والشعارات أثناء التدريب جنبا إلى جنب مع كتائب القسام التابعة لحماس، خلال تمارين الركن الشديد، والتي نشرت على منصة تلغرام. وبعد هجوم السابع من أكتوبر الأخير، قامت خمسة من الفصائل بنشر مقاطع فيديو تدّعي فيها مشاركتها في الهجوم، وأصدرت ثلاثة فصائل أخرى بيانات نصية على تلغرام، تبنت فيها مشاركة مقاتليها في الهجوم الذي أطلق عليه اسم "طوفان الأقصى"... وأعلنت ثلاثة فصائل مسلحة، وهي: سرايا القدس، وكتائب المجاهدين، وكتائب الناصر صلاح الدين، من خلال منشوراتها في المنصة المذكورة، أنها قامت بخطف رهائن إسرائيليين خلال الهجوم. وإن مهامّ هذه المجموعات تخضع للتدقيق، حيث تتزايد الضغوط على حماس للعثور على العشرات من النساء والأطفال الذين يُعتقد أنهم أُخذوا أسرى من إسرائيل إلى غزة، على يد فصائل أخرى في السابع من أكتوبر... ثلاث مجموعات (الجهاد الإسلامي، وكتائب المجاهدين، وكتائب الناصر صلاح الدين) تدّعي أنها احتجزت رهائن إسرائيليين في ذلك اليوم. ويُقال الآن: إن الجهود المبذولة لتمديد الهدنة المؤقتة في غزة، تتوقف على قيام حماس بتحديد مكان هؤلاء الرهائن. بينما تنتمي تلك الأذرع الفلسطينية المسلحة لتشكيلات سياسية مختلفة من حيث أيديولوجياتها، وتتراوح بين إسلاميين ويساريين علمانيين، فإنها جميعا تشترك في كونها على استعداد لاستخدام القوة ضد إسرائيل. وأكدت بيانات حركة حماس بشكل متكرر على موضوع "الوحدة" بين فصائل المقاومة المتنوعة في قطاع غزة، وأشارت إلى أن تلك الفصائل شركاء متساوون في المناورات المشتركة، بينما استمرت الحركة في لعب دور رئيس في التخطيط لهجومها على إسرائيل. وتظهر لقطات من مناورة الركن الشديد الأولى، قادة بالبزة العسكرية متقنعين، يبدون في غرفة عمليات سرية، ويشرفون على تنفيذ التدريب. يبدأ فيديو المناورة بإطلاق رشقة من الصواريخ، ثم ينتقل إلى مقاتلين مدججين بالسلاح، يهاجمون دبابة إسرائيلية وهمية، وضع عليها العلم الإسرائيلي؛ ومن ثمة يقتحمون برجها ويعتقلون أحد أفراد طاقمها، ويخرجونه ثم يقتادونه بعيدا عن الآلية، ويتم استصحابه أسير حرب. وفي بيان نُشر على قناة التلغرام الخاصة بـ "غرفة العمليات المشتركة"، ذكر أن التمرين شمل محاكاة لـ "هجوم خلف خطوط العدو". ويظهر المسلحون في الفيديو نفسه، وهم يقتحمون البنايات وينتقلون من منزل إلى آخر. ومعلوم من خلال مقاطع الفيديو، والشهادات المروعة التي أعقبت هجوم حماس على إسرائيل، أن هاتين الطريقتين اللتين تدرب عليهما المقاتلون خلال مناورة الركن الشديد، تم استخدامهما لاختطاف جنود إسرائيليين، واستهداف المدنيين في غلاف غزة، في السابع من أكتوبر، عندما قتل نحو مائتيْن وألف شخص، واحتُجز قُرابة أربعين ومائتيْ رهينة حسب التقديرات. جرت بعد ذلك مناورة الركن الشديد الثانية، في ذات التوقيت بعد عام كامل، وقال أيمن نوفل القيادي وعضو المجلس العسكري لكتائب عز الدين القسام، الذراع المسلحة لحماس: "إن الهدف من مناورة الركن الشديد بنهاية العام 2021م، التأكيد على وحدة فصائل المقاومة، واصطفافها خلف خيار المقاومة. فصائل المقاومة ترسل رسائلها من خلال هذه المناورة للعدو وللصديق. للصديق أننا وضعنا مسألة الأسرى على سلم أولوياتنا، وللعدو أن الجدران والإجراءات الهندسية التي يقيمها على حدود القطاع لن تحميَه...". وورد في بيان آخر أن "مناورة الركن الشديد المشتركة تحاكي تحرير مستوطنات غلاف غزة"، وهو الوصف الذي تستخدمه تلك الفصائل للإشارة للتجمعات السكنية الإسرائيلية القريبة من حدود القطاع. أعيد تنظيم المناورة في 28 من ديسمبر 2022م، ونُشرت فيديوهات وصور لتوثيق ذلك التدريب، والذي تم فيما يبدو أنه ثكنة عسكرية إسرائيلية وهمية. ونقلت تقارير صحفية إسرائيلية أخبارا عن تلك المناورات، وبدا من غير المنطقي ألا تكون مختلف الأجهزة الاستخباراتية في إسرائيل على علم بها، فقد نفذ الجيش الإسرائيلي غارات جوية في الثالث من أبريل 2023م، استهدفت أحد مواقع التدريب الذي أقيمت فيه مناورة الركن الشديد الأولى. وقبل أسابيع من الهجمات، حذرت جنديات مراقبة، بالقرب من حدود غزة، من نشاط مكثف غير عادي للطائرات بدون طيار، وذكرن أن حماس كانت تتدرب على السيطرة على نقاط مراقبة بنماذج مشابهة لمواقعهم؛ لكن، وفقا لتقارير في وسائل الإعلام الإسرائيلية، يقال إن تحذيراتهن تم تجاهلها. وصرح "أمير أفيفي" وهو نائب قائد القوات الإسرائيلية السابق، في غزة لـ "بي بي سي" وقال: "كانت هناك العديد من المعلومات الاستخباراتية حول تلك التدريبات، بما أن الفيديوهات عامة، وقد أجريت على بعد مئات الأمتار فقط، من السياج الحدودي مع إسرائيل". لكن "أفيفي" قال أيضا: "على الرغم من أن الجيش كان على علم بتلك التدريبات، فإنه لم يكن على دراية بتفاصيل ما كانوا يتدربون عليه". وقال الجيش الإسرائيلي إنه قتل القيادي في كتائب عز الدين القسام "أيمن نوفل" في 17 أكتوبر 2023م، وهو أول مسؤول كبير من حماس، يُقتل خلال هذه الحرب. بذلت حماس جهودا معتبرة من أجل أن تكون تلك المناورات أكثر واقعية، ففي عام 2022م، تدرب المسلحون على اقتحام قاعدة عسكرية وهمية، أقيمت على مسافة لا تتجاوز 2.6 كلم (1.6ميل) من معبر "إيريز"، والذي يعد من أكبر المعابر في القطاع، والتي تقع تحت السيطرة الإسرائيلية. وتمكن فريق التحقق في "بي بي سي" من تحديد موقع التدريب في أقصى حدود القطاع الشمالية، على مسافة لا تتجاوز 800 متر من السياج الحدودي. وباستخدام تقنية المطابقة بين المعالم الرئيسة التي يمكن مشاهدتها في فيديوهات التدريب، ومن الصور الملتقطة من الأقمار الاصطناعية، فإن الموقع نفسه وإلى غاية نوفمبر 2023م، ما زال واضحا للمشاهدة من خلال خرائط موقع "بينغ". ولم يكن ذلك الموقع يبعد إلا 1.6 كلم عن أحد أبراج المراقبة العسكرية الإسرائيلية وقمرة حراسة مرتفعة، وهي ضمن مكونات السياج الأمني الذي أنفقت إسرائيل مئات الملايين من الدولارات لإنشائه. بُنيت القاعدة الوهمية وحفرت على عمق عدة أمتار تحت سطح الأرض، لذا قد لا تكون مرئية على الفور لأي دوريات إسرائيلية قريبة منها؛ لكن الدخان الصاعد منها أثناء التدريبات، وما شملته من انفجارات، كان من المؤكد أنه قابل للرؤية بالعين المجردة، علما بأن الجيش الإسرائيلي يستخدم المراقبة الجوية أيضا. واستخدمت حماس هذا الموقع لتدريب مقاتليها على تكتيكات مثل اقتحام المباني، واحتجاز الرهائن بالسلاح، وتدمير الحواجز الأمنية. وباستخدام صور الأقمار الصناعية، تمكنت "بي بي سي" من تحديد أربعة عشر موقعا تدريبيا، في تسعة أماكن مختلفة من قطاع غزة. وتبين أيضا أن المسلحين تدربوا مرتين في أحد المواقع التي لا تبعد إلا بنحو 1.6 كلم من مركز توزيع المساعدات الإنسانية التابع لوكالات تابعة للأمم المتحدة. كان موقع التدريب واضحا أيضا في فيديو رسمي، نشرته الوكالة المسؤولة عن تلك المخازن في ديسمبر 2022م. وبتاريخ 10 سبتمبر 2023م، نشرت "الغرفة المشتركة للمقاومة الفلسطينية" في قناتها الخاصة في منصة تلغرام، عددا من الصور لمسلحين بالبزة العسكرية، يقومون بعملية تفتيش منشأة عسكرية بها برج مراقبة مرتفع، عليه علم فلسطين؛ وهذا بمحاذاة السياج الأمني الإسرائيلي. وفي اليوم التالي، أقيمت مناورة الركن الشديد الرابعة، وبمدة زمنية قصيرة قبل هجوم السابع من أكتوبر. كانت كل التكتيكات التي استخدمت في ذلك الهجوم، قد تم التدرب عليها ومراجعتها خلال تلك المناورة. تُظهر الصور والفيديوهات أن المقاتلين استخدموا خلال التدريب السيارات البيضاء من نوع "تويوتا" ذاتها، والتي شوهدت أثناء الهجوم على مناطق غلاف غزة الإسرائيلية، في الشهر الذي أعقب التمرين. ويمكن مشاهدة المسلحين وهم يقتحمون البنايات الوهمية، ويطلقون النار على أهداف كانت عبارة عن دمى، بالإضافة إلى التدرب على إنزال بحري باستخدام الزوارق السريعة، والرجال الضفادع بالغوص تحت الماء. وقد قالت إسرائيل إنها صدت محاولة دخول مقاتلي حماس لأراضيها عبر الشاطئ، باستخدام الزوارق أثناء هجوم السابع من أكتوبر. وخلال مناورة الركن الشديد الرابعة والأخيرة، شوهد المقاتلون الفلسطينيون وهم يتدربون على اقتحام المباني، لكن حماس أحجمت عن نشر صور وفيديوهات التدريبات التي قاموا بها باستخدام الدراجات النارية، والطائرات الشراعية ذات المحرك، فلم تكن جزءا من المواد المرئية الدعائية التي نشرت بخصوص هذه المناورة الأخيرة. وبعد ثلاثة أيام من هجوم حماس على إسرائيل، أي في العاشر من أكتوبر، نشرت حماس فيديو للمسلحين يتدربون على تفجير السياج الأمني، وفتح ثغرات فيه للسماح للمقاتلين بالعبور على متن الدراجات النارية، وكان ذلك ضمن التكتيكات التي استخدمت أثناء الهجوم، للوصول إلى التجمعات السكانية في غلاف غزة جنوبي إسرائيل. لم نتمكن في "بي بي سي" من خلال البحث وفحص المحتوى، من العثور على أي مواد مصورة للتدريب على استخدام الدراجات النارية أو الطائرات الشراعية، نُشرت قبل الهجوم. كل ما نشر من فيديوهات حول هاتين الطريقتين، كان يوم تنفيذ هجوم السابع من أكتوبر أو بعده. وفي فيديو التدريب على استخدام الطائرات الشراعية الذي نشر يوم الهجوم، يظهر المقاتلون وهم يهبطون بها فوق "كيبوتس" وهمي على مدرج، تمكنّا في "بي بي سي"، من تحديد الموقع في شمال مدينة رفح، الواقعة جنوبي القطاع. وتمكن فريق التحقيق في "بي بي سي"، من تحديد الوقت الذي أجري فيه التدرب على الطائرات الشراعية، وكان ذلك بتاريخ 25 أغسطس 2022م، وهو ما يعني أن التحضير لاستخدام هذا النوع من الطائرات الشراعية، استمر لأكثر من سنة. وقد خزّن الفيديو في جهاز كومبيوتر باسم "سرب صقر" وهو الاسم ذاته الذي تستخدمه حماس، للإشارة لما تقول إنه جزء من "قوات سلاح الجو". وفي 2008م، أشارت تقديرات لوزارة الخارجية الإسرائيلية، إلى أن حماس لديها نحو خمسة عشر ألف مقاتل في صفوف ذراعها المسلح كتائب عز الدين القسام، بالإضافة إلى ما بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف مقاتل، ينتمون لمختلف الأذرع المسلحة الأخرى. وظهرت مؤخرا تقديرات أخرى تقول بأن العدد أكبر من ذلك بكثير... وتعد حماس في الحقيقة أكبر الفصائل الفلسطينية المسلحة قوة، حتى بدون دعم الفصائل الأخرى، مع الإشارة إلى أن تحفيز الفصائل الأخرى للعمل معها، يأتي بدافع رغبتها في الحصول على دعم كبير في قطاع غزة، أو على الأقل تعزيز صفوفها بأعداد إضافية من المقاتلين. وفي تقديرات سابقة، قال الجيش الإسرائيلي إن عدد مقاتلي حماس الذين شاركوا في هجوم السابع من أكتوبر بلغ خمسمائة وألف مسلح. ومن جهتها قالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" بداية هذا الشهر، إن الجيش الإسرائيلي الآن، يقدّر عدد المهاجمين ذلك اليوم بنحو ثلاثة آلاف مسلح. مهما كانت صحة هذه التقديرات أو دقتها، فإنها بالنهاية تعني أن عددا قليلا نسبيا شارك في الهجوم، من مجموع عدد المسلحين الموجودين في قطاع غزة. ومن ناحية أخرى لا يمكن التأكد بدقة من عدد المقاتلين المنتمين للأذرع الصغيرة الأخرى غير حماس، والذين شاركوا في الهجوم على إسرائيل، أو في مناورات الركن الشديد. وعندما كانت حماس تحضر لدعم عابر للفصائل، يشارك فيه عدد من الفصائل إلى جانبها، للتخطيط لهجومها، قال "هشام جابر" العميد الركن السابق في الجيش اللبناني، والذي أصبح الآن محللا أمنيا في "مركز الشرق الأوسط للدراسات والأبحاث"، إنه مقتنع أن حماس وحدها كانت على علم بخطة الهجوم، وأنه من المرجح أنها لم تطلب من الفصائل الأخرى أن تنضم إليها إلا في يوم السابع من أكتوبر. وقال "أندرياس كريغ" كبير المحاضرين في مجال الدراسات الأمنية في "كينغز كولج" في لندن، في تصريح لـ "بي بي سي": "في الوقت الذي كان فيه هناك تخطيط مركزي، كان التنفيذ غير مركزي، حيث قامت كل فرقة بتنفيذ الخطة كما تراه مناسبا". وأضاف أنه تحدث إلى أشخاص داخل حماس، كانوا مندهشين من ضعف دفاعات إسرائيل، وأن المقاتلين تجاوزوا على الأرجح تكنولوجيا المراقبة الإسرائيلية من خلال الاتصالات غير المرتبطة بالشبكات الرقمية. وقال "هيو لوفات" محلل في الشؤون الشرقية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "إن إسرائيل كانت على علم بالتدريبات المشتركة، ولكنها وصلت إلى استنتاج خاطئ، إذ قيّمتها بأنها تشبه التمرينات شبه العسكرية المعتادة للفصائل الفلسطينية، ولم يكن هناك أي مؤشر يدل على التخطيط لهجوم واسع النطاق يلوح في الأفق". وفي سؤال حول القضايا التي أثارها هذا التحقيق، قال الجيش الإسرائيلي: إنه يركز حاليا "على القضاء على التهديد الذي تمثله حركة حماس الإرهابية، وأن الأسئلة حول أي إخفاقات محتملة، سوف يتم النظر فيها في مرحلة لاحقة". وقد يستغرق الأمر سنوات عدة، قبل أن تتمكن إسرائيل من الإجابة بشكل رسمي، عن الأسئلة التي تدور حول ما إن كانت قد أضاعت الفرصة في منع حدوث مذبحةٍ في السابع من أكتوبر. ومن شأن النتائج التي ستخلص إليها، أن تكون لها عواقب وخيمة على الجيش وأجهزة الاستخبارات والحكومة.]][2]. 2. مراحل العملية في السابع من أكتوبر: يوم السابع من أكتوبر: لا شك أن العملية العسكرية التي فاجأت بها "حماس" إسرائيل، والعالم من بعدها، صباح يوم السابع من أكتوبر 2023م؛ كانت عملية فائقة الدقة، ومحكمة الإعداد. فقد شهدت الساعة 6:25 صباحا، انطلاق آلاف الصواريخ من قطاع غزة، باتجاه المواقع والبلدات الإسرائيلية داخل الخط الأخضر، دفعة واحدة ودون مقدمات؛ ليتبين بعد أقل من نصف ساعة عن بدء العملية، أن إطلاق هذا العدد من الصواريخ والقذائف، لم يكن إلا تعمية لعملية اجتياح واسعة، نفّذها رجال المقاومة الفلسطينية داخل الخط الأخضر، لتسقط مواقع ومستوطنات إسرائيلية عديدة في أيديهم بصورة غير متوقّعة لأحد. وبموازاة لذلك، صدر أول بيان رسمي من حماس، على لسان القائد العسكري لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، "محمد الضيف"، الذي أعلن في رسالة مسجلة عن انطلاق عملية "طوفان الأقصى". وقال فيها إنه حان الوقت "لكي يفهم العدو أن زمن عربدته بدون محاسبة قد انتهى". وحث الفلسطينيين على مهاجمة البلدات الإسرائيلية بكافة الأسلحة التي لديهم. وبعد مرور أكثر من ساعة على بدء العملية، أعلن الجيش الإسرائيلي أن مسلحين من حماس، دخلوا مناطق جنوبي إسرائيل، وطلب من سكان مدينة "سديروت" ومدن أخرى، البقاء في منازلهم. وفي تمام الساعة 10:47، هاجمت أولى الطائرات المقاتلة قطاع غزة. وبعد ذلك بساعة أدلى رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" بأول تصريح له حول ما يجري من خلال تغريدة على منصة "إكس" قال فيها: إن إسرائيل في حالة حرب. وكان هذا، ثاني إعلان للحرب من قِبل إسرائيل، منذ صباح السبت السادس من أكتوبر عام 1973م، أي منذ نصف قرن بالتمام؛ وسمتها "السيوف الحديدية". واستدعت مئات الآلاف من جنود الاحتياط، والذين خرجوا للقتال بيوم "السبت الأسود"، المصادف لعيد العُرش اليهودي... وبحلول ظهيرة ذلك اليوم، بدأ الجيش الإسرائيلي بشن عمليات لتخفيف الضغط عن مدن جنوبي إسرائيل، مع ارتفاع عدد الصواريخ التي أطلقت من غزة على تلك المناطق إلى أكثر من 1200 صاروخ. وبدأت حركة حماس ببث أشرطة فيديو تظهر عملياتها التي نفذتها ضد المواقع العسكرية للجيش الإسرائيلي، ونجاحها في أسر جنود إسرائيليين. كما نشرت مقاطع فيديو أخرى تظهر اختطاف رهائن من المدنيين الإسرائيليين، الذين يسكنون في البلدات الواقعة في غلاف غزة، وتظهر نقلهم إلى القطاع. وبموازاة مع ذلك، أصدرت الولايات المتحدة أول بيان لها من خلال مجلس الأمن القومي الذي أدان ما وصفه بالهجوم الإرهابي، وأكد على الدعم الأمريكي لإسرائيل. ثم اتصل الرئيس الأمريكي "جو بايدن" بـ "نتنياهو" ليعبر له عن تعازيه ودعمه، وليعلن لاحقا في خطاب، بأن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل "صلب ولا يتزعزع". ولا يفوتنا هنا، أن نسجّل السرعة التي دخلت بها الولايات المتحدة في الحرب لوجيستيا، وبالدعم السياسي المباشر... ولقد نظم رؤساء الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في إسرائيل أكثر من اجتماع في هذا اليوم، ولكن من غير جدوى تُذكر؛ خصوصا وأن هول الصدمة كان ما يزال يهيمن على المشاعر. وقد تساءل العالم أجمع، عن السبب وراء النومة الثقيلة التي طبعت العمل الأمني في ذينك اليوميْن؛ خصوصا بعد أن قيل إن تحذيرات كانت قد وردت إلى إسرائيل بخصوص احتمال وقوع هجوم وشيك من غزة، من مصر ومن غيرها؛ ولكن ذلك لم يُغيّر من الواقع في إسرائيل شيئا. بل إنه قيل إن وزير الدفاع الإسرائيلي قد منح عطلة استثنائية للمجندات العاملات على حدود غزة، قبل يومين من الهجوم. وقد قيل -في المقابل- إن بعض المتعاملين الماليّين، كانوا على علم بالضربة قبل وقوعها بيوميْن، عند شرائهم لأسهم الشركات الإسرائيلية باعتبار أنها ستنزل قريبا. وقد ربح هؤلاء -كما قيل- أموالا طائلة، من هذه العملية؛ واتضح فيما بعد أن المتعاملين كانوا من المقاومة. وهذا كله سيجعلنا نتوقف أمام سؤال خطير، وهو: هل كان هجوم حماس معلوما لجهات إسرائيلية قبل وقوعه؟ وما هي هذه الجهات؟ ولمَ تجاهلت ذلك إن لم يكن في الأمر تواطؤ؟ وما مصلحة إسرائيل من الهجوم بعد وقوعه؟... ونحن نسأل هذه الأسئلة، لأن أجهزة الاستخبارات المختلفة، قد تكون لها حسابات مخالفة لما تُعلنه دولها في الظاهر. وهذا يحدث كثيرا، وليس أمرا استثنائيا... 3. ما بعد السابع من أكتوبر: إن ما يُلاحظ على أحداث ما بعد السابع من أكتوبر يتلخّص فيما يلي: ا. انتقام إسرائيل: والصهاينة، لا يُمكن أن يُمرّروا ما فعلته بهم حماس، من دون انتقام؛ والانتقام لديهم، لا بدّ أن يكون متجاوِزا للفعل بكثير. وهذا له أسباب منها: - أن الصهاينة مشركون، والمشرك هو أضعف الناس شخصية؛ ومن كان ضعيف الشخصية، فإن خوفه يكون مَـرَضيّا، بحيث يرى أقل ضرر مهدّدا لوجوده؛ فيكون ردّ فعله بالضرورة أكبر من الفعل، على قدر مَـرضه. - إسرائيل تعتمد سياسة الرّدع عن طريق المبالغة في التنكيل، ظنّا منها أن ذلك سيُثني العدو عن تكرار التجربة؛ أو سيُثني من يُفكر من غيره في القيام بمثلها؛ وهذا محض وهم. وذلك، لأن المبالغة في الإضرار، قد تأتي بنتائج عكسية، خصوصا إن صادفت شعبا مقاتلا كالشعب الفلسطيني، وإيمانا يجعل الناس يُقدِمون على الموت إقدام الراغب، كإيمان المسلمين... - تخاذل ما يُسمّى المجتمع الدولي أمام العربدة الإسرائيلية، بما يفضح حقيقة الوضع العالمي، ويُنبئ عن أن الناس يعيشون في "مجتمع الغاب"... ب. مسارعة الغرب إلى مساندة إسرائيل من أول يوم: وهذا لا يدل إلا على العنصرية التي أُشربتها الأنظمة الغربية، وإن كانت أشطار من شعوبها، قد بدأت تتبرّم من ذلك، وتجد أن الأمر قد فاق كل ما هو مقبول بالنظر إلى الوجدان العام المشترك. وفي الحقيقة، إن أول شيء تخشاه البلدان الغربية، هو بلوغ سوء الحال في إسرائيل حدا يجعل المستوطنين يعودون إلى بلدانهم الأصلية. وهو أمر لن تطيقه تلك البلدان، خصوصا وهي تعاني في مجملها أزمات اقتصادية يصعب معها تدبير شؤون البلدان، من غير زيادة في الأعداد. وكل ما تتكلم عنه الأنظمة الغربية من حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، هو تغطية على أصل ما يحذرون؛ وهي أجبن (الدول الغربية) من أن تُعلن الحقيقة وتواجه تبعاتها، رغم ما يُظهر الساسة الغربيون من قوة مصطنعة، ومن رباطة جأش. وإسرائيل تعلم حقيقة الدول الغربية، لذلك تلجأ حكومتها إلى ابتزازها، بتحميلها كل تكلفة الحرب وكل نتائجها. وهذا هو ما يجعل الولايات المتحدة التي تعدّ نفسها قائدة للدول الغربية، تُجهض كل محاولة لإيقاف العدوان الإسرائيلي، عن طريق مجلس الأمن. وهي لا تعلم أنها بهذا، إنما تعمل على تقويض النظام العالمي الهش، والذي صار يستوجب تدخّلا سريعا، من جميع دول العالم، التي تُعامل وكأنها دول ثانوية، مع أن وضع "ما بعد الحرب العالمية الثانية"، قد تغيّر منذ مدة. ومن أهم ما ينبغي النظر فيه، من باب تعديل الأسس القانونية لعمل مجلس الأمن خصوصا، إلغاء العمل بمبدأ "حق النقض"، لأنه صار خادما لأغراض دول معدودة على رؤوس أصابع اليد الواحدة، في الوقت الذي تبقى فيه الدول المنخرطة في هيئة الأمم المتحدة، والتي يبلغ عددها اليوم: 193، متفرجّة فحسب. وهذا يعني أن دولا معتبرة، تُعدّ خارج التأثير في القرارات الدولية، وأن مجموعات من الدول (التحالفات والتنظيمات القارية والإقليمية)، هي في حكم العدم. وهذا إخلال جسيم بالمنطق السياسي والقانوني. فالدول العربية -مثلا- ينبغي أن تُعتبر كتلتها، وأن يُلتفت إلى مطالبها؛ وإلا فإن الأمر مفتوح على احتمالات خطيرة، قد تعصف بالعالم كله؛ خصوصا إن اعتبرنا إقدام هذه الشعوب على القتال، وبراعتها فيه. وهذا أمر يتجاهله الساسة الغربيون، وهو في غير مصلحتهم على المديَيْن القريب والمتوسط. وحتى يعي هؤلاء ما نقول، عليهم أن يعلموا أن الأمور مهما بعدت عن اعتدالها، فإنها لا بد أن تعود إليه في يوم من الأيّام. وهذا من "منطق الأشياء"، الذي جعله الله حاكما على كل الأحداث الواقعة في العالم. ولولا رسوخ هذه النواميس الربانية في الخلق، لفقدت البشرية البوصلة والمعالم، ولخرجت إلى أوضاع منفلتة، لا يضبطها عقل البتة... ج. ضلوع إيران وحلفائها في الضربة الأولى: وهذا غير خفي، من قبل السابع من أكتوبر، وحين شهدت قيادات حماس بأن إيران تقف خلف تمويلها وتسليحها وتدريبها. ولقد ثبت هذا عند إعلان المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني "حسن شريف"، بأن عملية "طوفان الأقصى"، كانت ردّا على اغتيال قائد فيلق "القدس" في الحرس الثوري "قاسم سليماني"، قبل ثلاث سنوات، في العراق. وأمام انفضاح الأمر عربيا وعالميا، اضطُرّت حماس إلى إصدار بيان يوم الأربعاء 27 ديسمبر 2023م، تؤكّد فيه أن عمليتها أتت ردّا على العدوان الإسرائيلي المتواصل، على الشعب الفلسطيني، ودفاعا عن المسجد الأقصى؛ وهذا أمر متوقّع، لكنّه لا يُقنع أحدا من المتابعين للأحداث من الخبراء. ولقد قامت إسرائيل ردّا على رعاية إيران لعملية السابع من أكتوبر باغتيال القيادي في الحرس الثوري "رضي موسوي" في دمشق يوم الاثنين 25 ديسمبر 2023م. ولقد توعّد بعد هذا الاغتيال، "حسن شريف" إسرائيل، بعملية أخرى تكون "سابع أكتوبر" ثانيا؛ وهو ما يؤكد أن العملية الأولى، قد كانت بتخطيط وإمداد من إيران. وما يؤكد أيضا ضلوع إيران فيما ذُكر، قيام "الحوثي" بإطلاق الصواريخ على بعض المواضع من إسرائيل، وبقرصنة وإعطاب بعض السفن التابعة لها مباشرة أو بصفة غير مباشرة؛ هذا، إلى جانب تهديد المصالح الأمريكية والغربية في بحر اليمن ومضيق "باب المندب"، إن واصلوا دعم إسرائيل ومنع المساعدات عن قطاع غزة. ورغم تفهّمنا لمواقف الحوثي مبدئيا من أجل الضغط على الولايات المتحدة والدول الأوروبية، فإننا لا نوافق على عمله تحت المظلة الإيرانية؛ لعلمنا بأن إيران لا تخدم إلا استراتيجيتها الرفضية، التي تزيد من حدة الانقسام داخل الأمة الإسلامية. ولقد سبق لنا تنبيه الإيرانيين إلى ما يعملون من أجله، في بعض كتاباتنا السابقة؛ ولكن حكامهم مصرّون على ما هم عليه من مخالفات شرعية. ونحن نعلم أن الدولة الإيرانية الرسمية، لن تعود عن مخالفاتها تلك، إلا في زمن معلوم، سيأتي الكلام عنه في فصل قادم بإذن الله تعالى؛ مع علمنا بأن إيران لا تخلو من بعض كبار علماء الدين، الذين يوافقوننا على ما نقول... وأما ما يحدث من تجاهل غربي لضلوع إيران في الحرب، فهو جُبن عن مواجهتها مواجهة مباشرة؛ لعلم الغربيّين بأن إيران يمكنها أن تقلب الموازين، وأن تغيّر الوضع العالمي برمته. ولكن وجود إيران ضمن المعادلة الفلسطينية الإسرائيلية، صار يظهر كل مرة بأكثر مما كان يُزعم من الجانبيْن: الإيراني والغربي. وحتى إن لم يجرؤ الغرب على الدخول في مواجهة مفتوحة مع إيران -كما نرجّح- فإنه بمعية إسرائيل، لن يُحجم عن ضربات استنزافية داخل إيران، كالتي قام بها يوم الأربعاء 3 يناير 2024م، والتي قُتل فيها أكثر من مائة شخص في مدينة "كرمان" جنوبي البلاد. وأما "حزب الله" اللبناني، فقد تكشّف أمره، عندما أبان بأنه لا يتجاوز الأوامر الإيرانية قيد أنملة؛ وبأنه لا يعدو أن يكون ذراعا من أذرع إيران فحسب؛ ونحن هنا، لا نقيّمه من جميع الجوانب، فهو -مثلا- قد عمل على رفع كثير من الحيف عن شيعة لبنان، واستعاد بعضا من الكرامة العربية المفقودة في حربه ضد إسرائيل عام 2006م. وإن قائده "حسن نصر الله"، من عقلاء العرب، لو أنه كان مستقلا في رأيه!... ولكن هيهات، لمن كان تابعا لدولة من الدول أن يبقى مستقلا!... ورغم مناوشات "حزب الله" لإسرائيل، بعد السابع من أكتوبر، فإنه يبدو أنه قد اعتزم عدم المشاركة فعليا في المعارك؛ لعلمه بأنه سيجر إيران خلفه حتما، وهي لا تريد ذلك الآن. وأما الحوثيّون في اليمن بالمقارنة إليه، فإنهم وجدوا أنفسهم أكثر حرية في مناصرة إيران، بسبب بعدهم الجغرافي النسبي عن منطقة الصراع، وبسبب انعتاقهم من تحكّم الدولة اليمنية بعد انهيارها، وأيضا بسبب وجود معبر "باب المندب" على مرمى حجر منهم. كل هذا يحدث بزعم مناصرة الفلسطينيين، وهو لا يعدو أن يكون خدمة لإيران فحسب؛ وأما الفلسطينيون فقد كانوا أحوج إلى أن يُعين بعضهم بعضا، بدل هذا الانقسام المشبوه... د. قيام دولة قطر بعمل مشبوه في الصراع: إن قطر منذ إنشائها، قُصد من ورائها أن تكون خادمة للنظام العالمي؛ خصوصا بعد اشتمالها على قاعدتيْن أمريكيتيْن لهما مهمة استراتيجية، وهما: قاعدة "السيلية" التي قيل إنها قد نُقلت إلى الأردن في عام 2021م، وقاعدة "العديد". ولقد كان للقاعدتيْن شأن كبير، في الحرب الأمريكية على العراق ثم على أفغانستان. وهذا يكفي للنظر إلى قطر نظر الريبة، وهي تتظاهر بالقيام بمهمة وساطة، تكبرها كثيرا. ومما يزيد من تهمة قطر، عملها منذ إنشاء "قناة الجزيرة" في عام 1996م، على تفجير المنطقة العربية من الداخل، خدمة للنظام العالمي. وقد ظهرت هذه المهمة، عند قيام ما سُمي بـ "الربيع العربي"، ونفخها فيه من أجل إضرام النار في جميع الدول العربية؛ وهو الشيء الذي أفضى إلى انهيار شطر من هذه الدول، والتي على رأسها: العراق، وسوريا، وليبيا، واليمن، ومصر وقتيا. وقد غيّرت قطر من سياستها قليلا، عند عدم اكتمال مشروع ما سمته أمريكا حينها "الفوضى الخلاقة"، ثم "الشرق الأوسط الجديد"، وبعد سقوط نظام الإخوان المسلمين في مصر في عامه الأول؛ ولكنّ خط عمل قطر، لم يتغيّر في منحاه الاستراتيجي، وإن دعتها الضرورة إلى العودة إلى الخلف قليلا. ونحن إن نسينا، فلن ننسى العمل الذي اضطلع به "يوسف القرضاوي"، من قطر التي منحته جنسيتها، ووظفته بصفته جنرالا في الحرب "الناعمة" على الدول العربية. ولقد كان القرضاوي، على وشك أن يرى بعينيْه ثمرة جهوده، خصوصا عندما طمع في تكليل وصول إسلاميي المغرب إلى تشكيل الحكومة، بانقلاب متعدد المراحل، ينضم به المغرب إلى مصر في مقدّمة الدول التي سيحكمها الإخوان المسلمون بحسب المخطَّط الذي كانت الولايات المتحدة ترقبه من الخلف باهتمام زائد. وإن الاتفاق بين الولايات المتحدة والتيار الإخواني عند العرب، لا يخفى إلا عن فاقد البصيرة؛ لأن تيار الإسلاميين عموما، والذي وصفناه في فصل سابق بالصهيونية، لا بد أن يتفق مع الصهيونية الأمريكية والغربية، بل وحتى اليهودية. وإن حماس داخلة ضمن هذا المخطَّط العام، الذي تخدم به إسرائيل والدول الغربية، وإن أضرت ببعض المصالح الإسرائيلية الآنية. لهذا، فإن عملية حماس ومن معها، في السابع من أكتوبر 2023م، لم تكن ضد الاستراتيجية الصهيونية الكبرى؛ بل كانت خادمة لها. وهي قد أعطت الذريعة لإسرائيل، حتى تعمل على "إبادة" شطر من الشعب الفلسطيني، في انتظار فُرص قادمة، تُكمل فيها إبادتها للفلسطينيّين إن وجدت إلى ذلك سبيلا. وأما مقتل بعض اليهود وأسر بعضهم الآخر، فمن غير شك، كان فوق ما كانت تنتظره إسرائيل. وعلى كل حال، فنحن عندما نقول بالتقاء بعض الأطراف، على بعض السياسات، فإننا لا نقصد بذلك التلاقي التام؛ ولكن نعني ما يكون من مقتضيات مصالح تلك الأطراف الآنية، والتي تكون مضطرة فيها إلى التنازل عن بعض مصالحها الصغرى والوقتية، كما يفعل لاعبو الشطرنج عندما يقبلون خسارة صغرى، من أجل تحقيق الفوز النهائي. وهذا العمل معلوم في الاستراتيجية العسكرية ذاتها، عندما يقبل جنرالات الحرب بخسران بعض المعارك، من أجل كسب الحرب كلها... وقد شاركت قطرَ دولة تركيا في عملها المشبوه، عند دعمها الكبير للتيارات الإخوانية في الدول العربية. ونحن قد سبق لنا أن حذّرنا الأتراك، منذ مدة، من مغبّة دعم الإخوان الجلي وغير المحدود. وذكرنا لهم، أن اعتبار الدول الغربية لرأس النظام التركي أحد "الإخوان" -وقد سمعت هذا وقتئذ من بعض المحللين السياسيين الأوروبيين- سيكون مضرا بمكانة الدولة؛ لأن الدولة تتبعها الجماعات والتنظيمات، ولا تتبع هي الجماعات أو التنظيمات. ورغم أن تركيا قد قللت، من الدعم الواضح للإخوان، فإنها قد خسرت من الناحية السياسية، بعض مكانتها ضمن العالم؛ وقد عرّضت نفسها لضربات من "الغرب"، كانت في غنى عنها. وما يزال الخطر محدقا بالدولة التركية، إن هي لم تنفصل في سياستها بالكلية عن التنظيرات الإخوانية؛ وأما الإسلام فبالعكس، كلما تمسكت به الدولة التركية أو غيرها من الدول، ازدادت مُكنة وقوة. وعلى كل حال، فإن تركيا أكثر استقلالية في سياستها الخارجية على الخصوص، من قطر، وهي بالتالي أكثر مراعاة لمصالحها الخاصة منها، من غير شك. وإن اعتماد الدولتين، لتوظيف الجماعات الإخوانية، من أجل الهيمنة على الشعوب العربية ذات النزعة الإسلامية أيديولوجيا، أو من أجل القدرة على التدخّل في المسألة الأفغانية، بقصد تحصيل بعض المكاسب السياسية من الدول العالمية، كان أمرا ظرفيا؛ وسرعان ما ستكشف الأحداث عن عدم جدوى ذلك التوجه بعدُ؛ فيكون لزاما عندئذ على الدولتيْن المذكورتيْن، العودة إلى العمل الإسلامي النقي، بعد التشوّهات التربوية التي لحقتهما، والتي صارت تشوهات عقلية فيما بعد؛ علم الناظرون ما نذكره من التفاصيل، أم لم يعلموا. وأما قيام قطر بمهمة الوساطة بين أمريكا وإسرائيل من جهة، وقيادة حماس القاطنة لديها، من جهة أخرى فهو أمر سافر؛ لا يدل إلا على ما ذكرناه آنفا. وأما عدم إدراك العامة لحقيقة الأمر، فهو متوقَّع؛ ومن كان ينتظر غيره من المحللين، فليعلم أن الشؤون السياسية العالمية بعيدة عن مجاله العقلي، وليتق الله في نفسه، بالاشتغال بما يُحسن. وهنا لا بد من التذكير بشيء بالغ الأهمية، يخص العامة في أنفسهم، يجعلهم يتوقفون عن الخوض في الشؤون العامة، حتى يقللوا من الأضرار المنعكسة على مجتمعاتهم؛ وهو أن السياسة المنوطة بالدول في نفسها، تخالف جزئيا سياسة النظام العالمي؛ وهو أمر مقصود الآن... وحتى لا يُساء فهمنا كثيرا، فإنه لا ينبغي جعل إقامة دولة ما صلةً بإسرائيل، معيارا لما كنا بصدد الكلام عنه، من خدمة المشروع الصهيوني ومِن بعده المشروع الدجالي؛ لأن الأمر ليس بتلك السطحية. وإسرائيل قد صارت الآن بحكم الواقع، دولة ضمن المجموعة الدولية، أحب الناس أم كرهوا؛ هذا إن لم نقل بأن الدول العربية بما فيها الشعوب، هي من الأسباب المباشرة لتقوية إسرائيل عالميا. وعلى هذا، فإن ما يُسمّيه الناس "التطبيع"، ليس مضرّا الآن، إن كانت الدول "المطبّعة"، تعرف كيف تحافظ على مصالحها الخاصة، وعلى مصالح الأمة من بعدها. ومن بين هذه الدول التي لو تكون على تمام الاستعداد، لن تضرها الصلات بإسرائيل، المغرب؛ لأن المغرب دولة تمتاز بتطوّر السياسة الخارجية أكثر من غيرها. ويبقى عليها أن تطوّر سياستها الداخلية، ما دام الوضع الداخلي هو الأساس حتى في السياسة الخارجية. وأما دولة الإمارات العربية المتحدة، فهي تغلّب العلاقات التجارية الاقتصادية، وتجعلها أساسا لعلاقاتها السياسية؛ وهو أمر قد ينفع مرحليا، لكنه لا ينفع على المدى البعيد. وأما دخولها في بعض ما هو من الشؤون الدجالية المباشرة، كالعمل على تثبيت ما يُسمّى "الديانة الإبراهيمية"، فإنه سيضرها على المدى المتوسط، ويقلب أوضاعها. وعلى كل حال، فنحن عندما ننتقد دولا بعينها، نظن أنه قد سبق من كلامنا ما يكفي، من أجل الدلالة على حسن نيتنا، وعلى إسباق محبة الخير للجميع. وواجب النصيحة لجميع المسلمين، يبقى منوطا بنا على قدر استطاعتنا؛ ولو كان بوسعنا السكوت لسكتنا. يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ، إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ، إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ. قَالُوا: لِمَنْ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ.»[3]. ولنتوقف عند ألفاظ هذا الحديث، من أجل رفع اللبس عنها، رغم وضوحها: - قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ»، المؤكد بأداة التوكيد وبالتثليث اللفظي، يعني أن الدين من غير ركن النصيحة، غير معتبر؛ لدى الخصوص، ولدى العموم. - وقوله عليه السلام: «لِلَّهِ»، معناه: إخلاص الأعمال لله. فمن أخلص فقد نصح نفسه ولم يَغُشّها، وهو معنى النصيحة لله نفسِه، على التحقيق ومن دون مجاز كما قد يُظنّ. وهذا المعنى الذي نشير إليه، يعلمه العارفون بالله، ولا يُخطئونه؛ لكنه لا يُقال للعامة، بسبب بُعدهم واختلاط نورهم بالظلمة. - وأما قوله عليه السلام: «وَلِرَسُولِهِ»: أي بالعمل على طريقة السنة النبوية، من غير ابتداع؛ وهذا أمر يحتاج لدى المتأخرين لتأصيل جديد لفروع السنة. وهو ما سماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في حديث آخر بـ "سنة الخلفاء الراشدين من بعده". وأما العمل على خلاف السنة، فإنه مردود على صاحبه، وغير معتبر عند الله. - وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «وَلِأَئِمَّةِ الْمـُسْلِمِينَ»، فمعناه ينقسم إلى قسميْن: = قسم هو فرع عن النصيحة لرسول الله، وهو يعني اتباع الأئمة، وعدم إغفال مكانتهم. = وقسم يعني النصيحة بالمعنى المفهوم من اللغة، أي إبداء الرأي أمامهم بما يُرضي الله ورسوله؛ وهو يصب في عدم غشهم، لكون غشّهم تقديم لهم في طريق جهنم، والمؤمن يُفترض فيه أنه يحب لأخيه ما يُحبّ لنفسه. - وأما قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في هذا الترتيب المـُحكم: «وَعَامَّتِهِمْ»، فمعناه: تعميم العمل بمبدأ النصيحة على الناس أجمعين، من دون احتقار لأحد، أو سكوت على ما يُضرّه. وحتى يستقيم العمل بالنصيحة، فإنه ينبغي الاستعداد لها بتوطين النفس على الصبر بداية، من الجهتيْن: لكون النصيحة مكروهة للنفوس بالطبع؛ وهو ما يجعل ناقصي العقل لا يبالون ناصحهم، المحب لخيرهم، ويُبادلونه بالسوء في الغالب؛ ولكون الناصح ذاته محتاجا لأن يصبر صبر المـُقدِم الذي عليه إبلاغ النصيحة. والنصيحة واستماعها، هما أمران يصلح بهما تديّن الأمة كلها، لا تدين أفرادها وحدهم. ويُؤْثر عن سيدنا عمر عليه السلام، أنه قال لأحد الناصحين له: "لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها!"... وإن السابع من أكتوبر، هو بداية؛ وستكون تداعياته كثيرة، ربما تغيّر من معالم العالم. وهذا من الجانبيْن: فمن جهة حماس، سيذكر العالم القوة التي ظهرت بها، ومقدار المفاجأة الذي حقّقته، والاختراق الذي بلغته. وإن كنا نحن، ومن ناحية أخرى، سنتحفّظ على ذلك العمل كله، بسبب اشتماله على مخالفات شرعية، لا يجوز السكوت عليها. وكذلك سيذكر العالم، استعداد حماس لحرب الشوارع والأنفاق، الذي لم يتمكن الإسرائيليّون من الإفلاح في تحقيق نتائج تُذكر أمامه. ولكن في المـُقابل أيضا، لن ينسى أحد أن حماس لم تصنع ملجأ واحدا يحمي بعض المدنيّين من القذائف والصواريخ؛ وهو ما سيبقى نقطة سوداء في سجلها إلى أبد الدهر. ولقد سمعت مرة من أحد الناطقين باسمها في لبنان، عندما سئل عن حماية المدنيّين، يقول: تلك مهمة الأمم المتحدة!... وكأن حماس ليس لها حكومة محليّة في غزة تحسب على الناس أنفاسهم!... ومِن مفارقات حماس أيضا، في مقابل إهمال شأن سكان غزة من نساء وأطفال وشيوخ، إحسان معاملة الأسيرات الإسرائيليات والأجنبيات؛ حتى خرجن يُثنين عليهم وكأنهن كن في رحلة استجمام. وذلك كله، كان طلبا للصدى الإعلامي، لا عملا بالشريعة وحدها كما يُزعم. وسبب هذا، هو الشرك المتسرب إلى القلوب التي كان ينبغي أن تكون على إيمان غير مخلوط، يا حسرة. وهو يعود في مجمله إلى طلب المكانة عند الناس، لا عند الله؛ وعند الإعلام العالمي كما أسلفنا، لا عند العلم الإلهي. فظن هؤلاء الغافلون، أن ذلك كله سيغيّر طريقة النظر إليهم، وهيهات!... نعم، استطاعوا تغيير نظرة بعض الأسيرات، منهن من كنّ طفلات؛ ولكن، ما الذي سينطبع في ذاكرة من تبقّى حيّا في جحيم غزة، إلا أن حماس تلاعبت بهم، وساومت عليهم، من أجل تحقيق غايات سياسية، جعلتها تطمع في ضم الضفة الغربية إلى غزة، لتهلك الآخَرين كما أهلكت الأولين!... وأما من جهة إسرائيل، فإن أول ما سُجّل عليها إخفاق أجهزتها الأمنية والاستخباراتية، التي سمحت بدخول أفراد المقاومة، كما يدخلون إلى بيوتهم؛ ثم بالدخول إلى الإدارات ذات الشأن، لتأخذ المعلومات كما هي من الحواسيب المستولى عليها، ومن العاملين عليها المأسورين. ولن ينسى العالم كذب إسرائيل الذي انتشر في الإعلام العالمي، عندما نسب إلى أفراد المقاومة القيام بمجازر بشعة في حق الأطفال والنساء؛ فلم يلبث أن ثبت كذب القائلين، فارتد ذلك على إسرائيل، بتشكُّك الناس في كل ما ستُعلن عنه في المستقبل؛ خصوصا، في مقابل الصور المنقولة مباشرة من غزة، وفي مقابل الفيديوهات الحرة المنتشرة عبر وسائل التواصل. وإن نسي العالم فلن ينسى كمية التدمير الذي ألحقته بقطاع غزة وببيوته وأحيائه؛ وكأنها قد وجدت الفرصة لتقطع دابر الفلسطينيين هناك. وقد سمعنا من بعض المحلّلين، أن القصف الذي كان على غزة، كانت تتولاه آلات، لا تفرق بين مقاوم ومدني، ولا تأبه لتقليل الأعراض الجانبية للضربات. وبهذا، فإن العالم سيكون قد دخل صنفا من الحرب جديدا، تكون فيه الآلة والذكاء الاصطناعي، في مواجهة البشر من الأطفال والنساء والرجال؛ وهو ما ينبغي أن يتهيأ له الناس في جميع أنحاء العالم... وحتى نكمّل كلامنا بوجهة نظر مخالفة ولو قليلا، فإننا نورد هنا تحقيقا نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية حول هجوم حماس في 7 أكتوبر، ذكرت فيه عدم استعداد الجيش الإسرائيلي لـ "طوفان الأقصى"، وأشارت إلى افتقار الجيش الإسرائيلي إلى خطة للتعامل مع هجوم حماس الضخم. ويرسم التقرير صورة للجيش الذي فشل لفترة طويلة في فهم حجم الهجوم، وأرسل فرقا غير مجهزة، للتعامل مع هجوم جماعي. وبيّن أنه بينما كان الجيش يتصارع مع الوضع الذي لا يمكن فهمه في جنوب إسرائيل، تم نشر القوات متأخرا، لأول مرة في الساعة 7:43 صباحا، بعد أكثر من ساعة على هجوم حماس؛ عندما صدرت الأوامر لجميع قوات الطوارئ بالتحرك جنوبا. وأوضح التقرير أن المقاتلين تراسلوا من خلال استخدام تطبيق "واتس أب"، واستعانوا بشبكات التواصل الاجتماعي، لتحديد الأهداف في الميدان؛ كما طُلب من طياري المروحيات اختيار الأهداف، بناء على التقارير الإعلامية وقنوات "تلغرام". ووصف التقرير كيف وصلت قوات وحدة "مجلان" العسكرية، إلى مواقع المعارك، ولم تكن لديهم مهام محددة؛ مبينا أن بعضا منهم، استعان بأحد سكان مدينة "نتيفوت" (الذي راقب فيديوهات حماس على مواقع التواصل الاجتماعي)، في نداءات الاستغاثة، ونقل المعلومات إلى القوات. وذكر تقرير الصحيفة الأمريكية، أن الجنود جمعوا بأنفسهم المعلومات، وقدموها للطيارين الذين كانوا على متن مروحيات، حيث تم اختيار الأهداف بالاستناد إلى معلومات نشرت في تقارير إخبارية، وفي قنوات "تلغرام". وفي التقرير الذي اعتمد على مقاطع فيديو من يوم الهجوم، وعلى محادثات مع جنود وضباط حاليين وسابقين، اعترف الأشخاص الذين تمت مقابلتهم، بأنه لم يتم أي استعداد لسيناريو هجوم جماعي لحماس. وأشار في السياق، إلى أنه وحتى وقت الهجوم، لم تدرك قوات كثيرةٌ حجمَ الحدث، مبينا أن قواتٍ ووحداتٍ، انطلقت من تلقاء نفسها إلى مواقع الأحداث، أو تم استدعاؤها للوصول إلى الجنوب وهي مجهزة بمعدات لا ترقى إلى مستوى الحدث. وقد قدر الجيش الإسرائيلي في وقت وقوع الهجوم، أن حماس تمكنت من اختراق أماكن قليلة على طول السياج الحدودي، بين قطاع غزة وإسرائيل؛ وفي الواقع كان هناك أكثر من ثلاثين ثغرة، تسلل منها عناصر حماس إلى إسرائيل([4]). وأفادت صحيفة "نيويورك تايمز" أيضا بأن جهاز الأمن العام (الشاباك) كان أيضا في وضع يائس؛ مشيرة إلى أن رئيس الشاباك "رونان بار"، دعا جميع القوات المدربة التي لديها أسلحة، إلى النزول جنوبا. كما أظهر التقرير كيف خططت حماس مسبقا للوصول إلى قاعدة "راعيم"، التي هي عقر دار فرقة غزة، وكيف استغل المقاومون قلة العدد بها لبلوغ مآربهم، بما يصعّب على الجيش الإسرائيلي الرد على هجومهم. وروى جندي خدم في القاعدة، أن الهجوم على القاعدة العسكرية، قد أدى تقريبا إلى انهيار الاتصالات في الوحدة التي تنسق حركة القوات، في جميع أنحاء جنوب إسرائيل؛ كما أن الفوضى في الجيش الإسرائيلي، وقعت أيضا في ساعات الظهر من يوم الهجوم، عندما قدّر الجيش الإسرائيلي أن 200 مسلح، هم من قاموا بتنفيذ الهجوم، في حين أن العدد الحقيقي كان أعلى بكثير، ويقدر بنحو 3000 آلاف مسلح من حماس وغيرها. ولقد خسرت إسرائيل سياسيا، بمقدار العنف الذي أبانت عنه ضد الفلسطينيين، وخسرت استراتيجيا عندما تفوّقت على حماس في مقدار العنف، مع كونها تتهمها بـ "الإرهاب". ولو أن إسرائيل، جعلت ردها على المقاومة، بمقدار ما أصابها من أضرار، ولو وقتيا، وفي انتظار أن تتبيّن الأمر، لكسبت سياسيا إلى حد لا يبلغه خيالها؛ ولكنّ الله شاء لها أن تنفضح عند من كان يواليها، قبل من كان يُعارضها؛ عندما ظهرت بصورة لم يبلغها أي إرهاب في العالم. وهذا، إن كان يدل على شيء، فإنما يدل على أن الطبقة الحاكمة في إسرائيل قاصرة عقلا، لا خبر لها عن الاعتبارات الاستراتيجية، وهي أحوج الناس إلى اعتبارها؛ ولا قدرة لها على التحكم في أعصابها، من أجل اتخاذ القرارات التي لا يعقبها الندم. وهذا -كما أسلفنا- إن لم يكن "نتنياهو" ومن معه، ذا غاية أخرى شخصية أو سياسية حزبية ضيقة، من الهجوم؛ بحيث كان في حسبانه التضحية بعدد غير مسبوق من ضباط الجيش ومن الشعب الإسرائيلي. وبسبب العمل على إبادة شعب غزة، تكون إسرائيل -رغم إمكاناتها المتنوعة- مشابهة للدول العربية كثيرا، التي تفرّط تفريطا فيما ينفعها حاضرا ومستقبلا؛ وتقبل أن تعيش يوما بيوم، لا يتجاوزه نظرها إلى غيره؛ في تغييب شبه تام للمعنى الاستراتيجي. وعلى كل حال -وكما كنا نقول دائما- فإن المجاورة والاحتكاك، قد يتسبّبان في انتقال بعض الصفات بين المتجاورين، قهرا ومن دون اختيار. وإن كانت إسرائيل تريد أن ترى نفسها في المرآة، فما عليها إلا أن تنظر إلى الدول العربية المحيطة بها؛ فإنها ستُدرك بعض ما يتعلّق بها، إن لم تُدرك كلّه. كما أن العرب إن كانوا يريدون تشخيص حالهم، من غير تحريف ولا تسويف، فعليهم النظر إلى إسرائيل، من دون أن يستحضروا أنها العدوّ المحتل وقت النظر؛ لأن اعتبار ذلك، سيحجبهم عن إدراك ما دللناهم عليه. وإن هذه المسألة، في علم "النفس"، وعلم الاجتماع، والعلوم السياسية، هي من المحاور المعرفية، التي لا يُستغنى عنها؛ لو أن الأمر كان بيد الطبقة الأكثر عقلانية في المجتمعات. وهي مسألة ثابتة في علم الفيزياء والكيمياء أيضا، لو أن الناس لم يُفرّقوا في العلم بين المادة والمعنى... [1] .نحن نرفض هذه التسميات التي تنطوي على الدعوى وتخدم البروباغاندا. وقد وقعت التنظيمات الإسلامية في هذا، لأنها تعمل بمنطق التنظيمات الكفرية. وظنت أن اتخاذ التسمية من ألفاظ القرآن أو مما هو معلوم من الدين، وحده، يجعلها شرعية؛ والحقيقة هي أنها مخالفة للشريعة. ولو سميت الأمور بتاريخها أو بمكانها، لكان ذلك أفضل للإسلاميين عند الله... |