![]() انتهاء الاعتصام بعد
1255
يــــــوم
بسم الله الرحمن الرحيم. يُنهي شيخ الطريقة العمرية عبد الغني العمري الحسني، إلى علم الرأي العام، ومن بعده إلى علم أتباع الطريقة العمرية في أنحاء العالم، أنه: 1. قد عزم على إيقاف اعتصامه مع عائلته داخل بيته نهاية يوم الثلاثاء 15-5-2018م، بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم لعام 1439ه. وللإشارة، فإن هذا الاعتصام قد بدأ يوم الاثنين 8-12-2014م، واستمر طيلة 1255 يوم. 2. سيغادر مدينة جرادة التي كانت محل اضطهاده وعائلته من طرف السلطات المحلية والأجهزة الأمنية، مع توظيف الأوباش والسفهاء من أهل المدينة في هذا العمل الشنيع. وسيكون مقر الشيخ المقبل إن شاء الله بمدينة سلا، مرفوقا بجميع أفراد عائلته. حرر بجرادة ليلة الأربعاء: 16-5-2018م. شيخ الطريقة العمرية: عبد الغني العمري الحسني ![]() ![]()
Translated
Sheikh's Books |
![]()
2024/01/06
القضية الفلسطينية: من المنظوريْن: الديني والعقلي (13)
الفصل الثاني عشر: الفلسطينيون والعرب
بعد أن أطللنا على إسرائيل، وعرفنا طريقة عيشها، ينبغي الآن أن نتوقف عند حال الفلسطينيين والعرب، لنتبيّن مقدار استطاعتهم لمواجهة الاستيطان الصهيوني المادي والمعنوي. وهذا، لأننا بتنا نجد أثر إسرائيل في جميع الجهات، وكأنها هي الدولة العملاقة، ذات المساحة الكبيرة والنظام المحكم؛ وأن العرب هم الدولة الصغيرة الطارئة على المنطقة!... ولنبدأ بالنظر إلى حال الفلسطينيّين الذين هم في مواجهة مباشرة لإسرائيل، قبل النظر في حال الدول العربية: 1.الثورة الفلسطينية الكبرى: اندلعت انتفاضة وطنية قام بها العرب الفلسطينيون في فلسطين الانتدابية، ضد الإدارة البريطانية للولاية الفلسطينية، ومن أجل المطالبة بالاستقلال، وإنهاء سياسة الهجرة اليهودية المفتوحة، وشراء الأراضي، بوضع حد للغاية المعلنة المتمثلة في إنشاء "بيت وطني يهودي". وبدأ الوضع الفلسطيني يأخذ شكل الثورة الشاملة مع مرور الوقت، فأخذت العمليات الثورية المسلحة –التي بدأت محدودة متفرقة– في الانتشار حتى عمت معظم أرجاء فلسطين، وبلغ معدلها خمسين عملية يومياً، وزاد عدد الثوار حتى بلغ حوالي خمسة آلاف، معظمهم من الفلاحين الذين يعودون إلى قراهم، بعد الانتهاء من مساعدة الثوار الذين تفرغوا على التمام. وبعد جهود سرية قام بها الحاج أمين ورفاقه، حدث تطور نوعي في الثورة، وذلك بقدوم تعزيزات من الثوار العرب، من العراق وسوريا وشرق الأردن، بلغت حوالي 250 رجلا، وكان على رأسها القائد العسكري المعروف فوزي القاوقجي (1890-1977م)، الذي وصل في 22 أغسطس 1936م، وتولى بنفسه القيادة العامة للثورة، ونظم الشؤون الإدارية والمخابرات، وأقام محكمة للثورة، وأسس غرفة للعمليات العسكرية. ولقد كان من أبرز المتطوعين العرب: الشيخ عز الدين القسام، وسعيد العاص، ومحمد الأشمر، من سوريا؛ كما شارك أيضا متطوعون مسلمون، من شبه القارة الهندية، في الدفاع عن المسجد الأقصى. وقد اعترفت القيادة العسكرية البريطانية، في تلك الفترة بتحسن تكتيكات الثوار، مشيرة إلى أنهم أظهروا علامات على الأهلية القيادية والتنظيمية. وأدت وفاة الشيخ عز الدين القسام، على أيدي الشرطة البريطانية، إلى غضب الجماهير الفلسطينية على نطاق واسع؛ وقد رافقت الحشود الضخمة، جثمان القسام حتى قبره في حيفا. وبعد أشهر قليلة، في أبريل 1936م، دعت اللجنة القومية العربية إلى الإضراب العام الذي استمر حتى أكتوبر 1936م، ولازمته موجة من أعمال مقاومة المستعمر. وفي عام 1937م، اقترحت بريطانيا تشكيل لجنة سميت بلجنة "بيل" الملكية، هدفها تقسيم فلسطين إلى دولة يهودية (في جزء من الأراضي ذات الأغلبية العربية)، ودولة عربية على أن تُرفق بالأردن؛ فتم رفض الاقتراح من قبل العرب. ومنذ ذلك الحين، والوضع الفلسطيني غير مستقر، رغم قيام دولة إسرائيل فيما بعد، بقرار أحادي؛ وهو ما سيبقي الوضع وقتيا إلى الآن... وفي أعقاب اقتراح لجنة التقسيم، اندلعت المقاومة المسلحة على نطاق واسع. خلال الأشهر الثمانية عشر التالية، فَقَدَ البريطانيون السيطرة على القدس ونابلس والخليل. وقمعت القوات البريطانية (وبدعم من 6000 شرطي صهيوني) أعمال المجاهدين، وأوصى الضابط البريطاني "تشارلز أورد وينغيت" بدعم المناطق اليهودية لأسباب دينية. فنظمت فرق ليلية بريطانية خاصة، مؤلفة من جنود بريطانيين ومتطوعين صهاينة (مثل "إيغآل ألون") غارات على قرى عربية في الجليل الأدنى، وفي مرج ابن عامر. وأسفرت المقاومة عن استشهاد 5000 فلسطيني وجرح 10000، ومقتل 262 جندي بريطاني، وجرح 550، ومقتل 300 صهيوني... فشلت الثورة العربية في فلسطين الانتدابية، وأثرت عواقبها على نتيجة حرب فلسطين عام 1948م. وتسببت في قيام الانتداب البريطاني بتقديم دعم حاسم للميليشيات الصهيونية السابقة للدولة مثل "الهاغانا"، في حين أجبرت الثورة على فرار الزعيم العربي الفلسطيني الرئيس في تلك الفترة، المفتي الكبير في القدس: الحاج أمين الحسيني، إلى المنفى. 2. الهدنة الأولى: 11 يونيو – 8 يوليو 1948م: أعلنت الأمم المتحدة هدنة في 29 مايو، والتي بدأ تنفيذها في 11 يونيو واستمرت 28 يوما. وأشرف على وقف إطلاق النار وسيط الأمم المتحدة "فولك برنادوت"، وفريق من مراقبي الأمم المتحدة، وضباط جيش من بلجيكا، والولايات المتحدة، والسويد، وفرنسا. وصوتت الجمعية العامة على "برنادوت" [لضمان سلامة الأماكن المقدسة، وحماية رفاهية السكان، وتعزيز التسوية السلمية للوضع المستقبلي لفلسطين]. وتحدث المسؤول الأممي عن "السلام بحلول عيد الميلاد"، لكنه رأى أن العالم العربي استمر في رفض وجود دولة يهودية، مهما كانت حدودها. وسيبقى هذا الرفض هو الثابت العام في الوضع الفلسطيني، والذي سيستمر رغم محاولات التغيير المختلفة، كما سنرى... وأُعلن عن حظر على الأسلحة بنية ألا يحقق أي من الطرفين مكاسب من الهدنة؛ لكن لا أحد من الجانبين، احترم الهدنة؛ فكلاهما وجدا طرقا للالتفاف على القيود. واستغل كل من الإسرائيليين والعرب هذا الوقت لتحسين مواقفهم، في انتهاك مباشر لشروط وقف إطلاق النار. انتهك العرب الهدنة من خلال تعزيز خطوطهم بوحدات جديدة (بما في ذلك ست سرايا من النظاميين السودانيين، وكتيبة سعودية ووحدات من اليمن والمغرب)، ومَنْعِ الإمدادات من الوصول إلى المستوطنات الإسرائيلية المعزولة؛ وفي بعض الأحيان، كانوا يفتحون النار على طول الخطوط. وانتهكت قوات الدفاع الإسرائيلية الهدنة من خلال الحصول على أسلحة من تشيكوسلوفاكيا، وتحسينِ تدريب قواتها، وإعادةِ تنظيم الجيش. وقال "إسحاق رابين"، قائد الجيش الإسرائيلي، الذي أصبح فيما بعد خامس رئيس وزراء لإسرائيل: "مع سحب الأسلحة من تشيكوسلوفاكيا... من المشكوك فيه جدا، ما إذا كنا سنتمكن من شن الحرب". بالإضافة إلى انتهاك حظر الأسلحة والأفراد، أرسل الجانبان وحدات جديدة إلى الجبهة. فزاد الجيش الإسرائيلي قوته البشرية من حوالي 30000 أو 35000 رجل، إلى ما يقرب من 65000، خلال الهدنة. وزادت إمدادات تلك القوات بالأسلحة إلى "أكثر من خمسة وعشرين ألف بندقية، وخمسة آلاف مدفع رشاش، وأكثر من خمسين مليون رصاصة...". ومع بدء الهدنة، قال ضابط بريطاني متمركز في حيفا: إن الهدنة التي تستمر أربعة أسابيع "سيستغلها اليهود بالتأكيد، لمواصلة التدريب العسكري، وإعادة التنظيم؛ بينما يضيعها العرب في التناحر على تقسيم الغنائم في المستقبل". وهذا يجعلنا من الآن نتساءل عن الفروق في الشخصية، بين العرب واليهود؛ وسنعود إلى هذه المسألة كلما دعت الضرورة إليها. وذلك لأن الشخصية بالنظر إلى العربي وإلى اليهودي، سيكون لها مَدخل كبير في المعارك وفي الصراع برمته. وفي 7 يوليو، وقبل يوم من انتهاء الهدنة، جددت القوات المصرية بقيادة اللواء محمد نجيب، الحرب بمهاجمة "نيغبا". 3. محطات للمقاومة من: 1948 إلى: 1965م: - 1948م: إسرائيل تعلن استقلالها بعد انتهاء الانتداب البريطاني. والجيوش العربية تخفق في دحرها عقب الانسحاب البريطاني. والأردن يسيطر على الضفة الغربية، والقدس الشرقية؛ ومصر تنفرد بقطاع غزة، بينما تسيطر إسرائيل على بقية فلسطين، بما فيها القدس الغربية. وتم طرد أو هرب ثلاثة أرباع المليون فلسطيني على الأقل، من ديارهم. وتأسست وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأنروا)، من أجل الاستجابة لحاجات اللاجئين الصحية والتعليمية. ونستخلص من هذا، أن الفلسطينيين لم يكونوا يُدركون حقيقة ما يُدبّر لهم؛ وهو قصور ستبقى آثاره تتوالد إلى ما شاء الله. - من 1949م إلى الخمسينيات: الفدائيون الفلسطينيون، يشنون هجمات على إسرائيل من قواعدهم في مصر، وقطاع غزة، بتشجيع مصري. ولقد تزايدت الهجمات بعد نجاح الضباط القوميين (الضباط الأحرار) في الإطاحة بالنظام الملكي في مصر في عام 1952م. - من 1956 إلى 1957م: إسرائيل تتواطأ مع بريطانيا وفرنسا، لغزو مصر عقب تأميم قناة السويس؛ لأسباب منها: إيقاف الهجمات التي كان ينفذها الفدائيون. واستُقدمت قوة دولية إلى سيناء وغزة، فنجحت إلى حد كبير، في الحد من الهجمات الفدائية على إسرائيل... - 1959م: ياسر عرفات يؤسس حركة فتح المسلحة في مصر، لمهاجمة أهداف في اسرائيل. - 1964م: جامعة الدول العربية، تعلن عن تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية، وجيش التحرير الفلسطيني، تحت قيادة أحمد الشقيري. وبدل أن تكون جامعة الدول العربية حاضنة للمقاومة الفلسطينية، فإنها ستكون سببا في الفت من عضدها، بسبب توزّع آراء القادة العرب واختلافهم. ونحن نعلم أن شطرا من القادة العرب، كان يعادي الشطر الآخر؛ ومن ثمّ فإنه كان لزاما على الفلسطينيين، أن يجاملوا هؤلاء وأولئك. وإن هم أظهروا ميلا إلى أحدهم، فإن الأمر كان يُحسب عليهم، وكانوا يؤدّون ثمنه غاليا من قِبل المخالفين. وقد بقي الأمر على هذه الحال إلى الآن... 4. المقاومة عبر الحدود: بدأت منظمة "فتح" الفلسطينية القومية، تنظيم هجمات عبر الحدود ضد إسرائيل في يناير 1965م، مما استدعى ردودا انتقامية إسرائيلية على الأردن ولبنان. وكانت حادثة "السموع" التي أطلقتها إسرائيل في 13 نوفمبر 1966م، واحدة من هذه الأعمال الانتقامية، بعد أن قتل ثلاثة جنود إسرائيليين بانفجار لغم أرضي لـ "فتح". وقد أوقع الهجوم الإسرائيلي على بلدة "السموع" في الضفة الغربية، خسائر فادحة على الأردن. وبدأت منظمة التحرير الفلسطينية من عام 1968م فصاعدا، إجراء مداهمات من لبنان إلى داخل إسرائيل؛ وبدأت إسرائيل غارات انتقامية ضد لبنان، لتشجيع الشعب اللبناني نفسه على رفض الفدائيين. وبعدما هوجمت طائرة إسرائيلية من قبل مسلحين فلسطينيين في مطار "أثينا"، قصفت إسرائيل مطار بيروت الدولي للانتقام، ودمرت 13 طائرة مدنية. وبعد أن فقد الأردن السيطرة على الضفة الغربية لصالح إسرائيل عام 1967م، نقل الفدائيون الفلسطينيون قواعدهم إلى الأردن، وصعّدوا من هجماتهم على إسرائيل والأراضي المحتلة. وقد تطور على إثر ذلك، رد انتقامي إسرائيلي على معسكرٍ لمنظمة التحرير في الكرامة، وهي بلدة أردنية على طول الحدود مع الضفة الغربية، إلى معركة واسعة النطاق. وأدى الانتصار الفلسطيني الأردني المشترك في معركة الكرامة في عام 1968م، إلى زيادة الدعم العربي للمقاتلين الفلسطينيين في الأردن. ونمت تبعا لذلك قوة منظمة التحرير في الأردن، وبحلول عام 1970م، بدأت علنا المطالبة بالإطاحة بالملكية الهاشمية. وقد كان هذا سوء تدبير من قِبل الفلسطينيين، قابلوا به احتضان الأردن لهم وإحسانه، بالسوء. ونشبت معارك بين الفلسطينيين والأردنيين على الخصوص فيما بين 16 و27 سبتمبر 1970م، سميت في التاريخ العربي بـ "أيلول الأسود". وبعد إخماد ذلك التمرد، خرجت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وقواتها من الأردن إلى سوريا، وأخيرا إلى لبنان، حيث زادت من المقاومة العابرة للحدود. ولم يتمكن المواطنون اللبنانيون العزل، من طرد المسلحين الأجانب، في الوقت الذي كان فيه الجيش اللبناني ضعيفا جدا كالعادة، عسكريا وسياسيا. وخضعت مخيمات اللاجئين الفلسطينيين للسيطرة الفلسطينية بعد سلسلة من الاشتباكات في عامي 1968 و1969م، بين الجيش اللبناني وقوات الميليشيات الفلسطينية الصاعدة. وفي عام 1969م كفل اتفاق القاهرة حق اللاجئين في العمل لتشكيل لجان حكم ذاتي، والانخراط في الكفاح المسلح. وتولت حركة المقاومة الفلسطينية، الإدارة اليومية لمخيمات اللاجئين، وتوفير الأمن، وكذلك الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية. وهو ما سيهز الاستقرار اللبناني، من ذلك الحين وإلى الآن... جندت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية أعضاء جددا، من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بالتزامن مع نقل مقراتها إلى بيروت. وكان جنوب لبنان يلقب بـ "أرض فتح" باعتبار هيمنة حركة "فتح"، التي ينتمي إليها "ياسر عرفات". ومع عمل جيشها الخاص بحُرية في لبنان، تمكنت منظمة التحرير الفلسطينية من إنشاء دولة داخل الدولة؛ وعاش أكثر من 300,000 مشرد فلسطيني في لبنان بحلول عام 1975م، بالإضافة إلى استخدامه قاعدةَ عملياتٍ، لشن هجمات على إسرائيل، وضد مصالح إسرائيلية في جميع أنحاء العالم. فبدأت منظمة التحرير الفلسطينية، والمنظمات الفلسطينية المسلحة الأخرى، سلسلة من عمليات خطف الطائرات، والتي تستهدف رحلات جوية إسرائيلية ودولية، على متنها إسرائيليون ويهود. ولقد كان التأثير الأكبر على لبنان، هو زعزعة الاستقرار وزيادة الصراع الطائفي، الذي نتج عنه تدهور الأوضاع في نهاية المطاف، والدخول في حرب أهلية شاملة... وقد أقدم أحد عشر مسلحا، من منظمة التحرير الفلسطينية، يوم 11 مارس 1978م على إنزال بحري في حيفا، حيث اختطفوا حافلة بكامل ركابها؛ وهو ما أسفر عن مقتل من كانوا على متنها فيما يعرف باسم "مذبحة الطريق الساحلي". وبحلول نهاية اليوم، قُتل تسعة فدائيين و37 مدنيا إسرائيليا. وردّا على ذلك كعادتها، شنت إسرائيل بجيش من 25,000 جندي، عملية "الليطاني"، التي كان اسمها بالعبرية "أفي هحوخماه" (أي: رب الحكمة)؛ وذلك في: 14 مارس 1978م، بهدف احتلال جنوب لبنان، باستثناء مدينة صور. وكانت الغاية هي دفع منظمة التحرير الفلسطينية بعيدا عن الحدود، ودعم جيش لبنان الجنوبي المتحالف مع إسرائيل بزعامة "سعد حداد". وفي 22 أبريل عام 1979م، هبط "سمير القنطار" وثلاثة أعضاء آخرين من جبهة التحرير الفلسطينية، وهو فصيل تابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، في "نهاريا"، قادمين من صور عن طريق القوارب؛ وبعد قتل ضابط شرطة، كان قد اكتشف وجودهم، أخذوا أبا وابنته رهينتيْن في مبنى سكني. وبعد فرارهم من الشرطة مع الرهائن، عادوا إلى الشاطئ، ووقع تبادل لإطلاق نار، أدى إلى مقتل شرطي واثنين من المسلحين. وقتل "القنطار" الرهينتيْن، قبل أن يتم القبض عليه مع المتسلل الآخر. وفي أبريل عام 1981م، تدخلت الولايات المتحدة للتوسط من أجل وقف إطلاق النار في جنوب لبنان، بين إسرائيل، وسوريا، ومنظمة التحرير الفلسطينية.... 5. انتقال منظمة التحرير إلى تونس: أدى الاجتياح الإسرائيلي عام 1982م، إلى مغادرة منظمة التحرير الفلسطينية للبنان إلى تونس؛ وقد استفادت إسرائيل من إنشاء المنطقة الأمنية في جنوب لبنان، حيث شهد الجليل تخفيفا في عدد العمليات الفدائية، التي نفذتها منظمة التحرير في السبعينيات. وكانت عملية "حمام الشط" إحدى أكبر وأخطر العمليات بحق الفلسطينيين، حين تمكن جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد) من تعقب أحد الاجتماعات المهمة في مقر المنظمة في (تونس)، ولتقوم ثمان طائرات من سلاح الجو الإسرائيلي صباح الأول من أكتوبر 1985م، بقصف مقر منظمة التحرير في ضاحية "حمام الشط" بالعاصمة التونسية، بوابل من القنابل، وهو ما أدى إلى سقوط ثمانية وستين قتيلا، وأكثر من مائة جريح من فلسطينيين وتونسيين، إضافة إلى تدمير المقر بالكامل، وبعض منازل المدنيين في المنطقة. 6. الانتفاضة الأولى: يعود سبب الشرارة الأولى للانتفاضة، إلى قيام سائق شاحنة إسرائيلي بدهس مجموعة من العمّال الفلسطينيّين على حاجز "إريز"، الذي يفصل قطاع غزة عن بقية الأراضي الفلسطينية في مناطق 1948م. فبدأت الانتفاضة يوم 8 ديسمبر 1987م، وكان ذلك في جباليا، وكانت ذات طابع شعبي. واستمر تنظيم الانتفاضة من قبل القيادة الوطنية الموحدة الفلسطينية، ومنظمة التحرير الفلسطينية فيما بعد، في قطاع غزة؛ ثمّ انتقلت إلى كل مدن وقرى ومخيّمات فلسطين. ويُقدّر أن ثلاثمائة وألف فلسطيني قتلوا أثناء أحداث الانتفاضة الأولى، على يد الجيش الإسرائيلي؛ كما قتل ستون ومائة إسرائيليّ على يد الفلسطينيين. بالإضافة إلى ذلك، يُقدّر أن ألف فلسطيني زُعم أنهم متعاونون مع السلطات الإسرائيلية، قتلوا على يد فلسطينيين، مع أن ذلك لم يثبت إلا على أقل من نصفهم فحسب. هدأت الانتفاضة في العام 1991م، وتوقفت نهائيا، مع توقيع اتفاقية "أوسلو" بين إسرائيل، ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993م. 7. الانتفاضة الثانية: اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية في 28 سبتمبر 2000م، وامتازت بالمقارنة إلى سابقتها، بكثرة المواجهات المسلحة، وبتصاعد وتيرة الأعمال العسكرية، بين المقاومة الفلسطينية، والجيش الإسرائيلي؛ وراح ضحيتها حوالي اثنا عشر وأربعمائة وأربعة آلاف فلسطيني واثنان وعشرون وثلاثمائة وثمانية وأربعون ألف جريح. وأما خسائر الجيش الإسرائيلي فكانت أربعة وثلاثين وثلاثمائة قتيل، ومن المستوطنين خمسة وثلاثين وسبعمائة قتيل؛ ليصبح مجموع القتلى والجرحى الإسرائيليين تسعة وستين وألف قتيل، مع خمسمائة وأربعة آلاف جريح، بالإضافة إلى عَطَب خمسين دبابة من نوع "ميركافا"، وتدمير عدد من الجيبات العسكرية والمدرعات الإسرائيلية. وتوقفت هذه الانتفاضة فعليا، في 8 فبراير 2005م، بعد اتفاق الهدنة الذي عقد في قمة "شرم الشيخ"، والذي جمع الرئيس الفلسطيني المنتخب حديثا "محمود عباس" ورئيس الوزراء الإسرائيلي "أرئيل شارون"، ومرت مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة خلالها بعدّة اجتياحات إسرائيلية منها عملية "الدرع الواقي" و"أمطار الصيف" و"الرصاص المصبوب". وكانت شرارة اندلاعها دخول رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق "أرئيل شارون" إلى باحة المسجد الأقصى برفقة حراسه، وهو الأمر الذي دفع جموع المصلين إلى التجمهر ومحاولة التصدي له، فكان من نتائجه اندلاع أول أعمال العنف في هذه الانتفاضة. يعتبر الطفل الفلسطيني "محمد الدرة" رمزا للانتفاضة الثانية، فبعد يومين من اقتحام المسجد الأقصى، أظهر شريط فيديو التقطه مراسل قناة تلفزيونية فرنسية في 30 سبتمبر 2000م، مشاهد قتل للطفل (11 عامًا)، الذي كان يحتمي إلى جوار أبيه ببرميل إسمنتي، في شارع صلاح الدين، جنوبي مدينة غزة. 8. أبرز المنظمات الفلسطينية المسلحة: تأسست عام 1964م، منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها منظمة سياسية شبه عسكرية، معترفا بها في الأمم المتحدة، والجامعة العربية؛ وممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني، داخل وخارج فلسطين. وجاء تأسيسها بعد انعقاد المؤتمر العربي الفلسطيني الأول في القدس، نتيجة لقرار مؤتمر القمة العربي 1964م المنعقد بالقاهرة، من أجل بحث تمثيل الفلسطينيين في المحافل الدولية؛ وهي تضم معظم الفصائل والأحزاب الفلسطينية تحت لوائها. من بينها حركة "فتح"، و"الجبهة الشعبية"، و"الجبهة الديمقراطية"، و"حزب الشعب" (الشيوعي)، وغيرها... ويعدّ رئيس اللجنة التنفيذية فيها، رئيسا لفلسطين والشعب الفلسطيني، في الأراضي التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة إلى فلسطينيي الشتات. وتجدر الإشارة إلى أن حركة "حماس" وحركة "الجهاد الإسلامي" ليستا من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وأن "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة"، قد سحبت عضويتها منها. وقد ذكر كثيرون، أن حركة حماس، قد أُسِّست من قِبل "الموساد" الإسرائيلي، بقصد تشتيت الصفّ الفلسطيني، وتحويل الصراع البيْنيِّ إلى صراع داخلي. ومن المنظمات الفلسطينية المقاوِمة المسلحة اليوم: كتائب الشهيد عز الدين القسام، وسرايا القدس، وألوية الناصر صلاح الدين، وكتائب أبي علي مصطفى، وكتائب المقاومة الوطنية، وكتائب شهداء الأقصى التي توقفت رسمياً عام 2007م في الضفة. 9. أشهَر العمليات: هذه قائمة جزئية للعمليات التي نفذتها منظمات المقاومة الفلسطينية ضد مستوطنين إسرائيليين أو مواقع إسرائيلية: معظم القتلى هم يهود، ولكن بعضهم كانوا من عرب 48. جميع العمليات تم تنفيذها داخل حدود "الخط الأخضر" (حدود 1949م).
وهذه ليست إلا عينة فحسب، مما قام به الفلسطينيون من عمليات ضد إسرائيل، أردنا التدليل بها على المناخ السائد في المنطقة، ولم نرد إحصاء كل ما وقع إحصاء دقيقا... 10. أزمة الهوية العربية: من يتأمل الوضع العام العربي، لا يشك لحظة أن شعوبه تعاني أزمة هوية حادة. وذلك بسبب أمريْن رئيسيْن: ا. الانقلاب التاريخي للدين، والذي تكلمنا عنه في كتابنا "الشذرات". وقد نتج عنه تحريف فقهي للدين، قطع المسلمين عن مرتبة الإمامة في الدين؛ فأدى ذلك إلى نزول الأمة إلى تديّن في الحد الأدنى، الذي لا يمكن معه الحفاظ على الوحدة والقوة والعزة... ب. المسخ الذي أحدثه الاستعمار في شخصية الفرد العربي، عندما أدخل عليه ثقافة غريبة عنه من جهة، مع إبقائه على تبعية له إلى الآن، من جهة أخرى... وهذا التردد في النظر إلى الأمور، قد أصاب شخصية الفرد العربي بالاهتزاز، الذي يعجز معه أن يكون هو نفسه، فضلا عن أن يتمكن من مواجهة المحتل، الذي قد تعددت صوره وانتماءاته. والفلسطيني من كونه عربيا من جهة، وفي الخط الأول من المواجهة، ليس استثناء؛ بل هو أول معبِّر عن تمزق الهوية. وإن نشأة المقاومة بالصفة القومية، لم تكن إلا تعبيرا عن أزمة الهوية منذ البداية؛ لأن الدفاع عن بيت المقدس، لا يكون بالاستناد إلى القومية أبدا. وهذا هو ما جعل المقاومة تفشل فيما نذرت نفسها له، ولم تبلغ في نضالها: لا مكانة "هوشي منه"، ولا "تشي غيفارا"؛ بل على العكس من ذلك أنتجت قيادات مرتشية ومتعاونة مع الاحتلال. تغتني، في الوقت الذي يزداد من يُفترض أن يكونوا من شعبها فقرا. وهذا الوضع قد أصبح جل سكان العالم يشمئز منه. وحتى عندما ظهرت ما تُسمّى "المقاومة الإسلامية"، فإنها أعادت إنتاج إخفاق الإسلاميّين في البلدان العربية؛ بداية مما وقع في مصر، عند العمل وفق التنظيمات الماسونية، تحت الشعارات الإسلامية الجوفاء، وانتهاء إلى ما فعلته حماس يوم السابع من أكتوبر 2023م، مما يُشبه عمل المنظمات الإرهابية([1])، التي لا يكون المعيار لديها، إلا مقدار الألم الذي يُصاب به الطرف الآخر. وكأن إيلام العدو هو الغاية عند المسلمين!... نعم، نحن لا ننكر أن المعارك والحروب تقوم على ذلك المبدأ في شطرها؛ ولكن الأمر لا يتوقف عند ذلك. يقول الله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا۟ فِی ٱبۡتِغَاۤءِ ٱلۡقَوۡمِۖ إِن تَكُونُوا۟ تَأۡلَمُونَ فَإِنَّهُمۡ یَأۡلَمُونَ كَمَا تَأۡلَمُونَۖ وَتَرۡجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا یَرۡجُونَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِیمًا حَكِیمًا} [النساء: 104]؛ فإن كان اشتراكنا مع العدو في جانب الألم على تفاوت، فإنه يجدر بنا أن نتنبه إلى جانب رجاء الله ما لا يرجون؛ وإلا فلا فرق!... ومعنى تعلم أن نرجو منه سبحانه ما لا يرجو العدو، هو: - إخلاص العمل لله، وهذا قد يدّعيه كل أحد، لكنه عند التحقيق قليل!... - رجاء إحدى الحسنييْن: النصر أو الشهادة. والنصر لا يكون نصرا إلا إن صارت كلمة الله هي العليا، لا إن صار القوم أعلى من قوم آخرين. والشهادة، لا تتأتى إلا إن كان نظر العبد إلى ما عند الله، يفوق نظره إلى الدنيا. يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ!»[2]. وقد مرّ ضمن الفصول الماضية، ما يُعدّ شروطا لتحقيق هذه الغاية؛ ومرّ ما دللنا عليه من تربية خاصة، تخرج بالمسلمين عن العمل بالأساليب الجاهلية. ومن عمل عملا جاهليا، لن تُعيده النِّسبة المدّعاة إسلاميا، وإن جهد العاملون جهدهم، وزعموا زعمهم... 11. هل الصراع العربي الإسرائيلي حضاري؟ إن مسألة "صراع الحضارات"، التي أثارها "صموئيل هنتنغتون" في كتابه: "صدام الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي"، الذي صدر عام 1996م، ليست مجانبة للصواب على التمام؛ لأن الحضارات إن وجد بعضها إلى جنب بعض، تتصرف كأفراد البشر المتزاحمين في الحيّز الواحد. فكل منها تريد أن تكون لها الغلبة على الأخرى، من وجه أناني خالص، لا من وجه علمي معياري كما قد يُظنّ. ونحن نوافق القائلين بأن كل حضارة، تنبني على دين؛ وإن كان الأمر هكذا، فإن الصراع في عمقه سيكون دينيا ولا بد. وهو ما تُسفر عنه المصادمات الحضارية عند اشتداد المواجهة. فإذا تقرر ما سبق، فإننا نعود إلى الصراع العربي الإسرائيلي، الذي هو صراع بين اليهودية-النصرانية، والإسلام. وبما أن ما يستند إليه اليهود والنصارى من دين، قد مرّ زمانه، فإنه كان ينبغي أن يكون المسلمون على إسلام فحسب، حتى ينتصروا. وإن عدم انتصارهم إلى الآن، لا يدل إلا على أن إسلامهم غير سليم؛ وهو ما نكرره منذ مدة، وندل على أن انحرافه قد بدأ مع معاوية، وقد رسّخه الفقهاء عبر القرون. بل إن إسرائيل نفسها، ليس ظهورها وسط الأمة، إلا كظهور أعراض المرض على الجسم المريض. والمريض، ليس إسرائيل؛ وإنما هم المسلمون؛ علموا أم لم يعلموا!... نعم، نحن نعلم أن جل المسلمين يأبون الإنصات إلينا؛ ويفضلون اتباع الفقهاء في تنظيراتهم الجوفاء الخرقاء؛ وكأن القوم يريدون معاندة سنة الله في أمر الصراع الحضاري. وقد جربوا ذلك مدة، وأعادوه الكرة بعد الأخرى، ولكن إلى متى؟!... وعلى هذا، فإن مواجهة العرب لإسرائيل الآن، هي مواجهة باطل لباطل؛ لا مواجهة حق لباطل. وإن أطول الحروب، هي التي تكون بين باطليْن؛ ولن ينتهي هذا الصنف من الحروب، إلا إن أذن الله لأحد الطرفيْن بأن يظهر عنده الحق البيّن. فوقتذاك تُحسم المعركة في أقل مدة!... وما يشهد لكون الصراع العربي الإسرائيلي صراع بين باطلين، هو تكرار الكرّ والفرّ، وتبادل الانتصارات الجزئية والانهزامات، طوال الوقت. ولقد سمعت وأنا طفل من أحد المثقفين الجزائريّين، عبر إذاعة الجزائر الوطنية (لا أذكر الآن اسمه)، أنه حضر مؤتمرا (لا أذكر موضوعه)، وفي اللقاءات الجانبية، التقى بمفكر إسرائيلي، دخل معه في حوار حضاري صريح. قال المفكر الجزائري: لا بد في النهاية أن نهزمكم!... فأجاب المفكر الإسرائيلي: نحن نعلم ذلك، ولكن أولئك الذين سيهزموننا، ليسوا أنتم!... فتعجبت من هذا الحوار الراقي، الذي لا مكابرة فيه؛ ولكن أيضا لا مداهنة ولا مجاملة!... ولم أعجب لعلوقه بذاكرتي، وأنا بعدُ لا أميّز ما حولي... 12. البداية الصحيحة للمسلمين: إن كثيرا من العرب والمسلمين، يفرون من البداية في العمل من أجل تحقيق النصر بإذن الله، والتي ليست إلا تحرير قلب الفرد المسلم من الكفر والشرك (الأصغريْن) المتسلّليْن إليه. وهذا، لأن تحرير القلب يتطلب مواجهة للنفس وللشيطان؛ والناس قد ألفو الدّعة، وكرهوا احتمال الآلام. فهم يريدون نصرا، من دون إعداد ولا استعداد؛ يتبعون فيه أئمة الضلال، الذين يأخذونهم إلى الهزائم تلو الهزائم، ويمنّونهم بنيل المحال. وقد تكرر هذا الأمر كثيرا، إلى الدرجة التي صرنا نتساءل معها: هل المسلمون جادون فيما يريدون؟ أم يريدون شيئا هو من ضرب الخيال؟!... ومتى كان للعربي المسلم فكر مستقل، يميّز به الصواب من الخطأ!... الأمر ما يزال عندنا تواطؤا جماعيا، على أمر نتلقاه في الغالب ممن رفعناهم فوق رؤوسنا من الفقهاء، من دون مراجعة أو محاسبة. وإن كان البعض يفكرون بهذه الطريقة المـَرَضية، فليعلموا أن الصراعات الحضارية الحتمية، لا يُعمل فيها وفق المقابلات الثنائية في ملاكمة أو مصارعة أو غيرهما؛ وإنما يُحشر لها صنوف الرجال في كل المجالات، وعلى رأسهم العلماء الربانيون، والمفكرون الاستراتيجيون، والسياسيون المخلصون، والاقتصاديون الماهرون. وهذا يعني الانتقال من "وضع إبقاء الحال على ما هو عليه"، الذي يكاد يُفضي بالناس إما إلى الجنون، وإما إلى اليأس؛ إلى وضع الاستنفار الحضاري الحق. وهذا ما لا نرى ملامحه تلوح في الأفق إلى الآن!... 13. الغاية الكبرى: قد تكون غاية عوام المؤمنين النصر على الأعداء، وهم معذورون في ذلك. وقد رأينا سابقا كيف أن الله قد راعاهم عن اعتبارٍ لشفاء صدورهم في قوله تعالى: {قَـٰتِلُوهُمۡ یُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ بِأَیۡدِیكُمۡ وَیُخۡزِهِمۡ وَیَنصُرۡكُمۡ عَلَیۡهِمۡ وَیَشۡفِ صُدُورَ قَوۡمٍ مُّؤۡمِنِینَ} [التوبة: 14]. وتنكير اسم القوم مع إضافته إلى المؤمنين، لا يدل إلا على التبعيض، كما يُفهم من اللغة. وأما غاية الشطر الموقن من المؤمنين، فهي: الله واليوم الآخر. يقول الله تعالى: {لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِی رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ یَرۡجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلۡیَوۡمَ ٱلۡـَٔاخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِیرًا} [الأحزاب: 21]. وأما الربانيون، فقد وقاهم الله سوء أنفسهم؛ فهم لا رأي لهم مع إرادة ربهم، ولا شهوة لهم يرجونها من أعمالهم؛ إلا أن يتحققوا فيها بالعبودية التامة لربهم. وهم بحسب ما يستعملهم الله فيه، لا يغررون بمؤمن، كما لا يحتقرون كافرا. ومن أراد أن يتنبه إلى ما نشير إليه من معان، فلينظر إلى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فقد جاء عنه: "أنه مر بقوم يصطرعون فقال: «ما هَذا؟» فقالوا: فلان ما يصارع أحدا، إلا صرعه! قال: «أَفَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى ما هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ؟: رَجُلٌ كَلَّمَهُ رَجُلٌ وَكَظَمَ غَيْظَهُ، فَغَلَبَهُ وَغَلَبَ شَيْطانَهُ، وَغَلَبَ شَيْطانَ صاحِبِهِ.»"[3]. وعن عمر الفاروق رضي الله عنه أنه قال: "من اتقى اللهَ لم يشفِ غيظَهُ، ومن خاف اللهَ لم يفعل ما يُريدُ، ولولا يومُ القيامة لكان غير ما ترون!..."، والمعنى صحيح من غير نظر في إسناد؛ ونفَس الفاروق منه باد... وعلى كل حال، فإن غاية المسلم لا تكون هزيمة إسرائيل، أو أي أحد من المخلوقين؛ بل الغاية بلوغ رضى الله بأي أمر كان. ويخاف المرء على نفسه، أن يكون معدودا من أبطال الأمة، فإذا قدم على الله لم ينظر إليه!... إن دينا لا يُعامل به الله، ولا تُطلب به مرضاته، لا يكون دينا إلا مجازا؛ فهل يثوب المسلمون إلى رشدهم؟... وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، عن أول ما يُسأل العبد عنه: - فبعد الموت مباشرة، يُسأل في قبره: من ربّك؟ ما دينك؟ من نبيّك؟... فقد جاء عن البراء بن عازب رضي الله عنه أنه قال: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنَازَةِ رَجُلِ مِنَ الأنْصَارِ، فانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ، وَلَمّا يُلْحَدْ؛ فَجَلَسَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ، كَأَنّمَا عَلَى رُؤوسِنَا الطَّيْرُ، وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِي الْأَرْضِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقالَ: «اِسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ! )مَرّتَيْنِ أَو ثَلاِثاً«(. زَادَ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ هَهُنَا: وَقالَ: «وَإِنّهُ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ حِينَ يُقَالُ لَهُ: يَا هَذَا، مَنْ رَبُّكَ؟ وَمَا دِينُكَ؟ وَمَنْ نَبِيّكَ؟». قالَ هَنّادٌ قالَ: «وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيقُول: رَبّيَ اللهُ؛ فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيقُولُ: دِينِي الْإِسْلاَمُ؛ فَيقُولاَنِ لَهُ: مَا هَذَا الرّجُلُ الّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ قالَ فَيقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَيقُولاَنِ: وَمَا يُدْرِيكَ؟ فَيقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ. زَادَ في حَدِيثِ جَرِيرٍ: فَذَلِكَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {يُثَبّتُ اللهُ الّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}، الآيةَ.». قال:َ «فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السّماءِ، أَنْ قدْ صَدَقَ عَبْدِي فأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجنّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَاباً إِلَى الْجَنّةِ.» قالَ: «فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا.» قالَ: «وَيُفْتَحُ لَهُ فيهَا مَدَّ بَصَرِهِ.» قالَ: «وَإِنّ الْكَافِرَ... (فَذَكَرَ مَوْتَهُ)». قالَ: «وَتُعَادُ رُوحُهُ في جَسَدِهِ، وَيأْتِيهِ مَلَكَانِ فيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ، لا أَدْرِي؛ فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ، لا أَدْرِي؛ فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا هَذَا الرّجُلُ الذي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ، لا أَدْرِي؟ فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السّماءِ أَنْ كَذَبَ، فَافْرِشُوهُ مِنَ النّارِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ النّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَاباً إِلَى النّارِ. قال: فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرّهَا وَسَمُومِهَا.» قال: «وَيُضَيّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ، حَتّى تَخْتَلِفَ فيهِ أَضْلاَعُهُ.»"[4]. وحتى لا يتوقّف ضعفاء الإيمان في مسألة القبر، فليعلموا أن المقصود منه عالم البرزخ الذي هو وسط بين الدنيا والآخرة. وفي هذا العالم، يبدأ العبد بمطالعة نتائج أعماله الدنيوية، بطريقة أولية تسبق النتائج النهائية التي تكون في الآخرة. ومن كان من الماديّين، يرى ذلك بعيدا، فليعلم أن كل عالم، يُصبح في حق النازل فيه واقعا ملموسا. ونقصد أن عالم الدنيا نفسه، سيكون في نظر أهل البرزخ عالما ملتحقا بالخيال؛ لأن واقعهم هو البرزخ. وكأن الأمر مقلوب لديهم، عما يكون عليه أهل الدنيا. ومن لم يُدرك الأمور هكذا، فما أدركها!... - وأما في الآخرة، وعندما يقدم العبد على ربه، فقد أُخبرنا أن أول ما يُسأل عنه العبد الصلاة. يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ النَّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الصَّلَاةُ. قَالَ: يَقُولُ رَبُّنَا جَلَّ وَعَزَّ لِمَلَائِكَتِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ: انْظُرُوا فِي صَلَاةِ عَبْدِي أَتَمَّهَا أَمْ نَقَصَهَا؟ فَإِنْ كَانَتْ تَامَّةً كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً، وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا، قَالَ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ؟ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ، قَالَ: أَتِمُّوا لِعَبْدِي فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ؛ ثُمَّ تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ عَلَى ذَاكُمْ.»[5]. وما نريد أن نقول هنا، هو أن ما قدّمه الله، هو ما ينبغي أن يُقدّم؛ وما أخره هو ما ينبغي أن يؤخّر. فإسرائيل لن يُسأل الناس عنها، كما هي في اعتبارهم لها، في دنياهم. ومن أحسن التديّن رتب أموره في دينه ترتيبا ينفعه؛ وأما من رتبها على ما يهوى، فإن ذلك لن ينفعه. والتديّن الفردي، أساس التدين الجماعي؛ فمن استهان بواجباته الفردية، لم ينفعه أن يشتغل بما هو جماعي وغير مضبوط الأصول. نقول هذا كله، مع التأكيد على وجوب تحقيق وحدة الأمة وعزتها؛ أي مع التأكيد على وجوب إعادة الحق إلى أهله بحسب ما يقتضيه الشرع. وهنا ينبغي أن نذكر قاعدة شرعية، لم نر من يدل عليها من الفقهاء، وهي أن الأحكام الشرعية تُؤخذ بالترتيب الشرعي، ومن أخذها بغيره، فإنه يكون عاملا بالهوى، وإن كان الظاهر يوحي بأنه يعمل بالشرع. ولن نطيل أكثر في هذه المسألة، ونحن قد تناولنا جانبها الجماعي فيما قبل... [1] . نحن لا نتبنى التعريف الإعلامي للإرهاب، ولكننا نجد ما فعلته "حماس" قريبا من ذلك المعنى... |