انتهاء الاعتصام بعد
1255
يــــــوم
بسم الله الرحمن الرحيم. يُنهي شيخ الطريقة العمرية عبد الغني العمري الحسني، إلى علم الرأي العام، ومن بعده إلى علم أتباع الطريقة العمرية في أنحاء العالم، أنه: 1. قد عزم على إيقاف اعتصامه مع عائلته داخل بيته نهاية يوم الثلاثاء 15-5-2018م، بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم لعام 1439ه. وللإشارة، فإن هذا الاعتصام قد بدأ يوم الاثنين 8-12-2014م، واستمر طيلة 1255 يوم. 2. سيغادر مدينة جرادة التي كانت محل اضطهاده وعائلته من طرف السلطات المحلية والأجهزة الأمنية، مع توظيف الأوباش والسفهاء من أهل المدينة في هذا العمل الشنيع. وسيكون مقر الشيخ المقبل إن شاء الله بمدينة سلا، مرفوقا بجميع أفراد عائلته. حرر بجرادة ليلة الأربعاء: 16-5-2018م. شيخ الطريقة العمرية: عبد الغني العمري الحسني
Translated
Sheikh's Books |
2013/12/27
حكم أهل الله الموتى
لقد صار الناس في خلاف على معاملة أهل الله الذين انتقلوا عن الدنيا (الأضرحة على وجه الخصوص)؛ فمنهم من يبالغ في تعظيمهم بغير علم، حتى صاروا يعبدونهم من دون الله؛ ومنهم من يبالغ في تحقيرهم، حتى صاروا يتقربون إلى الله بهدم أضرحتهم، بغير علم أيضا. ونحن هنا سنبيّن بعض الأحكام المتعلقة بمعاملتهم رضي الله عنهم، بما يوافق العلم؛ من غير زيادة أو نقصان، إن شاء الله. فأول ما ينبغي تمييزه هو مراتب الدين، التي تترتب عليها منزلة العبد في الدنيا والآخرة: 1. مرتبة الإسلام: وهي لعامة المسلمين؛ وفي أهلها جاء قول الله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14]. وهؤلاء لا ميزة لهم على سائر المسلمين في الظاهر إلا بمقدار التزامهم بأحكام الشرع من حيث الظاهر؛ إذ لا حظ لهم في أعمال القلوب، بالمعنى الخاص. 2. مرتبة الإيمان: وهذه مرتبة أهل الولاية العامة. وهؤلاء هم أهل المعاملة القلبية، على ما يعرفه أهل هذا الشأن. وأبلغ من عبر عن هذه المرتبة، الغزالي رضي الله عنه في إحيائه. لذا، فكل من عمل على مقتضى الإحياء، وكان متقنا لما يعلم ويعمل، فهو من أهل هذه المرتبة. وهؤلاء يمتازون عن عوام المسلمين في الدنيا، ولكن لا ميزة لهم في الغالب عند أهل الدنيا من بعد موتهم، إلا الذكر الحسن. 3. مرتبة الإحسان: وهي للخواص. وهؤلاء هم أهل مطالعة الغيوب، وتحقيق مراتب التوحيد الخاص من باب الشهود. ولهم الامتياز عند المسلمين في حياتهم وبعد موتهم؛ بسبب كونهم من أهل الكرامة عند الله. وبهم يكون تبرك العامة، بقصد أن يصيبهم من كرامتهم نصيب. وأغلب من بنيت لهم الأضرحة هم من أهل هذه المرتبة، بسبب اشتهارهم عند العامة بكراماتهم وحسن أحوالهم. 4. مرتبة التحقق: وهي لخواص الخواص. وهؤلاء هم أهل الوراثة النبوية والدلالة الربانية. ولهم الامتياز في حياتهم وبعد مماتهم على جميع من دونهم؛ إلا أنهم قد لا يُعرفون لدى العامة، بسبب بُعد غورهم، وعدم ظهور كراماتهم إلا فيما ندر. وهؤلاء قد تشيد لهم الأضرحة بعد موتهم، وقد لا تشيد؛ بحسب علم أهل بلدانهم بمرتبتهم. وأغلب من يكون منهم، لا يفرق الناس بينه وبين مَن هم دونه من الخواص؛ فيقع الاشتباه بينهم لقلة العلم بالفوارق. وإن أهم ما يفرق بين الأموات، هو كون العبد من العوام أو من الخواص. فأما العوام من أهل مرتبة الإسلام أو مرتبة الولاية العامة، فمعنى الموت لديهم هو افتراق أرواحهم عن أبدانهم. هذا يعني أن أرواحهم حية في البرزخ. وعلمهم بأحوال أهل الدنيا يكون بقدر تحقق حياة أرواحهم، التي تعود إلى معتقداتهم في الحق وإلى أعمالهم التي تتراوح بين الحسن والقبح. فهؤلاء أحياء في البرزخ بإحياء الله. ولا فرق بينهم وبين الخواص في هذه الخصيصة، إلا بكون الخواص (أهل الإحسان) على قوة روحية أكبر منهم بكثير، تجعلهم على اطلاع بالغيوب ليس لهم. أما خواص الخواص، فإن أجسادهم تكون قد تروحنت إبان حياتهم الدنيا. ونعني بالتروحن أن أجسادهم قد صار لها حكم الروح. وهؤلاء هم من لا تأكل الأرض أجسادهم بعد الموت. وأما حياتهم البرزخية، فهي بحياة الله لا بإحيائه. ولهم الإطلاق لأرواحهم في البرزخ؛ تسرح أرواحهم حيث شاءت من العالم. وعلى هذا، فإن حديث: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ، إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ»[رواه مسلم عن أبي هريرة]، فإنه إذا أُخذ على ظاهره، فإنه لا يَصدُق إلا على العوام والخواص، دون خواص الخواص. وذلك أن العبد إذا مات، فإنه يخرج عن حكم الدنيا؛ وإذا خرج، فإنه يُمنع من التصرف فيها. وهذا هو معنى انقطاع عمله؛ إذ إن الدنيا هي دار العمل، بخلاف الآخرة التي هي دار الجزاء. والبرزخ أول منازل الآخرة كما هو معلوم. والجزاء فيه يكون مقدمة لجزاء الآخرة. ومن جزائه ما يقع لصاحب القبر من تنعيم أو تعذيب، كما هو معلوم. ومعنى الحديث بحسب الظاهر، جلي لا خفاء فيه. وأما أهل التحقيق، الذين هم أحياء بحياة الله، فمرتبتهم فوق مرتبة اعتبار العمل. ومن هذه الحيثية لا يحاسبون على الأعمال كما يُحاسب غيرهم يوم القيامة. وهم من جاء وصفهم في مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ؛ يَغْبِطُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ؟، قَالَ: هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ، وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا. فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ، وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ؛ لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ؛ وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}»[رواه أبو داود وأحمد وابن حبان والنسائي وأبو يعلى]. ومما ينبغي أن يُبيّن هنا، هو وجه غبطة الأنبياء والشهداء لهم؛ حتى يرتفع الالتباس عن المراتب. فأما غبطة الأنبياء لهم، فليس لرفعتهم عليهم وهم من غير شك أعلى مرتبة منهم وأشد قربا إلى الله؛ وإنما لكون الأنبياء عليهم السلام مشغولين يوم القيامة بأممهم، بخلاف هؤلاء الأولياء، فإنهم ليسوا بتلك المثابة. وأما غبطة الشهداء لهم، فلأن الشهداء حياتهم التي جاء فيها: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169]، فإنما هي حياة بإحياء الله، وهؤلاء الأولياء حياتهم بحياة الله. وشتان بين المنزلتين. وأما تصرف أهل التحقيق من الأموات، فقد انقطع عن الدنيا حتما بعد انتقالهم؛ لكن تبقى لهم المشاركة في الرأي إن كانوا ممن يحضرون "الديوان" الذي يترأسه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو يترأسه القطب بالنيابة عنه. فهؤلاء مَن قصدهم بشفاعة أو لقضاء حاجة، فإنهم يستطيعون ذلك إن شاءوا؛ لكن تحقيق ذلك لا يكون إلا بإمضاء القطب وتنفيذ أقطاب الأقاليم والقرى من أهل الدنيا خاصة. وعلى قدر مقام الولي تكون شفاعته لغيره من "الأحياء"؛ فقد تكون شفاعة مباشرة كالتي ذكرنا، وقد تكون بواسطة ولي آخر، إن لم تكن مكانته تسمح بذلك، أو كانت المسألة عظيمة. وكل ما يتحقق من إجابة الدعوات عند أضرحة الأولياء فهو من أحد هذين الصنفين. أما هؤلاء الحمقى الذين يظنون أن تعظيم أهل الله قادح في "التوحيد"، فإن الشيطان يكون في الغالب هو من يأخذ بزمامهم، ويلبس عليهم الحق بالباطل. ولهم نقول: 1. إن التوحيد الذي تتكلمون عنه، لا يتجاوز توحيد الأعراب الذين لم يدخل الإيمان في قلوبهم بعد. فإن خَفي عنكم هذا، فاعلموا أن حسن العبارة وترتيب الكلام، لا دخل له في الترقية عن مقام العامة. وقد غلط في هذا كثيرون، واعتقدوا أن ذلك هو الفرق بين العالم والجاهل؛ وهو كما قلنا لا دخل له في الاعتبار. 2. أنتم تجهلون مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو أصل الأمر عندنا؛ نعني أن الحياة التي لأهل التحقيق، منه صلى الله عليه وآله وسلم قد استمدوها، وببركته نالوها. فإن جهلتم مقام الأصل، فلا شك أن جهلكم بمقام الفرع يكون لازما. 3. إن إنكاركم لرجال الغيب، وادعاءكم أن ذلك من الشرك الذي طرق القلوب، جهل بالأسباب التي رتب الله عليها ظهور الأشياء. فأنتم تقرون بالأسباب في عالم الشهادة، وتنكرونها في عالم الغيب؛ ليس ذلك إلا لغلبة الحس على نظركم، لا لشيء آخر. لذلك، فإن من يُوسّط أحد معارفه لدى حاكم بلده، في قضاء إحدى حوائجه في عالم الشهادة كما تشهدون، لا يختلف عندنا عمن يوسط أحد رجال الغيب لقضاء إحدى حوائجه لدى حاكم زمنه في عالم الغيب. فإن قلتم إنما قضاء الحوائج يكون لله وحده؛ قلنا نعم، وعندنا يكون ذلك في العالمـَيْن الغيب والشهادة معا. وتمييزكم بينهما في الحكم هو من دليل الشرك عندكم؛ فكأنكم جعلتم الغيب لله، والشهادة للعباد، في حين أن الكل لله وحده. وأما مظاهر العباد غيبا وشهادة، بما في ذلك عالم الملائكة، فإنما هي مظاهر للأسماء الإلهية وحسب. بل إن الأسماء الإلهية، باعتبار تفاوت مقاماتها، تحتاج أن يتوسط بعضها لدى بعض في قضاء حوائجها. وهذا علم لا نحسبكم سمعتم به من قبل. نقول هذا لكم، من باب النصيحة، إن كان الله يريد لكم الانتصاح. 4. أما تفريقكم بين الناس بالحياة الطبيعية، فتُجيزون السؤال من الحي، كما يسأل أحدكم لنفسه أو لأهله ما يراه من مصلحته، لدى حاكم بلده أو كل من ولاّه الله أمرا من أمور الناس؛ ولا تجيزون معاملة ميت، كما تزعمون؛ فإنكم تخالفون فيه حكم الله، باعتبار الحياة الطبيعية دون الحياة الحق. والله تعالى قد حكم بموت قوم رغم ثبوت الحياة الطبيعية لهم، وحَكَم بحياة قوم رغم تحقق الموت الطبيعي في حقهم. فقال سبحانه لعموم المؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24]؛ فهل خاطب الله بهذا الكلام أمواتا، أم خاطب أحياء بحياة طبيعية، ليُرقيّهم إلى حياة روحانية؟! فإذا كان؛ فهل الحياة الروحانية تنقطع بالموت الطبيعي، أم تستمر بعده؟!.. ثم إن قول الله عن الشهداء: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ} [البقرة: 154]، هل المقصود منه الحياة الطبيعية، وقد انقطعت، أم المقصود منه حياة من صنف آخر؟!.. وإن كان الأمر هكذا، فهل أنتم في مسألة الحياة والموت، تحكمون بحكم الله، أم تحكمون بحكم أهل الكفر؟!.. أم إنه يصدق عليكم قول الله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50]!. لا شك أن الأمة إن سمحت لسفهائها بتقدم صفوفها، فإنها قد قضت على نفسها بالمهانة والهوان؛ ولا شك أن ضعيفي الأحلام، لا يُقدرون عواقب الأمور على أنفسهم التي هي أقرب إليهم، فأحرى أن يقدروها بالنظر إلى الأمة جمعاء، أو بالنظر إلى الآخرة التي قال الله فيها: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 64]. لذلك فإننا نقول: إن من يهدم أضرحة أهل الله، عليه أن يعلم أنهم أشد حياة منه، وأنه أشد منهم موتا. وعليه أن يعود إلى نفسه، يُلزمها بتوقير من هم أعلى منه قدرا عند الله؛ وإلا خاف على نفسه أن يُكتب عند الله، من المعادين لأولياء الله، الموالين لأعدائه. أما من يحتج بالنهي الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عن اتخاذ القبور مساجد؛ في مثل قوله: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»[متفق عليه]؛ ويرى أن البناء على من هم دونهم من الأولياء، أشد في النهي؛ فقد غابت عنه العلة التي هي "اتخاذها مساجد"، أي محلا للسجود لله حصرا، دون غيرها من المحالّ. وهذا لا يكون إلا ممن غلبت عليهم كثافة الحس والطبع. وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حتى لا نتقيد في عبادة الله بأماكن مخصوصة. أما إبراز قبور الأنبياء والأولياء من أجل التبرك بها، والتقرب إلى الله بالتشفع بأصحابها، فهو أمر غير ما تعلق به النهي؛ بل إن هذا التعظيم يكون من أشد أنواع القربات. كيف لا، وقد قال الله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]. فهل تكون شعيرة من شعائر الحج مثلا، أولى بالاعتبار عند المؤمن من قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو قبر أحد وارثيه؟!.. وقد أسجد الله لهم في مظهر خلافته ملائكته؟!.. بئس الفهم إذاً!.. نعم، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عندما حذر من اتخاذ القبور مساجد، كان خوفه على العوام أن يعبدوه من دون الله؛ وهو صادق صلى الله عليه وآله وسلم في تخوفه. وقد وقع في هذا المحذور أقوام ممن يعبدون الأضرحة، من الجهلة والمشركين. لكن المرء العالم بما لله من حق، وما للعباد المكرمين، لا يخلط في هذا، ولا يُخاف عليه ما خيف على الأولين! فإن نهي الصبيان عن أمور، لا يُحتاج إليه في معاملة الراشدين!.. ومعلوم بالضرورة أن الرسل عليهم السلام عند التشريع، يراعون أحوال العوام كما يراعون أحوال الخواص. فهم ليسوا كالأولياء عند إعرابهم عن الحقائق الصادمة لأفهام العوام! ومن علم الفرق، استراح من توهم الفرق (الاختلاف). أما من يقول: إننا لا نعلم أن أصحاب الأضرحة من أولياء الله، حتى نعظمهم؛ ولعلهم قد يكونون من عامة المسلمين، أو من الفاسقين! فإننا نقول لهم: إن لم تعلموا أنتم، فإن من العباد من يعلم بتعليم الله. فإما أن تُسلّموا أن مرتبتكم لا تعطيكم الحكم، وأن غيركم أولى منكم بذلك؛ أو أن تكونوا من الظالمين، الذين يظلمون أنفسهم، قبل أن يظلموا غيرهم. ولو علم الناس ما لخواص هذه الأمة من علوم يُعلمها الله إياهم دون سائر الناس، لسكتوا عما يخوضون فيه من الفضول. ويكفي في هذا المضمار، أن يعلم العبد أن الخواص من أهل الدنيا، يعلمون الخواص من السابقين لهم في الزمان ممن انتقلوا عن الدنيا؛ أو ليكن ممن يُحسن الظن بالمسلمين، وليقل: ما أجمع الناس على تعظيم شخص في الله، إلا لعلمهم بذلك يقينا. فإن هذا القدر من التصديق ينفعه كثيرا، إن لم يكن على علم خاص. أما إن قال قائل: لو كان أصحاب الأضرحة أولياء لله حقا، فلمَ أذن سبحانه أن يتجرأ عليهم السفهاء بهدم أضرحتهم؟.. فإننا نرد: إن الله لم يربط تصرف العباد في العبد المخصوص بمقامه عنده؛ وهو سبحانه قد سلط الناس على أنبيائه بالقتل والضرب والسجن؛ فهل حط ذلك من قدرهم شيئا عنده؟!.. وهل رفع ذلك قدر المؤذين لهم؟!.. بل على العكس من ذلك، فإن العبد المخصوص يزداد بالأذى رفعة عند ربه؛ ويزداد المؤذي له بذلك هوانا وبُعدا. وحكم أهل الله بعد مماتهم، كحكمهم في حياتهم. فلينظر العبد من أي الفريقين هو: من المـُكرِمين لمن أكرم الله، أم من المؤذين؟.. {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الأحزاب: 4]. |