انتهاء الاعتصام بعد
1255
يــــــوم
بسم الله الرحمن الرحيم. يُنهي شيخ الطريقة العمرية عبد الغني العمري الحسني، إلى علم الرأي العام، ومن بعده إلى علم أتباع الطريقة العمرية في أنحاء العالم، أنه: 1. قد عزم على إيقاف اعتصامه مع عائلته داخل بيته نهاية يوم الثلاثاء 15-5-2018م، بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم لعام 1439ه. وللإشارة، فإن هذا الاعتصام قد بدأ يوم الاثنين 8-12-2014م، واستمر طيلة 1255 يوم. 2. سيغادر مدينة جرادة التي كانت محل اضطهاده وعائلته من طرف السلطات المحلية والأجهزة الأمنية، مع توظيف الأوباش والسفهاء من أهل المدينة في هذا العمل الشنيع. وسيكون مقر الشيخ المقبل إن شاء الله بمدينة سلا، مرفوقا بجميع أفراد عائلته. حرر بجرادة ليلة الأربعاء: 16-5-2018م. شيخ الطريقة العمرية: عبد الغني العمري الحسني
Translated
Sheikh's Books |
2012/11/02
الرد على د. علي الشبل (3)
تتمة لما ذكره الدكتور من بدع في الذكر حسب زعمه، فقد أتى على ذكر الرقص الذي لا يُعد من الأسس في طريق التصوف؛ بل هو مما استُحدث من الأمور، وتساهل فيه قوم وشدد في إنكاره آخرون من الصوفية الأعلام. غير أن ما توهمه الدكتور من أن الراقص ينتهي به الأمر إلى اعتقاد أن الله حل فيه، هو من محاولة تفسيره لهذه الظاهرة مع جهله بها. وهو تخمين لا يليق بمن ينتسب إلى العلم، وظن لن يُغني من الحق شيئا. ونحن، إذ نؤكد على كون الرقص ليس من أركان الطريق، وأن نبذه أولى من التلبس به، نؤكد أن أولئك الراقصين لا يعتقدون ما يقول الدكتور، بل يطربون لذكر الله، ويفرحون بالله ورسوله. نعم إن فرحهم ذاك مدخول، تأخذ منه النفس حظها وهم لا يدرون؛ لكنهم لا يبلغ بهم الأمر إلى ما ذكره الدكتور من باطل وكفر. وقد انتهى الدكتور إلى ذكر السماع الصوفي، وهو مبحث طويل في الفقه الظاهر والباطن؛ نؤكد على أنه يتراوح ما بين التحريم والاستحباب، بحسب توافر شروطه وعدمه. وهو أيضا ليس من أركان الطريق، حتى يؤخذ على الصوفية؛ وإن كان كبار الأئمة يُربّون تلاميذهم على السماع المطلق (وهو غير المقيد بالإنشاد والتنغيم)، لتُفتح آذان قلوبهم للفهم عن الله في الكلام المحدث إلى جانب الكلام القديم. وقد قال الله في هذا المعنى من باب الإشارة: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ}[الأنبياء: 2]. والذكر المحدث في التفسير هو القرآن الذي جاء بعد الكتب التي سبقت، فكان ذلك فتنة على أهل الكتاب لظنهم أن كلام الله لا يتجدد. وأما ما نشير إليه نحن، فهو يدخل ضمن التجليات الكلامية في العالم، والتي ينبغي على العارف أن يأخذ منها الخطاب الخاص بأولي الألباب. وهذا المعنى أيضا مما يشير إليه قول الله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ}[يوسف: 105]. ومعلوم أن الآيات السماوية والأرضية منها ما يتعلق بالسمع خصوصا؛ ومن يعرض عنها، فإنه معرض عن الحق كسائر المعرضين. وقد ذكر الصوفية هذا النوع من السماع في كتبهم، للدلالة على هذا الأصل من الطريق، فليُنظر في مظانه. الغلوّ في النبي وآل البيت والصالحين: أما ما زعم الدكتور من الغلو في النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ففيه تفصيل. وذلك أن معرفة المؤمن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم من معرفته بربه عز وجل؛ وهي مرتبطة بمرتبته ومكانته الإيمانية. فمعرفة من هو من أهل مرتبة الإسلام تختلف عن معرفة من هو من أهل الإيمان، وتختلف عن معرفة من هو من أهل الإحسان. فإذا رأى من هو من أهل مرتبة الإسلام ما هم عليه أهل الإيمان أو الإحسان من تعظيم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقاسه على نفسه، ظنه غلوا؛ وهو ليس كذلك. وأما الحديثان اللذان أوردهما في هذا الباب، فالأول والذي هو: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا : عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ»[أخرجه البخاري عن عمر رضي الله عنه]، فهو مقيد؛ ومعناه: لا تنسبوا إليّ ما نسبت النصارى باطلا إلى ابن مريم عليه السلام، وقولوا بعد ذلك ما شئتم ولا حرج. ومعلوم أن النصارى ادعت في عيسى الألوهية والبنوة لله. فإن كان هذا هو الغلوّ في حكم الشرع، فقل لنا بالله يا دكتور، مَن مِن الصوفية سمعته يدعي ذلك لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم؟ ومع ذلك، فإن كلام العارفين، لا ينبغي أن يُنظر إليه بأعين (عقول) الغافلين؛ لأن الضلال الذي وقعت فيه النصارى جاءهم من تقليد عامتهم لخاصتهم من غير علم. وهذا نفسه قد يقع للمتصوفة (لا للصوفية)، إن هم أخذوا كلام العارفين على ظاهره واعتقدوه من غير بيّنة من ربهم. وأما العارفون، فإنهم يعبرون عن معاني يشهدونها، بكلام يشير إليها ولا يحيط بها لعلوّها. وأغلب ما ينكره الدكتور ومن على شاكلته، هو من الحق الذي فوق مرتبتهم. ولو أن المرء تأدب مع ربه، لسلّم له في خلقه؛ فإنه سبحانه يعطي من يشاء ويمنع من يشاء. والاعتراض على الخواص في كلامهم، هو اعتراض على من وهبهم ما لم يهبه لغيرهم. فلينظر المرء ما هو عليه من سوء الحال، لعله يتوب قبل حلول الموت بساحته. وفي معنى هذا الحديث يقول البوصيري رضي الله عنه: دع ما ادعته النصارى في نبيهم واحكم بما شئت مدحا واحتكم وأما الحديث الثاني: « يَا أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ بِتَقْوَاكُمْ، وَلَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِي اللَّهُ»[أخرجه أحمد في مسنده عن أنس]، فإنما كان النهي من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لأن الرجل المتكلم لم يكن من العالمين بحقيقته؛ وإنما جاء بكلمات التعظيم التي قالها مما اعتادته العامة من تعظيم الملوك وذوي السلطان. فكره النبي صلى الله عليه وآله وسلم منه ذلك، وأعاده إلى معاملة الصدق التي ترضي الرحمن. أما أخذ هذا النهي على عمومه فهو جهل من وجهين: جهل بقدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وجهل بموطن النهي من الحديث. وإن لم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سيدنا، فمن سيدنا بعد الله سواه؟!.. فليتك يا أخي تسكت، حتى تتبين ما لا تعلم؛ فوالله إنك تخوض فيما يهتز له العرش فرقا، وأنت لا تدري!.. وأما ذكرك للعاطفة، وأنها السبب في هذا التعظيم، فإنه من تفسيرك مرة أخرى لما لا تعلم. وكأن الصوفية صبيان يميلون بقلوبهم إلى حيث يحدوها الحادي، وهم العلماء المحققون الراسخون في علمهم، من تتزلزل الجبال ولا تهتز لهم شعرة في أبدانهم! رضي الله عن جميعهم وأرضاهم. أما تعظيم آل البيت وسائر الأولياء فيأتي بالتبع لتعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فهو الأصل وهم الفرع؛ ومن لم يعرف قدر الأصل فكيف سيعرف قدر الفرع؟! هذا لا يكون! وللمراتب دخل في معرفة الفروع، كما كان لها دخل في معرفة الأصل. فمن يشاهد نور النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنور بصيرته في واحدٍ من أهل البيت أو في واحد من الأولياء، فإنه لن يتمكن من النظر إليه نظر العادة، وسيبدر منه التعظيم تلقائيا من غير تكلف. وسيجد له واردا من النور في قلبه، يبعثه على الاستمرار فيه. هذه معاملات قلبية، لا يعلمها من هم في حكم الأعراب المؤلفة قلوبهم؛ بل لا بد من تحصيل مقامات الإيمان ودرجات الإحسان فيها. والمؤمن كامل الإيمان، لا بد أن تكتمل لديه الصورة، في العلاقات والنِّسب التي تنتظم كل أجزاء العالم، كما تنتظم فيما بعد كل المعلومات. وأما من هو دون هذه المرتبة، فإنه يجد تعارضا بين معارفه ومعتقداته ونتائج أفكاره، يجعله لا يستسيغ الوجود إلا من وجه واحد؛ ولا يفطن أنه بجهله بما يخرج عن دائرته، هو جاهل بصورة ما عنده في مستويات أخرى. وإلى هذا المعنى من التناسق المعرفي يشير قول الله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}[النساء: 82]. ولا فرق في هذا بين نُسخ القرآن المسطور منها والمنشور، والعالمي منها والآدمي. والتعظيم الواجب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفروعه من جهة الدم ومن جهة النور، لا ينحصر في الاحتفال بالموالد كما ذكر الدكتور، لأنه عمل قلبي في أصله؛ ويقع خروجه إلى معاملة الظاهر بالقدر الذي يسمح به العلم. أما العوام، فإنهم لا يعلمون من معاملة الباطن إلا قليلا، فلذلك يكون تعظيمهم مبالغا فيه من حيث الظاهر. ورغم ذلك، فإن خلا تعظيمهم من المخالفات الشرعية، فليس لهم فيه إلا الخير. وعلى هذا، فإن التعظيم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أصلا وفروعا، دين! نعم، نقولها ولا نأبه لضعفاء العقول الذين لا يعلمون من التعظيم إلا تعظيم السلاطين؛ يفعلون معهم مثل ما يفعل هؤلاء الذين يُنكَر عليهم أو أكثر! ولا يجدون غضاضة في ذلك لأن الظلمة منهم تستطيب ما يناسبها. ألم يقل الله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}[الفتح: 9]؛ فجمع التعزير والتوقير لله ورسوله؟! والتعزير هو التعظيم وما يتبعه ويلحق به من ضروب المعاملات. ومن عمل بهذا الأصل، فكيف لا يعتبره في الفروع، والنسبة ثابتة والرابطة موصولة؟! بل إننا نقول: إن من لا يعظم آل البيت والأولياء عموما، فإن دعواه لتعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إما كاذبة، وإما هي في حدها الأدنى الذي يكاد يخرج بها عن حقيقتها. فإن كان من ينبغي عليه تصحيح معاملته، فإنهم هؤلاء الأجلاف الذين لا يرعون في محب أو محبوب إلاًّ ولا ذمة. تعظيم المريدين للشيخ: أما الحديث الذي ذكره الدكتور في "مراجعة" الصحابة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، والذي جاء فيه: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عليهِ وَسَلّمَ إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: سَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ، وَلَكِنْ نَسِيتُ أَنَا، قَالَ: فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّه غَضْبَانُ؛ وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَوَضَعَ خَدَّهُ الْأَيْمَنَ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى. وَخَرَجَتِ السَّرَعَانُ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالُوا: قَصُرَتِ الصَّلَاةُ؛ وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ؛ وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ طُولٌ يُقَالُ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتِ الصَّلَاةُ؟، قَالَ: لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ، فَقَالَ: أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ، فَقَالُوا: نَعَمْ. فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ؛ فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ، ثُمَّ سَلَّمَ؛ فَيَقُولُ: نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ، قَالَ: ثُمَّ سَلَّمَ»[أخرجه البخاري عن أبي هريرة]، ففيه فوائد منها: - إن استفسار النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أبي اليدين رضي الله عنه، جاء في موضع الصلاة التي هي عبادة ثابتة الأركان، وقد علموها بالفعل فيما سبق من أيامهم. والمقارنة يسيرة بين الصورتين فيها، وما أرادوا إلا معرفة أيِّهما يأخذون. فلو أن النبي أخبرهم أن الصلاة قصُرت لأخذوا بقوله من غير تردد. ولم تكن هذه مراجعة كما يُحب الدكتور أن يُفهم الناس، يبغون من ورائها تصويب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو رده إلى أمر الله؛ لأنهم ما علموا أمر الله إلا منه صلى الله عليه وآله وسلم. - إن الذين خرجوا مسرعين من المسجد بعد الصلاة الناقصة، ظنوا جازمين أن الصلاة قصرت. وما بعثهم على هذا الظن إلا تعظيمهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتنزيههم له عما يدور في خلد المشككين. - إن تهيب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لسؤال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، هو من تعظيمهما له. ولا شك أن مكانة الشيخين أرفع بكثير من مكانة ذي اليدين. وقد يأتي الله بالنفع للجماعة على يد أدناها، دون أن يُخل ذلك بالمراتب؛ وإنما هي معاملة خاصة (تجليات) بين العباد وربهم. - إن صلاة الصحابة لو بقوا على سكوتهم تكون صحيحة لإمامة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها؛ ولكن الله أنطق ذا اليدين ليشرع لهم جبر السهو، لا ليعلمهم الجرأة على رسوله، كما يحب أن يوهم الدكتور. وكل ما حدث مما ذكرنا ومما لم نذكر، ما كان يخرج عن إحاطة باطن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. يعلم ذلك، من له علم بحقيقته صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا هو السبب في سكوت الأكابر في مثل هذه النوازل (كما حدث لأبي بكر وعمر هنا)؛ نعني أن نظرهم إلى الحقيقة يحجبهم عن تفاصيل الأمور. وهذا يحدث حتى للعقلاء؛ فقد قيل إن أحد الفلاسفة كان لا يحسن عدّ النقود. حجبته المعاني العالية التي يشتغل بها، عن إدراك التفاصيل البسيطة التي لا تغيب عن العامة. نقول هذا إيناسا للعقول، وإلا فأين الفلاسفة من العارفين! وقول الدكتور: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يُستدرك عليه، جهل وسوء أدب كبير؛ لأن المستدرِك ينبغي أن يكون مساويا في العلم لمن يستدرك عليه، إن لم يكن أعلم. وهذا ممتنع في الوجود كله، إذ لا أحد من الخلق أعلم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! والدليل أنه ليس استدراكا، هو ما ذكرناه سابقا، من أنه لو أخبرهم بأن الصلاة قصرت، لقبلوا ما يخبرهم به من غير تردد. فهذا استفسار، وليس استدراكا. أما فيما يرجع إلى معاملة المريدين للشيخ، فينبغي أولا أن يُفرَّق فيها بين الشيخ الرباني والشيخ الدّعيّ. ونحن كلامنا سيكون عن الشيخ الرباني لا عن سواه. أما الشيخ الرباني فهو خليفة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في التزكية لخصوص جماعته إن لم يكن قطبا؛ لأن القطب خليفة عام. وهذه الخلافة تجهلها العامة، الذين لا يعلمون من اسم الخلافة إلا الحكم. وجل فقهائنا منهم، أي من العامة لا يتعدون مرتبتهم. وإن صحبة المريدين لشيخهم، هي صورة مصغرة لصحبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. لذلك فالآداب التي طولب بها الصحابة في معاملة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يُطالب بها المريدون بالتبع؛ إلا ما يكون من اعتقاد ما هو خاص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم من نبوة ووحي وغيرهما. وعلى السائل أن يسأل نفسه، إذا قرأ -مثلا- قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[الحجرات: 1-5]، كيف سيعمل بهذه الآداب؟ الصحابة كانوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعملوا بها؛ ونحن، هل نحن غير مكلفين بما أمر به الصحابة من هذا وأمثاله؟ أم أن لنا صورة أخرى من العمل بما أمروا به رضي الله عنهم؟ ومعاملة الشيخ الرباني، المتصل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حقيقة، تدخل ضمن ما نقول؛ فتكون معاملته معاملة للنبي نفسه، لكن في مرتبة أدنى. ثم هناك مقاربة أخرى لهذا المعنى، وهي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ظاهر وباطن؛ لا ينكر هذا أحد. ومعاملة ظاهره، هي معاملة شريعته صلى الله عليه وآله وسلم، والوقوف عند حدودها وآدابها؛ أما معاملة باطنه، فهي معاملة ولايته في الأولياء. بهذا يصبح المؤمنون معاملين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم معاملةً تُقارب معاملة الصحابة، لا ينقصهم إلا أن يروه بأعينهم. أما المعاملة الخبرية الظاهرية، الخالية من المعاملة الباطنية، والتي أصبحت اليوم تاريخية، فإنها لا تجعل المؤمن (بالمعنى الأولي، لأنه لا مدخل له في مرتبة الإيمان) يرتقي في مراتب الدين؛ ولا تُمكّنه من ذوق ما ذاقت الصحابة من علوم خاصة فتحت لهم أبواب معرفة رب العالمين. وواقع الحال لدى عموم المسلمين يشهد بما نقول. كثيرا ما يسأل المسلمون هذا السؤال المحوري، ولا يجدون له جوابا: لماذا كان الصحابة على ذلك السمو، ونحن لم نبلغ معشاره، مع أننا على الدين نفسه؟ الجواب هو ما ذكرناه من الفرق بين معاملة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الشهود، والمعاملة التاريخية التي تشبه معاملة أهل الكتاب لأنبيائهم. ولو أن الدكتور صحب شيخا ربانيا، يعلمه بعضا من معاملة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على التحقيق، لما بقي ينطق بهذه الشناعات، وهو يظن أنه ينطق بالحكم. ولكنه الكبر، الذي منع كثيرا من السابقين أن يذعنوا للحق في النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يمنع كثيرا من المتأخرين من الإذعان له في حملة أنواره وأسراره. نسأل الله العافية لنا ولجميع المسلمين. (يُتبع...) |