انتهاء الاعتصام بعد
1255
يــــــوم
بسم الله الرحمن الرحيم. يُنهي شيخ الطريقة العمرية عبد الغني العمري الحسني، إلى علم الرأي العام، ومن بعده إلى علم أتباع الطريقة العمرية في أنحاء العالم، أنه: 1. قد عزم على إيقاف اعتصامه مع عائلته داخل بيته نهاية يوم الثلاثاء 15-5-2018م، بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم لعام 1439ه. وللإشارة، فإن هذا الاعتصام قد بدأ يوم الاثنين 8-12-2014م، واستمر طيلة 1255 يوم. 2. سيغادر مدينة جرادة التي كانت محل اضطهاده وعائلته من طرف السلطات المحلية والأجهزة الأمنية، مع توظيف الأوباش والسفهاء من أهل المدينة في هذا العمل الشنيع. وسيكون مقر الشيخ المقبل إن شاء الله بمدينة سلا، مرفوقا بجميع أفراد عائلته. حرر بجرادة ليلة الأربعاء: 16-5-2018م. شيخ الطريقة العمرية: عبد الغني العمري الحسني
Translated
Sheikh's Books |
2012/10/31
الرد على د. علي الشبل (1)
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، الهادي من يشاء إلى صراط مستقيم؛ والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء، نور الهداية العميم؛ وعلى آله وصحابته وتابعيه، دنيا وفي جنة النعيم. لقد ارتأينا أن نبيّن الأغاليط التي يستند إليها من يتوهمون أنهم على منهاج السلف عاملين، وإلى طريقهم داعين؛ واخترنا هذا النموذج لقربه من لغة العالِمين، وبعده عن الشتم والسب الذي شاع عند هذه الطائفة من المبتدعين. والسبب هو أننا رأينا أن هذه الفيديوهات تنتشر بين العامة الذين لا يعلمون، فيسمعون منها كلاما يوحي ظاهره أنه من العلم، فيأخذونه من غير تثبت، فينحجبون به عن الحق المبين. وهذا الفعل من هؤلاء القوم، هو من الباطل المتعدي إلى سواهم؛ والشرع لا يُجيز السكوت عن مثل هذا، حتى لا يشيع الضلال في الأمة، وإن كنا نرى أنه قد شاع. وعلى كل حال فإن ردنا هذا، تنبيه وحسب، إلى حقيقة الأمر؛ نرجو أن يُقيض الله من يسير على خطاه، حتى تصل فحواه إلى حيث بلغ انتشار هذا الفكر السقيم. واللهَ نسأل، أن يجعل كلامنا له سبحانه، لا لغرض من الأغراض. لقد بدأ الدكتور بسرد تاريخي مختزل، يوهم به السامع أن التصوف نتاج تاريخي، استدعته ظروف وملابسات خاصة؛ حتى يسهل الطعن فيه، كما بدأ يفعل. والحقيقة أن التصوف هو تحقيق للإسلام نفسه، بحيث لا يمكن فصله عن الدين إلا كما يُفصل الروح عن الجسد. ولعلنا نعرض بتفصيل لما نقدم له هنا فيما بعدُ ضمن هذا الرد، أو في غيره من كتاباتنا إن شاء الله. وإذا كان بعض من عُرف بالتصوف في القرنين الأولين، قد نُسب إلى الزهد، فإن ذلك لا يعني أن التصوف مقصور عليه كما أراد أن يقرر الدكتور، بقدر ما يعني أن أولئك الأشخاص قد انفصلوا عن التيار العام المجتمعي بتلك الصفة. والسبب في امتيازهم بالزهد عند الناس، هو ميل مخالفيهم إلى الدنيا التي كان نبينا صلى الله عليه وآله وسلم يخشاها على أمته. ولا شك أن للفتوحات الإسلامية دخلا في فتح أبواب الدنيا، التي ستتزايد فتنتها قرنا بعد آخر. ولهذا، فإننا ندعو الجامعات التي تُعنى بتدريس التصوف أن تصحح هذه المعلومة، حتى لا يؤسس طلبتنا رؤيتهم على معطيات مغلوطة. فالزهد بهذا الاعتبار مظهر من مظاهر التدين الصحيح، ظهر به قوم زمن افتتان الأمة بالدنيا. وإن كان هنا من يُعدّ مبتدعا في الدين، فإنهم أولئك الكثرة المفتونة لا الزهاد. وقد أُثر في هذا المعنى عن السيدة عائشة رضي الله عنها قولها: «أول بدعة ظهرت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم الشبع». وقال العلامة الشهاب القسطلاني في "المواهب": واعلم أن الشبع بدعة ظهرت بعد القرن الأول. ثم إن الدكتور الشبل، عندما قسم التصوف حسب زعمه إلى مراحل، وبدأ بمرحلة الزهد، ثنى بمرحلة الابتداع في الذكر والسماع. ولم يفصل القول في هذه المسألة حتى نعلم وجه الابتداع، من وجه السنة. فلعل ما يراه هو وأمثاله بدعة، يكون من السنة التي لا علم له بها. ثم جعل المرحلة الثالثة مرحلة الاعتناء بالحكايات والمنامات، وكأن المرحلتين الأوليين مرتا من غير حكاية واحدة أو منام واحد. وهذا تكلّف واضح في التفسير، كان الأولى بالدكتور اجتنابه. ثم اختتم المراحل التي أرادها أن تكون معالم للتصوف بذكر الشطحات. ومر على الحلول والاتحاد، ونحن نعلم أنه ما أحد من الصوفية قال بهما. ولا ندري لـِمَ يتجاوز الناس عن مثل هذه الأباطيل من غير أدلة موثوقة. وأما فهمه لكلمة الحلاج رضي الله عنه: "ما في الجبة إلا الله"، فيُلزمه وحده؛ لأنه لا قِبل له بمراد الحلاج من هذا الكلام. ولو كان القصور حجة في الرد على العلماء، لما بقي على وجه الأرض عالم. ثم يُنكر صاحبنا على رابعة العدوية رضي الله عنها أنها تعبد الله لله، من غير نظر إلى جنة أو نار؛ وكأن الإخلاص صار عنده مذمة. وهو في الحقيقة لا يعبّر إلا عن مقامه الذي لا يمتاز فيه عن آحاد العوام. أما إنكار محبة العبد لله التي سماها عشقا حتى تسهل عليه مخالفة الوحي فيها، فجوابها ما جاء في قول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ }[المائدة: 54]. فالمحبة ثابتة من جانبي الحق والخلق بنص القرآن؛ إلا أن صاحبنا لا ذوق له فيها، فلذلك ينكرها. وأما كلامه عن حال الأنبياء عليهم السلام، وجعلهم على شاكلته في معاملة ربهم، فهو جهل من جهة، وسوء أدب كبير من جهة أخرى. ولعله لا يفرق هنا بين تشريعهم للعامة ما يناسب إدراكهم، وبين ما هم عليه في أنفسهم، من علم خاص بربهم لا يشاركهم فيه أحد من أتباعهم. ألم يقل الله على لسان بعض أنبيائه عليهم السلام:{ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ }[الأعراف: 62]؟! فإن كانوا يعلمون من الله ما لا يعلمه غيرهم، فهل تكون معاملتهم لربهم كمعاملة من لا يعلم علمهم؟!.. هذا لا يكون!. وأما ربط العبادة بالمثوبة والعقوبة فهو بالنسبة إلى الخواص في المرتبة الثانية؛ بخلاف الغافلين الجاهلين الذين يجعلونه أقصى ما يعتبرونه في المعاملة. وإن كان الأمر هكذا، فليس للأدنى أن يعترض على الأعلى فيما هو من خصوصيته؛ وإلا انهارت كل الشرائع وانحلت كل المقولات العقلية. ثم يذكر البدع -حسب زعمه- التي صارت سمة لمن ينتسب إلى التصوف وطرائقه، فجعلها كالآتي: 1- ترك الواجبات، كالصلاة مع الجماعة: وهذه ليست واجبا في جميع المذاهب، والقول فيها يختلف من السنة إلى فرض الكفاية كما هو عند الشافعية، إلى القول بأنها سنة مؤكدة عند المالكية، إلى القول بالوجوب عند الحنفية والحنابلة؛ والراجح الجمع بين هذه الأقوال بحسب الحال. ومن يقيسها على قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ يُحْتَطَبُ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُكُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا، أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ»[رواه البخاري عن أبي هريرة]، فهو يُغفل أمرين هامين: ا. أن إمامة النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، ليست كإمامة غيره. والأمر فيها كما في غيرها من أقوال وأفعال. وذلك أن مخالفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في القول تخرج بالعبد إلى الكفر، بينما هي مع غيره قد تكون اجتهادا إما صائبا أو خاطئا. وكل من يقول بوجوب حضور الجماعة فإنما يقيس على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وما علم أن الأمر معه خاص. كل هذا، ولقد كان حضور الجماعة في أزمنة ماضية من أعمال البر التي لا يختلف عليها اثنان؛ لكن الأمر يختلف في الأزمنة المتأخرة، بسبب عموم الغفلة وطروء البدع في المساجد، وخروج المساجد نفسها عن أداء وظيفتها الأصلية، إلى سواها مما يدخل في الاصطفافات السياسية والعصبيات المذهبية. ب. أن الحكم في المسائل يتغير بحسب الحال. فكيف بنا إن نحن أدركنا الزمان الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «يأتي على الناس زمان يجتمعون ويصلون في المساجد وليس فيهم مؤمن»[رواه ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]؟. فهل تكون الصلاة وقتذاك في جماعة المنافقين واجبة؟!.. بل إننا نرى أن ما صار من انزواء الصوفية عن المساجد العامة منذ القرون الأولى، لم يكن إلا فرارا من الفتن التي لحقتها. 2- شرب الخمر وأكل الحشيشة: وهل يُعقل أن يكون مرتكب ذلك صوفيا؟ حتى يُتكلَّم عنه؟ أم أن الأمر يُقصد منه التغطية على التصوف الصحيح الذي يظهر معه عوار مقلِّدة الفقهاء؟.. نعم، نحن لا ننكر أن قوما يزعمون أنهم من أهل الطرائق يرتكبون مثل ذلك، ولكننا لا نقر لكل متكلم بمزاعمه إلا بشاهد الحال! فالتساهل هنا من الدكتور ينم عن سوء طوية يروم من بعدها النيل ممن يعُدهم خصوما له. وإن كان هذا الأمر يُتجاوز فيه للعامة، فإنه لا يليق بمن ينتسب إلى العلم. فهل يقبل هو أن يُقدح في الفقه، لأن بعض الفقهاء يرتكب المعاصي ويحرف الدين؟ هذا لا يكون!.. 3- التفريق بين الشريعة والحقيقة، وزعم أن من وصل يتحلل من أحكام الشريعة ويقع في المحرمات على اختلافها: وهذا القول يخالف ما عليه عموم أهل التصوف، وإن قال به أحد الضُّلاّل، فلا يؤبه له؛ فكيف يُتهم به أهل التصوف جميعا؟!.. ويقع الدكتور في غلط آخر كبير، عندما ينفي أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يصل إلى ما وصل إليه كبار الصوفية! نعم، هو يقول هذا من باب إنكار تلك المراتب كلها؛ لكنه يسيء الأدب مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، من حيث كونه معدن الحقيقة والشريعة معا. وسوء الأدب هذا ناتج عنده من جهله بمرتبة النبوة عموما، وبمرتبة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم خصوصا. وهو ومن على شاكلته، لا يرون الأنبياء إلا كعوام الناس؛ وهذا من عُجبهم بحال أنفسهم، وشدة حجابهم وكثافة ظلمتهم. وعلم الحقيقة الذي يُنكره الدكتور، هو علم باطن الشريعة؛ التي يراها هو مسطّحة لا عُمق لها. ويعمى عن كون الدين كله منظومة معرفية ترتفع بالإنسان إلى أعلى ما يُمكن أن يُتصور، إن هو سلك فيه على السنّة حقيقة. ولو عرف صاحبنا سرا واحدا مما تحتويه الشريعة في فعل واحد من عباداتها، لذهل عقله، وعلم مقدار جهله! ولكن الأكمه، قد يتوهم أنه ما على الأرض مبصر واحد! والمرء لا يُنبئ في النهاية إلا عن حاله! 4- الاعتقاد بالأقطاب المتصرفين بالعالم: هذا ليس اعتقادا، بمعنى أن الصوفية يطلبون من تلامذتهم اعتقاده؛ وإنما هو حقيقة يطلع الله من يشاء عليها. وهؤلاء الرجال يسمَّوْن رجال الغيب، فكيف يُطلب ممن لا يُجاوز إدراكُهم عالم الشهادة التصديق به؟ وهو مما لم يكلف الله عباده التصديق به، إلا من وجه خاص يعلمه صاحبه؛ إن كان من أهل العناية. وأما من جهة العقل، فهو جائز، قياسا على الحُكّام من عالم الشهادة. فلو كان التصديق بوجود أهل التصرف يقدح في التوحيد كما يزعم هؤلاء، لكان اعتقاد السلطان والحاكم يقدح فيه أيضا؛ لأن الصورة واحدة. ولكن هؤلاء إنما يُنكرون الغيب جُلّه، لغلبة الحس على عيون بصائرهم. وهو أمر -لو علموا- إنما يخبر عن ضعف إيمانهم، وكلالة إدراكهم فحسب. 5- اعتقاد وحدة الوجود: مدلول هذا المصطلح، ينطبق على عقيدة الدكتور ومن على مذهبه، أكثر مما ينطبق على الصوفية. (انظر الرد على أ. سعيد فودة، من نفس القسم). 6- اعتقاد أن الولي أفضل من النبي: هو محض افتراء، ناتج عن فهم سقيم لكلام القوم. والربط بين هذا القول وبين الحقيقة والشريعة، هو من الجهل البيّن؛ لأن الحقيقة والشريعة معا، دلت عليهما النبوة نفسها. وهذا التفريق هو من وهم القائل لا غير. وأما البيت الذي استدل به من شعر الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي قُدّس سره، والذي هو: مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي فهو ليس على عمومه، كما فهمه هو؛ وإنما قصد الشيخ أن نبوة النبيّ فوق رسالته ودون ولايته هو، لا ولاية الولي الذي ليس بنبي ولا رسول. ولو أن هؤلاء سألوا أهل الذكر إذ لم يعلموا، لعلّموهم؛ ولكن الكبر يجعلهم يكتفون بما تعطيه عقولهم القاصرة المنكوسة. ولتعلم أن من يقع في الأولياء، لا بد أن يقع في الأنبياء، طال الزمان أم قصر؛ لأنه في الحقيقة لا يعترض على الأولياء من كونهم أولياء، وإنما يعترض عليهم من كونهم أتباعا للأنبياء في الخصوصية. وهذا يشبه ما يدعو إليه الشيطان من المعاصي؛ فإنه لا يريد المعصية التي يدعو إليها عينها، وإنما مراده الكفر الذي وراءها. فلا يزال يدعو من معصية إلى معصية، حتى يدعو إلى الكفر صراحة. وهذا الأمر مما يغيب عن العقول الضعيفة من أمثال هؤلاء الذين يظنون أنهم أحرص الناس على الحق؛ بينما هم أسرعهم إلى الباطل. نعوذ بالله من مكره وخذلانه! 7- القول بختم الولاية: هذا أمر فوق طور الدكتور، وليس مخاطبا به حتى يتناوله؛ وإنما هو من الفضول، ظنا منه أنه عالم حقا. والعلم بختم الولاية من توابع علم التوحيد الخاص، الذي يُرجع المقامات إلى واحد في الزمان، وواحد على الإطلاق. وهذا الواحد إن كان مرجعا لمقام مخصوص يُسمى قطبا لذلك المقام؛ وإن كان مرجعا للولاية كلها، يُسمّى ختما. وهذا العلم مما يغيب عن صاحبنا، فأنى له أن يعلم الختم. والعلم نور يعرف به العالم المعلومات، وليس معلومات مفككة لا يُحسن تركيبها، أو يركبها على أي نسق اتفق. ثم يعود الدكتور إلى ما يسميه مراحل التصوف، ويبدأ بما يسميه أيضا الزهد والعبادة. والجميل هنا أن ينسبه إلى الصحابة رضي الله عنهم كما ينسبه إلى التابعين؛ مما ينفي بدعيته التي لا يفتأون يذكرونها. نعم، نحن نعلم أنه يريد أن يؤمن ببعض التصوف ويكفر ببعض، تمهيدا للتشكيك في الكل. وأما العلم الذي يتهم الصوفية بعدم العناية به، فهو علم الأحكام في الغالب (الفقه). وعلم الأحكام ليس هو "العلم" وحده، وإنما هو صنف من العلم. ولكن الفقهاء، قصَروا العلم على ما يُدركون، فقصُروا عن إدراك غيره عند إنكاره. نعم، قد يعتبرون التفسير والحديث، مما هو علم إجرائي أو نقل لأقوال السابقين؛ لكن العلم في الحقيقة نور يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده. وقد عرف الإمام مالك العلم بهذا حيث قال: "ليس العلم بكثرة الرواية، وإنما هو نور يضعه الله في قلب من يشاء". ثم إن صاحبنا لا يميّز بين فئات من الأمة تختلف إحداها عن غيرها من الفئات. وهي؛ فئة الزهاد، وفئة العُبّاد، وفئة الفقهاء، وفئة الصوفية. فهو يخلط بين الزهاد والعباد، ويُنكر الصوفية، إلا من تفضّل عليهم ببعض اعتراف، كالجنيد رضي الله عنه. وإنّ جعْل الجنيد أصلا للتصوف لا يصح، بسبب كون التصوف تحقيقا للدين كما ذكرنا؛ فهو بهذا راجع إلى النبوة لا إلى غيرها كاجتهادات المجتهدين. هذا، مع كوننا نقر للجنيد رضي الله عنه بالإمامة في الطريق من غير شك. ولا نرى أن متأخرة السلفية يعترفون بإمامة الجنيد والجيلاني، إلا مراعاة لرأي ابن تيمية فيهما؛ لا إنصافا لهما، أو إدراكا لمرتبتهما. وهذا من التقليد الأعمى، الذي لا ينبغي أن يتصف به طالب علم. ثم يأتي الدكتور على ذكر بدع الأذكار مرة أخرى من غير تفصيل (المرحلة الثانية عنده). ورغم ذلك فإننا نقول: إن السُّنة سنتان: - سنة عامة: وهي المعلومة لدى العموم، ومنهم الدكتور ومن على شاكلته؛ وهذه السنة اليوم تاريخية. - وسنة خاصة: وهي لمن اتصل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل زمان. وهؤلاء يأخذون أذكارهم منه إما لفظا أو توجيها، ومن أنكر عليهم فإنما يُنكر الحق. والسبب في جهل هؤلاء القوم بالسنة الخاصة بعد سوء ظنهم، هو جهلهم بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بلّغ العلم العام للعموم، ويبلّغ العلم الخاص للخصوص. وهذا المعنى هو الذي ذكره أبو هريرة رضي الله عنه في قوله: "حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلَّم وِعَاءَيْنِ: فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُومُ" [رواه البخاري]. فالوعاء الأول هو ما سميناه سنة عامة، والوعاء الثاني هو ما سميناه سنة خاصة؛ ويدخل ضمنها علم الحقيقة الذي يُنكره الدكتور. وبعد هذا، فعليه أن يسأل نفسه: لو سمع من أبي هريرة بعضا مما في وعائه الثاني، فهل كان سيُصدّقه فيه؟ أم سيكون ممن يُفتي بقتله؟ فما ضر الصوفية أن يُنكر عليهم من لا علم له، إن كانوا يأخذون علومهم وأذكارهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! ومن يتحرَّ الحق، فليُنصف من نفسه، ويتخلص من هواه؛ وإلا فلن يتمكن من قبوله، رغم زعمه أنه يرغبه. (يُتبع...) |