اللهم صل على سيدنا محمد الكامل الأكمل، ومظهر الجمال الأجمل، المكمل لكل كامل على مدى الأزمان، والمتخلق على التمام بأخلاق الرحمن؛ القائل بلسان الشكر: أنا سيد وُلد آدم ولا فخر؛ وعلى آله الطاهرين بالتطهير الرباني، وصحابته المشرفين بالشهود العياني؛ وسلم من أثر شهود نفوسنا صلاتنا عليه تسليما. والحمد لله المنعم المفضل حمدا عميما.
![]() | ![]()
2021/11/07 عن أي توحيد تتحدثون؟ ما خرج خبر ميزانية الأضرحة من البرلمان، وخبر رد وزير الأوقاف على سائلته عن الممارسات التي تقع فيها، حتى انبرى المتخلفون من متسلفة المغرب لإعادة بضاعتهم الكاسدة إلى واجهة الأحداث؛ فصاروا يتكلمون بنبرة من يغار على دينه، ناعتين الناس بالشرك، وكأنهم عالمون بالتوحيد. ونحن هنا لا نريد أن نبرئ أحدا من المخالفين للشريعة فيما يأتون من بدع قولية أو فعلية في الأضرحة، كما لا نقوم مدافعين عن وزير الأوقاف؛ ولكننا نريد أن نُخرس من يظن أنه على التوحيد الخالص، وهو غارق في الشرك إلى أذنيه. نعم، لو سكت الجاهلون لسكتنا؛ تاركين الحكم لله على بواطنهم، وراجين من باب حسن الظن لتحقُّق توحيدهم، ولو بعد حين. ولكن عندما نراهم يجرؤون على الكلام رافعين لأصواتهم، وكأنهم في فلاة قفراء، فإننا سنوقفهم عند حدهم. ولعل هؤلاء الجهلة، لا يعرفون القراءة، أو لعلهم عندما يقرأون لا يفهمون؛ لأننا قد رددنا على إمامهم ابن تيمية منذ سنوات في كتابنا "تجريد التوحيد من شوائب الفكر وعقائد التقليد"، وهو متاح مجانا على موقعنا بحمد الله. وأما ابن عبد الوهاب إمامهم الثاني، فلا يستحق أن يُرد عليه، لكونه ينقص عن ابن تيمية نفسه من جهة المقدرة العقلية؛ وإن استويا في الظلمة القلبية وعمى البصيرة. وحتى ننبه من لا يتجاوز توحيدهم لحاهم وقمصانهم، فإننا سنسألهم أسئلة، إن هم أجابوا عنها -ولن يُجيبوا- قَبِلنا أقوالهم. وهذا من باب الإنصاف في الجدل الذي أسس له قول الله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [سبأ: 24]؛ مع وجوب التذكير بأن حرف "أو" في الآية لا يفيد لا الإبهام ولا التسوية، وإنما هو للمحاججة فحسب. وذلك لأن المتكلم بـ "إنا" الذين هم حزب الله وعلى رأسهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، على الهدى يقينا. وهاكم الأسئلة التي نرجو أن يرد عليها رؤوس المتسلفة في المغرب قبل غيره من البلدان: 1. لماذا لم ترد كلمة "التوحيد" مرة واحدة في القرآن الذي عليه مدار الدين؟... 2. وإن كنتم تأخذون عبارات بعينها من كلام الله دليلا على توحيدكم، كقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [الأنبياء: 108]؛ فما معنى واحد؟ وما الفرق بينه وبين قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ؟... أما إن كنتم تأخذون الاسميْن بمعنى واحد، فلا كلام معكم!... 3. إن كنتم تزعمون عبادة الله وحده، مع الإقرار بوجود آلهة معه تُعبد من دونه؛ فأنتم قائلون بوجوديْن أو بوجودات متعددة، فتكونون مشركين باعتقادكم تعدد الوجود الذي يتفرع عنه تعدد الألوهية؛ فما هي الألوهية عندكم؟ وما الفرق بينها وبين الوجود؟ وما اللفظ الدال على الوجود من القرآن؟... 4. ما معنى قول الله تعالى: {مِنْ دُونِ اللَّهِ}، في القرآن الكريم؛ في مثل قوله تعالى: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [المائدة: 76]؟ وهل لهذه العبارة مصداق في الواقع (الخارج باصطلاح المتفلسفين كابن تيمية)، أم هو معنى لا يتعدى الذهن؟... 5. ما هي مراتب الوجود الأصلية، التي تعود إليها الأحكام العقلية والشرعية جميعا؟... وما مظاهرها في النشأة الإنسانية؟... بمعنى آخر: ما هي مراتب النِّسب في الإنسان؟... فهل حقيقته الإنسانية في المرتبة كصفاته؟ وهل صفاته كأفعاله؟... وما هو مناط التوحيد من هذه المراتب؟... 6. ما هو السوء الذي جاء ذكره في قول الله تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} [الأعراف: 188]؟ وهل تسلمون منه أنتم في دينكم؟... وما دليلكم على سلامتكم، من القرآن والسنة بالحال لا بالزعم؟... 7. ما توجيهكم لقول الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 59]؟ فهل هو من الشرك المدلول عليه بالقرآن، تعالى الله؟ أم هو من التوحيد الذي لا تعلمونه؟... وما دلالة قول الله بعد ذلك: {إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} [التوبة: 59]؟ فهل هو عودة إلى التوحيد بعد دلالة على الشرك؟ أم هو تأكيد للتوحيد في العبارة السالفة، والذي لا خبر لكم عنه؟... 8. ما وجه دلالة النفي في كلمة التوحيد، كما في قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19]؟ وهل هو مساو في المرتبة للإثبات الوارد بصيغة الاستثناء؟... فإن استوى النفي والإثبات في المرتبة، فما قولكم في المستثنى منه، وما هو على وجه التفصيل؟ وإن لم يستويا، فمن أي صنف هو هذا الاستثناء؟... 9. ما دلالة الاسم "الله" في القرآن الكريم؟... وهل يرد بمعنى واحد في كل الآيات؟... فإن اختلف المعنى، فما الدليل على الاختلاف من القرآن نفسه؟... 10. هل كان ابن تيمية ومن تبعه في ضلالاته، على عقيدة السلف من أمثال أبي بكر وعمر عليهما السلام؟... أم لكم سلف غير هذا السلف؟... فإن كان السلف عندنا وعندكم أحديّ المعنى، فهل يكون أبو بكر حجة على ابن تيمية أم العكس؟... فإن كانت الحجيّة لأبي بكر عليه السلام، فكيف تميّزون عقيدته من دون النظر في كلام ابن تيميّة؟... وهل يمكن أن تُعلم عقيدة أبي بكر عليه السلام؟ ومن أي طريق يكون ذلك، إن كان؟... 11. أنتم تقولون بأسبقية النقل على العقل في المرتبة، فهل تتمكنون من إثبات عقيدتكم من غير نظر عقلي؟... وهل تفرقون بين النظر العقلي وبين الحكم الإيماني؟... ثم هل تعرفون مرتبةً فوق العقل وفوق الإيمان؟... وما هي بالدليل القرآني؟... 12. هل كان ابن تيمية في إثبات عقيدته على إيمان؟ أم على نظر عقلي (تفلسف)؟... فإن كان على إيمان، فكيف يُدل على الإيمان بغير وحي حصرا؟... وإن كان على نظر، فكيف تُنكرون النظر وأنتم عليه؟!... ولمَ كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند عرض الإسلام على المشركين، لا يتجاوز القرآن؟... كما حدث عند سؤال اليهود له عن ربه، قبل نزول سورة الإخلاص؟... ولمَ لم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدل المدعوّين على مصطلح التوحيد الذي تدلون أنتم عليه؟... فهل أنتم على دين غير دينه، وطريق غير طريقه، عليه السلام؟!... 13. لماذا كانت سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن؟... وما هو القرآن هنا؟... وما هما الثلثان الباقيان من القرآن؟... وبعبارة أخرى: هل يُعد من قرأ سورة الإخلاص ثلاث مرات، قارئا للقرآن كله، أم لا؟... فإن لم يُعدّ، فلماذا؟... 14. ما وجه دلالة ابتداء القرآن بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1]؟ وبعبارة أخرى: لم ورد ذكر مرتبة الاسمية قبل ذكر الاسم الله؟ وما المعنى المخالف المنفي بهذه الصيغة؟... 15. ما دلالة التوحيد في قول الله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 32]؟... وما هو معنى الكفر الخاص هنا؟... 16. إن كان الله يصرح بإمداد النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمؤمنين بصنوف الإمداد، منذ البعثة النبوية وإلى قيام الساعة، في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} [الجمعة: 2، 3]؛ فلم تكفرون بالآية الثالثة التي تعم المؤمنين في الأزمنة التي تأتي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلها؟... وتقطعون بأنه عليه السلام قد انقطع عن أتباعه بموته كما ينقطع جميع الناس؟!... وعندما تكفرون بهذه الآية، هل يبقى لكم من إيمان بعدُ؟... 17. عندما لا تعرفون في النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا البشرية العامة المشتركة؛ فإنه لا يبقى من معنى الخصوصية إلا ما دل عليه ابن عبد الوهاب من صفة "الطارش" (ساعي البريد) عندكم. وإن كنتم على علم في ذلك بظاهر معنى الرسالة، فأين هو معنى النبوة التي هي الأصل في الرسالة؟... وما هي مراتب النبوة؟ وأي صنف هو لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم؟... 18. إن كنتم على الإسلام، فلمِ لم يسعكم منه ما وسع الأولين؟ حتى استحدثتم مذهبا مخصوصا؟... وإن خالفتم الأصول الأولى من الوحي، فأي إسلام بقي لكم؟... 19. إن كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو معلم الدين بالتزكية، كما سبق في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الجمعة: 2، 3]، فهل أخذتم علمكم عنه عليه السلام؟... أم أخذتموه عن الشيطان بالنظر في الوحي؟... وهل كل من استدل بالقرآن والسنة هو على الهدى؟... ولمَ أخبر الله تعالى عن كلامه بأنه: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [البقرة: 26]؟ فإن قلتم إن المراد في الآية المثل المضروب لا القرآن، قلنا إن المثل قرآن بلفظه، كما أن كل ألفاظ القرآن قرآن!... فهل أنتم ممن اهتدى بالقرآن، أم ممن ضل به؟... وهو ما دل عليه قول الله تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} [فصلت: 44]. وما معنى الهداية وما معنى الضلال في الاصطلاح القرآني؟ وبعبارة أخرى: ما مراتب الهداية والضلال؟... وهل كل ضلال هو مُخرِج عن الملة؟ أم من الضلال ما هو مخصوص بطوائف من المسلمين؟... وما مرتبة ضلالكم أنتم، إن أقررتم به؟... 20. هل ضلالكم من صنف ضلال النصارى، أم هو من صنف ضلال اليهود؟ أم هو غيرهما؟ وهل تنفعكم عبادتكم الظاهرة، أم هي من صنف من قال الله فيهم من أهل الكتاب: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ . عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ . تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً . تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ . لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ . لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية: 2 - 7]؟... ولمِ كانت الأمة المحمدية منها نظراء لأهل الكتاب في المرتبة، وفي صنف التديُّن؟... وهل وجود نظراء لأهل الكتاب في المسلمين، هو من دلائل كمال الأمة المحمدية، أم هو من دلائل النقصان؟... وهل هؤلاء النظراء يُعدون أصلا من الأمة، أم لا؟... وكيف يكون هذا؟ باعتبار واحد، أم باعتباريْن؟... 21. ما معنى الخلافة في الشرع؟ وما مراتبها وأصنافها؟... ومن هو الخليفة في الزمان؟... 22. ما معنى التجديد الديني الوارد في السنة؟ وما مجاله وحدوده؟... وإن ثبت التجديد في الدين، فكيف يوجد مع القول بتقليد السلف عندكم؟... وكيف تخرجون من هذا التناقض؟... 23. إن كان من تقلدونهم مجددين في أزمنتهم، فهل انقطع التجديد بعدهم؟ وفي أي قرن؟ وما دليلكم؟... 24. إن كان ما أنتم عليه مخالفا للتجديد المدلول عليه بالسنة، فكيف تزعمون أنكم على الهدى والحق؟!... 25. لمَ تُنكرون معنى الولاية الخاصة من قول الله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ . لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس: 62 - 64]؟... وإن كنتم تحصرون الولاية في المعنى العام المشترك، وتزعمون أنكم أولياء لله، فما البشرى التي جاءتكم في حياتكم الدنيا؟... فإن أصررتم على ما أنتم عليه من فهم قاصر سقيم، فاعلموا أنكم كافرون بالقرآن!... فإن قلتم: نؤمن بالقرآن كما نفهمه! قلنا لكم: هذا قول يعم جميع الفرق الإسلامية التي تُنكرون عليها أقوالها!... وهو تناقض لا ينفع أن تبقوا عليه!... 26. لمَ تصرحون بالكفر بما لا تقبله عقولكم؟ مع أنكم تأخذون على غيركم تحكيم عقولهم في النصوص؟!... فما قولكم في حديث الولاية الثابت في السنة، والذي يُخبر فيه الله أنه سمْع من يُحبُّ من العباد وبصره ويده ورجله؟... وإن كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إمام الأولياء وسيدهم، فهل تُقرون له بأن الله سمعه وبصره ويده ورجله؟ أم تكفرون؟!... فإن كفرتم، فما بقي من إسلامكم؟... وإن آمنتم، فكيف تعملون بالحديث مع من ينطبق عليه من أهل زمانكم، وهو عام اللفظ؟!... 27. إن كان الله يقول: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69]؛ فأثبت سبحانه مراتب في الدين، هي: النبوة والصدّيقيّة والشهادة والصلاح؛ ثم أثبت سبحانه الحياة للشهداء ونفى عنهم الموت في قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ . فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران: 169، 170]، وفي قوله أيضا: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ} [البقرة: 154]، فنهى سبحانه عن وصف الشهداء بالموت؛ فلمَ تقولون بموت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مع أنه أرفع في المرتبة من جميع الأصناف المذكورة في الآية من سورة النساء، من وجه كونه سيدا لجميع الأنبياء عليهم السلام والصديقين والشهداء والصالحين؟!... فهل يكون أصحاب المرتبة الثالثة أرفع ممن هو أرفع من أهل المراتب كلها عندكم؟!... وكيف يكون منكم هذا الانتكاس في الحكم والارتكاس؟!... ثم إن شهد الله للشهداء بالحياة ونفى عنهم الموت، فما القول في ورثة النبوة اللاحقين بها في الحكم؟!... ومن هم ورثة النبوة؟ هل هم ابن تيمية الضال، وابن عبد الوهاب الأضل؟ أم هم غيرهما؟... وهل من أصحاب الأضرحة المعروفة في بلاد الإسلام، من هم من ورثة النبوة، فيكونون أحياء بحياة فوق حياة الشهداء؟ أم إنكم تجعلون طبقات الأمة طبقة واحدة هي الطبقة الحيوانية التي يتحقق موتها بالموت الطبيعي؟ فتكونون مخالفين لصريح الكتاب والسنة بذلك!... 28. وإن شهد الله لبعض عباده بالحياة مع تحقق موتهم الطبيعي، فهل كل من هو حي حياة طبيعية يُعتبر حيّا في الشرع؟... فإن كان كثير ممن هم أحياء الأبدان أموات، كما أخبر الله في قوله: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ . أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النحل: 20، 21]؟ فمن أي صنف أنتم؟... فإن قلتم إنما يُنسب الموت في الآية إلى الآلهة المزعومة، لا إلى المؤمنين بها، فإننا نرد: لقد نسب الله الموت لمن عدم الشعور بالبعث، وصفة عدم الشعور تثبت لمن ثبتت له مرتبة الحيوانية قبل أن تثبت للجماد؛ فلم يبق إلا أن الأموات هنا هم أحياء بالحياة الطبيعية. ومما يؤكد هذا المعنى، قول الله تعالى في موضع آخر: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97]، وهذا يعني أن للصنف المقابل صنفا من الموت في مقابل الحياة التي فاتته. فأي حياة هي، غير الحياة المعنوية؟... فإن ثبت الموت لمن كان حيا بالحياة الطبيعية شرعا، فمن هم الموتى بالمعنى الشرعي في نظركم؟... وما دليلكم إن حكمتم بأنكم من الأحياء، من القرآن والسنة، حالا لا ادعاء؟... 29. إن كان بعض الموتى الطبيعيين أحياء، وكان بعض الأحياء الطبيعيين أمواتا، من جهة الشرع؛ فما المانع من أن يزور الميت في حكم الشرع الحي، الميت في حكم الطبيعة؟ من أجل أن يتعرض لما تكون به حياته المعنوية؟!... وهذا من باب المناسبة المعلوم لأهله!... 30. وتبعا لما سبق: أفلا يكون هادمو أضرحة الأولياء في بلدان المسلمين، بزعم التوحيد، من أعداء النبوة وورثتها في هذه الأمة؟... وبالتالي: أفلا يدخلون في قول الله تعالى: {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ} [الأعراف: 45]؟... وفي قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «...قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ...»[متفق عليه، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه]؟... ومعنى تعرف منهم وتنكر: أي تقرهم على ظواهرهم مما يدخل في الاستنان بالسنة الظاهرة، وتُنكر منهم بواطنهم إن كنت من أهل النور والإيمان. وهذا ثابت لدينا مع المتسلفة، بما لا يقبل الجدل!... 31. فإن كان المتسلفة من أهل السنة الظاهرة دون الباطنة، فما حقيقة زعمهم بأنهم من أهل السنة والجماعة؟... وإن كان معنى الجماعة في الشرع لا يتحقق إلا باتباع إمام وارث للنبوة، كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند وصفه للطائفة الناجية بقوله: «...مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي.»[أخرجه الترمذي والحاكم في المستدرك، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما]، فما علامة كونهم من "الجماعة"؟!... بله أن يكونوا "الجماعة"!.. 32. فإن ثبت أن المتسلفة مبتدعة في الشرع، فما قيمة رميهم غيرهم بالبدعة وهم عليها؟... إلا أن يكون هذا من باب تحريف الدين بالمعنى الشامل!... يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وصف أهل العلم بالدين: «يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلْفٍ عُدُولُهُ: يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ.»[أخرجه الطبراني في مسند الشاميين، عن أبي هريرة رضي الله عنه]. ونحن نقول بثبوت صفات الغلو والانتحال والتأويل المـُبطِل كلها للمتسلفة، شهادة نقوم بها لله في زماننا... 33. لماذا يكون المتسلفة من أضعف الناس عقولا، بالنظر إلى جميع القرون؟!... حتى لتجد المتسلف أبلد من غيره ممن ينتسبون إلى الدين!... 34. إن كان المتسلفة أضعف عقلا، فهذا يعني أنهم دون العقلاء من الكافرين، في مجالهم؛ فكيف يستقيم أن يكون مؤمن دون الكافرين في المرتبة؟!... وإنكار المتسلفة لما هو ثابت لدى بعض الفلاسفة، وبعض علماء الطبيعة، يُثبت سفالتهم العقلية!... 35. لماذا لا ينفع مع المتسلفة التعليم، من قِبل من هم من علماء المؤمنين؟... وإن كانت الأدلة باهرة!... 36. لماذا يعادي المتسلفة بعض المؤمنين، أكثر من معاداتهم لبعض الكافرين مع تحقق كفرهم؟!... ألا يكونون داخلين في قول الله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 82]، فيكون هذا الحال منهم دليلا على شركهم؟!... 37. وفي المقابل: لمَ يعين المعادون للإسلام المتسلفة ماديا ومعنويا؟... وهل يظن الناس أن قيام داعش في زماننا -مثلا- كان من غير دعم من الدجاليّين؟!... 38. لمَ يُصرّ المتسلفة على ضلالاتهم مع شدة وضوحها؟... ألأنهم لا إيمان لهم حقيقة، فيكونون ممن قال الله فيهم: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46]؟... 39. لماذا يُغطي المتسلفة بغضهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، بغيرتهم على التوحيد في زعمهم؟... ولماذا يكون النواصب المعلنون لعداوة أهل البيت عليهم السلام في الغالب من المتسلفة؟ وكأن النصب مقرون بالتسلف!... 40. كيف تكون توبة المتسلف، إن هو أراد العودة إلى الجادة؟... وكيف تكون نجاة الأمة من ضلالات المتسلفة، إن هي أرادت أن تعود إلى الإسلام الحق؟... سنكتفي الآن بهذا العدد من الأسئلة، قصدا للاختصار؛ وإن كان المتسلفة يتمكنون من الإجابة فإنه بإمكاننا الزيادة في الأسئلة من باب التفصيل، انطلاقا من أجوبتهم. وفي الختام نقول لهم: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} [الإسراء: 8]!... {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الأحزاب: 4]. |
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وكل عبد من الصالحين.
إن الكلام في التصوف قد تشعب حتى كاد يخرج عن الضبط في نظر الناظرين. وإن تحديد موقع التصوف من الدين، كان ولا زال موضع خلاف بين المسلمين. والميل إلى طرف دون آخر متأرجح بحسب خصوصية كل مرحلة من مراحل عمر الأمة الإسلامية. لكننا نرى أنه حان الوقت، وبعد أن أصاب الأمة ما أصاب، أن نقول: إن التصوف إسلام. ونعني أنه تحقيق للإسلام!
قد يرى البعض أن هذا تعسف باعتبار أن الكلمة مبهمة وغير ذات أصل شرعي؛ أو هي دخيلة إن اعتبرنا نسبتها إلى الأديان الكـتابية والوثنية على السواء...
وقد يرى البعض الآخر في ذلك مبالغة وتضخيما، إذا رجع إلى مدلول الكلمة وإلى تجليات التصوف المنصبغة بصبغة كل زمن زمن...
وقد يقول قائل: كان في إمكانكم تجاوز لفظ " التصوف " تسهيلا للتواصل والتلاقي، إن كان المراد مجرد عرض للإسلام أو إعادة تناول لمختلف جوانبه...
لكن، نقول: حفاظا على الأدب مع قوم بذلوا في الله مهجهم، سبقونا، ورجاء في اللحوق بهم، نحافظ على اللفظ؛ ومن أجل التنبيه إلى منهج التصوف في التربية، التي ليست إلا التزكية الشرعية، نقول: إن التصوف..إسلام!
لم ينفع بعضَ المسلمين مجرد انتساب للإسلام واعتبار لظاهره على حساب الباطن. ولم يجد إنكار بعض الفقهاء له وقد كذبتهم الأيام. وهاهي الأمة تكاد تنسلخ عن الدين في عمومها..
وها هي الأزمة نعيشها في تديننا، لا يتمكن أحد من إنكارها.. وها هي تداعيات الأزمة تكتنفنا من كل جانب..
ومن جهة أخرى ، لم يعد يجدي من ينتسب إلى التصوف الانزواء الذي كان مباحا أو مستحبا في عهود مضت، وواجب الوقت بلا شك، هو إقامة الدين ظاهرا إلى باطن، بعد أن ولى زمن حماة الشريعة من الفقهاء الورعين أصحاب النور، المجتهدين المجددين .
ولم يعد يكفي الكلام عن الطريقة التربوية الاجتهادية الخاصة بكل شيخ، إلا مع التنبيه إلى الطريق المحمدي الجامع الشامل، حتى تسقط الحواجز الوهمية التي صارت حجبا في زماننا، تمنع من إدراك صحيح للدين.
لذلك ولغيره، نرى أنه من الواجب في زمن العولمة المبشرة بجمع شمل الأمة الكلام عن التصوف بالمعنى المرادف لتحقيق الإسلام، بشموليته واستيعابه كل مذاهب المسلمين.
ونأمل من الله عز وجل، أن يكون هذا الموقع من أسباب ذلك، راجين منه سبحانه وتعالى السداد والقبول، فإنه أهل كل جود وفضل.