اللهم صل على سيدنا محمد الكامل الأكمل، ومظهر الجمال الأجمل، المكمل لكل كامل على مدى الأزمان، والمتخلق على التمام بأخلاق الرحمن؛ القائل بلسان الشكر: أنا سيد وُلد آدم ولا فخر؛ وعلى آله الطاهرين بالتطهير الرباني، وصحابته المشرفين بالشهود العياني؛ وسلم من أثر شهود نفوسنا صلاتنا عليه تسليما. والحمد لله المنعم المفضل حمدا عميما.
![]() | ![]() «السابقالتالي»
2017/03/09 حوار من صحيفة "البوابة" المصرية مع شيخ العمرية أجرت صحيفة " البوابة" المصرية، حوارا مع شيخ الطريقة العمرية "عبد الغني العمري الحسني" المغربي، فكان الحوار، كالآتي: 1. ما هي الطريقة العمرية؟ ومتى نشأت؟ وكم عدد أتباعها في الوطن العربي؟ بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه. 2. هل الطريقة مشهرة ضمن الطرق الصوفية المعروفة في الوطن العربي؟ وهل تتبع أيا من أقطاب التصوف المعروفة كأبي الحسن الشاذلي، و إبراهيم الدسوقي وغيرهما من الأسماء المعروفة لدينا؟ إن الطريقة العمرية، طريقة ربانية، مددها نبوي، لا تتبع في مجال تخصصها، الذي هو التزكية الشرعية، لأي جهة، رسمية أو غير رسمية؛ ولعل هذا، من أسباب اضطهاد شيخها في المغرب، حيث اعتادت السلطة التحكم في كل ما له صلة بالدين. هذا، رغم أن الطريقة ليست سياسية، ولا تعارض النظام. ولكن المفسدين، لم يكتفوا بمخالفة الشرع في أنفسهم، فصاروا يطمعون في منع غيرهم، من العمل على إصلاح أنفسهم. وهذا، أقل ما يُقال عنه، إنه قهر للناس على ما لا يريدون، بغير وجه حق. 3. لماذا نجد أغلب المتصوفين من المغرب العربي؟ وهل الطبيعة لديكم هي وراء الصبغة الصوفية للمجتمع المغربي؟ إن الله لما خلق الخلق، ميّز بعضهم عن بعض؛ فميّز بين الناس، وبين الأماكن، وغير ذلك... وشاء الله أن يجعل من ذلك، بلاد المشرق للنبوة، وبلاد المغرب للولاية. ومن يدقق في الأنساب فإنه يجد أكثر الأولياء المعروفين في المشرق -بله المغاربة- إما مغاربة، أو من أصل مغربي. ويكفي في هذا المضمار، أن يكون ختم الولاية المحمدية، الشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي، رضي الله عنه، مغربيا من بلاد الأندلس. وبسبب ما ذكرنا، فقد اختص المشارقة في الدين بعلم الظاهر (على العموم)، واختُص المغاربة بعلم الباطن. ولنكتف في هذا المضمار بما ذكرنا، حتى لا ندخل فيما لا تحتمله عقول الناس من الكلام. 4. كيف تنظرون إلى التنظيمات الإسلامية المنتشرة في الوطن العربي؟ وهل يكتوي الصوفية بنيران الانخراط السياسي لهؤلاء؟ إن التنظيمات الإسلامية، لها وجهان، يميّزان بعضها عن بعض؛ وهما: العقيدة والطبيعة الحركية. فأما من حيث العقيدة، فإن جلها، قد أصبحت تيمية وهابية، علم أصحابها أم لم يعلموا. والسبب في هذا، قلة النور، وضعف العقل. وكلما ضعف العقل لدى الإنسان، صار أميل إلى المقولات الوهابية، القشرية والسطحية. وأما من جهة الطبيعة الحركية، فإن أغلب التنظيمات الإسلامية، متأثرة بالنموذج الإخواني. وعلى هذا، فإن التنظيمات عندنا، منها ما هو إخواني على الصورة الأصلية، التي يكون أصحابها أشاعرة من حيث المعتقد؛ ومنها ما هو سروري يجمع بين العقيدة الوهابية، والطبيعة الحركية الإخوانية. وهؤلاء أخطر من غيرهم بلا شك، لكونهم يجمعون بين السوء من جهتين. وهناك تنظيمات، لا هي من هؤلاء ولا من أولئك، ولكنها تعمل في المجتمع كاللحمة بين الطرفين معا. فتجد الأفراد ينفصلون عنها بسهولة، ليلتحقوا بعد مدة في الغالب، بأحد النمطيْن المشهورين. فإن لم يلتحقوا فعليا، فإنهم يكونون كأفراد الاحتياط بالنسبة إليهما. 5. ماذا يعني اعتصام شيخ صوفي في بلد كالمغرب؟ إن اعتصامنا لمدة تقارب ثلاث سنوات، ليس اعتصاما احتجاجيا، كما هو الشأن عند السياسيين؛ ولا هو من أجل مطالب مخصوصة، كما هي العادة؛ وإنما هو اعتصام اضطراري، فررنا به، من الاعتداءات التي شنتها علينا جهات مشبوهة، خفنا معها على أرواحنا. والغريب في الأمر، هو تواطؤ إدارات الدولة من أمن وقضاء وتربية (لكون أُختين كانتا تشتغلان بالتدريس قبل عزلهما)، مع المعتدين (البلطجية)، الذي (التواطؤ) جعلنا لا نفهم حقيقة ما يجري، بالنظر إلى الدولة التي كان ينبغي أن تلتزم القانون، ولا تنصاع لأهواء الإسلاميين المغرضين. 6. وما موقف وزارة الأوقاف هناك؟ وزارة الأوقاف، تعمل بحسب ما تمليه المواءمات السياسية، لا بحسب ما يُمليه الشرع وحده. والعلماء الرسميون عندنا، هم موظفون سياسيون وأمنيون، في مجال الدين في الحقيقة؛ ولا يقومون بواجبات العالم كما هي معلومة من الدين. وقد صار شطر منهم على العقيدة الوهابية، التي تعتبر الصوفية مشركين؛ وهم مخالفون في هذا لِما يزعمون من كونهم على العقيدة الأشعرية. وقد وصل الأمر بأحدهم، إلى أن جمع المسؤولين من مختلف أجهزة الدولة، وجمع الخطباء والأئمة، وصار يحذرهم مني، وكأني جئت لأهدم الدولة والدين. كل هذا، ولا أحد يتصل بي، أو يحاورني؛ وكأنني في جزيرة خالية من السكان. إن هذا الأمر مشبوه للغاية!.. في زمن تدّعي الدولة أنها تسعى إلى أن تكون دولة حق وقانون!.. وقد توفيت إحدى أخواتي -رحمها الله- ونحن في الاعتصام، من دون أن تغير الدولة من معاملتها شيئا؛ وكأنها تنتظر أن نموت جميعا، الواحد تلو الآخر. والحمد لله على كل حال. 7. ماذا عن جماعة الإخوان؟ وهل يمكن القول بأن التنظيم ساهم بشكل أو بآخر فيما نشهده من تدهور الأوضاع في الوطن العربي؟ إن جماعة "الإخوان المسلمون" كان لنشوئها مسوغ، إبان الاستعمار الإنجليزي. ولقد كانت عاملا من عوامل الحد من موجة التغريب التي تعرضت لها مصر، في النصف الأول من القرن الماضي. ولكن الجماعة سرعان ما انقلبت عبئا على الشعب المصري، عندما صارت تبغي الوصول إلى الحكم، بأي وسيلة. ولا شك أن تنظير سيد قطب رحمه الله، قد دشن لها مسارا جديدا، صار ينحرف عن سواء السبيل، مع مرور الأيام، وبالتدريج؛ إلى أن وصل إلى ما وصل إليه، من مخالفة جلية لفقه الظاهر وفقه الباطن معا. 8. إذا أردنا أن نضع الأصبع على أصل الداء لدى الإخوان، فماذا سيكون في نظركم؟ هذا السؤال مهم جدا؛ لأنه سيجعل الناس يفهمون حقيقة ما يدور في مجتمعاتهم، وسيجعلهم يفكون الارتباط في أذهانهم، بين ما هو دين، وما هو غير ذلك. ونحن نقول: إن ما عليه الإخوان من عقائد سياسية، هو أيديولوجيا، لا دين. والفرق بينهما، هو أن الأيديولوجيا بشرية، تُنتجها عقول لاعتبارات تخصها؛ وأما الدين فهو رباني، لا دخل لأحد من الناس في وضعه. والخلط بين ما هو بشري وما هو رباني، هو اللبس الذي يستثمره الإخوان وأضرابهم. وإدخال الإيديولوجيا في الدين، ليس وليد اليوم، ولا هو من اختراع الإخوان؛ لأنه قد بدأ، منذ عصر التابعين، عند التأسيس للأيديولوجيا العقدية (علم الكلام). ولكن الإخوان انتقلوا من هذا الصنف من الأيديولوجيا، إلى أيديولوجيا جديدة، هي الأيديولوجيا السياسية الدينية، أو العقيدة السياسية؛ فصار الأمر مركبا تركيبا مضاعفا، زائدا على ما كان عليه طيلة قرون. كل هذا والعامة لا يفرقون، بين ما هو رباني، وما هو هوى أو غرض للمنظرين. وهكذا، استُغفل عدد غير يسير من المسلمين، واقتيد إلى خوض حروب لا تعنيه، ولا مصلحة له فيها البتة. بل لقد بلغ الأمر، إلى أن صار الناس يخدمون سياسات دجالية شيطانية، معادية لهم ولأمتهم، وهم لا يعلمون!.. 9. كيف تجد الدعوات التي خرجت تطالب بهدم التراث الإسلامي أو تجديده، كونه سبباً للإرهاب؟ أولا، لا بد من الإقرار بأن التراث الإسلامي، محتاج إلى إعادة نظر، وإعادة ترتيب؛ لأن تراكمه عبر كل هذه القرون، قد جعله لسعته، متناقضا أحيانا، من جهة؛ وبعيدا عن سمة العصر، التي هي الدقة والتحديد والاختصار، طلبا للسرعة، من جهة ثانية. وقد طالبنا بهذه العملية، منذ أزيد من العقد والنصف، من الزمان. وقد دعونا في مجال الفقه، إلى الخروج عن المذاهب كما هي معلومة الآن، إلى الشريعة الجامعة، في صور أبسط ما تكون، حتى تناسب زمن العولمة، الذي لا بد أن يُعتبر لدى الفقهاء، إن كانوا على فقه حقيقة. وأما من الناحية العقدية، فقد دعونا، إلى التزام المشترك لدى المسلمين، والموافق لمحكم القرآن، وترك التفاصيل التي تناولها علم الكلام، لِما يرتضيه الأفراد لأنفسهم، لأنها غير ملزمة شرعا، بسبب كونها استنتاجات عقلية، تختلف فيها العقول، بعضها عن بعض. والأمة لن تعود إلى وحدتها، ما لم تحقق هذين المطلبين، إما عاجلا، وإما آجلا. ولا شك أن مقلدة الفقهاء، يكبر عليهم ما نذكره هنا، لشدة انطباعهم بما تلقوه بالتسليم عن شيوخهم. وهم بهذه الصفة، سيكونون معاكسين لكل عمل علمي تجديدي حقيقي. وهذا، مما تنبه إليه المنادون بالإصلاح الديني، وإن لم يعلموا دائما، كيفية الخروج منه. 10. هل الوطن العربي شهد ثورات ربيع عربي أم أن هناك مؤامرة شاركت في صنعها دول خارجية وجماعات داخلية؟ لا شك أن لِما سمي "الربيع العربي" أسبابا موضوعية داخلية، تتمثل في الفساد المتنامي، والاستبداد المتعامي؛ اللذين قتلا من شعوبنا كل ما هو معتبر من مقومات نهوضها ورخائها. ولقد ابتليت أمتنا في معظمها، بحكام لا يكادون يفقهون من أمور السياسة والاستراتيجيا شيئا؛ خاضعين لإملاءات الخارج، وكأنهم ليسوا منا. وإن كل من يظن أن مثل هذه الحال ستدوم، فإنه لا يعلم من "فيزياء" القدر شيئا. ونحن نميل إلى أن أولى شرارات الربيع العربي، كانت عربية خالصة، رأت فيها الشعوب فرصة للقطيعة مع حال "المرض" السياسي، الذي طال أمده. ولكن سرعان ما دخلت على الخط الدول الأجنبية الكبرى، التي لا تريد أن تفقد "مركوبها" المألوف، في جميع الأحوال. وهو ما جعلها تسارع إلى تغيير تكتيكاتها، في التعامل مع الحكام ومع الشعوب على السواء. فلم يكن -مثلا- تنكر الولايات المتحدة لمبارك، ودعمها للإخوان، إلا من هذا القبيل. ولما كانت شعوبنا في عهود الاستبداد، لا تتوفر لديها نخب سياسية معتبرة، فإنها دخلت في حال الارتباك بسهولة، وبعد مدة يسيرة. وقد زاد تداعي جميع الأطراف داخليا على الحكم، وكأنه غنيمة لا ينبغي التفريط في الظفر بها، من توسيع الاضطراب الشعبي، إلى الحد الذي كان سيؤول معه إلى حرب أهلية، مكتملة الشروط. ورغم أننا لم نكن نرغب، في إفراغ ميدانيْ رابعة والنهضة في القاهرة، بذلك الأسلوب العنيف، الذي لا يقبل به مسلم؛ إلا أننا لا ننكر، أن إخراج الإخوان من الحكم، كان نجاة لمصر وللعالم العربي كله، من مصير مجهول، لا يعلم مآله إلا الله. والسبب في ذلك، هو أن الجماعات الإسلامية، لا علم لها بشؤون السياسة والحكم. وهي في الحقيقة لم تكن تُعدّ نفسها لذلك، بعد طول إلف لها بالمعارضة. وقد رأينا كيف كان مرسي يرتجل القرارات، ويتراجع في الآن ذاته عما قد قرر بسهولة؛ وكأنه متدرب لا حاكم. وهذا يفتح البلاد أمام كل الاحتمالات، الداخلية والخارجية على السواء. وكل من يرى أن الإخوان كان لا بد أن يستمروا، فإنه لا يرى من الصورة إلا بعضها؛ خصوصا إن كان ممن يتوهمون أنهم يمثلون نقاء الدين، في مقابل دنس السياسيين المحترفين. وهذا وهْم لا أساس له؛ بسبب كونهم سياسيين محترفين كغيرهم، إلا أنهم من صنف مختلف، يستعمل الدين ويستثمره. 11. لماذا لم يقم العرب وحدة على غرار الاتحاد الاوروبي؟ إن وحدة أوروبا، ليست وحدة حقيقية؛ بل هي وحدة صورية مصلحية، سرعان ما تتهاوى، أمام أبسط الابتلاءات والمحن. ووحدة كهذه، لا يرضاها الله لنا، ونحن أمة شرفها الله، بحمل خاتمة الرسالات. فنحن إما أن نجتمع على الحق، أو لا نجتمع. وهذه رحمة من الله بنا، يمنعنا بها سبحانه من اتباع أهوائنا، التي قد تردينا. نحن سنبقى متفرقين على الصعيد العام للأمة، إلى أن يظهر خليفة آخر الزمان المهدي، الذي وردت بذكره الأخبار. ولكن مع هذا، فإنه يبقى أمامنا تحقيق تكتلات فيما هو دون الأمة، تكون إقليمية، تمليها الجغرافيا؛ أو اقتصادية، تمليها المصلحة؛ أو سياسية، تتصدى للأخطار المشتركة. وليس الاتحاد الذي بين دول الخليج، إلا نموذجا من هذه النماذج الممكنة، والتي ينبغي إنشاؤها بأكبر عدد ممكن، وبأقوى صيغ التعاون الممكنة. 12. يُتهم الصوفية بأنهم يفعلون أعمالاً شركية بزيارة القبور والتمسح بالأضرحة الخاصة بالأولياء وآل البيت ويجب تصحيح عقيدتهم؟ أولا، إن هذا الذي يتحدث عنه الناس أنه تصوف، ليس تصوفا، وليس أصحابه صوفية؛ وإنما هم عوام يعتقدون في الأولياء. وتعظيم العامة للأولياء، لا شرك فيه؛ لكون المعظَّم معظَّم عندهم لله، لا لنفسه. وقد يكون من العامة، من لا يُحسن التعبير عن بعض عقائده، فيتصيد ذلك منه، من يُعادي الأولياء أنفسهم، فيشنع عليه، ليُظهر هؤلاء العوام بمظهر الشرك. والمقصود، هو صرف الناس عن الأولياء أحياء وأمواتا؛ حتى لا تعود بركتهم على البلاد والعباد، ويصير الناس فرائس سهلة المنال للشياطين. وهذا المكر، لا يليق بمؤمن أن يتصف به، فضلا عمن ينسب نفسه إلى العلم؛ بل هو من خصال أعوان الشيطان وأوليائه. ولم نر من يجعل هذا ديدنه، غير التيميين الوهابية، الذين لا نشك في أنهم على وحي شيطاني. 13. كيف تجد أعمال داعش التخريبية ضد أضرحة الصوفية في ليبيا والعراق؟ وهل يمكن الحكم عليهم بالكفر؟ بداية ينبغي أن نقرر أن داعش، لا تمثل إلا نفسها؛ وأما الإسلام فهو أسمى مما هي عليه بكثير. ومع هذا فنحن لا نكفرهم؛ ولكن نقول بسفاهتهم. هذه السفاهة (صغر العقل) استغلها فيهم أعداء الأمة، فنفخوا في عِجلهم، بأموالهم وإمداداتهم، ليخوروا خوارا، ينخدع له من لا علم له مثلهم فحسب. وأما العالمون، فإن داعش ومثيلاتها مئات الأضعاف، لا تحرك منهم شعرة. 14. كيف ترى مصر الآن؟ إن مصر أحسن الآن مما كان يُراد لها؛ لكننا نرجو لها ما هو أليق بها وأنسب. وهذا لن يتحقق لها، طالما الشعب منشطر شطرين. إن كثيرا من عوام الناس الذين استخفهم الإخوان، ما زالوا على نقمتهم من السلطة الحاكمة بسبب ما جرى. وهؤلاء يكون إهمالهم، وتركهم لظنونهم، من أشد الأغلاط للدولة. ما ينبغي الآن، هو فتح الحوار الجاد والهادف، مع كل المتعاطفين مع الإخوان، لا مع قيادات الإخوان. وينبغي أن يكون هذا الحوار مبنيا على الصدق والشفافية التامة، وأن يقوم عليه رجال أكفاء، لا يخافون في الله لومة لائم. وأما الاعتماد على الإعلاميين الديماغوجيين، فإنه لن يزيد الأمر إلا استفحالا. 15. كيف تمكن مواجهة الإلحاد والعلمانية في الوطن العربي؟ الإلحاد لا يُواجه، لأنه عدم (عدم الإيمان). كل ما ينبغي، هو أن يُقدَّم الدين للشباب بطريقة غير منفرة. هذا، لأن كثيرا ممن يرون أنفسهم دعاة إلى الدين، هم في الحقيقة طاردون لأهله منه. والمصيبة هي أن هؤلاء يكونون أحيانا تابعين للهيئات الرسمية، ويأخذون الأجرة على ما يقترفون. على دولنا أن تعيد النظر في الفقهاء المعتمدين لديها، لكي يكونوا نافعين ومقنعين. 16. كيف تنظرون إلى المشاركة السياسية للمرأة؟ وهل تقلدها مناصب الفتوى والوعظ يشمل خطورة على المجتمعات الإسلامية من وجهة نظركم؟ لا فرق في التشريع الإسلامي بين المرأة والرجل، حتى نجعل الكلام عنها خاصا. وقد توجد في النساء من هي أعلم وأشجع من كثير من الرجال؛ خصوصا في زماننا. وإن روعيت المحارم، فلا فرق بين الرجل والمرأة إلا بالتقوى. ولهذا، فلا مانع من أن تكون مفتية أو واعظة مبدئيا؛ لكن هذا ليس بالأمر الهين، ولا هو منوط بالكلام وحده؛ وإنما هو عائد إلى مدى تزكية نفس المرأة، على غرار ما اشترطناه سابقا لصلاح الرجل والمرأة عموما. 17. هل هناك أوجه للتشابه بين السنة والشيعة؟، وهل توافق على إقامة حوار بينهما؟ أوجه الشبه بين الشيعة والسنة أكثر من أن تُحصى؛ بل إن الفئتين كانتا جماعة واحدة في الأصل. وكل الاختلافات، هي مختلقة، عمل على إبرازها شياطين، غرضهم أن يُضعفوا أمة الإسلام، بجعل بعضها يطعن في بعض. ونحن نرى أن الشيعة والسنة معا، ليسوا على الباطل التام، ولا على الحق التام. وهذا يعني أنه في مسألة ما، قد يكون كلام الشيعة أولى بالاعتبار من كلام السنة؛ وفي مسألة أخرى قد يكون العكس، وهكذا.. وكل من يعتقد الكمال في طائفته وحدها، فهو جاهل، يعتمد منطق العصبية، وليس له من إنصاف العلماء أدنى حظ. (نشرت صحيفة " البوابة" المصرية جزءا من الحوار فقط) |
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وكل عبد من الصالحين.
إن الكلام في التصوف قد تشعب حتى كاد يخرج عن الضبط في نظر الناظرين. وإن تحديد موقع التصوف من الدين، كان ولا زال موضع خلاف بين المسلمين. والميل إلى طرف دون آخر متأرجح بحسب خصوصية كل مرحلة من مراحل عمر الأمة الإسلامية. لكننا نرى أنه حان الوقت، وبعد أن أصاب الأمة ما أصاب، أن نقول: إن التصوف إسلام. ونعني أنه تحقيق للإسلام!
قد يرى البعض أن هذا تعسف باعتبار أن الكلمة مبهمة وغير ذات أصل شرعي؛ أو هي دخيلة إن اعتبرنا نسبتها إلى الأديان الكـتابية والوثنية على السواء...
وقد يرى البعض الآخر في ذلك مبالغة وتضخيما، إذا رجع إلى مدلول الكلمة وإلى تجليات التصوف المنصبغة بصبغة كل زمن زمن...
وقد يقول قائل: كان في إمكانكم تجاوز لفظ " التصوف " تسهيلا للتواصل والتلاقي، إن كان المراد مجرد عرض للإسلام أو إعادة تناول لمختلف جوانبه...
لكن، نقول: حفاظا على الأدب مع قوم بذلوا في الله مهجهم، سبقونا، ورجاء في اللحوق بهم، نحافظ على اللفظ؛ ومن أجل التنبيه إلى منهج التصوف في التربية، التي ليست إلا التزكية الشرعية، نقول: إن التصوف..إسلام!
لم ينفع بعضَ المسلمين مجرد انتساب للإسلام واعتبار لظاهره على حساب الباطن. ولم يجد إنكار بعض الفقهاء له وقد كذبتهم الأيام. وهاهي الأمة تكاد تنسلخ عن الدين في عمومها..
وها هي الأزمة نعيشها في تديننا، لا يتمكن أحد من إنكارها.. وها هي تداعيات الأزمة تكتنفنا من كل جانب..
ومن جهة أخرى ، لم يعد يجدي من ينتسب إلى التصوف الانزواء الذي كان مباحا أو مستحبا في عهود مضت، وواجب الوقت بلا شك، هو إقامة الدين ظاهرا إلى باطن، بعد أن ولى زمن حماة الشريعة من الفقهاء الورعين أصحاب النور، المجتهدين المجددين .
ولم يعد يكفي الكلام عن الطريقة التربوية الاجتهادية الخاصة بكل شيخ، إلا مع التنبيه إلى الطريق المحمدي الجامع الشامل، حتى تسقط الحواجز الوهمية التي صارت حجبا في زماننا، تمنع من إدراك صحيح للدين.
لذلك ولغيره، نرى أنه من الواجب في زمن العولمة المبشرة بجمع شمل الأمة الكلام عن التصوف بالمعنى المرادف لتحقيق الإسلام، بشموليته واستيعابه كل مذاهب المسلمين.
ونأمل من الله عز وجل، أن يكون هذا الموقع من أسباب ذلك، راجين منه سبحانه وتعالى السداد والقبول، فإنه أهل كل جود وفضل.