اللهم صل على سيدنا محمد الكامل الأكمل، ومظهر الجمال الأجمل، المكمل لكل كامل على مدى الأزمان، والمتخلق على التمام بأخلاق الرحمن؛ القائل بلسان الشكر: أنا سيد وُلد آدم ولا فخر؛ وعلى آله الطاهرين بالتطهير الرباني، وصحابته المشرفين بالشهود العياني؛ وسلم من أثر شهود نفوسنا صلاتنا عليه تسليما. والحمد لله المنعم المفضل حمدا عميما.
![]() | ![]()
2022/10/12 حوار مع ميت هذا حوار افتراضي بين الكاتب وميت من الموتى الذين انتقلوا حديثا، وهو يتطلب تأملا يفوق المعتاد، بما أن الناس ألفوا ألا يعتنوا بما يحدث في الجانب الآخر... • اعذرني في الدخول عليك والاقتطاع من وقتك، فإني سائل مستكشف، يروم الاستعداد لما هو آت!... وحتى تعلم أن الأمر كما أخبرناك، ينبغي أن تلاحظ أن كل المعلومات التي يتكلم عنها هؤلاء المغرر بهم، لا تعدو التفاصيل المتعلقة بأشخاص بعينهم. وهذه المعلومات إما أن الشياطين كانت تعلمها بنفسها، وإن كانت بعيدة في الزمان نسبيا، لكون الشياطين تعمّر أكثر من الآدميين؛ أو هي تتعلمها من شياطين آخرين، من بيئة أخرى ومن مكان آخر. وأما ما يكون من المعلومات المتعلقة بالمستقبل القريب، فإنها تأتي به من التنصت على الملائكة عندما تتكلم ملائكة السماء فيما بينها عن الأمر النازل إليهم والذي يتعلق بما سيجري من أحداث على الأرض داخل ثلاث سنوات. وهذا التنصت قد ورد فيه: {وَإِنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً} [الجن: 9]. وقد يغلط كثير من الناس عندما يحكمون بانقطاع إخبار الجن عن السماء، والأمر لا يعدو أن يكون مزيد اشتداد الحراسة فحسب. والحراسة كانت ثابتة من أيام الجاهلية، لكنها زيد فيها. وهكذا، فإنه سيبقى من الجن من يسترقون السمع، ولو بأقل مما كان الأمر عليه بكثير. والدليل الآخر على أنه لا أحد يعود من الموت، هو عدم تعلق المـُخبر به بشؤون البرزخ، بحيث يُعلم الفرق بينها وبين عالم الدنيا، أو بما هو من العلم بالله الذي يحصل لكل ميّت، لا علم الخواص بالله. من هنا نعلم أن من يزعم أنه مات ثم عاد، لم يزد على أن دخل في غيبوبة، تلاعبت الشياطين فيها بإدراكه، لأنه لم يكن من المؤمنين حقا في حياته. وإذا نظر الناظر إلى من يزعم أنه كان مؤمنا، فإنه سيجده على غير الإسلام؛ وهذا لا يكون إيمانا بالاصطلاح الشرعي قط. وهنا نغتنم هذه الفرصة للتحذير ممن ينساقون خلف تلبيسات الشياطين، ويظنون أنهم يأتون بشيء معتبر في العلم؛ وهيهات!... وأما الفرق بين نعيم البرزخ ونعيم الآخرة، فهو كالفرق بين عالم الرؤيا والواقع. ونعني من هذا، أن النعيم والعذاب في البرزخ نفسيان، بينما هما في الآخرة حسيان. يقول الله عن أهل البرزخ من المبطلين: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46]. فصدر الآية يُخبر عن أحوال أهل البرزخ، وعجزها عن بعض أهل الآخرة، وهم هنا آل فرعون. لكن مع ذلك، فإنه لا يعيش للآخرة في دنياه إلا من هداه الله وأنار بصيرته. وهذا لأن جل المحجوبين عن الآخرة، وإن كانوا من أهل الدين في الظاهر، لا بد أن يكونوا من أهل الدنيا في الباطن الذي له الحكم. والسبب في هذا، هو أنهم ينظرون إلى تفاصيل الدين، ويُغفلون التوجه العام الذي له؛ فيصيرون عاملين للدنيا بالدين، في كثير من شؤونهم. وهذا السبيل هو من أفضل السبل لدى إبليس، بسبب إمكان التدليس فيه!... إن النور ينشأ للعبد من الطاعات، والظلمة تنشأ في مقابل ذلك من المعاصي. ولا بد هنا من أن نقرر أن أعمال العباد مخلوقة لله، وليس لها من العبد إلا النسبة. ولن ندخل هنا في كيفية تحقُّق النسبة إلى العبد، لأن ذلك سيخرج بنا إلى محل آخر... وفي مسألة خلق الله لأعمال العباد، يقول سبحانه: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96]. وهذا يعني أن أعمال العباد مخلوقات لها صور وأرواح، كسائر المخلوقات. وهي من كونها إما طاعة وإما معصية، تكتسب صفة النورية أو الظلامية. وعندما يموت العبد، تبقى تلك الأعمال متعلقة به برقائق تجلب له النعيم، أو تجلب عليه العذاب. وهذا يبدأ من القبر كما هو معلوم، وبعكس ما يتقوّل الجاهلون. ثم تظهر تعلقات الأعمال في الآخرة سيئات وحسنات قابلة للوزن، حتى ينتج عنها الحكم الختامي للناس إما بالجنة وإما بالنار. وليس الميزان، إلا الشريعة؛ في الدنيا والآخرة. والفرق هو أن الشريعة في الدنيا ميزان معقول، وأنها في الآخرة ميزان محسوس؛ لقابلية تصور المعاني في الآخرة بالصور المحسوسة. وإن تبينت مسألة تعلق الأحوال والأعمال بالعباد، فلنعد إلى مسألة العصمة، والتي إن حكم بها الله لعبد من عباده، فإنه يقطع عنه تعلق المعاصي التي ارتكبها، بحيث لا تقع عليه المطالبة، لا في الدنيا ولا الآخرة؛ وإن جهل فقهاء الظاهر ذلك. وهذا، لأن الأعمال تطلب جزاءاتها طلبا ذاتيا، كما تطلب المقدمات نتائجها، إن بقيت على حكمها الأصلي. وبما أن العصمة هي انقطاع نسبة المعاصي عن العبد، فإن الناس لن يعلموها على التحقيق. والسبب هو شهودهم صدور المعصية عن العبد المعصوم، فيكون حكمهم عليه بأنه عاص، وهو عند الله غير عاص. وهذه مسألة عويصة في العلم، قد يُنكرها جل الفقهاء!... وإن شئت أن نذكر لك دليل العصمة من القرآن، فخذ قول الله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2]، لتعلم أن المنفي هو النسبة التي غُفرت، وإن ثبت الذنب وأُلحق من جهة الخلق بالعبد بداية. ولولا هذا الاتصال من جهة الخلق، ما صحت الإضافة بالكاف في الآية. ولم نر لهذه المسألة عالما من الفقهاء، وإن كانوا يتكلفون تفاسير للعصمة لا تقبلها إلا العامة لسطحيتها... فإن وضح ما سبق، فلنتصور الناس منذ سن التكليف، تتعلق بهم خيوط بيضاء وأخرى سوداء، بحسب الحكم الشرعي على الحال وعلى العمل. وعندما يموت الواحد منهم، فإن تلك الخيوط تبقى متصلة به في البرزخ وفي الآخرة. فإذا شاء الله أن يغفر لعبده، قطع عنه الخيوط السوداء كلها أو بعضها؛ وأبقى على الخيوط البيضاء. وأما من يبقى على ذلك التعلق، فإنه يُنظر في الغالب عليه، ليكون حكمه إليه؛ فإما إلى الجنة بعدُ، وإما إلى النار. وأما من شاء الله له العذاب، فإنه تُقطع عنه الخيوط البيضاء، ويُبقى على السوداء؛ وهو عدم قبول الأعمال الصالحة في حق بعض العباد. وهذا من حكم المشيئة، لا من حكم الشريعة؛ وهو معنى قول الله تعالى: {يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران: 129]. وهذا أيضا مما يخرج عن إدراك الفقهاء!... وحتى تعلم الآخرة من النظر إلى الدنيا، فاعلم أنها مقلوبها: فما كان هنا ظاهرا، فهو هناك باطن؛ وما كان هنا باطنا، فهو هناك ظاهر. وهذا يعني أن القلوب هي الظاهرة من الناس في الآخرة، وأن بواطنهم هي أجسامهم. وكأن الوجوه المعنوية صارت حسية، والحسية صارت معنوية. يقول الله تعالى: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ . يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق: 8، 9]. أي يوم تبدو السرائر للعيان!... ولنعد الآن إلى علماء الدين في ظاهر الأمر، فهؤلاء إن كانوا يعملون بعلمهم في أنفسهم، ويُعلّمون الناس الخير؛ فلا شك أنهم من الفائزين في الآخرة. أما العالم الذي لا يعمل بعلمه، أو يعلم الناس الضلالات والجهالات التي تعلمها، فإنه يكون من أول من تُسعر بهم النار، كما جاء في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «... وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا. قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ! قَالَ (أي الله): كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ؛ فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ...» [من حديث أخرجه مسلم عن أبي هريرة]. والعالم المذكور هنا، هو من غير شك عالم الدين... وتجد أكثر علماء الدين من الغافلين عن الخطر الذي يتربص بهم، وذلك بسبب الغفلة المستحكمة فيهم. ولو نظرنا إلى مشاهير العلماء في زماننا، لوجدنا معظمهم ممن يُخاف عليهم!... |
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وكل عبد من الصالحين.
إن الكلام في التصوف قد تشعب حتى كاد يخرج عن الضبط في نظر الناظرين. وإن تحديد موقع التصوف من الدين، كان ولا زال موضع خلاف بين المسلمين. والميل إلى طرف دون آخر متأرجح بحسب خصوصية كل مرحلة من مراحل عمر الأمة الإسلامية. لكننا نرى أنه حان الوقت، وبعد أن أصاب الأمة ما أصاب، أن نقول: إن التصوف إسلام. ونعني أنه تحقيق للإسلام!
قد يرى البعض أن هذا تعسف باعتبار أن الكلمة مبهمة وغير ذات أصل شرعي؛ أو هي دخيلة إن اعتبرنا نسبتها إلى الأديان الكـتابية والوثنية على السواء...
وقد يرى البعض الآخر في ذلك مبالغة وتضخيما، إذا رجع إلى مدلول الكلمة وإلى تجليات التصوف المنصبغة بصبغة كل زمن زمن...
وقد يقول قائل: كان في إمكانكم تجاوز لفظ " التصوف " تسهيلا للتواصل والتلاقي، إن كان المراد مجرد عرض للإسلام أو إعادة تناول لمختلف جوانبه...
لكن، نقول: حفاظا على الأدب مع قوم بذلوا في الله مهجهم، سبقونا، ورجاء في اللحوق بهم، نحافظ على اللفظ؛ ومن أجل التنبيه إلى منهج التصوف في التربية، التي ليست إلا التزكية الشرعية، نقول: إن التصوف..إسلام!
لم ينفع بعضَ المسلمين مجرد انتساب للإسلام واعتبار لظاهره على حساب الباطن. ولم يجد إنكار بعض الفقهاء له وقد كذبتهم الأيام. وهاهي الأمة تكاد تنسلخ عن الدين في عمومها..
وها هي الأزمة نعيشها في تديننا، لا يتمكن أحد من إنكارها.. وها هي تداعيات الأزمة تكتنفنا من كل جانب..
ومن جهة أخرى ، لم يعد يجدي من ينتسب إلى التصوف الانزواء الذي كان مباحا أو مستحبا في عهود مضت، وواجب الوقت بلا شك، هو إقامة الدين ظاهرا إلى باطن، بعد أن ولى زمن حماة الشريعة من الفقهاء الورعين أصحاب النور، المجتهدين المجددين .
ولم يعد يكفي الكلام عن الطريقة التربوية الاجتهادية الخاصة بكل شيخ، إلا مع التنبيه إلى الطريق المحمدي الجامع الشامل، حتى تسقط الحواجز الوهمية التي صارت حجبا في زماننا، تمنع من إدراك صحيح للدين.
لذلك ولغيره، نرى أنه من الواجب في زمن العولمة المبشرة بجمع شمل الأمة الكلام عن التصوف بالمعنى المرادف لتحقيق الإسلام، بشموليته واستيعابه كل مذاهب المسلمين.
ونأمل من الله عز وجل، أن يكون هذا الموقع من أسباب ذلك، راجين منه سبحانه وتعالى السداد والقبول، فإنه أهل كل جود وفضل.