اللهم صل على سيدنا محمد الكامل الأكمل، ومظهر الجمال الأجمل، المكمل لكل كامل على مدى الأزمان، والمتخلق على التمام بأخلاق الرحمن؛ القائل بلسان الشكر: أنا سيد وُلد آدم ولا فخر؛ وعلى آله الطاهرين بالتطهير الرباني، وصحابته المشرفين بالشهود العياني؛ وسلم من أثر شهود نفوسنا صلاتنا عليه تسليما. والحمد لله المنعم المفضل حمدا عميما.
![]() | ![]()
2016/12/30 تعقيب على بيان الشيخ القرضاوي بخصوص مؤتمر غروزني بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد؛ إن وراثة النبوة، ليست هي وراثة الكلام من جهة الظاهر وحدها، كما تعلمون ذلك أنتم معشر الفقهاء؛ ولكنها أيضا وراثة علم النبوة من جهة الباطن. وقد أشار الله إلى الفقه الجامع بين الظاهر والباطن، في قوله تعالى: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ} [الأنعام: 120]. وكما أن الظاهر الموروث هو رشحة من ظاهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكذلك الباطن الموروث، هو بعض من باطنه صلى الله عليه وآله وسلم. وبما أن علم الباطن لا يُدرّس في الجامعات، لكونه لا يدخل في علوم الكسب، فإنكم تجهلونه؛ بل تنكرونه، كما سمعنا ذلك منك مرارا. والحاصل، أن العلماء المذكورين في الآية، يكون على رأسهم ورثة النبوة بالمعنى الكامل، الذي يشمل الظاهر والباطن؛ وبما أنك لا قدم لك في علم باطن النبوة الذي على رأسه العلم بالله (وهو غير العلم بالشريعة)، فإننا نرى كلامك بلسان "العلماء" ونيابة عنهم، لا يصح منك، وفي الأمة من هم أعلم وأحكم بلا ريب. ثم إن الكتاب المستحفظ لدى العلماء، ليس هو ألفاظ القرآن وحدها كما تفهمون؛ وإنما هو معانيها التي تدل على الذات من جهة الأسماء، وهو ما لا تحوزه. نقول هذا، لندلك على مكانتك، فإنه يبدو أنك تجهلها. الخشية المذكورة في الآية من فاطر، هي ملازِمة للعلماء بالله، الذين يضمحلون عند تجلي العظمة لهم؛ وهؤلاء إما أنبياء وإما ورثة. أما علماء الشرع، فإن الواقع يشهد أن لا خشية لهم. ومن ينظر إلى الكِبر الذي يطفح ريحه من أحدهم، يعلم يقينا ما نقول. هذا، من غير أن نذكر فُساق العلماء، الذين لا يخفى حالهم عن أحد. أما الآية من الأحزاب، فهي تصف الرسل عليهم السلام، لأنهم يحيطون علما بالرسالات، جامعون لها. أما الفقهاء من أمثالك، فإنهم مبلّغون للأحكام إن وافقوا الحق فيها، لا الرسالات. وغير خفي أن من علوم الرسالة ما ليس معلوما لكم. وعلى فرض أن الآية تشملكم بالتضمين، فإن المعنى عندها سيكون فرعيا، يخص العلماء العاملين من كل زمان. وصاحب العلم الفرعي، لا يمكن أن يحكم على غيره، مخافة أن يكون هذا الغير على حق لا يدريه هو. ثم إن الخشية المذمومة في الآية، هي خشية أعداء الله والدين، الذين يدلّون على الكفر ويصرّون عليه. وهذا غير ما يُفهم من كلامك الذي يجعل خشية الله في مقابل خشية الحكام؛ وكأنه لا حاكم، إلا وهو شيطان من الشياطين!.. والحكام وإن كانوا عصاة، فإنهم ليسوا كفرة، حتى تنزل عليهم الآية المذكورة. بل إن الحاكم الظالم، قد يصدر منه في وقت ما، ما يكون موافقا لما أمر الله به ورسوله. وموافقة الحاكم هنا، تكون من صميم طاعة الله ورسوله المأمور بها شرعا. وما أرى مذهبك هذا في فهم القرآن، إلا نظير ما فهمه الخوارج الأُول، عند خروجهم على إمام غير مختلف في إمامته رضي الله عنه. ثم لا تنس أيها الشيخ، أن الإباء الذي أشرت إليه بعدم انحناء القامة وعدم لين القناة، سيكون في بعض المواطن من صفات الربوبية التي نهى الله عن الاتصاف بها؛ عندما لا يعتبر الحق الذي ينطق به الحكام أو غيرهم ممن لا يؤبه له في العادة. وعِلم المواطن الذي هو شرط في علم معاملة الله، لا نراك من أهله؛ فاحذر أن تضل على علم، وأنت تحسب أنك من المهتدين. إن الصفات التي ذكرتها من غير تقييد، وفي غير محلها، هي أليق بـ"المناضلين" الذين لا يلتزمون بشرع. والرجولة عندنا، هي التي يأتمر العبد فيها بأوامر ربه، التي من ضمنها طاعة الحاكم في المعروف؛ لأن الحاكم قد ولاه الله أكان برا أم فاجرا. والله تعالى يقول: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26]. ومن ولاه الله، لا بد أن يُعتبر ويُعامل بما يليق من توقير، في غير ما إثم أو معصية، كما هو معلوم. وهنا ينفع العلم العلماء حقا. أما ذكرك للعلماء الربانيين، فهو في غير محله؛ لأنك لا تعلمهم على التحقيق؛ وإنما أنت تظن ظنا؛ والله يقول: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} [يونس: 36]. ولسنا هنا في معرض التفصيل لنذكر لك حال الربانيين؛ ولا نظنك تحتمل ذلك. إن المؤتمرات الرسمية، والتي تكون تحت إشراف دول وحكومات، لا يأتي منها خير في الغالب؛ لأن الحكومات تخدم أغراضها السياسية، لا الدين. ولولا توظيف الدين لأغراض سياسية من قِبل الحكومات، لكُفيت الأمة شرا كثيرا. نقول هذا على العموم، ونحن لا نعلم بواعث الرئيس الشيشاني، ولا بواعث المشاركين في المؤتمر. وحسن الظن بالجميع أقرب لدينا بحمد الله، ما لم يبد ما يدل على منكر. أما هذه فقد شططت فيها؛ لأن مسجد الضرار الذي ذكره الله في قوله سبحانه: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ} [التوبة: 107]، ما وصفه الله بذلك الوصف، إلا لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يأذن به. ولقد كان تأسيس مسجد الضرار محاولة للسطو على الإسلام من جهة الظاهر، ومنازعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه؛ في انتظار أن يتم للمنافقين شق صف المؤمنين، الذي يجعلهم متناحرين فيما بينهم ومتقاتلين. وأما المؤتمر المنعقد في الشيشان فإنه لا يمكن وصفه بالضرار، لكون المؤتمرين ليسوا من أهل الباطل التام، الذي في مقابل أهل الحق التام؛ إلا إن كنت ترى أنك بمنزلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أصحابه، حيث كان يُعرف فريق الحق به حيثما كان. بل إن المؤتمرين، قد تصدوا لِما رأوه هادما للسنة وللجماعة، بما يستطيعون. فهم أولى بالحق منك، وأنت أولى بوصف الضرار منهم، من هذا الوجه. أما توهم أن المؤتمر تَعرِض له الشبهة بمجرد كونه برعاية رئيس الشيشان، فهو مردود؛ لأن نية الرئيس ونيات المؤتمرين، لا يعلمها إلا الله. وأما إن كانت رعاية الرئيس شبهة في نفسها، فلا أحد يخرج في العالم عن سلطة رئيس. وما كونك في قطر، بمستثنيك من سائر الناس. وأما شبهة كون رئيس الشيشان تابعا لروسيا، فلا يدل على أن المؤتمر حتما موافق لغاياتها. وقطر التي أنت فيها، قد يقول فيها خصومك مثل ما قلت؛ فهل تقبل أنت ذلك لها؟!.. ومع هذا، فلن نقبل أن يقول أحد من غير بيّنة، أنك تعمل في خدمة جهة أجنبية. وأما ذكرك لمآسي إخواننا السوريين، فهو متاجرة بآلامهم، في معرض حجاج كلامي؛ كنا نرجو أن تتجنبه إبقاء لبعض مكانة لك في النفوس. أما هذه فنوافقك عليها بشروطها. ونحن مع كوننا نرى أنه من الضروري تحقيق مدلول "أهل السنة والجماعة"، إلا أننا لا نوافق على إقصاء الوهابية من النسبة الإسلامية؛ لأن كون المرء من غير "أهل السنة والجماعة" لا يعني أنه غير مسلم. وكان ينبغي أن يؤكد المؤتمرون هذا المعنى، حتى لا يقعوا فيما وقع فيه المتسلّفة من تكفير كل مخالف. فبقدر ما هي نافعة معرفة معنى "أهل السنة والجماعة"، بقدر ما هو التخندق في الخندق المقابل للوهابية خطير جدا. وإننا نرى أن هذا المؤتمر لم يكن أهله يعون ما أقدموا عليه من شق لصف المسلمين، يمكن أن يؤدي بسهولة -في هذه الأيام الحالكة- إلى اقتتال بين الفريقين، لن يخدم إلا أعداء الأمة. والحكمة تقتضي أن يصبر العبد على المكاره، مخافة الوقوع فيما هو أشد منها. ومن لا يعلم درجات السوء في الأمور، فليس له أن يتكلم فيما هو من الشأن العام للمسلمين. والأولى من هذا كله، فتح باب الحوار بين المختلفين من المسلمين، إن توافرت شروطه. وأما ذكر أهل الحديث مع الوهابية دائما، فهو تدليس يراد منه إلحاقهم بهم؛ بينما هم في الحقيقة من ضُلاّل هذه الأمة، الذين اجترأوا على ما نعُدّه نحن داخلا في شهادة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله). وكل ما يتكلمون فيه من توحيد، ليس هو منه، بالمعنى الشرعي؛ وإنما هم قوم انطمست بصائرهم، فعادوا إلى عقولهم يحكّمونها في الوحي، فضلوا ضلالا بعيدا. ولو أنهم تأخروا ليتقدم من هو أفقه منهم وأعلم، لجنّبوا الأمة فتنا، ما أصابها في مدتها مثلها. إن الفكر الوهابي الظلامي، ما دخل قرية إلا أفسد دينها؛ ولا خالط قلبا إلا أطفأ نور الإيمان منه؛ إلا أن يكون المرء فيه على غير بيّنة، مقلدا لغيره من غير مطابقة. أما أئمته العالمون بما يقولون، فهم على خطر شديد، لولا التورع لقلنا فيهم لأجله ما لا يتوقعون. هذا الكلام مغالطة كبيرة؛ لأن الأمة أكبر من "أهل السنة" بالمعنى الاصطلاحي. أما بالمعنى اللغوي، فإن كل المسلمين بمن فيهم الشيعة، يُعدّون من أهل السنة، إن كانوا ينوون التأسي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وكما تبرأنا من طوام الوهابية، فإننا نتبرأ من ضلالات بعض الشيعة من غير شك. وأما الصدور عن الكتاب والسنة، فكلٌّ يزعمه لنفسه، ولا ننكره على أحد؛ وإن كنا نرى أنْ لا فرقة تكون فيه على الكمال الذي لا تشوب فهمها في الوحي معه شائبة، إلا الطائفة الذين استثناهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما هو معلوم. وهذا يجعل الحق متفرقا بين فرق الإسلام، على تفاوت في حظ كلٍّ منها منه. وعلم هذا على التفصيل، لا يكون إلا لذوي النور البيّن. أما قولك بعدم نفع إعادة الخلافات التاريخية القديمة، فهو صحيح؛ بل إن ضرر هذه الإعادة كبير الآن؛ لكن الكلام بهذا أيسر من الفعل، عندما تبقى كل فرقة متمسكة بموروثها، وكأنها تنتظر من مخالِفتها أن تعود إلى رُشدها، لتعلن فوز سلفها وخلفها على كل مخالفيها، وتأخذ من الجماهير براءة امتلاكها للإسلام كليّة. أليس هذا هو موقف كل طائفة وفرقة؟ بل كل متمذهب منتسب إلى فرقة؟.. لا، لم يتجاوز الزمن ما أشرت إليه من خلافات؛ وإلا لما اضطر العلماء المؤتمرون في الشيشان، أن يجتمعوا من أجل استرداد نسبة يرون أنهم أجدر بها وأوْلى. نحن لا نحصر وصف "أهل السنة والجماعة" في الأشاعرة والماتريدية، كما أعلن المؤتمر؛ ولا في المذاهب الأربعة من جهة الفقه؛ ونرى أن السواد الأعظم من الأمة، داخلون فيه لا يشذ عنه إلا من أبى. إن ما نرومه جميعا من التفات الأمة إلى ما يهمها في حاضرها ومستقبلها، لا يكون إلا بعد مجاوزة الخلافات الموروثة حقيقة لا قولا وادعاء. وهذا لا يكون، ما دام في كل طائفة من يحرس رأي المذهب ويذود عنه وكأنه الدين كله. وما أكثر من يفعلون هذا، وهم يستبشرون!.. وعلى العموم، فإن كل من ينصر مذهبا مخصوصا أو طائفة، لا يرى الحق إلا فيهما، فلا يصلح للكلام فيما يتعلق بعموم الأمة، وإن توهم هو في نفسه الأهلية. وأهل الجمع على الحق قليل، لا نكاد نسمع لهم اليوم صوتا. وهم محارَبون من طوائفهم ذاتها، قبل سواها. فإنا لله، وإنا إليه راجعون. إن ذكر إيران وأذنابها في مقابل أهل السنة والجماعة، لا يخلو من تلميح بالتكفير. وإلا فإن كان الأمر متعلقا بالمعاصي والمخالفات التي دون الكفر، فإن أهل السنة لا يسلمون منها أيضا. وإذا لم تتمكن أنت من تجاوز بغضك لبعض المسلمين، فكيف تدعو غيرك إليه؟!.. إننا اليوم بحاجة إلى من يقر بإسلام المسلمين على ما فيهم من عوج؛ ولسنا بحاجة إلى من لا يرى منهم إلا ما يقطعهم عن جسم الأمة. نحن نعلم أن الأمر يتطلب علما واسعا، وحكمة بالغة، لا ينالهما إلا ذو عناية من الله خاصة. أما ذكرك للمؤتمرين بما قلت، فلن يجعلك أفضل منهم؛ لأنهم إن كانوا كذلك، فأنت ستكون من شيوخ الثورات المستتبعين للدهماء، والخارجين عن السنة النبوية الصحيحة الثابتة، التي تنهى عن منازعة الأمر أهله. وأما بشار والسيسي وغيرهما، فاعلم أن الله هو من ولاّهم، وهو من سيحاسبهم ويجازيهم. وما أدراك لو أنّ الناس أطاعوا ربهم، لذهب بهم وأتى بمن هو خير منهم؛ وأنّ الناس لما لم يراعوا الله، سلطهم عليهم!.. أفأنت تنكر على الله تأديبه لعباده بمن يشاء وكيف يشاء؟!.. ما هذا الجهل المطبق، والتطاول الأحمق!.. هذا، ولو أنك وأمثالك من الفقهاء قمتم بواجب النصح للحكام في وقته، لكنا بأفضل حال الآن؛ ولكنكم اخترتم وقتها المداهنة والتصنع، على عكس ما تُبدون اليوم. بل اسأل نفسك: لمَ تزجّ بها فيما يصعب الخروج منه على سلامة؟.. ولمَ لم تكن ممن يقول ليجمع الأمة، لا ليوالي نصفها على النصف الآخر؟!.. إن شطرا من الجماهير لم يَعِ بعدُ الوعي المطلوب، ما دام يسمع لك ولأمثالك. ولست تمثل وحدك الإسلام، حتى تجعل مخالفيك أعداء له. إن هذا التماهي بين المتكلم والموضوع، هو من الأمراض المتفشية بين الفقهاء الغافلين، الذين لا يقوم علمهم بجهلهم. وهؤلاء هم أُسّ البلاء الذي يصيب الأمة في كل مرة، إلى أن يأذن الله بالعافية. وأما الآية التي ختمت بها، فإن العبد يستحيي من الله أن ينزلها على أشد المسلمين معصية لربه؛ فكيف بمن هم من أهل العلم والطاعة كما هو المظنون. فإن أهنتهم أو أردت هوانهم، فما أهنت إلا نفسك، ولا سعيت إلا في هوانها. أما هذا الكلام، فلا يستحق التعليق عليه بالتفصيل؛ وكأنك تقول فيه: لو كنتم تحرصون على الاعتراف بمؤتمركم، لدعوتموني وجعلتم المؤتمر تحت رئاستي؛ لأني عالم الزمان الذي لا يقبل الله من هذه الأمة إلا ما يُمضيه؛ والمؤتمرات تعرفني، كما أعرفها. نسأل الله لنا ولك المعافاة والمداواة. وقى الله أمتنا كل الشرور، وهدى جميع أبنائها إلى ما فيه الخير، بجاه من أُرسل رحمة للعالمين، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. والحمد لله رب العالمين. |
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وكل عبد من الصالحين.
إن الكلام في التصوف قد تشعب حتى كاد يخرج عن الضبط في نظر الناظرين. وإن تحديد موقع التصوف من الدين، كان ولا زال موضع خلاف بين المسلمين. والميل إلى طرف دون آخر متأرجح بحسب خصوصية كل مرحلة من مراحل عمر الأمة الإسلامية. لكننا نرى أنه حان الوقت، وبعد أن أصاب الأمة ما أصاب، أن نقول: إن التصوف إسلام. ونعني أنه تحقيق للإسلام!
قد يرى البعض أن هذا تعسف باعتبار أن الكلمة مبهمة وغير ذات أصل شرعي؛ أو هي دخيلة إن اعتبرنا نسبتها إلى الأديان الكـتابية والوثنية على السواء...
وقد يرى البعض الآخر في ذلك مبالغة وتضخيما، إذا رجع إلى مدلول الكلمة وإلى تجليات التصوف المنصبغة بصبغة كل زمن زمن...
وقد يقول قائل: كان في إمكانكم تجاوز لفظ " التصوف " تسهيلا للتواصل والتلاقي، إن كان المراد مجرد عرض للإسلام أو إعادة تناول لمختلف جوانبه...
لكن، نقول: حفاظا على الأدب مع قوم بذلوا في الله مهجهم، سبقونا، ورجاء في اللحوق بهم، نحافظ على اللفظ؛ ومن أجل التنبيه إلى منهج التصوف في التربية، التي ليست إلا التزكية الشرعية، نقول: إن التصوف..إسلام!
لم ينفع بعضَ المسلمين مجرد انتساب للإسلام واعتبار لظاهره على حساب الباطن. ولم يجد إنكار بعض الفقهاء له وقد كذبتهم الأيام. وهاهي الأمة تكاد تنسلخ عن الدين في عمومها..
وها هي الأزمة نعيشها في تديننا، لا يتمكن أحد من إنكارها.. وها هي تداعيات الأزمة تكتنفنا من كل جانب..
ومن جهة أخرى ، لم يعد يجدي من ينتسب إلى التصوف الانزواء الذي كان مباحا أو مستحبا في عهود مضت، وواجب الوقت بلا شك، هو إقامة الدين ظاهرا إلى باطن، بعد أن ولى زمن حماة الشريعة من الفقهاء الورعين أصحاب النور، المجتهدين المجددين .
ولم يعد يكفي الكلام عن الطريقة التربوية الاجتهادية الخاصة بكل شيخ، إلا مع التنبيه إلى الطريق المحمدي الجامع الشامل، حتى تسقط الحواجز الوهمية التي صارت حجبا في زماننا، تمنع من إدراك صحيح للدين.
لذلك ولغيره، نرى أنه من الواجب في زمن العولمة المبشرة بجمع شمل الأمة الكلام عن التصوف بالمعنى المرادف لتحقيق الإسلام، بشموليته واستيعابه كل مذاهب المسلمين.
ونأمل من الله عز وجل، أن يكون هذا الموقع من أسباب ذلك، راجين منه سبحانه وتعالى السداد والقبول، فإنه أهل كل جود وفضل.