اللهم صل على سيدنا محمد الكامل الأكمل، ومظهر الجمال الأجمل، المكمل لكل كامل على مدى الأزمان، والمتخلق على التمام بأخلاق الرحمن؛ القائل بلسان الشكر: أنا سيد وُلد آدم ولا فخر؛ وعلى آله الطاهرين بالتطهير الرباني، وصحابته المشرفين بالشهود العياني؛ وسلم من أثر شهود نفوسنا صلاتنا عليه تسليما. والحمد لله المنعم المفضل حمدا عميما.
![]() | ![]()
2024/01/06 القضية الفلسطينية: من المنظوريْن: الديني والعقلي (13) الفصل الثاني عشر: الفلسطينيون والعرب بعد أن أطللنا على إسرائيل، وعرفنا طريقة عيشها، ينبغي الآن أن نتوقف عند حال الفلسطينيين والعرب، لنتبيّن مقدار استطاعتهم لمواجهة الاستيطان الصهيوني المادي والمعنوي. وهذا، لأننا بتنا نجد أثر إسرائيل في جميع الجهات، وكأنها هي الدولة العملاقة، ذات المساحة الكبيرة والنظام المحكم؛ وأن العرب هم الدولة الصغيرة الطارئة على المنطقة!... ولنبدأ بالنظر إلى حال الفلسطينيّين الذين هم في مواجهة مباشرة لإسرائيل، قبل النظر في حال الدول العربية: 1.الثورة الفلسطينية الكبرى: وأدت وفاة الشيخ عز الدين القسام، على أيدي الشرطة البريطانية، إلى غضب الجماهير الفلسطينية على نطاق واسع؛ وقد رافقت الحشود الضخمة، جثمان القسام حتى قبره في حيفا. وبعد أشهر قليلة، في أبريل 1936م، دعت اللجنة القومية العربية إلى الإضراب العام الذي استمر حتى أكتوبر 1936م، ولازمته موجة من أعمال مقاومة المستعمر. وفي عام 1937م، اقترحت بريطانيا تشكيل لجنة سميت بلجنة "بيل" الملكية، هدفها تقسيم فلسطين إلى دولة يهودية (في جزء من الأراضي ذات الأغلبية العربية)، ودولة عربية على أن تُرفق بالأردن؛ فتم رفض الاقتراح من قبل العرب. ومنذ ذلك الحين، والوضع الفلسطيني غير مستقر، رغم قيام دولة إسرائيل فيما بعد، بقرار أحادي؛ وهو ما سيبقي الوضع وقتيا إلى الآن... وفي أعقاب اقتراح لجنة التقسيم، اندلعت المقاومة المسلحة على نطاق واسع. خلال الأشهر الثمانية عشر التالية، فَقَدَ البريطانيون السيطرة على القدس ونابلس والخليل. وقمعت القوات البريطانية (وبدعم من 6000 شرطي صهيوني) أعمال المجاهدين، وأوصى الضابط البريطاني "تشارلز أورد وينغيت" بدعم المناطق اليهودية لأسباب دينية. فنظمت فرق ليلية بريطانية خاصة، مؤلفة من جنود بريطانيين ومتطوعين صهاينة (مثل "إيغآل ألون") غارات على قرى عربية في الجليل الأدنى، وفي مرج ابن عامر. وأسفرت المقاومة عن استشهاد 5000 فلسطيني وجرح 10000، ومقتل 262 جندي بريطاني، وجرح 550، ومقتل 300 صهيوني... فشلت الثورة العربية في فلسطين الانتدابية، وأثرت عواقبها على نتيجة حرب فلسطين عام 1948م. وتسببت في قيام الانتداب البريطاني بتقديم دعم حاسم للميليشيات الصهيونية السابقة للدولة مثل "الهاغانا"، في حين أجبرت الثورة على فرار الزعيم العربي الفلسطيني الرئيس في تلك الفترة، المفتي الكبير في القدس: الحاج أمين الحسيني، إلى المنفى. 2. الهدنة الأولى: 11 يونيو – 8 يوليو 1948م: وأُعلن عن حظر على الأسلحة بنية ألا يحقق أي من الطرفين مكاسب من الهدنة؛ لكن لا أحد من الجانبين، احترم الهدنة؛ فكلاهما وجدا طرقا للالتفاف على القيود. واستغل كل من الإسرائيليين والعرب هذا الوقت لتحسين مواقفهم، في انتهاك مباشر لشروط وقف إطلاق النار. انتهك العرب الهدنة من خلال تعزيز خطوطهم بوحدات جديدة (بما في ذلك ست سرايا من النظاميين السودانيين، وكتيبة سعودية ووحدات من اليمن والمغرب)، ومَنْعِ الإمدادات من الوصول إلى المستوطنات الإسرائيلية المعزولة؛ وفي بعض الأحيان، كانوا يفتحون النار على طول الخطوط. وانتهكت قوات الدفاع الإسرائيلية الهدنة من خلال الحصول على أسلحة من تشيكوسلوفاكيا، وتحسينِ تدريب قواتها، وإعادةِ تنظيم الجيش. وقال "إسحاق رابين"، قائد الجيش الإسرائيلي، الذي أصبح فيما بعد خامس رئيس وزراء لإسرائيل: "مع سحب الأسلحة من تشيكوسلوفاكيا... من المشكوك فيه جدا، ما إذا كنا سنتمكن من شن الحرب". بالإضافة إلى انتهاك حظر الأسلحة والأفراد، أرسل الجانبان وحدات جديدة إلى الجبهة. فزاد الجيش الإسرائيلي قوته البشرية من حوالي 30000 أو 35000 رجل، إلى ما يقرب من 65000، خلال الهدنة. وزادت إمدادات تلك القوات بالأسلحة إلى "أكثر من خمسة وعشرين ألف بندقية، وخمسة آلاف مدفع رشاش، وأكثر من خمسين مليون رصاصة...". ومع بدء الهدنة، قال ضابط بريطاني متمركز في حيفا: إن الهدنة التي تستمر أربعة أسابيع "سيستغلها اليهود بالتأكيد، لمواصلة التدريب العسكري، وإعادة التنظيم؛ بينما يضيعها العرب في التناحر على تقسيم الغنائم في المستقبل". وهذا يجعلنا من الآن نتساءل عن الفروق في الشخصية، بين العرب واليهود؛ وسنعود إلى هذه المسألة كلما دعت الضرورة إليها. وذلك لأن الشخصية بالنظر إلى العربي وإلى اليهودي، سيكون لها مَدخل كبير في المعارك وفي الصراع برمته. وفي 7 يوليو، وقبل يوم من انتهاء الهدنة، جددت القوات المصرية بقيادة اللواء محمد نجيب، الحرب بمهاجمة "نيغبا". 3. محطات للمقاومة من: 1948 إلى: 1965م: 4. المقاومة عبر الحدود: وبدأت منظمة التحرير الفلسطينية من عام 1968م فصاعدا، إجراء مداهمات من لبنان إلى داخل إسرائيل؛ وبدأت إسرائيل غارات انتقامية ضد لبنان، لتشجيع الشعب اللبناني نفسه على رفض الفدائيين. وبعدما هوجمت طائرة إسرائيلية من قبل مسلحين فلسطينيين في مطار "أثينا"، قصفت إسرائيل مطار بيروت الدولي للانتقام، ودمرت 13 طائرة مدنية. وبعد أن فقد الأردن السيطرة على الضفة الغربية لصالح إسرائيل عام 1967م، نقل الفدائيون الفلسطينيون قواعدهم إلى الأردن، وصعّدوا من هجماتهم على إسرائيل والأراضي المحتلة. وقد تطور على إثر ذلك، رد انتقامي إسرائيلي على معسكرٍ لمنظمة التحرير في الكرامة، وهي بلدة أردنية على طول الحدود مع الضفة الغربية، إلى معركة واسعة النطاق. وأدى الانتصار الفلسطيني الأردني المشترك في معركة الكرامة في عام 1968م، إلى زيادة الدعم العربي للمقاتلين الفلسطينيين في الأردن. ونمت تبعا لذلك قوة منظمة التحرير في الأردن، وبحلول عام 1970م، بدأت علنا المطالبة بالإطاحة بالملكية الهاشمية. وقد كان هذا سوء تدبير من قِبل الفلسطينيين، قابلوا به احتضان الأردن لهم وإحسانه، بالسوء. ونشبت معارك بين الفلسطينيين والأردنيين على الخصوص فيما بين 16 و27 سبتمبر 1970م، سميت في التاريخ العربي بـ "أيلول الأسود". وبعد إخماد ذلك التمرد، خرجت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وقواتها من الأردن إلى سوريا، وأخيرا إلى لبنان، حيث زادت من المقاومة العابرة للحدود. ولم يتمكن المواطنون اللبنانيون العزل، من طرد المسلحين الأجانب، في الوقت الذي كان فيه الجيش اللبناني ضعيفا جدا كالعادة، عسكريا وسياسيا. وخضعت مخيمات اللاجئين الفلسطينيين للسيطرة الفلسطينية بعد سلسلة من الاشتباكات في عامي 1968 و1969م، بين الجيش اللبناني وقوات الميليشيات الفلسطينية الصاعدة. وفي عام 1969م كفل اتفاق القاهرة حق اللاجئين في العمل لتشكيل لجان حكم ذاتي، والانخراط في الكفاح المسلح. وتولت حركة المقاومة الفلسطينية، الإدارة اليومية لمخيمات اللاجئين، وتوفير الأمن، وكذلك الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية. وهو ما سيهز الاستقرار اللبناني، من ذلك الحين وإلى الآن... جندت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية أعضاء جددا، من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بالتزامن مع نقل مقراتها إلى بيروت. وكان جنوب لبنان يلقب بـ "أرض فتح" باعتبار هيمنة حركة "فتح"، التي ينتمي إليها "ياسر عرفات". ومع عمل جيشها الخاص بحُرية في لبنان، تمكنت منظمة التحرير الفلسطينية من إنشاء دولة داخل الدولة؛ وعاش أكثر من 300,000 مشرد فلسطيني في لبنان بحلول عام 1975م، بالإضافة إلى استخدامه قاعدةَ عملياتٍ، لشن هجمات على إسرائيل، وضد مصالح إسرائيلية في جميع أنحاء العالم. فبدأت منظمة التحرير الفلسطينية، والمنظمات الفلسطينية المسلحة الأخرى، سلسلة من عمليات خطف الطائرات، والتي تستهدف رحلات جوية إسرائيلية ودولية، على متنها إسرائيليون ويهود. ولقد كان التأثير الأكبر على لبنان، هو زعزعة الاستقرار وزيادة الصراع الطائفي، الذي نتج عنه تدهور الأوضاع في نهاية المطاف، والدخول في حرب أهلية شاملة... وقد أقدم أحد عشر مسلحا، من منظمة التحرير الفلسطينية، يوم 11 مارس 1978م على إنزال بحري في حيفا، حيث اختطفوا حافلة بكامل ركابها؛ وهو ما أسفر عن مقتل من كانوا على متنها فيما يعرف باسم "مذبحة الطريق الساحلي". وبحلول نهاية اليوم، قُتل تسعة فدائيين و37 مدنيا إسرائيليا. وردّا على ذلك كعادتها، شنت إسرائيل بجيش من 25,000 جندي، عملية "الليطاني"، التي كان اسمها بالعبرية "أفي هحوخماه" (أي: رب الحكمة)؛ وذلك في: 14 مارس 1978م، بهدف احتلال جنوب لبنان، باستثناء مدينة صور. وكانت الغاية هي دفع منظمة التحرير الفلسطينية بعيدا عن الحدود، ودعم جيش لبنان الجنوبي المتحالف مع إسرائيل بزعامة "سعد حداد". وفي 22 أبريل عام 1979م، هبط "سمير القنطار" وثلاثة أعضاء آخرين من جبهة التحرير الفلسطينية، وهو فصيل تابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، في "نهاريا"، قادمين من صور عن طريق القوارب؛ وبعد قتل ضابط شرطة، كان قد اكتشف وجودهم، أخذوا أبا وابنته رهينتيْن في مبنى سكني. وبعد فرارهم من الشرطة مع الرهائن، عادوا إلى الشاطئ، ووقع تبادل لإطلاق نار، أدى إلى مقتل شرطي واثنين من المسلحين. وقتل "القنطار" الرهينتيْن، قبل أن يتم القبض عليه مع المتسلل الآخر. وفي أبريل عام 1981م، تدخلت الولايات المتحدة للتوسط من أجل وقف إطلاق النار في جنوب لبنان، بين إسرائيل، وسوريا، ومنظمة التحرير الفلسطينية.... 5. انتقال منظمة التحرير إلى تونس: 6. الانتفاضة الأولى: 7. الانتفاضة الثانية: 8. أبرز المنظمات الفلسطينية المسلحة: ومن المنظمات الفلسطينية المقاوِمة المسلحة اليوم: كتائب الشهيد عز الدين القسام، وسرايا القدس، وألوية الناصر صلاح الدين، وكتائب أبي علي مصطفى، وكتائب المقاومة الوطنية، وكتائب شهداء الأقصى التي توقفت رسمياً عام 2007م في الضفة. 9. أشهَر العمليات:
وهذه ليست إلا عينة فحسب، مما قام به الفلسطينيون من عمليات ضد إسرائيل، أردنا التدليل بها على المناخ السائد في المنطقة، ولم نرد إحصاء كل ما وقع إحصاء دقيقا... 10. أزمة الهوية العربية: وهذا التردد في النظر إلى الأمور، قد أصاب شخصية الفرد العربي بالاهتزاز، الذي يعجز معه أن يكون هو نفسه، فضلا عن أن يتمكن من مواجهة المحتل، الذي قد تعددت صوره وانتماءاته. والفلسطيني من كونه عربيا من جهة، وفي الخط الأول من المواجهة، ليس استثناء؛ بل هو أول معبِّر عن تمزق الهوية. وإن نشأة المقاومة بالصفة القومية، لم تكن إلا تعبيرا عن أزمة الهوية منذ البداية؛ لأن الدفاع عن بيت المقدس، لا يكون بالاستناد إلى القومية أبدا. وهذا هو ما جعل المقاومة تفشل فيما نذرت نفسها له، ولم تبلغ في نضالها: لا مكانة "هوشي منه"، ولا "تشي غيفارا"؛ بل على العكس من ذلك أنتجت قيادات مرتشية ومتعاونة مع الاحتلال. تغتني، في الوقت الذي يزداد من يُفترض أن يكونوا من شعبها فقرا. وهذا الوضع قد أصبح جل سكان العالم يشمئز منه. وحتى عندما ظهرت ما تُسمّى "المقاومة الإسلامية"، فإنها أعادت إنتاج إخفاق الإسلاميّين في البلدان العربية؛ بداية مما وقع في مصر، عند العمل وفق التنظيمات الماسونية، تحت الشعارات الإسلامية الجوفاء، وانتهاء إلى ما فعلته حماس يوم السابع من أكتوبر 2023م، مما يُشبه عمل المنظمات الإرهابية([1])، التي لا يكون المعيار لديها، إلا مقدار الألم الذي يُصاب به الطرف الآخر. وكأن إيلام العدو هو الغاية عند المسلمين!... نعم، نحن لا ننكر أن المعارك والحروب تقوم على ذلك المبدأ في شطرها؛ ولكن الأمر لا يتوقف عند ذلك. يقول الله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا۟ فِی ٱبۡتِغَاۤءِ ٱلۡقَوۡمِۖ إِن تَكُونُوا۟ تَأۡلَمُونَ فَإِنَّهُمۡ یَأۡلَمُونَ كَمَا تَأۡلَمُونَۖ وَتَرۡجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا یَرۡجُونَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِیمًا حَكِیمًا} [النساء: 104]؛ فإن كان اشتراكنا مع العدو في جانب الألم على تفاوت، فإنه يجدر بنا أن نتنبه إلى جانب رجاء الله ما لا يرجون؛ وإلا فلا فرق!... ومعنى تعلم أن نرجو منه سبحانه ما لا يرجو العدو، هو: 11. هل الصراع العربي الإسرائيلي حضاري؟ فإذا تقرر ما سبق، فإننا نعود إلى الصراع العربي الإسرائيلي، الذي هو صراع بين اليهودية-النصرانية، والإسلام. وبما أن ما يستند إليه اليهود والنصارى من دين، قد مرّ زمانه، فإنه كان ينبغي أن يكون المسلمون على إسلام فحسب، حتى ينتصروا. وإن عدم انتصارهم إلى الآن، لا يدل إلا على أن إسلامهم غير سليم؛ وهو ما نكرره منذ مدة، وندل على أن انحرافه قد بدأ مع معاوية، وقد رسّخه الفقهاء عبر القرون. بل إن إسرائيل نفسها، ليس ظهورها وسط الأمة، إلا كظهور أعراض المرض على الجسم المريض. والمريض، ليس إسرائيل؛ وإنما هم المسلمون؛ علموا أم لم يعلموا!... نعم، نحن نعلم أن جل المسلمين يأبون الإنصات إلينا؛ ويفضلون اتباع الفقهاء في تنظيراتهم الجوفاء الخرقاء؛ وكأن القوم يريدون معاندة سنة الله في أمر الصراع الحضاري. وقد جربوا ذلك مدة، وأعادوه الكرة بعد الأخرى، ولكن إلى متى؟!... وعلى هذا، فإن مواجهة العرب لإسرائيل الآن، هي مواجهة باطل لباطل؛ لا مواجهة حق لباطل. وإن أطول الحروب، هي التي تكون بين باطليْن؛ ولن ينتهي هذا الصنف من الحروب، إلا إن أذن الله لأحد الطرفيْن بأن يظهر عنده الحق البيّن. فوقتذاك تُحسم المعركة في أقل مدة!... وما يشهد لكون الصراع العربي الإسرائيلي صراع بين باطلين، هو تكرار الكرّ والفرّ، وتبادل الانتصارات الجزئية والانهزامات، طوال الوقت. ولقد سمعت وأنا طفل من أحد المثقفين الجزائريّين، عبر إذاعة الجزائر الوطنية (لا أذكر الآن اسمه)، أنه حضر مؤتمرا (لا أذكر موضوعه)، وفي اللقاءات الجانبية، التقى بمفكر إسرائيلي، دخل معه في حوار حضاري صريح. قال المفكر الجزائري: لا بد في النهاية أن نهزمكم!... فأجاب المفكر الإسرائيلي: نحن نعلم ذلك، ولكن أولئك الذين سيهزموننا، ليسوا أنتم!... فتعجبت من هذا الحوار الراقي، الذي لا مكابرة فيه؛ ولكن أيضا لا مداهنة ولا مجاملة!... ولم أعجب لعلوقه بذاكرتي، وأنا بعدُ لا أميّز ما حولي... 12. البداية الصحيحة للمسلمين: 13. الغاية الكبرى: وعلى كل حال، فإن غاية المسلم لا تكون هزيمة إسرائيل، أو أي أحد من المخلوقين؛ بل الغاية بلوغ رضى الله بأي أمر كان. ويخاف المرء على نفسه، أن يكون معدودا من أبطال الأمة، فإذا قدم على الله لم ينظر إليه!... إن دينا لا يُعامل به الله، ولا تُطلب به مرضاته، لا يكون دينا إلا مجازا؛ فهل يثوب المسلمون إلى رشدهم؟... وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، عن أول ما يُسأل العبد عنه: وحتى لا يتوقّف ضعفاء الإيمان في مسألة القبر، فليعلموا أن المقصود منه عالم البرزخ الذي هو وسط بين الدنيا والآخرة. وفي هذا العالم، يبدأ العبد بمطالعة نتائج أعماله الدنيوية، بطريقة أولية تسبق النتائج النهائية التي تكون في الآخرة. ومن كان من الماديّين، يرى ذلك بعيدا، فليعلم أن كل عالم، يُصبح في حق النازل فيه واقعا ملموسا. ونقصد أن عالم الدنيا نفسه، سيكون في نظر أهل البرزخ عالما ملتحقا بالخيال؛ لأن واقعهم هو البرزخ. وكأن الأمر مقلوب لديهم، عما يكون عليه أهل الدنيا. ومن لم يُدرك الأمور هكذا، فما أدركها!...
[1] . نحن لا نتبنى التعريف الإعلامي للإرهاب، ولكننا نجد ما فعلته "حماس" قريبا من ذلك المعنى... |
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وكل عبد من الصالحين.
إن الكلام في التصوف قد تشعب حتى كاد يخرج عن الضبط في نظر الناظرين. وإن تحديد موقع التصوف من الدين، كان ولا زال موضع خلاف بين المسلمين. والميل إلى طرف دون آخر متأرجح بحسب خصوصية كل مرحلة من مراحل عمر الأمة الإسلامية. لكننا نرى أنه حان الوقت، وبعد أن أصاب الأمة ما أصاب، أن نقول: إن التصوف إسلام. ونعني أنه تحقيق للإسلام!
قد يرى البعض أن هذا تعسف باعتبار أن الكلمة مبهمة وغير ذات أصل شرعي؛ أو هي دخيلة إن اعتبرنا نسبتها إلى الأديان الكـتابية والوثنية على السواء...
وقد يرى البعض الآخر في ذلك مبالغة وتضخيما، إذا رجع إلى مدلول الكلمة وإلى تجليات التصوف المنصبغة بصبغة كل زمن زمن...
وقد يقول قائل: كان في إمكانكم تجاوز لفظ " التصوف " تسهيلا للتواصل والتلاقي، إن كان المراد مجرد عرض للإسلام أو إعادة تناول لمختلف جوانبه...
لكن، نقول: حفاظا على الأدب مع قوم بذلوا في الله مهجهم، سبقونا، ورجاء في اللحوق بهم، نحافظ على اللفظ؛ ومن أجل التنبيه إلى منهج التصوف في التربية، التي ليست إلا التزكية الشرعية، نقول: إن التصوف..إسلام!
لم ينفع بعضَ المسلمين مجرد انتساب للإسلام واعتبار لظاهره على حساب الباطن. ولم يجد إنكار بعض الفقهاء له وقد كذبتهم الأيام. وهاهي الأمة تكاد تنسلخ عن الدين في عمومها..
وها هي الأزمة نعيشها في تديننا، لا يتمكن أحد من إنكارها.. وها هي تداعيات الأزمة تكتنفنا من كل جانب..
ومن جهة أخرى ، لم يعد يجدي من ينتسب إلى التصوف الانزواء الذي كان مباحا أو مستحبا في عهود مضت، وواجب الوقت بلا شك، هو إقامة الدين ظاهرا إلى باطن، بعد أن ولى زمن حماة الشريعة من الفقهاء الورعين أصحاب النور، المجتهدين المجددين .
ولم يعد يكفي الكلام عن الطريقة التربوية الاجتهادية الخاصة بكل شيخ، إلا مع التنبيه إلى الطريق المحمدي الجامع الشامل، حتى تسقط الحواجز الوهمية التي صارت حجبا في زماننا، تمنع من إدراك صحيح للدين.
لذلك ولغيره، نرى أنه من الواجب في زمن العولمة المبشرة بجمع شمل الأمة الكلام عن التصوف بالمعنى المرادف لتحقيق الإسلام، بشموليته واستيعابه كل مذاهب المسلمين.
ونأمل من الله عز وجل، أن يكون هذا الموقع من أسباب ذلك، راجين منه سبحانه وتعالى السداد والقبول، فإنه أهل كل جود وفضل.