اللهم صل على سيدنا محمد الكامل الأكمل، ومظهر الجمال الأجمل، المكمل لكل كامل على مدى الأزمان، والمتخلق على التمام بأخلاق الرحمن؛ القائل بلسان الشكر: أنا سيد وُلد آدم ولا فخر؛ وعلى آله الطاهرين بالتطهير الرباني، وصحابته المشرفين بالشهود العياني؛ وسلم من أثر شهود نفوسنا صلاتنا عليه تسليما. والحمد لله المنعم المفضل حمدا عميما.
![]() | ![]()
2023/12/18 القضية الفلسطينية: من المنظوريْن: الديني والعقلي (12).1. الفصل الحادي عشر: دولة إسرائيل من الداخل-1- قبل أن نُطلّ على دولة إسرائيل من الداخل، نرى أنه من الناحية المعرفية الصرف، ينبغي أن نبيّن للقارئ، أن قيام إسرائيل كان بإرادة من الله تعالى؛ وهذا، لأنه لا يقع شيء في العالم ما فوق الذّري، أو ما تحت الذّري، إلا ما يريده الله. يقول سبحانه: {وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلۡغَیۡبِ لَا یَعۡلَمُهَاۤ إِلَّا هُوَۚ وَیَعۡلَمُ مَا فِی ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۚ وَمَا تَسۡقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا یَعۡلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِی ظُلُمَـٰتِ ٱلۡأَرۡضِ وَلَا رَطۡبٍ وَلَا یَابِسٍ إِلَّا فِی كِتَـٰبٍ مُّبِینٍ} [الأنعام: 59]. ومعنى كون ذلك كله في كتاب مبين، هو أنه معلوم لله قبل خلقه؛ وما كان موافقا لعلم الله عند خلقه، فهو يعني أنه لا يقع إلا بإرادة منه سبحانه. وهكذا تكون الإرادة تابعة للعلم في المرتبة، وهو ما أبرزناه في كتبنا المعرفية. ويقول الله تعالى عن الإرادة: {إِنَّمَاۤ أَمۡرُهُۥۤ إِذَاۤ أَرَادَ شَیۡـًٔا أَن یَقُولَ لَهُۥ كُن فَیَكُونُ} [يس: 82]؛ وهو ما يجعل قيام دولة إسرائيل -كسائر ما يقع في العالم- مقصودا لله تعالى. غير أنه ينبغي علينا التنبيه إلى أن مرادات الله المخلوقة، قد لا تكون مأمورا بها بالضرورة، ولا مقبولة. وهذا يعني أن الحكم على الأشياء من حيث هي صالحة أو غير صالحة، نافعة أو ضارة، يعود إلى الشريعة التي هي الميزان الذي توزن به جميع الأمور. ونحن نقول هذا، لأن عموم الناس، وكثيرا من المسلمين، يعتقدون خطأ أن الله إذا أراد شيئا فمعنى ذلك أنه يقبله. وهذا الخلط، دخل من المعنى العام في اللغة للإرادة، والذي يُعطي أن من أراد شيئا فهو يُحبّه، وما كان محبوبا، فهو بالضرورة مقبول؛ وهو ما لا يصح في حق الله تعالى!... والعرب المسلمون الذين يرفضون إسرائيل، قد اختلط عليهم الحكم الشرعي، بالحكم الأصلي للمسألة؛ وهم بهذا (وعلى رأسهم علماؤهم)، يقعون في الشرك من دون أن يعلموا، لأنه ينجرّ عن قولهم الرافض، أن قيام إسرائيل كان بغير إرادة من الله، وهو محال!... فإذا كانت إسرائيل وقيامها، فعلا إلهيا، فعلى الناس أن يتعلّموا كيفية معاملته؛ وفعل الله حيث كان لا يُقابل من المؤمنين إلا بالتسليم. والتسليم، هو عدم الاعتراض بالباطن؛ أي على الفعل الإلهي، بغض النظر عن موافقته للشرع ولأهواء الناس، أو مخالفته. يقول الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا یُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ یُحَكِّمُوكَ فِیمَا شَجَرَ بَیۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا یَجِدُوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ حَرَجًا مِّمَّا قَضَیۡتَ وَیُسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمًا} [النساء: 65]. ونحن ذكرنا هذه الآية التي يدل ظاهرها على معاملة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الظاهرة، ولكن من جهة الغيب أيضا فالنبي واسطة في الإرادة بين الله والغوث الذي يكون في الزمان، لأنه لا يصدر عن الغوث من تصرّفات، إلا ما جاءه بواسطة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الله. وبحسب ما نرى، وبعد غفلة القرون، فإن أكثر المسلمين يعترضون على الله، وإن كانوا لا يعلمون. فهم -مثلا- يكرهون إسرائيل، ويرجون ألا توجد؛ وهذا دليل صريح على الآفة المذكورة. ونحن عندما دللنا على التسليم لله، والذي محلّه الباطن، فإننا لا نُسقط العمل بالشريعة، والذي يقتضي من أهل الشام خصوصا، العمل على مواجهة الاحتلال الصهيوني بما استطاعوا، ومن دون معصية كقتل الأطفال والشيوخ والنساء اللائي لا يحملن السلاح... ومن لم يجعل ظاهره منوطا بظاهر الشريعة، وباطنه منوطا بباطنها، فإنه لا ينبغي له ادعاء العلم بها، ولا الخوض في مسائلها؛ لأنه حينئذ سيكون ضرره أكبر من نفعه. ونحن نرى فقهاء العصر في غالبيتهم، لا يعلمون من الشريعة إلا ظاهر ظاهرها فحسب!... والآن، لنطل إطلالة على دولة إسرائيل الغاصبة: 1. حرب 1948م: وقد خاضت خمس دول عربية، بالإضافة إلى السكان العرب لفلسطين، الحرب ضد الدولة الناشئة؛ لكن العرب الفلسطينيين استُغفلوا من قِبل الخونة المتآمرين، من بعض اليهود والنصارى والمسلمين، الذين عملوا على نزع السلاح البسيط الذي كان متوافرا لأهل القرى والبلدات، ليسقطوهم لقمة سائغة في أيدي العصابات والميليشيات الصهيونية المسلّحة تسليحا جيدا، بحسب ذلك الزمان. فكانت محصّلة الحرب، أن توسعت إسرائيل على 75% تقريبا، من أراضي الانتداب سابقا. وبقي حوالي 156،000 من العرب داخل إسرائيل (حسب الإحصاء الإسرائيلي الرسمي في 1952م)، وتشرّد ما يقارب 900،000 (حسب تقديرات منظمة التحرير الفلسطينية)، إمّا في مخيمات في الأردن ومصر، اللتيْن ضمّتا الضفة الغربية وقطاع غزة، بعد استيلاء اليهود على غالبية فلسطين؛ وإما تشردوا في لبنان وغيرها من البلدان العربية بعد أن طردهم اليهود من بيوتهم. وفي الوقت نفسه، تشرّد اليهود من أوروبا جرّاء الحرب العالمية الثانية، ومن إيران، فأصبحت الدولة اليهودية الحديثة مكانا مرغوبا لديهم من أجل الإقامة؛ ثم ازدادت الهجرات اليهودية إلى إسرائيل، شيئا فشيئا، وهو ما سبب زيادة في عدد السكان اليهود بشكل ملحوظ. وقد كانت إسرائيل تمثل الجهة الثانية لهجرة الجماعات اليهودية، بعد الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت -من غير شك- أكثر أمانا... ازدادت هجرات أعضاء الجماعات اليهودية فيما بعدُ، وخصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك جمهورياته. وإسرائيل، شأنها شأن أي بلد آخر، تحتوي على مجموعات عرقية مختلفة؛ والأقلية من هذه العرقيات، قد لا تشعر بأنها تنتمي انتماءً كلياً إلى الدولة، بالرغم من حصول أفرادها على حق المـُواطَنة في إسرائيل. ومن أشهر هذه العرقيات، الإسرائيليون من أصل عربي، والذين رُحّلوا من مختلف البلدان العربية بضغوط من الوكالة اليهودية، وخذلان من قِبل الأنظمة المحليّة. وما يزال اليهود العرب، يشعرون في إسرائيل بالغربة، لأنهم عوملوا هناك بوصفهم مواطنين من الدرجة الثانية أو أقل؛ وهم مَن كانوا يعيشون في بلدانهم الأصلية بكرامة وفي هناء؛ إذا استثنينا الحوادث التي اختُلقت اختلاقا هناك، بقصد دفعهم إلى الهجرة نحو إسرائيل. وقد ساهمت الدول المحتلة لبعض الدول العربية آنذاك، من مثل فرنسا التي كانت محتلة لدول شمال إفريقيا، في تهييء مناخ الرعب برعايتها، حتى يقتنع اليهود بالهجرة. ونحن دائما كنّا نقول: إن اليهود هُجّروا من البلدان العربية بتواطؤ بين الدول المستعمرة، والوكالة اليهودية، والموساد، وبعض الأنظمة العربية؛ لأن إسرائيل لم تقم إلا بقرار دولي، تخضع له الدول العربية، في أسوأ وأوسع عملية تهجير في التاريخ المعاصر. ولقد عانت الأقليات اليهودية من أصل عربي الويلات، بمجرد وصولها إلى أرض فلسطين؛ فقد تعرّضت بعض الأقليات لسرقات أطفالها من المخيمات والمستشفيات، وبيعهم للعائلات الميسورة من اليهود الأشكيناز (الطبقة المميّزة). وما زالت مشكلة عدم ذوبان الأقليات، وعلى رأسهم الأقلية ذات الأصول العربية، إحدى أكبر المشاكل التي تواجه إسرائيل، إلى الآن. وليس القضاء عليها أمرا هيّنا، خصوصا بعد ترسّخ الفوارق لعقود طويلة... 2. ما بعد حرب 1967م: وفي عام 1973م تعرضت إسرائيل لهجوم مفاجئ، فيما عرف بحرب يوم الغفران من القوات المصرية والسورية، ومن بعض الفيالق العربية؛ ومن نتائج هذه الحرب، كان توقيع العديد من الاتفاقيات التي نصت على اتّخاذ مناطق لا تسمح لأي قوة بدخولها، ومناطق أخرى تتواجد فيها القوات بأعداد محدودة. وتم التوقيع على اتفاقية فك الاشتباك في 31 مايو 1974م، حيث وافقت إسرائيل على إعادة مدينة القنيطرة لسوريا، وضفة قناة السويس الشرقية لمصر، مقابل إبعاد القوات المصرية والسورية من خطّيْ الهدنة، واستجلاب قوة خاصة من الأمم المتحدة لمراقبة تحقيق الاتفاقية. وتم استبدال الاتفاقية مع مصر، بعد مفاوضات طويلة، بدأت بزيارة الرئيس المصري أنور السادات عام 1977م، وانتهت بتوقيع معاهدة "السلام" الإسرائيلية المصرية عام 1979م؛ وهي أول معاهدة لإسرائيل، مع دولة عربية، تم بموجبها انسحاب إسرائيل من شبه جزيرة سيناء، مع اشتراط بقائها منطقة منزوعة السلاح، مقابل اعتراف مصر الكامل بإسرائيل، وفتح سفارتيْن للتبادل الديبلوماسي، وإقامة علاقات تجارية وسياحية كاملة، بين البلدين. وهذا، رغم أن الشعب المصري في مجمله، بقي رافضا لإسرائيل ولمبادلتها المعاملة... وفي عام 1981م، قرر الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي، ضم هضبة الجولان إلى إسرائيل بشكل أحادي الجانب؛ وأبقت إسرائيل على وجودها في جزء من الضفة الغربية، بينما انسحبت من سيناء في 1982م، وفقا للمعاهدة السلمية مع مصر، ومن قطاع غزة بشكل أحادي الجانب في 2005م (مسلمة إياها إلى السلطة الفلسطينية، وموكلة ضبط الحدود الموازية لمصر، إلى السلطات المصرية). 3.غياب الدستور: 4. المؤسسات الحكومية: ويحق لجميع المواطنين الذين بلغ عمرهم 18 عاما أو أكثر، والذين يقيمون داخل حدود إسرائيل لعام 1948م، والجولان، والمقيمين في المستوطنات في الضفة الغربية، التصويت للكنيست؛ بينما لا يحق التصويت في الكنيست، لسكان الضفة الغربية (ولا سكان قطاع غزة قبل الانفصال)؛ وذلك منذ احتلالها عام 1967م حتى اليوم. وبعد الانتخابات العامة، ينتخب أعضاء الكنيست الجديد رئيسا لحكومة جديدة من بين الأعضاء، ويمنحونه فترة معيّنة لتكوين حكومته، ثم يقرّون التشكيلة التي يقترحها الرئيس المنتخب، لتصبح مؤهلة للقيام بعملها. وتصنف بعض الجهات إسرائيل، على أنها في مقدمة الأنظمة الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط؛ لكن هذه الديمقراطية تضررت صورتها كثيرا، عند إعلان منظمات غير حكومية، إسرائيلَ دولة عنصرية، بسبب ارتكابها جرائم إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني. ولقد كانت الإبادة الأخيرة بعد عملية حماس في السابع من أكتوبر 2023م، من أفظع ما قامت إسرائيل به في تاريخها. وعلى كل حال، فإن نحن اعتبرنا ديمقراطية إسرائيل، فعلينا أن نعتبرها داخل المجتمع اليهودي وحده، وبصور متفاوتة، ما دام الامتياز الطبقي بين السيفارديم والأشكيناز قائما، ومعمولا به منذ النشأة. ولكن تبقى إسرائيل في مجال الديمقراطية، حجة على كل الدول العربية، التي مع كون شعوبها متجانسة، لم تتمكن من اعتبار آرائها، فيما هو من الشؤون المصيرية. وما تزال الدول العربية، وهي التي لديها في التشريع الإسلامي ما يجعلها متقدمة على كل دول العالم، في مجال الحكم، متخلفة تعامل شعوبها معاملة الاحتلال الذي عرفته تلك الشعوب قبل إعلان استقلالها. وباعتبار هذا الوجه وحده، لن تتمكن الدول العربية من الانتصار على إسرائيل، مهما فعلت. وهذا أمر لا يعيه جل الحكام العرب، وهم الذين لا يتمكنون إلا من حل المعادلات من الدرجة الأولى... 5. العلاقات الخارجية: وفي منتصف القرن العشرين، نفذت إسرائيل برامج واسعة النطاق للمعونة الأجنبية، وللتعليم في أفريقيا؛ وأوفدت خبراء في الزراعة، وإدارة المياه، والرعاية الصحية؛ لتبلغ من وراء ذلك إقامة علاقات دبلوماسية متعددة ومتنوعة... وتعدّ العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والدول العربية، مسألة حساسة بالنظر إلى الرأي العام من الطرفين في الوقت الحاضر. وإن ما يناهز ثلاثين دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، لا تعترف بدولة إسرائيل؛ أو لا تقيم معها علاقات دبلوماسية كاملة أو جزئية: خمس عشرة من أعضاء الأمم المتحدة الـعشرين منها، في جامعة الدول العربية، والتي هي: الجزائر، وجزر القمر، وجيبوتي، والعراق، والكويت، ولبنان، وليبيا، وموريتانيا، وعُمان، وقطر([1])، والسعودية، والصومال وسوريا، وتونس، واليمن؛ ويُستثنى من ذلك مصر، والأردن، والإمارات، والبحرين، والمغرب([2])، والسودان. وأما من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي الرافضة لإسرائيل، فتوجد عشر دول غير معترفة بدولة الاحتلال، وهي: أفغانستان، وإندونيسيا، وإيران، وباكستان، وبنغلاديش، وبروناي، وتشاد، ومالي، وماليزيا، والنيجر؛ وتبقى على الرفض من خارج الدول الإسلامية: بوتان، وكوبا، وكوريا الشمالية. وسنعود بقليل من التفصيل إلى العلاقات العربية الإسرائيلية، في السطور اللاحقة بإذن الله... لم يكن اعتراف الدول العربية بـ "دولة" إسرائيل أمراً مفروغا منه في الظاهر، وإن بقي الجانب الخفي من سياسات بعض الأنظمة العربية، والذي يُتوقّع أن يكون دعما متجاوِزا لكل اعتراف، بعيدا عن الأنظار، في انتظار تقبّل الشعوب للأمر الواقع، بعد عقود من الترويض وغسل الدماغ؛ وعبر مسار سياسيّ، يُنجز على مراحل. وقد ساهمت الحروب العربية الإسرائيلية، ذات الإخراج بالغ السوء، في إعداد الشعوب العربية للاعتراف، خصوصا بعد إشاعة مقولة "الجيش الذي لا يُقهر"؛ مع أن كل جيش في العالم، ومهما بلغ من جهة العدد والعُدّة، هو قابل للهزيمة في أي وقت. ولكن الأنظمة العربية التي ابتعدت بنسب متفاوتة، عن الدين، قد وقعت هي وشعوبها فريسة للتوهّمات الناتجة عن الانصياع لمنطق البروباغاندات المختلفة. ولقد كان اعتراف مصر بدولة إسرائيل، وهي كبرى الدول العربية، بداية إعلان تغيّر مواقف الدول العربية الواحدة بعد الأخرى. ولقد كانت تلك الزيارة معاكسة للرغبة الشعبية المصرية، وممعنة في العمل بمنطق القُطريّة مقطوع الجذور في العقل العربي الجمعي. وكانت النتيجة الحتمية لذلك، اغتيال أنور السادات عام 1981م. وهو ما سيُبقي العلاقات المصرية الإسرائيلية في الثلاجة، مدة من الزمن... وفيما بعد، أصبح الاعتراف رسميا بـدولة إسرائيل، من قبل الدول العربية التالية: مصر، الأردن، الإمارات العربية المتحدة، البحرين، السودان، المغرب؛ بينما بقي الاعتراف شبه رسمي من قبل تونس، التي تعترف بجوازات السفر الإسرائيلية، والتي لها صلات بها في مجالي التجارة والسياحة، اعتبارا للجالية اليهودية التونسية في إسرائيل وأوروبا وأمريكا، والتي لا يُستهان بأعدادها... وأما دول عربية تعدّها إسرائيل دولا معادية، فيتوجّب الحذر من وضعها؛ وفي مقدمتها قطر، التي كانت تعترف بإسرائيل بين 1996-2009م، ثم انتهى الاعتراف إبان الحرب على قطاع غزة -في عام 2014م- بحسب ما يُعلن. لكن رغم هذا، فإن صلة قطر إلى الآن بإسرائيل مشبوهة وملتبسة؛ تدخل ضمن مواقف معقّدة، تجمع ما بين احتضان الجماعات الإخوانية في العالم، وخدمة الاستراتيجيا الأمريكية بإخلاص؛ وهو ما لا يجتمع من حيث المبدأ، ولكن يبقى مقبولا جدا بحسب منطق السياسات الخفية التي لا تُذكر إلا في الاتفاقيات السرية بين البلدان. ولقد كان وقوف قطر وقوفا مباشرا، خلف أحداث ما سُمي "الربيع العربي" (أواخر 2010 وأوائل 2011م)، الذي أسفر عن انهيار عدة بلدان عربية، ودخولها في وضع "الفشل" بالمعنى السياسي القانوني؛ فعلا يبعث على الاحتياط والحذر، خصوصا عند دخول "الناتو" في عملية الإجهاز على القذافي ونظامه. فدولة قطر، ستبقى دولة محسوبة على النظام العالمي، وبعيدة عن الخط السياسي الإسلامي الحق؛ وستبقى إعاناتها المالية لبعض الدول العربية والإسلامية، غطاء تمرر تحته سياساتها الخطيرة. وأما دولة موريتانيا، التي قد سحبت اعترافها بإسرائيل في عام 2009م، والذي كان قد أُعلن عنه في عام 1999م، فليست ضمن أولويات إسرائيل. ولقد كان الداعي إلى دخول موريتانيا في علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل، هو الاحتماء من الضغوط الفرنسية، التي هي معروفة في سوء معاملاتها لمستعمراتها السابقة. وليست دولة المغرب ببعيدة عن هذا المنطق الذي طبع السياسة الموريتانية مرحليا، وإن كانت أقوى من موريتانيا بكثير، وكانت متنوعة العلاقات الخارجية، بما لا يترك لفرنسا إمكانا لفرض رغباتها. ولكنّ الموضوعية في التناول، تقتضي أن يُشار إلى هذا الجانب، إن أردنا الخروج من أسلوب "سياسة النعامة" الذي تنتهجه كافة الدول العربية. وأما ليبيا، والسعودية، وعُمان، واليمن، والجزائر، والعراق، والكويت، ولبنان، وسوريا، وقطاع غزة، فجلها منقطعة الصلة في الظاهر بإسرائيل، لكن يبقى الجانب الخفي منفتحا على كل الاحتمالات؛ خصوصا فيما يتعلّق بالأنظمة التي تعتمد العلمانية المتطرفة كالنظام الجزائري. وهذا، لأنه عند غياب الموانع المبدئية التي تحول دون إقامة صلات عادية بإسرائيل كالدين، فإن الإبقاء على معاداتها اعتبارا لكونها محتلة لأرض فلسطين فحسب، لن يصمد طويلا أمام المتغيّرات السياسية الدولية، والضرورات المحلية؛ خصوصا وأن السلطة الفلسطينية نفسها، لا تخجل من دخولها في تنسيق شامل (يُركَّز فيه على الجانب الأمني)، يتطلب أكثر من مجرد الاعتراف. وستظهر الدول المعادية لإسرائيل حينها، فلسطينية أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، وهو ما سيُثير الشكوك والمخاوف، بدل الاطمئنان المبني على التصديق. وسيبقى من أطماع إسرائيل الكبرى، بلوغها الوضع العادي ضمن البيئة العربية والإسلامية، وهو ما سعت إليه بعمليات ما يُسمّى "التطبيع"، في كل مرة مع دولة جديدة؛ إلى أن أصبح يُنظر إلى الدول التي لم تدخل فيه إلى الآن، على أنها ملتحقة به ولو بعد حين. وهذا بسبب عدم اختلاف الدول العربية، بعضها عن بعض، إلا في التفاوتات الفارقة فيما بينها فحسب؛ لا في جوهر السياسات. وهذا، يظهر على الخصوص، عند اعتبار غياب سياسة موحَّدة فيما بينها حقيقية؛ وهو أمر يُسائل الحِسّ الاستراتيجي للحكام العرب. وأما ما ينتج عما يُسمّى "الجامعة العربية"، من مواقف، فلا يعدو أن يكون تنافسا من الدول العربية، على إرضاء النظام العالمي؛ في صورة مسيئة إلى الكرامة العربية والعزة الإسلامية، بلغت حدا أصبح يُسائل الشعوب العربية قبل حكّامها... 6. نظرة إسرائيل إلى محيطها: وترفض نسبة كبيرة من الشعوب العربية الدعاوى الواهية التي تستند إليها النظرية الصهيونية اليهودية، وترى أن إسرائيل دولة محتلة لا شرعية لها. وذلك لأن الظروف التي تأسست فيها إسرائيل كانت ظروفا، وقع فيها العرب تحت احتلال أجنبي، بريطاني في عمومه؛ باعتبار الموالاة بين الحركة الصهيونية، وبريطانيا؛ وكذلك لقيام الدولة اليهودية على حساب حق الشعب العربي الفلسطيني في أرضه. ويعود الرفض العربي للوجود الإسرائيلي، إلى الغرض الذي قامت من أجله الدولة في المقام الأول، حيث ينص دستور إسرائيل (غير المكتوب) على أنها الوطن القومي لليهود. ونحن قد قلنا سابقا: إنه لا يجوز ترك الأرض المقدسة لغير المسلمين، لأنها في عُهدتهم، من باب التكليف الجماعي الوارد مِن قِبل الله ورسوله، ما دامت الرسالة المحمدية هي الرسالة الخاتمة، وما دام الحكم الآن لها. والحكم في الشرائع الإلهية، كالحكم في القوانين، يكون لآخرها زمانا؛ لأنه بوروده آخرا، يكون بالضرورة ناسخا لما قبله؛ وهو ما يصرّ اليهود على عدم فهمه، على جلائه. وإسرائيل بادعاءاتها تلك، تكون عاصية لربها، معصية زائدة على كفرها. ولو افترضنا أن الأمة المسلمة توافقها على ما تريده مجاملة لها، فإنها ستكون عاصية معصية كبرى. فتكون في حكم إعانة الكافر على كفره، الذي هو في الشريعة كفر. وأما ما تدّعيه إسرائيل من أنها دولة ديمقراطية على غرار الديمقراطيات الغربية العلمانية التي تعتمد مبدأ المساواة بين المواطنين ذوي الديانات المختلفة، وإن كان الواقع لا يشهد به؛ فيُراد منه موافقة الفكر السياسي العالمي، لا موافقة الحق؛ وهذا لا يُغيّر من النتيجة شيئا. وعلى كل حال، سيبقى وضع إسرائيل السياسي مـُخالِفا للحق، وإن رامت تغليفه بما يُسكت الجاهلين من الناس. ومما يجعل الكثير من العرب والمسلمين لا يقبلون بقيام دولة إسرائيل، ما وقع من إبادة لكثير من المدن والقرى الفلسطينية بداية الاحتلال، بقصد طرد وتخويف العرب، ودفعهم إلى الهرب من أراضيهم وبلادهم، ومن أجل جعل الدولة الصهيونية الوليدة، دولة ذات أغلبية يهودية، بمباركة من المحتل البريطاني، وبخيانة من أطراف عربية كانت موالية للمحتل. وما يدل على هذا الاحتلال الإحلالي، هو وجود أولئك المهجّرين منذئذ على هيئة لاجئين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي الدول المجاورة، في مخيّمات يُعدّ العيش فيها، من أشد البلاء النازل على الناس. وهذا، مما لا يحتاج من أجل إثباته، إلا إلى النظر بالعين المجرّدة، وإلى قلب آدميّ سليم... وأما تصنيف الكثيرين لإسرائيل بأنها دولة ثيوقراطية دينية راديكالية متخفية في رداء الديمقراطيات الغربية العلمانية، فلا نقبله؛ لأننا لا نجد صلة بين الدين من حيث هو مرتبة كتابية، وسكّان إسرائيل، إلا فيما يتعلّق بأقلية تحافظ على معنى التقوى العام الذي كان عليه أسلافهم الأولون، يُبقي على معنى الكتابية لديهم. وهذا، كان يقتضي منهم، معاملة للفلسطينيّين تقوم على اعتبارهم لهم إخوانا في الإنسانية. وأما أولئك الذين يعتقدون تلك العقائد المنكرة القائمة على العنصرية الصريحة، المتأسّسة على اعتبار "الأغيار" حيوانات لا روح لهم، فإنهم لا يعبّرون بذلك إلا على مرتبتهم، ومن كون الأغيار مرائي (ج. مرآة) لهم، يرون فيها صورتهم. وأما القول بأن إسرائيل دولة ثيوقراطية، فلا يصح، لجهلهم منذ العصر الأول لمعنى الدولة الشرعي (الديني). فهم كانوا على علمانية أصلية، أو على شبه علمانية؛ ولم يكن الملوك لديهم، إلا رؤساء لجيوشهم عند ضرورة مقاتلة الأمم المجاورة. واليهود والنصارى، عندما يتكلمون عن معنى الدولة الثيوقراطي، فإنهم يستندون في ذلك إلى الفكر السياسي المخلوط بالفكر اللاهوتي النصراني التاريخي، عندما وجدوا أن التنظير للدولة قد أصبح لديهم ضرورة واقعية، يحافظون به على تماسك الديني بالزمني([3])؛ وعندما رأوا قيام الدول الإسلامية على نظام محكم، وهو ما دعاهم إلى النظر في تحسين أحوالهم على ضوء ما جاء به الدين المكتمل. وتستمر حالة الاحتقان الدائمة بين الطرفين: الفلسطيني والإسرائيلي، بسبب إصرار إسرائيل على اعتبار الصهيونية حركة غير عدائية للديانات الأخرى، وأنها لا تنتهك حقوق المواطن العربي المسلم، والتي من جملتها حقه في أن يكون له وطن يخصّه؛ ما دامت هي لا تحتمله. وهذه المعاملة العنصرية من إسرائيل، التي لا يُمكن أن تستند إلى الدين في أصلها، هي لا تستند في الحقيقة إلا على فساد العقل عند الصهاينة. وذلك عندما ألغوا كل الأسس الفلسفية التي توحّد في المرتبة بين الناس عموما، وتجعل المعاملة فيما بين مختلف صنوفهم مبنية على العدل والمساواة العقلييْن؛ وهو أيضا ما ينسف زعم الديمقراطية لدى الصهاينة، لكون الديمقراطية متأسّسة في شطرها، على المبادئ العقلية المشتركة؛ وإن كان شطرها الآخر، لا يُشكّ في لاعقلانيته. وحتى لا تلتبس المفاهيم على القارئ، ينبغي التأكيد على أن الدين في أصله، لا يُصادم المبادئ العقلية؛ وإن كانت الشرائع صادرة من خارج دائرة العقل. وهذان الاعتباران ليسا اعتبارا واحدا، فينبغي التحرّز من الخلط بينهما، وعن تعميمهما على جانبيْ الدين والعقل. وهذه من أعوص المسائل التي تعرض للمفكّرين الذين يتناولون الدين بالنظر!... ونتيجة للحرب الدينية التي بدأتها إسرائيل على تلك الأرض، ووجود عدد كبير من الضحايا العرب الذين قضوا جراء مواجهات مسلحة مع إسرائيل (1948 - 1956 - 1967 - 1973 - 1982 - 2006 – 2009 – 2014 – 2023م)، ونتيجة لاستمرارها بصور مختلفة؛ فقد ترسّخت العداوة بين أغلب العرب وإسرائيل على أساس ديني وقومي، أو تحديدا بين المسلمين والصهاينة (يهودا كانوا أو نصارى بروتستانت)، والذين يرون في إسرائيل أنها تحقُّق لنبوءات توراتية منوطة بنهاية الزمان. وهنا ينبغي أن نذكّر أن التأويلات التي يعتمدها اليهود والنصارى لنصوصهم في الإسكاتولوجيا -كرؤيا دانيال عليه السلام- ليست معتبرة ولا موثوقة. وذلك لأن رؤيا الأنبياء حق، ولكنها تحتاج في تعبيرها لعلم خاص هو علم التعبير، الذي هو علم كشفي في أصله. وقد رأينا في الفصول السابقة، كيف أن الصهاينة من اليهود والنصارى، قد قلبوا بعض المعاني، وغلطوا عند تنزيلها؛ وهو ما سيوقعهم في إخطاء التصور السليم، لمرحلة آخر الزمان. ويستند المشكّكون في شرعية إسرائيل بصفتها دولة يهودية على أرض فلسطين التاريخية، على عدم الوجود المنظم لليهود على الأرض، إلا منذ ما يقارب مائتيْ عام من التاريخ القريب؛ وذلك في مقابل سكنى المسلمين لفلسطين منذ عهد خليفة المسلمين الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وحتى لا يتوقف إخواننا من اليهود والنصارى في عدم اعتبار سكنى المسلمين لفلسطين في الزمن النبويّ الأول، فعليهم أن يعلموا أن "الخلافة" عندنا، هي صورة من صور استمرار النبوة المحمدية نفسها. وهذا الذي نقوله، تجهله الغالبية من المسلمين، لذا فلا تنبغي العودة إلى أقوالهم في تبيّنه. ويكفي في التنبيه عليه، أن نذكر أنه لولا استمرار النبوة المحمدية إلى قيام الساعة، فإن الدين كان يستلزم بعثة رسل جدد، من أجل استمرار صلوحه؛ وهو ما لم يقع، ولن يقع، رغم وقوع ادّعاء النبوة من كثير من الدجّالين. وأما من لا يفرق بين النبوة الحق، وادّعائها، فذاك شأنه. ونحن لن ندخل هنا في مسألة إثبات النبوة، لأنها تخرج عن غرض الكتاب، فلنعد إلى ما كنا بصدده... في سبتمبر 1993م أعلن ياسر عرفات، بوصفه رئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينية، عن اعتراف المنظمة بـدولة إسرائيل، فيما تم من تبادل رسائل الاعتراف بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي "إسحاق رابين". وفي هذا الاعتراف المتبادل، لم يكن "عرفات" يمثل دولة فلسطين التي أعلن عنها في الجزائر عام 1988م، بل كان يُمثل منظمة التحرير وحدها. وقد جاء هذا الاعتراف، بعد نهاية المفاوضات التي أسفرت عن اتفاقية "أوسلو"، وقبل مراسيم التوقيع عليها. وما زالت حركة "حماس" ترفض هذا الاعتراف إلى الآن؛ وهذا الرفض كان مما أثار التعقيدات القانونية، عندما فازت الحركة في الانتخابات التشريعية للسلطة الوطنية الفلسطينية؛ بينما يتمسك رئيس السلطة محمود عباس إلى الآن، بالاعتراف المنصوص عليه في رسالة "عرفات". وسوء التفاهم هذا، فيما بين مختلف الفصائل الفلسطينية، هو من الأسباب المباشرة، لضعف الجانب الفلسطيني في مواجهة الجانب الإسرائيلي. ونعني من هذا، أن الإسرائيليّين كانوا أكثر عمليّة منذ قرار التقسيم، وحينما بادروا إلى تأسيس الدولة؛ بينما بقي الفلسطينيون -وهم أصحاب الحق- إلى الآن منقسمين؛ والسبب هو أنهم إلى الآن -كجل العرب- لا يفقهون معنى الدولة. وهو ما سيبقى عقبة أمامهم، إلى أن يشاء الله. ونحن نرى هذا السبب، خادما للقدر الذي يسير بالمنطقة جمعاء، إلى حيث إرادة الله... (يتبع) [1] .لا تزال صلة قطر بدولة إسرائيل ملتبسة، خصوصا وهي تحتضن قاعدتيْن أمريكيتيْن كبيرتين. وما كان يخضع للاستراتيجيا الأمريكية، لا يكون بعيدا عن الإستراتيجيا الإسرائيلية. وتبقى كل المظاهر الموحية بعكس ذلك، من قبيل المناورات السياسية فحسب... |
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وكل عبد من الصالحين.
إن الكلام في التصوف قد تشعب حتى كاد يخرج عن الضبط في نظر الناظرين. وإن تحديد موقع التصوف من الدين، كان ولا زال موضع خلاف بين المسلمين. والميل إلى طرف دون آخر متأرجح بحسب خصوصية كل مرحلة من مراحل عمر الأمة الإسلامية. لكننا نرى أنه حان الوقت، وبعد أن أصاب الأمة ما أصاب، أن نقول: إن التصوف إسلام. ونعني أنه تحقيق للإسلام!
قد يرى البعض أن هذا تعسف باعتبار أن الكلمة مبهمة وغير ذات أصل شرعي؛ أو هي دخيلة إن اعتبرنا نسبتها إلى الأديان الكـتابية والوثنية على السواء...
وقد يرى البعض الآخر في ذلك مبالغة وتضخيما، إذا رجع إلى مدلول الكلمة وإلى تجليات التصوف المنصبغة بصبغة كل زمن زمن...
وقد يقول قائل: كان في إمكانكم تجاوز لفظ " التصوف " تسهيلا للتواصل والتلاقي، إن كان المراد مجرد عرض للإسلام أو إعادة تناول لمختلف جوانبه...
لكن، نقول: حفاظا على الأدب مع قوم بذلوا في الله مهجهم، سبقونا، ورجاء في اللحوق بهم، نحافظ على اللفظ؛ ومن أجل التنبيه إلى منهج التصوف في التربية، التي ليست إلا التزكية الشرعية، نقول: إن التصوف..إسلام!
لم ينفع بعضَ المسلمين مجرد انتساب للإسلام واعتبار لظاهره على حساب الباطن. ولم يجد إنكار بعض الفقهاء له وقد كذبتهم الأيام. وهاهي الأمة تكاد تنسلخ عن الدين في عمومها..
وها هي الأزمة نعيشها في تديننا، لا يتمكن أحد من إنكارها.. وها هي تداعيات الأزمة تكتنفنا من كل جانب..
ومن جهة أخرى ، لم يعد يجدي من ينتسب إلى التصوف الانزواء الذي كان مباحا أو مستحبا في عهود مضت، وواجب الوقت بلا شك، هو إقامة الدين ظاهرا إلى باطن، بعد أن ولى زمن حماة الشريعة من الفقهاء الورعين أصحاب النور، المجتهدين المجددين .
ولم يعد يكفي الكلام عن الطريقة التربوية الاجتهادية الخاصة بكل شيخ، إلا مع التنبيه إلى الطريق المحمدي الجامع الشامل، حتى تسقط الحواجز الوهمية التي صارت حجبا في زماننا، تمنع من إدراك صحيح للدين.
لذلك ولغيره، نرى أنه من الواجب في زمن العولمة المبشرة بجمع شمل الأمة الكلام عن التصوف بالمعنى المرادف لتحقيق الإسلام، بشموليته واستيعابه كل مذاهب المسلمين.
ونأمل من الله عز وجل، أن يكون هذا الموقع من أسباب ذلك، راجين منه سبحانه وتعالى السداد والقبول، فإنه أهل كل جود وفضل.