اللهم صل على سيدنا محمد الكامل الأكمل، ومظهر الجمال الأجمل، المكمل لكل كامل على مدى الأزمان، والمتخلق على التمام بأخلاق الرحمن؛ القائل بلسان الشكر: أنا سيد وُلد آدم ولا فخر؛ وعلى آله الطاهرين بالتطهير الرباني، وصحابته المشرفين بالشهود العياني؛ وسلم من أثر شهود نفوسنا صلاتنا عليه تسليما. والحمد لله المنعم المفضل حمدا عميما.
![]() | ![]()
2024/02/22 القضية الفلسطينية: من المنظوريْن: الديني والعقلي (17).2. الفصل السادس عشر: شيء من الإسكاتولوجيا (تابع) وأما كيف يعيش المهدي من يوم غيبته، في عام 260 هـ إلى الآن؟... فهذا منوط بقدرة الله تعالى، وهو مَن جعل بعض عباده يعيشون قرونا طويلة كسيدنا إلياس عليه السلام، وسيدنا الخضر عليه السلام. والذي ينبغي أن يُقاس عليه أمر المهدي حقا، من هذه الناحية وحدها، هو الدجّال المخلوق والمحبوس حيث هو، إلى أن يأتي أوان خروجه. وقد جاء في الحديث: «... (فَلَمَّا قَضَى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ صَلَاتَهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقالَ): لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلَّاهُ، ثُمَّ قالَ: أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ؟ قالوا: اَللَّهُ وَرَسولُهُ أَعْلَمُ؛ قالَ: إِنِّي وَاللَّهِ ما جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلَا لِرَهْبَةٍ، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لِأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ كانَ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا، فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ، وَحدَّثَني حَدِيثًا وَافَقَ الَّذي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ (الـ)مَسِيحِ الدَّجَّالِ. حَدَّثَني أنَّهُ رَكِبَ في سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ مَعَ ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِن لَخْمٍ وَجُذَامَ (قبيلتان معروفتان)، فَلَعِبَ بهِمُ الْمَوْجُ شَهْرًا في الْبَحْرِ، ثُمَّ أَرْفَؤُوا إِلى جَزِيرَةٍ في الْبَحْرِ، حتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ (المقصود جهة الغرب)؛ فَجَلَسُوا في أَقْرُبِ (ج. قارب) السَّفِينَةِ، فَدَخَلُوا الجَزِيرَةَ، فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ، لا يَدْرُونَ ما قُبُلُهُ مِن دُبُرِهِ؛ مِن كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقالوا: وَيْلَكِ! ما أَنْتِ؟ فَقالَتْ: أَنَا الجَسَّاسَةُ؛ قالوا: وَما الجَسَّاسَةُ؟ قالَتْ: أَيُّهَا القَوْمُ، انْطَلِقُوا إِلى هَذا الرَّجُلِ في الدَّيْرِ؛ فَإِنَّهُ إِلى خَبَرِكُمْ بِالْأشْوَاقِ، قالَ: لَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلًا فَرِقْنَا مِنْها (خِفْنا) أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً. قالَ: فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا حتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ، فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا، وَأَشَدُّهُ وِثَاقًا، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، ما بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلى كَعْبَيْهِ بِالْحَدِيدِ. قُلْنَا: وَيْلَكَ! ما أَنْتَ؟ قالَ: قَدْ قَدَرْتُمْ عَلَى خَبَرِي (أي قد وصلتم إلي فستعرفونني)، فَأَخْبِرُونِي ما أَنْتُمْ؟ قالُوا: نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ رَكِبْنَا في سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ، فَصَادَفْنَا البَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ (هاج)، فَلَعِبَ بنَا الْمَوْجُ شَهْرًا، ثُمَّ أَرْفَأْنَا إلى جَزِيرَتِكَ هَذِهِ، فَجَلَسْنَا في أَقْرُبِهَا، فَدَخَلْنَا الجَزِيرَةَ، فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ، لا يُدْرَى ما قُبُلُهُ مِن دُبُرِهِ مِن كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقُلْنَا: وَيْلَكِ! ما أَنْتِ؟ فَقالَتْ: أَنَا الجَسَّاسَةُ، قُلْنَا: وَما الجَسَّاسَةُ؟ قالَتْ: اِعْمِدُوا إِلى هَذا الرَّجُلِ في الدَّيْرِ؛ فَإِنَّهُ إِلى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ، فَأَقْبَلْنَا إِلَيْكَ سِرَاعًا، وَفَزِعْنَا مِنْها، وَلَمْ نَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً. فَقالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ؟ قُلْنَا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قالَ: أَسْأَلُكُمْ عَنْ نَخْلِهَا؛ هَلْ يُثْمِرُ؟ قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ، قالَ: أَمَا إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ لا يُثْمِرَ. قالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ؟ قُلْنَا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قالَ: هَلْ فِيهَا مَاءٌ؟ قالُوا: هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ. قالَ: أَمَا إِنَّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ. قالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ عَيْنِ زُغَرَ؟ قالُوا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قالَ: هَلْ فِي الْعَيْنِ مَاءٌ؟ وَهلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بِمَاءِ الْعَيْنِ؟ قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ؛ هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ، وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِنْ مَائِهَا. قالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ نَبِيِّ الْأُمِّيِّينَ ما فَعَلَ؟ قالوا: قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَنَزَلَ يَثْرِبَ (المدينة المنورة). قالَ: أَقَاتَلَهُ الْعَرَبُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قالَ: كَيْفَ صَنَعَ بِهِمْ؟ فَأخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عَلَى مَنْ يَلِيهِ مِنَ الْعَرَبِ وَأَطَاعُوهُ. قالَ لَهُمْ: قَدْ كانَ ذَلِكَ؟! قُلْنَا: نَعَمْ. قالَ: أَمَا إِنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي؛ إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ، فَأَخْرُجَ؛ فَأَسِيرَ فِي الْأَرْضِ فَلا أَدَعَ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ؛ فَهُما مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا؛ كُلَّما أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً مِنْهُما اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا، يَصُدُّنِي عَنْهَا؛ وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْها مَلَائِكَةً يَحْرُسُونَهَا. قالَتْ (الراوية): قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِي الْمِنْبَرِ: هَذِهِ طَيْبَةُ، هَذِهِ طَيْبَةُ، هَذِهِ طَيْبَةُ (يَعْنِي الْمَدِينَةَ)!... أَلَا هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ ذَلِكَ؟ فَقالَ النَّاسُ: نَعَمْ. فَإِنَّهُ أَعْجَبَنِي حَدِيثُ تَمِيمٍ؛ أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ، وَعَنِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ. أَلَا إِنَّهُ فِي بَحْرِ الشَّأْمِ (البحر المتوسط) أَوْ بَحْرِ الْيَمَنِ (المحيط الهندي)؛ لا، بَلْ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ؛ ما هُوَ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ؛ ما هُوَ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، ما هُوَ؛ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلى الْمَشْرِقِ. قالَتْ: فَحَفِظْتُ هَذا مِنْ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.»[2]؛ وهذا يُظهر أن الدّجّال مخلوق، وينتظر الإذن بخروجه فحسب. فإن كان الأمر هكذا مع عدوّ الله، فلمَ يستبعد الناس ذلك مع وليّ الله؟!... فالمهدي عليه السلام، مغيّبٌ بالقدرة يعتني به الله في كنف رحمته، ويُهيّئه للأمر العظيم المنوط به، وتخدمه الملائكة إلى أن يُؤمر بالخروج إلى الناس، عليه وعلى أصوله الطيبة السلام. ولنتوقف لحظات بإزاء معان لا يليق بنا تفويتها، من حديث تميم الداريّ، وهي: وأما الحديث النبوي: «الدَّجَّالُ يَخْرُجُ مِنْ أَرْضٍ بِالْمَشْرِقِ، يُقالُ لَها: خُراسانُ (وهي تضم منطقة نيسابور من إيران، وأفغانستان، ومعظم تركمانستان، وأجزاء من طاجيكستان وقرغيزستان وأزبكستان)؛ يَتْبَعُهُ أَقْوامٌ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمِجانُّ (الدروع) الْمُطَرَّقَةُ (وهي صفة سكان آسيا الوسطى)»[3]، فهو مخصوص بالخروج، لا بالإقامة. والناس عندما يتوهمون بحكم العادة، أن محل الإقامة هو محل الخروج عينه، يُخطئون؛ لأنهم ينسون أن الأمور في ذلك الزمان، تكون جارية بحكم القدرة مع الحكمة. ونعني من هذا، أن كثيرا من الغيب، سيصير في ذلك الوقت شهادة، مع بقاء غرابة شؤونه في عالم الشهادة. وأما الحديث الذي جاء فيه: «يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهانَ، سَبْعُونَ ألْفًا عَلَيْهِمُ الطَّيالِسَةُ (ثياب يضعها المتدينون من اليهود على أكتافهم أثناء صلاتهم).»[4]، فلا يتعارض مع الحديث السابق؛ وإنما يدل على صلته حيث يخرج باليهود، وعلى التحاق يهود أصبهان من إيران (وهم من ضمن الأقليات اليهودية القليلة المعتبرة، إلى جنب يهود الولايات المتحدة ويهود المغرب) به فحسب. وذلك لأنهم يكونون بحسب زعمهم في انتظار المسيح المـُخلِّص. وأما الجساسة، فهي من الشياطين المكلفة بخدمة الدجال بتكليف من إبليس. وإن العلم الذي أخبر به، فهو من الكشف الشيطاني، الذي يُطلع الله إبليس عليه، فيُطلع هو من أتباعه من يشاء بعدُ. وإنّ علمه بأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبأمر علامات الساعة مما ذُكر على غرار جفاف بحيرة طبرية، هو مما هو مخصوص به، حتى يتمكن من فتنة الناس المقضيّ عليهم بالضلال عند خروجه. وعلى كل حال، فنحن نريد التنبيه إلى ما يتعلق بأمر الدجال، من دون إسهاب؛ لأن الأيام توشك أن تكشف عما في بطنها عن قريب... ولنعد إلى ما كنا بصدده عن المهديّ عليه السلام، من كونه إمام المهتدين في آخر الزمان، لنزيد الناس بأمره علما، تثبيتا لهم وإعانة. وإذا تأملنا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيا إِلَّا يَوْمٌ، لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلًا مِنِّي»، لعلمنا أن خروج المهدي حتمية تاريخية، لا بد من حدوثها قبل فناء الدنيا؛ ولو أدى ذلك إلى تغييرٍ في النسبة الزمانية؛ وهو ما عبّر عنه صلى الله عليه وآله وسلم بالنظر إلى تحقق بقاء يوم واحد من عمر الدنيا. وما أحسنه من تعبير!... والنسبية أمر معتبر اعتبارا عظيما في أمور الخلق، لكونهم من عالم الإمكان؛ والإمكان لا يُضبط على الصفة التي يتوهّمها الناس. ولسنا نفرّق هنا بين عالم وجاهل بالمعنى العام، ولا نستثني إلا العلماء بالله، الذين يعلمون الخلق بعلم الله. ولقد سبق لنا أن تناولنا في مقالات لنا، ما يتعلق ببعض جوانب الفيزياء، ودللنا على قصور أهلها في تنظيراتهم وتصوراتهم. والسبب هو أنهم يرون المادة صلبة، والعلوم المتعلقة بها صلبة أيضا. والحقيقة هي أن الإمكان يكتنف العالم من كل جهة، والإمكان واسع، ولا يثبت على هيئة زمنيْن. وعلى كل حال، فإن النسبية، هي أولى ما ينبغي أن يُنسب إلى الكون، والنسبية مفتوحة على احتمالات كثيرة... والحتمية المتعلقة بظهور المهدي، هي من أجل ختم الخلافة في هذه الأمة، وختم الإمامة الدينية. فهاتان مرتبتان، مضى من أهلهما أحد عشر، وهما لا تكتملان إلا إذا بلغوا اثني عشر رجلا. فما دامت الخلافة الخاتمة لم تقع، فإن الله سيطول الزمان، حتى تقع. وهذا الظهور الباهر، سيردّ الناس إلى اعتبار الدين، كما كان الأمر في الزمان الأول؛ بعد كل الانحطاط الذي عرفته الأمة مع القرون، ليعود الحكم للشريعة كما كان، ويتحقق ضعفاء الإيمان من أن الخلافة هي النظام الإسلامي المخصوص بالأمة، بشرط ظهور أهله بعد الإذن الخاص لهم، وأن القصور وحده هو ما كان يمنع منه. ولولا أن الله يريد لهذه الأمة الآخرة، لأدام عليها هنا العدل والقسط؛ وهو عليه هيّن... وبما أن المشهد المـُؤذن بنهاية العالم يكون أبطاله ثلاثة، فلنأت بحديث "الملحمة الكبرى" (الحرب العظيمة) ومقدماتها، لنتابع التفاصيل من هناك. والروم في الأصل هم الأوروبيون، وينضاف إليهم الأمريكيون الذين هم منهم. ولم يكن لهم من عدو مشترك مع المسلمين إلا الاتحاد السوفياتي الملحد. وقد انتصر المسلمون مع الولايات المتحدة على الاتحاد السوفياتي في أفغانستان حوالي عام 1987م. وليس شرطا أن يعرف الناس بحادثة دقّ الصليب، لأنها تفصيل في الأحداث؛ ولكن النتيجة كانت واضحة، وهي انقلاب الولايات المتحدة على من جاهدوا في أفغانستان. ومع أن الملحمة لم يحن بعد أوانها، إلا أن الولايات المتحدة منذئذ وهي لا تستعد إلا للحرب على المسلمين، التي تُسمّيها بغير اسمها "الحرب على الإرهاب". أما اسمها المعروف عندهم فهو: "هرمجدون". وهذا الحديث يبرز حصار العراق من قِبل ما يُسمّى "المجتمع الدولي" سنة 1990م، وحصار سوريا من قِبل المجتمع الغربي، وهجوم الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2015م. وأما ذكر المهدي في آخر الحديث، فيشير إلى أن زمنه ليس ببعيد عما أصاب العراق والشام. ولن ندخل هنا في تفاصيل الأمور، لأن الدخول فيها قبل حلولها يكون بابا من أبواب الفتنة؛ وسنترك الاحتمالات قائمة، مع التنبيه إلى ما ثبت في الواقع من إرهاصات ترجّح بعضها على بعض. وأما الرايات السود، فعلى كثرة ما قيل فيها، فإننا نحن نراها لشيعة إيران وما جاورها؛ وذلك لأن المهدي يكون معهم في ذلك الوقت. ونحن على شبه يقين، من أن الروافض سيعودون عن عقائدهم الفاسدة إذا ظهر المهديّ واتبعوه؛ أما من لا يتبعه فإنه سيكون من الضالّين بلا شك. ولنذكر هنا مقارنة بين النصارى عند نزول عيسى عليه السلام، والروافض بعد خروج المهدي؛ فكلا الجماعتيْن معرّضة لتصحيح، مَن قَبِله نجا، ومن أباه هلك. وعلى كل حال فأمر المهدي لم يعد منّا على مبعدة كبيرة... ومعنى «يَكونُ اخْتِلافٌ عِنْدَ مَوْتِ خَلِيفَةٍ»: أي يموت حاكم من الحكام، والراجح أنه حاكم من حكام الجزيرة العربية. «فَيَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هارِبًا إِلى مَكَّةَ»، فكأن الأحداث تُفضي إلى أن يخرج رجل من المدينة المنورة، هاربا إلى مكة. وهذا الرجل يكون هو المهدي، لكن قبل أن يعرفه الناس. وهذا يدل على أن المهدي سيخرج في المدينة، بعد أن كان مـُغيّبا؛ وهنا -كما سبق أن قلنا- يكون الأمر للقدرة. وخروجه هربا، يعني أن بعض الناس من الأعداء يشكون بأمره؛ فيخرج هاربا إلى مكة، وكأنه يفر إلى الله بخروجه ذاك. «فَيَأْتِيهِ ناسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَيُخْرِجُونَهُ وَهُوَ كارِهٌ، فَيُبايِعونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقامِ.»، وهذا يعني أن الله يُعْلم بعض أهل مكة به، ولعلهم يكونون من الملائكة المتشكلين في صور آدمية، أو من الأولياء؛ فيُخرجونه من مخبئه وهو كاره كراهة طبيعية، لأنه يعلم أن الأمر عظيم؛ فيبايعونه عند الكعبة بين الركن والمقام. ومن جهة المعنى فإن مبايعته -عليه السلام- تكون بين ركن النبوة ومقام الخلافة، وهذا يعني أنه خليفة وارث. فيظهر أمره سريعا، وتُعلم خلافته ويُعرف بأنه المهدي. فيجتمع عليه الناس من كل حدب وصوب، بسبب الحاجة إليه عند بلوغ الفتن ذروتها. ومن العلامات التي تؤكّد أمره: أنه «يُبْعَثُ إِلَيْهِ جَيْشٌ مِنَ الشّامِ، فَيُخْسَفُ بِهِ بِالْبَيْداءِ، بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدينَةِ؛ فَإِذا رَأَى النّاسُ ذَلِكَ، أَتاهُ أَبْدالُ الشّامِ وَعَصائِبُ أَهْلِ الْعِراقِ، فيُبايِعونَهُ.». والظاهر أن الجيش الذي يُبعث من الشام، يأتي بنية شر، يريد القضاء عليه؛ فيُعاجله الله بالخسف في الطريق إليه، بين مكة والمدينة. فتتأكد النبوءة للناس، ويعلمون أنه المهدي؛ فيأتيه أبدال الشام وعصائب العراق مبايعين. وأبدال الشام هم صنف من الأولياء من رجال الغيب، عددهم أربعون رجلا؛ سمّوا أبدالا لعدة معان، أشهرها أنه كلما مات منهم رجل أبدل الله مكانه آخر. والعصبة جماعة الرجال ما بين العشرة والأربعين، وهم أولى طلائع أهل العراق لحوقا بالمهدي. ومعنى التحاق رجال الغيب والأولياء بالمهدي، هو أن الحكم سيكون عندئذ ظاهرا لرجال الغيب، بعد أن كان لهم باطنا. فيتخذ منهم المهدي وزراء له، فيظهر من شأنه وشأنهم العجب، في ذلك الزمان. «ثُمَّ يَنْشَأُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَخْوالُهُ كلبٌ...»، وهذا يعني أن رجلا من الجزيرة، سيقوم مناوئا للمهدي في بدايته، مع جماعة له؛ ولكن الله سيُظهر عليهم أصحاب المهدي، حتى يجعلوهم عبرة لغيرهم. ثم بعد ذلك تعلن الأمة بيعتها العامة، لتنشأ الخلافة الإسلامية الخاتمة، والتي يعود العمل بالإسلام فيها، إلى عهده الأول، ويدوم العدل والرخاء -كما رجَّح الشيخ الأكبر- تسع سنين، ثم يموت المهدي ويؤول الحكم بعده، إلى عيسى عليه السلام. وقبل موت المهدي عليه السلام، يظهر الدجال وينزل عيسى عليه السلام: والمقصود ببني إسحاق هنا، على قول بعض المفسرين، المسلمون من غير العرب. وهذا يدل على أنه سيُسلم في زمن المهدي منهم عدد كبير. وسيتوجهون إلى هذه المدينة التي هي "روما"، والمقصود بأن جانبها في البر والجانب الآخر في البحر، أنها قريبة من البحر (وقربها بما يُناهز قليلا 30 كلم). وتُفتح هذه المدينة بالذكر لا بالسلاح، بسبب ظهور آثار الغيب في زمن المهدي، كما ذكرنا. فعندما تُفتح هذه المدينة العتيدة، يخرج الدجال. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الدجال: «إِنَّما يَخْرُجُ مِنْ غَضْبَةٍ يَغْضَبُهَا!»[12]. ويظهر أن الدجال لم يُطِق أن يسمع عن فتح المسلمين لروما، وهي عاصمة النصرانية الكبرى في الغرب، بعد أن فُتحت القسطنطينية فيما قبل، وهي العاصمة الشرقية للنصرانية. ومن هنا يظهر أن الدجّال، يُعادي الإسلام؛ وكل ما يُعدّ نصرا للإسلام يُغضبه؛ بغض النظر عن كون النصر كان على اليهود أو على النصارى. بل لأنه مع وجود النصارى، كان يطمئنّ على مصير اليهود؛ لأنه لا يهتم في الحقيقة إلا لهم. وأما صفة الدجال، فقد جاء فيها: وعندما يذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، من باب تثبيته للمؤمنين، بأن الله ليس بأعور؛ فإنه لا يدل عليه السلام -كما فهمت المجسمة- أن الله على شاكلة بني آدم، غير أنه ليس بأعور؛ وهذا لأن الذات الإلهية لا صورة لها، وإن كانت محيطة بجميع الصور الحسية والمعنوية. ولكن مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كان هو أن المظهر الآدمي للاسم "الله"، والذي ليس إلا هو فداه أبي وأمي، لا يكون أعور لكمال خِلقته الدال على كمال معناه؛ والرب كما نعلم، مشتق من التربية. وأما اختلاف الروايات، في إناطة العور لدى الدجال تارة بالعين اليمنى وتارة بالعين اليسرى، فنحن نرجّح فيه اليمنى (كما قال ابن حجر معتبرا الرواية المتفق عليها وترجيحا لها على الرواية الأخرى الواردة في صحيح مسلم وحده)، لغياب يمنه، وبدوّ شؤمه وتحقُّقه. وأما ما ذهب إليه القاضي عياض من الجمع بين الروايات، ووافقه عليه القرطبي والنووي، فنحن نستبعده، لأنه يُفضي إلى العمى. ولا يخفى ما في هذا الجمع، من تحكّم للعقل، يقع فيه الفقهاء كثيرا... أما قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمغاربة: «تَغْزُونَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ فَارِسَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الرُّومَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الدَّجَّالَ فَيَفْتَحُهُ اللَّهُ.»، فهو يدل على أمور ستحدث مستقبلا، منها ما بدأت إرهاصاته منذ قرون، ومنها ما بدأ يظهر في زماننا. يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ حتَّى تُعْبَدَ اللَّاتُ والْعُزَّى. فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، إِنْ كُنْتُ لأَظُنُّ حِينَ أنْزَلَ اللَّهُ: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف: 9] أنَّ ذلِكَ تامٌّ. قالَ: إنَّه سَيَكونُ مِن ذلكَ ما شاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَتَوَفَّى كُلَّ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِن إِيمانٍ، فَيَبْقَى مَنْ لا خَيْرَ فِيهِ، فَيَرْجِعُونَ إِلى دِينِ آبائِهِمْ.»[21]. وقد سمعنا في المدة الأخيرة، أن بعض العرب، قد طالبوا بإعادة الاعتبار إلى اللات والعزى، من كونهما عنصريْن ثقافييْن أصيليْن. وأما الشرك، فنراه نحن قد بدأ مع دعوة ابن عبد الوهاب الملتبسة، وقد أوضحنا هذا الأمر في غير هذا الكتاب، فليُراجع في مظانّه. وأما فارس (إيران)، فإنها قد غرقت في الشرك، منذ التزمت التشيّع الرافضي الصفوي؛ وأما الروم (أوروبا)، فهم على الكفر في الغالب، بعد أن انسلخوا من النصرانية التي هي دين محرّف عن المسيحية. وأما الدجّال، فدعوته معروفة... وإنّ ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، للمغاربة، أنهم سيغزون كل ما سبق ذكره؛ لا يعني إلا أن المغرب الإسلامي سيكون مركزا للإسلام في آخر الزمان، بحيث يكون المغاربة قد عادوا إلى التديّن الصحيح؛ فإذا عادوا أعانوا بلاد المشرق على العودة هي أيضا. ومعنى غزو المغاربة للدجال، هو من غير شك، كونهم مع المهدي في البداية، عند محاربته للدجال؛ لا أنهم هم من سينالون منه. وهذا، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبر: «يَقْتُلُ ابْنُ مَرْيَمَ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ بِبابِ لُدٍّ (أو: إِلى جانِبِ لُدٍّ).»[22]، وقد ورد في حديث طويل الآتي: «ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ (أطال ودقق)، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ (قريبا)، فَلَمَّا رُحْنَا (مساء) إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا، فَقالَ: ما شَأْنُكُمْ؟ قُلْنَا: يا رَسُولَ اللهِ، ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً، فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ! فَقالَ: غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ: إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ، فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ؛ وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ، فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ([23])؛ وَاللَّهُ خَلِيفَتي علَى كُلِّ مُسْلِمٍ: إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ (جعد)، عَيْنُهُ طَافِئَةٌ، كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بعَبْدِ العُزَّى بْنِ قَطَنٍ (رجل معروف)، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ، فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الكَهْفِ (وهذا سلاح دل عليه النبي المسلمين، يكفيهم مؤنته)، إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ (وهذا لا يعارض ما سبق لأن الدجّال يتحرك في الأرض حركة سريعة)، فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا، يا عِبَادَ اللهِ فَاثْبُتُوا. قُلْنَا: يا رَسُولَ اللهِ، وَما لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قالَ: أَرْبَعُونَ يَوْمًا؛ يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ (وهذا من النسبية الزمانية بحسب الوقائع والأحداث). قُلْنَا: يا رَسُولَ اللهِ، فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ، أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَومٍ؟ قالَ: لَا، اُقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ! قُلْنَا: يا رَسُولَ اللهِ، وَما إِسْرَاعُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قالَ: كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ، فَيَأْتِي علَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ، فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ، وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ؛ فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ (ماشيتهم) أَطْوَلَ ما كَانَتْ ذُرًى، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ. ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ، فَيَدْعُوهُمْ، فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَيَنْصَرِفُ عنْهمْ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ، فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ! فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ. ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا، فَيَضْرِبُهُ بالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الغَرَضِ؛ ثُمَّ يَدْعُوهُ فيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ، يَضْحَكُ. فَبَيْنَما هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ بْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ البَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، بيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ (قطعتين من الثوب صفراوتيْن)، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ؛ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ؛ فلا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ. وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ (أي الدجال) حتَّى يُدْرِكَهُ ببَابِ لُدٍّ، فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يَأْتي عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ، فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بدَرَجَاتِهِمْ فِي الجَنَّةِ. فَبَيْنَما هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لا يَدَانِ (لا قدرة) لأَحَدٍ بقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلى الطُّورِ (في سيناء). وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ (لا نظنهم إلا أهل الصين)، وَهُمْ مِن كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ علَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ ما فِيهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فيَقُولُونَ: لَقَدْ كانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ. وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ (من الشدة والعناء)، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، فيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ (على يأجوج ومأجوج) النَّغَفَ (وباء) فِي رِقَابِهِمْ، فيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ. ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ (فلسطين)، فَلا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللهِ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ (ملائكة على هيئة النوق)، فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ. ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لا يَكُنُّ (ينحجب) مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ، فَيَغْسِلُ الْأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ (آنية الأكل)، ثُمَّ يُقَالُ لِلْأَرْضِ: أَنْبِتي ثَمَرَتَكِ، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ، فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ (الجماعة) مِنَ الرُّمَّانَةِ، وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا (قشرتها)، وَيُبَارَكُ في الرِّسْلِ (هناء العيش)، حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ (الحلوب) مِنَ الإِبِلِ لَتَكْفِي الفِئَامَ (الجماعة) مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ البَقَرِ لَتَكْفِي القَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الغَنَمِ لَتَكْفِي الفَخِذَ (الفصيل من القبيلة) مِنَ النَّاسِ؛ فَبيْنَما هُمْ كَذلكَ، إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ، وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ، يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الحُمُرِ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ. [وفي رواية]: لقَدْ كانَ بهذِه مَرَّةً مَاءٌ، ثُمَّ يَسِيرُونَ (أي يأجوج ومأجوج) حتَّى يَنْتَهُوا إلى جَبَلِ الخَمَرِ (وَهُوَ جَبَلُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ) فيَقولونَ: لقَدْ قَتَلْنَا مَنْ فِي الْأَرْضِ، هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ مَنْ فِي السَّمَاءِ؛ فَيَرْمُونَ بنُشَّابِهِمْ (بصواريخهم) إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرُدُّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نُشَّابَهُمْ مَخْضُوبَةً دَمًا. وفي رِوَايَة: فَإِنِّي قَدْ أَنْزَلْتُ عِبَادًا لِي، لا يَدَيْ لأَحَدٍ بقِتَالِهِمْ..»[24]. وإن نحن تنبهنا، فإن الدجال يخرج على إثر المهدي وعيسى ينزل على إثر خروج الدجال، للترابط الغيبي الذي بينهم. وكما نلاحظ، فإن أحداث آخر الزمان ستشمل جميع أنحاء العالم، ولكن مشهدها النهائي سيكون في فلسطين التي هي قلب العالم. وسيطهر الله قلب العالم من كل دنس، فلا يبقى هناك إلا المؤمنون بإمارة عيسى عليه السلام، الذي سيدوم حكمه أربعين سنة، يتزوج فيها ويعيش مع رعيته خاتمة الإيمان على وجه الأرض. ثم يتوفّى الله عيسى بن مريم ويُفني المؤمنين، فلا يبقى على وجه الأرض إلا حيوانات بشرية عليهم تقوم الساعة. ونكرر هنا ما ذكرناه في غير هذه المناسبة، من أن عيسى عليه السلام، سينزل وارثا محمديا، تابعا للشريعة المحمدية؛ لا كما يتوهم النصارى. وهذا لأن خاتم النبيئين هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الذي أخذ الله ميثاق النبيئين إن أدركوه أن يتخلّفوا عن الإمامة ويتركوها له. يقول الله تعالى: {وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِیثَـٰقَ ٱلنَّبِیِّـۧنَ لَمَاۤ ءَاتَیۡتُكُم مِّن كِتَـٰبٍ وَحِكۡمَةٍ ثُمَّ جَاۤءَكُمۡ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمۡ لَتُؤۡمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥۚ قَالَ ءَأَقۡرَرۡتُمۡ وَأَخَذۡتُمۡ عَلَىٰ ذَ ٰلِكُمۡ إِصۡرِیۖ قَالُوۤا۟ أَقۡرَرۡنَاۚ قَالَ فَٱشۡهَدُوا۟ وَأَنَا۠ مَعَكُم مِّنَ ٱلشَّـٰهِدِینَ} [آل عمران: 81]. ولقد سبق أن ذكرنا أن الزمن التشريعي المحمدي يمتد من البعثة الشريفة، إلى قيام الساعة؛ وهو ما سيجعل عيسى ينزل تابعا لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، كما كان له نائبا عند بعثته الأولى، وقبل أن يرفعه الله إليه. وكل النصارى المتعصبين لدين محرّف، يتوهمون منه أنهم على شيء، ويتوهمون أن عيسى إذا نزل فإنه سيُقرّهم على انحرافاتهم، مخطئون؛ لأنه سينزل محمديّا. ومن أراد من النصارى أن يستعد لنزوله، فعليه أن يتعرف على الدين الحق، قبل أن يُمتحن فيه امتحانا لا يدري كم يكون ثقله عليه!... واليهود أيضا عليهم أن يستعدوا للأمر بما ينبغي له، لا بما تهوى أنفسهم؛ وعليهم أن يعلموا أن من اتبع منهم الدجّال، فإنه سينتهي نهايته معه. وهذا أمر حتمي، لا ينفع فيه أن يبقى المرء على ما اعتاده في مجتمعه، وما ورثه من أجداده. والموفَّق من وفّقه الله. وما هذه الخاتمة التي ستعرفها البشرية، إلا تأكيد للمقدّمة التي هي: الإله واحد، والرسول واحد، والدين واحد. وكل هذا الذي سيكون نهاية معطوفة على البداية، سيكون إيذانا بقرب الآخرة التي هي دار القرار. فبعد أن يتقرر الدين، وتُصحّح التصورات، تقوم الساعة، بفناء الدنيا عند انهداد العالم الذي نعرفه. فينتقل كل الناس إلى البرزخ، حيث سبقهم أسلافهم الذين ماتوا كلهم. وعندما يأذن الله، فإنه يبعث الناس من جديد إلى عالم جديد هو الآخرة. وإذا كانت الدنيا عالم كون وفساد، فإن الآخرة ستكون عالم بقاء، لا نهاية له. وفيها سينقسم المكلفون إلى داريْن: الجنة والنار، بحسب الإيمان والكفر... [1] .أخرجه أبو داود والترمذي، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. |
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وكل عبد من الصالحين.
إن الكلام في التصوف قد تشعب حتى كاد يخرج عن الضبط في نظر الناظرين. وإن تحديد موقع التصوف من الدين، كان ولا زال موضع خلاف بين المسلمين. والميل إلى طرف دون آخر متأرجح بحسب خصوصية كل مرحلة من مراحل عمر الأمة الإسلامية. لكننا نرى أنه حان الوقت، وبعد أن أصاب الأمة ما أصاب، أن نقول: إن التصوف إسلام. ونعني أنه تحقيق للإسلام!
قد يرى البعض أن هذا تعسف باعتبار أن الكلمة مبهمة وغير ذات أصل شرعي؛ أو هي دخيلة إن اعتبرنا نسبتها إلى الأديان الكـتابية والوثنية على السواء...
وقد يرى البعض الآخر في ذلك مبالغة وتضخيما، إذا رجع إلى مدلول الكلمة وإلى تجليات التصوف المنصبغة بصبغة كل زمن زمن...
وقد يقول قائل: كان في إمكانكم تجاوز لفظ " التصوف " تسهيلا للتواصل والتلاقي، إن كان المراد مجرد عرض للإسلام أو إعادة تناول لمختلف جوانبه...
لكن، نقول: حفاظا على الأدب مع قوم بذلوا في الله مهجهم، سبقونا، ورجاء في اللحوق بهم، نحافظ على اللفظ؛ ومن أجل التنبيه إلى منهج التصوف في التربية، التي ليست إلا التزكية الشرعية، نقول: إن التصوف..إسلام!
لم ينفع بعضَ المسلمين مجرد انتساب للإسلام واعتبار لظاهره على حساب الباطن. ولم يجد إنكار بعض الفقهاء له وقد كذبتهم الأيام. وهاهي الأمة تكاد تنسلخ عن الدين في عمومها..
وها هي الأزمة نعيشها في تديننا، لا يتمكن أحد من إنكارها.. وها هي تداعيات الأزمة تكتنفنا من كل جانب..
ومن جهة أخرى ، لم يعد يجدي من ينتسب إلى التصوف الانزواء الذي كان مباحا أو مستحبا في عهود مضت، وواجب الوقت بلا شك، هو إقامة الدين ظاهرا إلى باطن، بعد أن ولى زمن حماة الشريعة من الفقهاء الورعين أصحاب النور، المجتهدين المجددين .
ولم يعد يكفي الكلام عن الطريقة التربوية الاجتهادية الخاصة بكل شيخ، إلا مع التنبيه إلى الطريق المحمدي الجامع الشامل، حتى تسقط الحواجز الوهمية التي صارت حجبا في زماننا، تمنع من إدراك صحيح للدين.
لذلك ولغيره، نرى أنه من الواجب في زمن العولمة المبشرة بجمع شمل الأمة الكلام عن التصوف بالمعنى المرادف لتحقيق الإسلام، بشموليته واستيعابه كل مذاهب المسلمين.
ونأمل من الله عز وجل، أن يكون هذا الموقع من أسباب ذلك، راجين منه سبحانه وتعالى السداد والقبول، فإنه أهل كل جود وفضل.