اللهم صل على سيدنا محمد الكامل الأكمل، ومظهر الجمال الأجمل، المكمل لكل كامل على مدى الأزمان، والمتخلق على التمام بأخلاق الرحمن؛ القائل بلسان الشكر: أنا سيد وُلد آدم ولا فخر؛ وعلى آله الطاهرين بالتطهير الرباني، وصحابته المشرفين بالشهود العياني؛ وسلم من أثر شهود نفوسنا صلاتنا عليه تسليما. والحمد لله المنعم المفضل حمدا عميما.
![]() | ![]()
2012/11/28 البقرة: (221-240) 221. { وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }: [ولا تنكحوا]: لا تستولدوا؛ [المشركات]: النفوس؛ والخطاب للعقول؛ [حتى يؤمن]: حتى يدخلن في رق العبودية للحق عقدا. [ولأمة مؤمنة]: نفس مؤمنة؛ [خير من مشركة ولو أعجبتكم]: بربوبيتها. [ولا تنكحوا المشركين]: من عقول غيركم؛ أي لا تمكنوهم من نفوسكم المؤمنة؛ [حتى يؤمنوا]: لضرورة المجانسة. [ولعبد مؤمن]: من العقول وإن بدا سفيها؛ [خير من مشرك ولو أعجبكم]: بحسن منطقه وكثرة معلوماته. [أولئك يدعون إلى النار]: النفوس المشركة والعقول المشركة؛ [والله يدعو]: على لسان العقول المؤمنة والنفوس المؤمنة؛ [إلى الجنة]: وهو ما خفي من الخير عن الغير؛ [والمغفرة]: وهي الفناء في الحق؛ [بإذنه]: الذي لا يُنال إلا بإذنه لعزته. [ويبين آياته]: في كل شيء يدعو إلى شيء؛ [للناس]: جميعا؛ [لعلهم يتذكرون]: بالنظر إلى أمر أنفسهم، ويعرفون ما هم عليه. فإن كان خيرا حمدوا الله واستزادوا منه؛ وإلا رجعوا وتابوا. 222. { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ }: [ويسألونك عن المحيض]: الحيض هو الفيض، مِن حاض السيل إذا فاض؛ والمقصود هنا ما يزيد على قدر التحقق. [قل هو أذى]: ضرر لمن اتصف به. [فاعتزلوا النساء]: وهي النفوس المتأخرة في الظهور، من النسء؛ [في المحيض]: في حال اتصافهن بالحيض. [ولا تقربوهن]: ابتغاء نفعهن؛ [حتى يطهرن]: مما زادوا على الحق فيه. [فإذا تطهرن]: بتمام الصدق؛ [فأتوهن]: اتصلوا بهن لبقاء حياة الأبدان وإبقاء للتكاليف؛ [من حيث أمركم الله]: لا على الإطلاق، فتعودوا إلى حكم الحجاب. [إن الله]: من حيث المرتبة؛ [يحب]: ليقع نتاج التحقق؛ [التوابين]: العائدين إلى حكمه تعالى؛ [ويحب المتطهرين]: لإلقائه سبحانه. 223. { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ }: [نساؤكم]: نفوسكم؛ [حرث لكم]: محل لكسبكم، فلولاها ما تحقق لكم نصيبكم من الحق؛ والنفس هنا هي الصورة العدمية للعبد؛ [فأتوا حرثكم]: أقبلوا عليه؛ [أنى شئتم]: على إطلاق الإتيان إذا اعتبرت الغاية الحق. [وقدموا لأنفسكم]: من الحق ما ينفعها لا ما يضرها؛ كأن تطالبوها بالطاعات بلسان الشرع، وتحجبوا عنها الحقيقة التي تمنعها عنها، أي عن الطاعات. [واتقوا الله]: اتقوا حقيقتكم؛ [واعلموا أنكم ملاقوه]: اعلموا أنه لا مناص لكم منه، طال الأجل أم قصر. [وبشر المؤمنين]: بهذا اللقاء، المستعدين له بما يناسبه من موافقة. 224. { وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }: [ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم]: فتذكرونه حيث يجب وحيث لا يجب؛ [أن تبروا]: ولا يمنعكم مانع حال، أن تبروا نسبة الله حيث كانت؛ [وتتقوا]: وأن تتقوا الباطل بالحق؛ [وتصلحوا بين الناس]: وأن تصلحوا بين الناس على الله. [والله سميع]: لما تقولون من مقامكم؛ [عليم]: بكم حيث أنتم. 225. { لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ }: [لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم]: لا يؤاخذكم على ذكره حيث لا ينبغي، كالذكر القلبي عند ارتكاب المنهيات؛ [ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم]: ولكن يؤاخذكم بما هو مستقر عندكم، مما قد يكون مخالفا للعلم الحق. [والله غفور]: لسوء أدبكم في ذكره حيث لا ينبغي، إن كان بالظاهر لا بالقلب؛ [حليم]: عليكم حتى تعودوا إلى ما يقتضيه الأدب والعلم معا. 226. { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }: [للذين يؤلون من نسائهم]: بحلفهم أن لا يقربوهن؛ والمعنى أنهم يريدون مفارقة نفوسهم بالقطع؛ [تربص أربعة أشهر]: وهي مهلة للمراجعة، باعتبار أربعة مظاهر لإثبات النفس، وهي: ما كان من ضرورات الأبدان كالطعام والشراب؛ وما كان من ضرورات التكليف؛ وما كان من متعلَّقات الجزاء؛ وما كان من متعلقات الفناء. فهذه الأربعة لا بد أن ترد العبد إلى إثبات نفسه بحسب الموطن، وإلا بانت منه بالموت الطبيعي، أو بذهاب العقل فيعود من مقام المخلوقات التي تعبد الله بالوحي الغريزي كالحيوانات. [فإن فاءوا]: فإن رجعوا عن إيلائهم عند إدراكهم حقيقة معاملة أنفسهم؛ [فإن الله غفور]: لما كانوا أخذوا أنفسهم به جهلا؛ [رحيم]: بهم؛ حتى لا يُحرموا خير أنفسهم. 227. { وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }: [وإن عزموا]: الكلام عن القلوب؛ [الطلاق]: الفراق الحكمي، لأنه لا مجال للفراق التام؛ [فإن الله]: من حيث الحقيقة؛ [سميع]: لما عزموا؛ [عليم]: بحقيقة العزم أو عدمه، فيعاملهم بما ألزموا أنفسهم به سبحانه. 228. { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }: [والمطلقات]: وهي النفوس المفارَقة حكما؛ [يتربصن]: ينتظرن؛ [بأنفسهن]: لعدم إمكان التفريق من حيث الحقيقة؛ [ثلاثة قروء]: ثلاثة أوقات، والقرء هو الوقت؛ وهو وقت التعين الشخصي، ووقت التكليف، ووقت الجزاء. وهذه تجليات لا بد فيها من حضور النفس. [ولا يحل لهن]: يحرم عليهن؛ [أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن]: أن لا يخرجن ما جعل الله في حقيقتهن من أسرار بها تدرك الدرجات الرفيعة في المعارف؛ [إن كن يؤمن بالله]: إن كن باقيات على أصل عبوديتهن؛ [واليوم الآخر]: المؤْذن بانقلاب حقيقتهن؛ [وبعولتهن]: من القلوب؛ [أحق بردهن]: إلى سواء المعاملة؛ [في ذلك]: مما ذكر من الأوقات؛ [إن أرادوا إصلاحا]: لجميع مراتب الحقيقة الإنسانية؛ [ولهن]: من النِّسب؛ [مثل الذي عليهن]: مثل ما سلب منهن؛ لأن الأمر شطره حق وشطره خلق؛ [بالمعروف]: بما عرف من المعارف، حتى يكون المرء على بينة فيه؛ [وللرجال]: وهي القلوب التي بلغت رشدها؛ [عليهن درجة]: لهم عليهن درجة الهيمنة والإشراف. [والله عزيز]: لا يعرف في النفوس إلا بإذنه، بسبب الذل الظاهر؛ [حكيم]: في بطون عزته سبحانه. 229. { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }: [الطلاق مرتان]: الفراق الحكمي، يكون إما لتنزيه الحق عما لا يليق به، وإما لنيل عطاء الفرق؛ [فإمساك]: بعد ذلك في حضرة الجمع؛ [بمعروف]: بالحق؛ [أو تسريح]: في ميدان التكاليف؛ [بإحسان]: وهو رؤية القائم فيها، وإلا عاد العمل شركيا. [ولا يحل لكم]: يحرم؛ [أن تأخذوا]: تستولوا من حيث الحكم؛ [مما آتيتموهن]: من النِّسب؛ [شيئا]؛ [إلا أن يخافا]: معا؛ [ألا يقيما حدود الله]: إذا لم تكن بيّنة لهما؛ [فإن خفتم]: والخطاب للمظاهر الجمعية؛ [ألا يقيما حدود الله]: على مقتضى العلم المناسب للمواطن؛ [فلا جناح]: لا ضرر؛ [عليهما]؛ [فيما افتدت به]: فيما افتدت نفسها به، لتبقي على حكمها. وهنا يُحتاج إلى علم المعاوضات، وتناسب الأحوال. [تلك حدود الله]: المميزة لحقوق الحق وحقوق الخلق في المظهر نفسه؛ [فلا تعتدوها]: لا تتجاوزوها، فتختلط عليكم الأمور وتضلوا؛ [ومن يتعد حدود الله]: عن جهل؛ [فأولئك هم الظالمون]: لأنفسهم أو للحق فيهم. 230. { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }: [فإن طلقها]: أي زادَ الثالثة التي لا حاجة إليها؛ [فلا تحل له]: تحرم عليه؛ [حتى تنكح زوجا]: وهو العقل؛ [غيره]: وهو معنى غير القلب؛ [فإن طلقها]: فإن انفصلت عنه عارفة بحدودها نائلة لحقوقها؛ [فلا جناح عليهما]: القلب والنفس؛ [أن يتراجعا]: يعود أحدهما إلى الآخر حكما لوحدة الحقيقة؛ [إن ظنا أن يقيما حدود الله]: إن علما أنهما لن يخلطا الأحكام، بما يؤدي إلى اختلال الحال؛ [وتلك حدود الله]: التي هي تفصيل الإجمال؛ [يبينها]: يظهر معالمها المعقولة؛ [لقوم يعلمون]: أي لقوم كساهم الله صفة علمه، ينظرون بها إلى الأشياء. فهم معصومون فيما يعلمون. 231. { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }: [وإذا طلقتم النساء]: إذا فارقتم نفوسكم حكما؛ [فبلغن أجلهن]: من الحال أو مقتضى الموطن؛ [فأمسكوهن]: اجمعوهن إليكم؛ [بمعروف]: بالحق الذي عرفتم؛ [أو سرحوهن]: بحسب العلم، في ميدان الفرق؛ [بمعروف]: بالحق لا بها. [ولا تمسكوهن]: في مقام الجمع؛ [ضرارا لتعتدوا]: من أجل الإضرار بهن بحرمانهن من أرزاقهن ووارداتهن. [ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه]: لأن الفوائد منهن عليه تعود. [ولا تتخذوا آيات الله]: الفرقية؛ [هزؤا]: بأن لا تقدروها حق قدرها. [واذكروا نعمة الله عليكم]: في كل مراتب حقيقتكم؛ [وما أنزل عليكم من الكتاب]: الذاتي من أسرار؛ [والحكمة]: في معرفتها؛ [يعظكم به]: من أنفسكم. [واتقوا الله]: من حيث هو حقيقتكم؛ [واعلموا]: بعلمه؛ [أن الله بكل شيء عليم]: على الإجمال والتفصيل. 232. { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }: [وإذا طلقتم النساء]: بالمعنى السابق؛ [فبلغن أجلهن]: انتهت مدة التطليق؛ [فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن]: فلا تمنعوهن من تزويج الحقيقة؛ [إذا تراضوا بينهم بالمعروف]: إذا رضي كل منهما بالحق من الآخر. [ذلك]: التزويج؛ [يوعظ به]: ينصح به؛ [من كان منكم يؤمن بالله]: من صدق بالله منه؛ [واليوم الآخر]: القالب للأحكام. [ذلكم]: القلب؛ [أزكى لكم]: خير لحقكم؛ [وأطهر]: لنفوسكم من حكمها. [والله يعلم]: نفسه منكم؛ [وأنتم لا تعلمون]: أنه يعلم. 233. { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }: [والوالدات]: من النفوس المربية؛ [يرضعن]: من ألبان الذوق؛ [أولادهن]: من المريدين؛ [حولين]: من حال يحول، حالا بالنفس، وحالا بالحق؛ [كاملين]: لكمال الذوق الذي هو شرط في المعرفة. [لمن أراد]: من المريدين؛ [أن يتم الرضاعة]: أن يتم استمداده في الحالين، بما يستخرج كمالاته. [وعلى المولود له]: من الشيوخ؛ [رزقهن]: بما تتطلبه التربية من أمداد؛ [وكسوتهن]: بما يواجه المريد من ضروري الأنوار؛ [بالمعروف]: عند المواجَه. [لا تكلف نفس]: من المعرفة؛ [إلا وسعها]: ما يبلغه استعدادها. [لا تضار]: لا يصيبها ضرر؛ [والدة]: النفس المربية؛ [بولدها]: نفس المربّى؛ لأن الحق يسع الجميع؛ [ولا مولود له]: من الشيوخ؛ [بولده]: السالك لنزوله عن المقام للضرورة. [وعلى الوارث]: الكامل؛ [مثل ذلك]: من الرزق والكسوة لأنه مربّ للأمة بعد نبيها عليه الصلاة والسلام. [فإن أرادا فصالا]: إن أرادا فطاما؛ [عن تراض منهما]: الشيخ بازدواجيته؛ [وتشاور]: غيبي؛ فلا جناح عليهما. [وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم]: إن أردتم أن تطلبوا الرضاع لهم من غيركم لضرورة؛ [فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم]: من أجر الرضاع؛ [بالمعروف]: بالله؛ حتى لا يكون قد تغير على المريد إلا المظهر. [واتقوا الله]: من الأولاد؛ [واعلموا أن الله بما تعملون]: بهم؛ [بصير]: لا يخفى عن بصره سبحانه شيء من ذلك كله. 234. { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }: [والذين يتوفون منكم]: في حال الفناء؛ [ويذرون أزواجا]: لا يلتفتون إلى أنفسهم لغيبتهم بالحق؛ [يتربصن بأنفسهن]: ينتظرن من أنفسهن بغير رجوع إلى زوج؛ [أربعة أشهر]: من رعاية البدن، وقيام بالتكليف، وطلب جزاء، وتحقق بقاء؛ [وعشرا]: وهو ثلث الشهر الباقي من أصلها، المسمى باللطيفة المتوجه عليها الخطاب. وهذا أقصى ما يمكن أن تبلغه النفس من كمال في الفناء. [فإذا بلغن أجلهن]: مما قدر لهن من حظوظ؛ [فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن]: من تصرف؛ [بالمعروف]: بالحق. وهذا أدنى ما يكون من الفرق بين الحق والخلق. [والله]: من حيث الحقيقة؛ [بما تعملون]: في أنفسكم؛ [خبير]: والخبرة نظير الذوق للحق. أي هو العامل في نفسه ما تعملون. 235. { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }: [ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء]: الكلام عن المعتدات من طلاق أو وفاة زوج؛ والمقصود بقاء صلة خفية بين القلب والنفس في أثناء العدة الواجب تمامها، من أجل تحقق المقام. والتعريض هو الكلام بالتلميح. وخطبة النفس المذكورة هنا، جاءت بسبب تغير حكم النفس؛ فصارت كأنها غيرها. وذلك أن النفس في البداية، ومع الغفلة كانت عامة الحكم للحقيقة الإنسانية؛ أما بعد الفتح، فإنها تعود إلى حكمها الأصلي الذي لا يتجاوز قدرها في الحقائق. [أو أكننتم في أنفسكم]: ما لم تتكلموا به من الخطبة، وبقي في طور النية؛ وهو أخفى من التعريض. [علم الله]: بعلمه المحيط؛ [أنكم ستذكرونهن]: من حرصكم؛ [ولكن لا تواعدوهن سرا]: من وراء الحكم الشرعي المتعلق بالسلوك؛ [إلا أن تقولوا قولا معروفا]: إلا إذا التزمتم بالحدود التي حدها العلم. [ولا تعزموا عقدة النكاح]: لا تعقدوا عقدا معتبرا؛ [حتى يبلغ الكتاب أجله]: حتى تنقضي العدة من مجانبتها؛ فإن صحبة النفس لا تصح إلا بعد انتهاء مدة التطليق بالمجاهدات، أو الموت عنها بالفناء. [واعلموا أن الله يعلم]: من علمه سبحانه بنفسه؛ [ما في أنفسكم]: في ضمائركم؛ [فاحذروه]: أن تتصرفوا فيها بغير ما أمر، من أجل سلامتكم. [واعلموا]: من أجل موافقة الحق؛ [أن الله غفور]: لأنفسكم، بعد انتهاء عدة مفارقتها بتحققها؛ [حليم]: عليكم، لمخالفتكم أحكام الحق فيما تعديتم فيه بعض الحدود بسبب ضعفكم واستعجالكم. 236. { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ }: [لا جناح عليكم إن طلقتم النساء]: بالمفارقة الحكمية؛ [ما لم تمسوهن]: من غير سبق مباشرة؛ وهذا لا يقع إلا للأنبياء عليهم السلام من أهل العناية الكبرى؛ [أو تفرضوا لهن فريضة]: أو تجعلوا لهن حظا منكم؛ كما يقع لغالبية الناس. [ومتعوهن]: لأن هذه النفوس الطاهرة، كل معاملة لها هي تمتيع بسبب خلوها من متعلقات الأذى؛ [على الموسع قدره]: وهو الحق الواسع؛ [أو على المقتر قدره]: وهو حقيقة العبد. فهذه النفوس ليس لها إلا التمتيع من الحق ومن الخلق في الحقيقة الآدمية؛ [متاعا بالمعروف]: بالحق في المرتبتين الحقية والخلقية؛ [حقا]: من التحقق؛ [على المحسنين]: المجيدين لمعاملة النفس في أعلى مراتبها، وأزكى مظاهرها. 237. { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }: [وإن طلقتموهن من قبل تمسوهن]: على المعنى السابق ذكره؛ [وقد فرضتم لهن فريضة]: وقد جعلتم لهن حظا منكم، من غلبة التحقيق وتحقق التمكين؛ [فنصف ما فرضتم]: بسبب المشاركة في الحقيقة بين الحق والخلق؛ [إلا أن يعفون]: إلا أن يتنازلن عن حظهن من شدة تحققهن، فيكون كل شيء للحق في نظرها؛ [أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح]: وهو الولي للبكر؛ لأن حكمها بالأصالة من حكمه. [وأن تعفوا]: الخطاب للأزواج؛ فمن تنازل عن نصفه لطليقته فهو: [أقرب للتقوى]: حتى يكون كله حقا، فيكون متقيا لحكم النفس. [ولا تنسوا الفضل بينكم]: لا تهملوا ما يتولد بين الحق والخلق من معارف وأسرار. [إن الله بما تعملون]: بأي حكم عاملتم أنفسكم؛ [بصير]: يبصره منكم ومن أنفسكم، محيط. 238. {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ }: [حافظوا على الصلوات]: وهي الصِّلات بالحق في كل المظاهر؛ [والصلاة الوسطى]: وهي الصلة بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم أصل كل الصلوات والصلات؛ [وقوموا لله]: في أنفسكم، متحققين بمظهريتكم؛ [قانتين]: فانين عن حكم أنفسكم. 239. { فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ }: [فإن خفتم]: ذهاب أعيانكم من سطوة الحق؛ [فرجالا]: فأثبتوا أنفسكم سائرين في الحق، [أو ركبانا]: محمولين به فيه. [فإذا أمنتم]: على أنفسكم بقاء حكمها في عين الحق بما يعطيه الرسوخ لديكم؛ [فاذكروا الله]: في أنفسكم؛ [كما علمكم]: بحسب ما ظهر لكم؛ [ما لم تكونوا تعلمون]: في وقت كونكم أجانب عن الحق في نظركم السابق. 240. { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }: [والذين يُتوفون]: بفنائهم عند أنفسهم من سطوة الحق؛ [ويذرون أزواجا]: يتركون أنفسهم من غير تدبير منهم؛ [وصية]: من الله؛ [لأزواجهم]: لأنفسهم؛ [متاعا]: يمتعها متاع الغريزة؛ [إلى الحول]: حتى ينتهي حكم حال الفناء بتحوله؛ [غير إخراج]: من غير إخراج من حكم النفس الأصلي، لأن الإخراج يلحقه بغير جنسه من المكلفين. [فإن خرجن]: من أنفسهن بما يعطيه استعدادهن؛ [فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن]: عند عودة حكمهن عليهن؛ [من معروف]: من حكم ذاتي النسبة. [والله]: من كونه جامعا لجميع التجليات؛ [عزيز]: أن يعرف في جميعها عند العموم؛ [حكيم]: في احتجابه سبحانه في حق من يشاء من عباده. |
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وكل عبد من الصالحين.
إن الكلام في التصوف قد تشعب حتى كاد يخرج عن الضبط في نظر الناظرين. وإن تحديد موقع التصوف من الدين، كان ولا زال موضع خلاف بين المسلمين. والميل إلى طرف دون آخر متأرجح بحسب خصوصية كل مرحلة من مراحل عمر الأمة الإسلامية. لكننا نرى أنه حان الوقت، وبعد أن أصاب الأمة ما أصاب، أن نقول: إن التصوف إسلام. ونعني أنه تحقيق للإسلام!
قد يرى البعض أن هذا تعسف باعتبار أن الكلمة مبهمة وغير ذات أصل شرعي؛ أو هي دخيلة إن اعتبرنا نسبتها إلى الأديان الكـتابية والوثنية على السواء...
وقد يرى البعض الآخر في ذلك مبالغة وتضخيما، إذا رجع إلى مدلول الكلمة وإلى تجليات التصوف المنصبغة بصبغة كل زمن زمن...
وقد يقول قائل: كان في إمكانكم تجاوز لفظ " التصوف " تسهيلا للتواصل والتلاقي، إن كان المراد مجرد عرض للإسلام أو إعادة تناول لمختلف جوانبه...
لكن، نقول: حفاظا على الأدب مع قوم بذلوا في الله مهجهم، سبقونا، ورجاء في اللحوق بهم، نحافظ على اللفظ؛ ومن أجل التنبيه إلى منهج التصوف في التربية، التي ليست إلا التزكية الشرعية، نقول: إن التصوف..إسلام!
لم ينفع بعضَ المسلمين مجرد انتساب للإسلام واعتبار لظاهره على حساب الباطن. ولم يجد إنكار بعض الفقهاء له وقد كذبتهم الأيام. وهاهي الأمة تكاد تنسلخ عن الدين في عمومها..
وها هي الأزمة نعيشها في تديننا، لا يتمكن أحد من إنكارها.. وها هي تداعيات الأزمة تكتنفنا من كل جانب..
ومن جهة أخرى ، لم يعد يجدي من ينتسب إلى التصوف الانزواء الذي كان مباحا أو مستحبا في عهود مضت، وواجب الوقت بلا شك، هو إقامة الدين ظاهرا إلى باطن، بعد أن ولى زمن حماة الشريعة من الفقهاء الورعين أصحاب النور، المجتهدين المجددين .
ولم يعد يكفي الكلام عن الطريقة التربوية الاجتهادية الخاصة بكل شيخ، إلا مع التنبيه إلى الطريق المحمدي الجامع الشامل، حتى تسقط الحواجز الوهمية التي صارت حجبا في زماننا، تمنع من إدراك صحيح للدين.
لذلك ولغيره، نرى أنه من الواجب في زمن العولمة المبشرة بجمع شمل الأمة الكلام عن التصوف بالمعنى المرادف لتحقيق الإسلام، بشموليته واستيعابه كل مذاهب المسلمين.
ونأمل من الله عز وجل، أن يكون هذا الموقع من أسباب ذلك، راجين منه سبحانه وتعالى السداد والقبول، فإنه أهل كل جود وفضل.