اللهم صل على سيدنا محمد الكامل الأكمل، ومظهر الجمال الأجمل، المكمل لكل كامل على مدى الأزمان، والمتخلق على التمام بأخلاق الرحمن؛ القائل بلسان الشكر: أنا سيد وُلد آدم ولا فخر؛ وعلى آله الطاهرين بالتطهير الرباني، وصحابته المشرفين بالشهود العياني؛ وسلم من أثر شهود نفوسنا صلاتنا عليه تسليما. والحمد لله المنعم المفضل حمدا عميما.
![]() | ![]()
2012/11/14 البقرة: (121-140) 121. { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ }: [الذين آتيناهم]: أنزلنا عليهم؛ [الكتاب]: المعاني القرآنية الجامعة؛ [يتلونه حق تلاوته]: يذوقونه ذوقا؛ ولا يكتفون بالتلاوة اللفظية، أو التلاوة الفكرية؛ لأن التلاوة الذوقية من ورائهما؛ [أولئك يؤمنون به]: هؤلاء الذين ارتفعت نسبتهم من الحق؛ هم من يصدقون بما أمرناك. وأنت إمامهم في هذا الذوق، ومنهم خاطبناك، كما منك خاطبناهم. [ومن يكفر به]: من يتماد في حجابه من الطائفتين المذكورتين؛ [فأولئك]: إشارة للإبعاد؛ [هم الخاسرون]: الذين خسروا حقيقتهم بانحجابهم عنها. 122. { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ }: [يا بني إسرائيل]: يا أيها المكلفون أصحاب النسبة الخاصة؛ [اذكروا نعمتي]: بتأهيلكم لحمل الأمانة الإلهية بالقوة؛ [التي أنعمت عليكم]: بجعلكم محلا لها، وإن لم تظهر من جميعكم بالفعل؛ [وأني]: من جهة أنيتي؛ [فضلتكم على العالمين]: جعلتكم أفضل ممن خلقت ورفعتكم عليهم، بأن تركتهم مع غيب الهوية لا يعقلون ما تعقلون. 123. { وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ }: [واتقوا يوما]: واحذروا تجليا؛ [لا تجزي نفس عن نفس شيئا]: إذا انكشف غطاء الوهم، ظهرت هذ الحقيقة؛ وهي أن كل نفس مظهر خاص لتركيبة أسماء مخصوصة؛ [ولا يُقبل منها عدل]: ومن هذا الوجه لا تعدل نفس نفسا، أي تماثلها، أبدا. [ولا تنفعها شفاعة]: ولا حاجة للشفاعة هنا، لأن النفوس متساوية من حيث المظهرية؛ والشفاعة التي هي من توابع التكليف، لا تعتبر هنا؛ [ولا هم يُنصرون]: هم، النفوس الغائبة عن الحق بغفلتها؛ لا تنصر بإزالة الحجاب عنها، حتى لا تحرم الحقائق التي هي مظهرها من الحضور على صفحة الوجود. 124. { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }: [وإذ ابتلى إبراهيم]: الابتلاء هو تحميل التجلي؛ [ربه]: المتجلي فيه؛ [بكلمات]: تجليات مخصوصة؛ [فأتمهن]: فتحمل الشق الخاص به منهن على التمام. وهذا من شرك الحقائق، وهو ثابت فيها لا يمكن رفعه. ومن تمام المقام هنا أن يكون العبد شريكا لربه في كل تجلّ، ويعامله معاملة الشريك. وفي هذا التجلي، يجد العبد من نفسه الاستقلالية عن ربه، وقد يتمدح بين يديه بهذه الشركة. وهذا من أغرب ما يفاجئ أصحاب الطريق. وإلى هذا التجلي الإشارة بجعل الصلاة قسمين: قسم لله وقسم للعبد. فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي؛ ولعبدي ما سأل»..إلخ الحديث؛[أخرجه مسلم]. فهذا هو إتمام الكلمات. بعد هذا؛ [قال]: أي الله: [إني جاعلك للناس إماما]: في هذا التجلي؛ [قال]: أي إبراهيم: [ومن ذريتي]: يعني ذريته من التربية. [قال]: أي الله: [لا ينال عهدي الظالمين]: لا ينال هذا التجلي من كان من ذريتك مظهرا لأسماء الجلال؛ لأنه لا بد أن يكون بعضهم على هذه الحال؛ أما غيرهم من أهل الكمال فينالهم. وذلك لأن في هذا التجلي، يجد العبد الشريك العالم، جزءا صغيرا منه فحسب. فسبب استثناء الله للظالمين، هو عدم أهليتهم لهذه الإحاطة. فإن الله لا أحد مثله سبحانه يَعتبر الحقائق. 125. { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ }: [وإذ جعلنا البيت]: البيت هو كهف هذا التجلي الشركي؛ [مثابة]: مرجعا للناس: مرجعا للمؤمن والمشرك من حيث التحقيق. [وأمنا]: لخواص العباد على الخصوص؛ أما بالنسبة للمشركين، فحتى يكشف الغطاء. [واتخذوا]: كل من ذاق هذا التجلي؛ [من مقام إبراهيم]: المقابل لربه؛ [مصلى]: مقاما يحققون صلتهم فيه بربهم؛ من حيث هم مأمومون. ومن هذا التجلي ستكون لإبراهيم عليه السلام الخصوصية بين الأنبياء التي سنجدها مذكورة في القرآن، في مواضع كثيرة. [وعهدنا]: أوصينا؛ [إلى إبراهيم وإسماعيل]: الإمام والمأموم؛ [أن طهرا بيتي]: البيت هنا الذات؛ والمعنى لا تنسبوا إليها معنى خاصا، حتى وإن كان إلهيا؛ وإنما انسبوا إليها كل المعاني على الإطلاق؛ [للطائفين]: وهم الصفاتيون الذين يحومون حول معنى الذات، وليسوا من أهله؛ [والعاكفين]: وهم أصحاب التوجه من المريدين؛ [والركع]: وهم الخاضعون لأحكام الشرائع؛ [السجود]: الملحقون في الحكم بالسجود، وإن كانوا لا يعلمون هم ذلك. وتطهير البيت لهؤلاء، هو مخاطبة كل صنف منهم بما يعرّفه ربه من مقامه؛ لأنهم جميعهم من أهل البيت. 126. { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }: [وإذ قال إبراهيم]: العبد الذاتي؛ [رب اجعل هذا بلدا آمنا]: يدعو ربه في هذا التجلي الخاص، أن يجعل هذا المنزل العرفاني، آمنا من طغيان حقيقة الذات؛ حتى تبقى الأحكام فيه محفوظة. [وارزق أهله]: من يحلون فيه؛ [من الثمرات]: العرفانية ما يغذي عقولهم؛ [من آمن منهم]: صدق بإمكان حصوله في هذا المنزل، [بالله]: وكان قائما فيه بالله لا بنفسه؛ وإلا فسق وانعكست عنده الآية؛ [واليوم الآخر]: معطوف على الثمرات: أي ارزقهم من الثمرات واليوم الآخر، الذي هو تجلي التحقيق؛ على قدر استعدادهم. [قال]: أي الله: [ومن كفر]: ستر هذه الحقائق بما يعتقده من التقييدات؛ [فأمتعه]: بما يعتقد؛ [قليلا]: فيرى أن الحق هو ما هو عليه. وهو حق في نفسه، لكنه لا يعلم أن الحق لا يتقيد به؛ لذلك، [ثم أضطره]: أخرجه مما كان فيه قهرا؛ [إلى عذاب النار]: ليحرق منه القيود؛ [وبئس المصير]: لما كان يعتقد؛ لأنه سيصير في عينه جهلا إذا صح الإدراك. 127. { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }: [وإذ يرفع]: بالإظهار؛ [إبراهيم القواعد]: العلامات المعلومة؛ [من البيت]: الجامع؛ [وإسماعيل]: من حيث هو شريكه؛ فظهر الشرك المحمود حكما في الوجود. [ربنا]: القول منهما واحدي؛ [تقبل منا]: هذا المظهر الشركي من واحديتك؛ [إنك أنت]: الظاهر به؛ [السميع]: لما خفي من الشهود؛ [العليم]: بكل موجود. 128. { رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }: [ربنا]: بلسان الجمع في مشهد الفرق؛ [واجعلنا]: بجعلك؛ [مسلمين لك]: من حيث الذات؛ [ومن ذريتنا]: من التحق بنا من حيث المقام؛ [أمة]: جماعة؛ [مسلمة لك]: كل على حسبه؛ [وأرنا]: عرفنا؛ [مناسكنا]: حدود عبوديتنا، حتى لا نتعداها؛ [وتب علينا]: أرجعنا من الحقيقة الكلية إلى معالم الأحكام والشرائع بك؛ فيكون فرقنا فرقا جمعيا. [إنك أنت]: وحدك الظاهر في المظاهر، والسائل والمسؤول؛ [التواب]: العائد من كل حكم إلى ما يقابله في هذا التجلي؛ [الرحيم]: بما أظهرت لما أظهرت ولمن أظهرت، وبما سترت لما سترت ولمن سترت. 129. { رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }: [ربنا]: من هذا المشهد الخاص؛ [وابعث]: أقم؛ [فيهم]: في أمة الذرية؛ [رسولا منهم]: من الذرية في الحكم؛ رسولا، هو عندك صاحب هذا المقام بالأصالة، المالك لمفتاحه حتى؛ [يتلو عليهم]: منه؛ [آياتك] التي تخبرهم عنك شهودا؛ [ويعلمهم]: يفتح لهم فهم العلامات؛ [الكتاب]: من الكتاب الذي هو الجامع للشهادة والغيب من صورتك؛ [والحكمة]: حتى لا يطغوا في الأحكام؛ [ويزكيهم]: يطهرهم من الشوائب المانعة لهم من الترقي في هذا المقام. [إنك أنت]: المتجلي في كل المجالي؛ [العزيز]: الأحمى؛ بحيث لا يعرفك إلا أنت؛ [الحكيم]: بإطلاع من تشاء من مظاهرك العبدية على خفي أسرارك. 130. { وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ }: [ومن يرغب]: يعرض؛ [عن ملة إبراهيم]: وهي طريقه؛ [إلا من سفه نفسه]: أي أورثها السفه، الذي هو الجهل؛ بمعنى أن من اتبع ملة إبراهيم فإنه سيعرف نفسه ويلحقها بمكانتها الحقيقية عند ربها؛ ومن لم يتبع، فإنه سيبقى على جهله بنفسه. [ولقد اصطفيناه]: أي اتخذناه صفيا خالصا لنا؛ [في الدنيا]: لمحل الاشتراك؛ [و إنه في الآخرة]: حيث يكون الحكم للإطلاق؛ [لمن الصالحين]: له. 131. { إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ }: [إذ قال له ربه أسلم]: أسلم كلَّ مراتب وجوداتك، كما هو خليق بك؛ [قال أسلمت]: تحققا بإحاطتك؛ [لرب]: من يتولى ربوبية؛ [العالمين]: مني؛ لأن العالم صورة لي، كما أنا صورة لك. 132. { وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }: [ووصى بها إبراهيم]: أوصى بهذه الوصية بالإسلام التي سمعها من ربه؛ [بنيه]: من التربية؛ [ويعقوب]: وهو العاقب للنفس من الرباني؛ [يا بنيّ]: نداء إشفاق إلى ما يصدر عنه من صور فعلية؛ [إن الله اصطفى]: اختار لكم كما لن تختاروا لأنفسكم؛ [لكم الدين]: هذا الشأن، فلا أشرف منه لكم؛ [فلا تموتن]: وهو إخبار بصيغة الأمر؛ [إلا وأنتم مسلمون]: أي صفتكم الإسلام؛ وهذه بشارة للجميع بالإسلام. فإن الله قد قال في موضع آخر: { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ } [الزمر: 30]؛ فلزم الإسلام لكل ميت. 133. { أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }: [أم كنتم شهداء]: خطاب للأمة الكبرى؛ [إذ حضر يعقوب]: هو الآخر ؛ [الموت]: وهو الفناء الأبدي؛ [إذ قال لبنيه]: وهو ما ظهر عنه كما مر؛ [ما تعبدون؟]: إلى من نسبتكم؟؛ مِن بعدي؟ من بعد ذهابي في الله؟؛ [قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق]: فعدوا مراتب السر، ونسبوها إلى أصلها الذي هو الله؛ [إلها واحدا]: إليه تعود الكثرة، وهو الجامع لها؛ [ونحن]: من كوننا؛ [له]: لا لسواه؛ [مسلمون]: إسلاما ذاتيا. 134. { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }: [تلك أمة]: تلك مظاهر؛ [قد خلت]: قد مضت؛ [لها ما كسبت]: توابعها من أحوال وأعمال؛ [ولكم]: من كونكم مظاهر الآن؛ [ما كسبتم]. [ولا تسألون عما كانوا يعملون]: لا تكلفون الربط بينكم وبين ما كانوا يعملون؛ لأن كل مظهر له توابعه ولواحقه. والمعنى: كونوا ربانيين كما كانوا هم؛ ولا تكتفوا بالانتساب بالاسم إليهم فقط؛ فإن ذلك لن ينفعكم شيئا. 135. { وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }: [وقالوا]: بعض المظاهر الموجودة الآن؛ [كونوا هودا]: أي كونوا ممن ينتسب إلى موسى بالاسم فحسب؛ [أو نصارى]: ممن ينتسب إلى عيسى بالاسم فحسب؛ [تهتدوا]: يعتقدون أن ذلك هو التدين الصحيح المعتبر عند الله. [قل]: يا محمد من كونك الحاكم على الجميع؛ [بل ملة إبراهيم]: طريق إبراهيم؛ [حنيفا]: مستقيما لا عوج فيه؛ وهو الإسلام بالمعنى الذي ذكرناه من تحقق بالحق. [وما كان من المشركين]: ما كان من الذين يعبدون الله بأنفسهم، منقطعين عنه بنِسب وهمية يظنون أنها من الدين. 136. { قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }: [قولوا]: أيها الغافلون؛ [آمنا بالله]: أننا به قائمون؛ [وما أنزل إلينا]: من مستوى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الأعلى؛ [وما أنزل]: من مستوى محمد؛ على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط؛ [وما أوتي]: من حظ؛ موسى وعيسى من ذلك الإنزال؛ [وما أوتي النبيون]: كلهم عليهم السلام؛ [من ربهم]: الذي أنا مظهره فيكم؛ [لا نفرق]: من جمعيتنا بالحق؛ [بين أحد منهم]: في العطاء؛ [ونحن]: أنا وإياهم؛ [له]: لا لأنفسنا؛ [مسلمون]: إسلاما. 137. { فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }: [فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به]: فإن آمن أصحاب النسبة الاسمية، والتدين المجازي، بمثل ما آمنتم به أيها المتحققون؛ [فقد اهتدوا]: الهدى المعتبر عند الله، لا الهدى المزعوم؛ [وإن تولوا]: وإن أعرضوا وخالفوا؛ [فإنما هم في شقاق]: والشقاق في اللغة الخلاف؛ وسمي كذلك لأن كل واحد من المتخالفين يقصد ناحية غير ناحية الآخر. وذلك لأن الأصل هو الوحدة، والشقاق طارئ. [فسيكفيكهم الله]: فلا تهتم لما سيبدونه لك من معارضة وإيذاء، لأن الله هو من سيحمل ذلك عنك من كونه حقيقتك؛ أما هم فأولياؤهم أسماء أخرى مما تحت حكم الله. [وهو]: من حيث الهوية العامة؛ [السميع]: لما تحدثون به أنفسكم فضلا عما تقولون؛ [العليم]: بما تخفون وما تعلنون. 138. { صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ }: [صبغة الله]: من الصبغ الذي هو الغمس؛ أي إن الإسلام هو صبغة الله التي صبغ بها كل العباد؛ وإن كانوا في ظاهرهم ممن انحرف عنها. [ومن أحسن من الله صبغة]: صبغة الله للعباد أحسن لهم مما يتوهمون أنهم يصبغون أنفسهم به. [ونحن]: المسلمين وغيرنا؛ [له]: لله من حيث الهوية؛ [عابدون]: سواء أعلم فريق العابدين منا ذلك، أم جهله. 139. { قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ }: [قل]: أيها العبد الجامع؛ [أتحاجوننا]: أتجادلوننا؛ [في الله]: من حيث المرتبة، لا من حيث التجلي الخاص؛ [وهو]: من حيث الهوية؛ [ربنا وربكم]؛ لا فرق في هذا بيننا وبينكم. [ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم]: وإنما الاختلاف بيننا وبينكم هو في الأعمال التي تعود إلى اختلاف تجليات الربوبية. [ونحن]: جميعا؛ [له]: لله غيبا؛ [مخلصون]: كل من مقامه. 140. { أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }: [أم تقولون]: من عند أنفسكم؛ [إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى؟]: تصرون على قولكم بنفي معنى الربانية. وقد حدث هذا في الأمة الإسلامية عند الفقهاء، لما جهلوا حقيقتها؛ فصاروا يطلقونها على ما هم عليه من غفلة وحجاب. [قل]: يا خليفتي؛ [أأنتم أعلم؟]: وأنتم الذين أصلكم العدم؛ [أم الله؟]: الوجود الحق، العليم بكل شيء؟. [ومن أظلم ممن كتم]: أخفى وكفر؛ [شهادة عنده]: من نفسه، من حيث هو مظهر؛ [من الله]: الظاهر به؛ [وما الله بغافل عما تعملون]: لأنكم به تعملون، لا بأنفسكم. |
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وكل عبد من الصالحين.
إن الكلام في التصوف قد تشعب حتى كاد يخرج عن الضبط في نظر الناظرين. وإن تحديد موقع التصوف من الدين، كان ولا زال موضع خلاف بين المسلمين. والميل إلى طرف دون آخر متأرجح بحسب خصوصية كل مرحلة من مراحل عمر الأمة الإسلامية. لكننا نرى أنه حان الوقت، وبعد أن أصاب الأمة ما أصاب، أن نقول: إن التصوف إسلام. ونعني أنه تحقيق للإسلام!
قد يرى البعض أن هذا تعسف باعتبار أن الكلمة مبهمة وغير ذات أصل شرعي؛ أو هي دخيلة إن اعتبرنا نسبتها إلى الأديان الكـتابية والوثنية على السواء...
وقد يرى البعض الآخر في ذلك مبالغة وتضخيما، إذا رجع إلى مدلول الكلمة وإلى تجليات التصوف المنصبغة بصبغة كل زمن زمن...
وقد يقول قائل: كان في إمكانكم تجاوز لفظ " التصوف " تسهيلا للتواصل والتلاقي، إن كان المراد مجرد عرض للإسلام أو إعادة تناول لمختلف جوانبه...
لكن، نقول: حفاظا على الأدب مع قوم بذلوا في الله مهجهم، سبقونا، ورجاء في اللحوق بهم، نحافظ على اللفظ؛ ومن أجل التنبيه إلى منهج التصوف في التربية، التي ليست إلا التزكية الشرعية، نقول: إن التصوف..إسلام!
لم ينفع بعضَ المسلمين مجرد انتساب للإسلام واعتبار لظاهره على حساب الباطن. ولم يجد إنكار بعض الفقهاء له وقد كذبتهم الأيام. وهاهي الأمة تكاد تنسلخ عن الدين في عمومها..
وها هي الأزمة نعيشها في تديننا، لا يتمكن أحد من إنكارها.. وها هي تداعيات الأزمة تكتنفنا من كل جانب..
ومن جهة أخرى ، لم يعد يجدي من ينتسب إلى التصوف الانزواء الذي كان مباحا أو مستحبا في عهود مضت، وواجب الوقت بلا شك، هو إقامة الدين ظاهرا إلى باطن، بعد أن ولى زمن حماة الشريعة من الفقهاء الورعين أصحاب النور، المجتهدين المجددين .
ولم يعد يكفي الكلام عن الطريقة التربوية الاجتهادية الخاصة بكل شيخ، إلا مع التنبيه إلى الطريق المحمدي الجامع الشامل، حتى تسقط الحواجز الوهمية التي صارت حجبا في زماننا، تمنع من إدراك صحيح للدين.
لذلك ولغيره، نرى أنه من الواجب في زمن العولمة المبشرة بجمع شمل الأمة الكلام عن التصوف بالمعنى المرادف لتحقيق الإسلام، بشموليته واستيعابه كل مذاهب المسلمين.
ونأمل من الله عز وجل، أن يكون هذا الموقع من أسباب ذلك، راجين منه سبحانه وتعالى السداد والقبول، فإنه أهل كل جود وفضل.