اللهم صل على سيدنا محمد الكامل الأكمل، ومظهر الجمال الأجمل، المكمل لكل كامل على مدى الأزمان، والمتخلق على التمام بأخلاق الرحمن؛ القائل بلسان الشكر: أنا سيد وُلد آدم ولا فخر؛ وعلى آله الطاهرين بالتطهير الرباني، وصحابته المشرفين بالشهود العياني؛ وسلم من أثر شهود نفوسنا صلاتنا عليه تسليما. والحمد لله المنعم المفضل حمدا عميما.
![]() | ![]()
2024/10/12 الإنسان القرآن (مقدمة في تفسير القرآن الكريــم) .18.(ج1) الباب الثاني: العلوم المتعلّقة بالقرآن الفصل الثاني: تفسير القرآن (ج1) التفسير من فَسَرَ وفَسَّر، بمعنى أوضح وبيّن؛ والقرآن من كونه كلام الله الموحى به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لا يفسره (يُفهِمُه) إلا الله ورسوله. ولسنا نعني ما يعرفه المفسّرون من تفسير للقرآن بالقرآن، لأن ذلك عائد إلى فهم العبد في الآية المفسَّرة، وفي الآية المفسِّرة؛ ولكن نعني الكشف العلمي في القرآن، والذي هو جنس من أجناس الوحي. يقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن یُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡیًا أَوۡ مِن وَرَاۤىِٕ حِجَابٍ أَوۡ یُرۡسِلَ رَسُولًا فَیُوحِیَ بِإِذۡنِهِۦ مَا یَشَاۤءُۚ إِنَّهُۥ عَلِیٌّ حَكِیمٌ} [الشورى: 51]. وقد رأينا للمفسرين ترددا في معنى الآية، بين الأصل العام فيها وبين ما تطيقه عقولهم منه؛ والحق هو ما نشير إليه هنا، من أن الوحي الإلهي متضمّن للكشف المـُعلِم بمعاني القرآن، وهو شامل لما ورد عن أئمة الدين والأختام المحمديّين؛ وليس مقصورا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما يريد أن يحكم قوم. فمن جعل الفهم عن الله في القرآن مقصورا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد أنكر المدد النبوي للورثة؛ فنقّص من حيث يريد الشهادة بالكمال، إن كانت نيته صادقة. وقبل أن نمضي في الكلام، نرى أنه علينا -طلبا للاختصار- إيراد كلام للقاضي شمس الدين الخُوَيِّي، أثبته الزركشي في الفصل الأول من كتابه "البرهان في علوم القرآن"، لنعلّق عليه ونبيّن رأينا فيه؛ وهو: [علم التفسير عسير يسير؛ أما عسره فظاهر من وجوه: أظهرها أنه كلام متكلم لم يصل الناس إلى مراده بالسماع منه، ولا إمكان للوصول إليه، بخلاف الأمثال والأشعار؛ فإن الإنسان يمكن علمه لمراد المتكلم بأن يسمع منه، أو يسمع ممن سمع منه. أما القرآن فتفسيره على وجه القطع لا يُعلم إلا بأن يُسمع من الرسول عليه السلام، وذلك متعذّر إلا في آيات قلائل. فالعلم بالمراد يُستنبط بأمارات ودلائل، والحكمة فيه أن الله تعالى أراد أن يتفكر عباده في كتابه؛ فلم يأمر نبيه بالتنصيص على المراد؛ وإنما هو عليه السلام صوّب رأي جماعة من المفسرين، فصار ذلك دليلا قاطعا على جواز التفسير من غير سماع من الله ورسوله.]. وبما أن الزركشي قد أورد هذا الكلام نقلا، فذلك يعني أنه يوافق مذهبه؛ ونحن نرى أن الكلام المنقول، والذي سيصبح عقيدة لدى كل مقلّد يأخذ عن المتكلّم به، هو هدم للدين الأصلي من الأساس، وإن كان الفقيهان -من غير شك- لا يقصدان إلى ذلك؛ ولكنها الغفلة التي طرأت على الأمة بعد انحراف التديّن لديها منذ القرن الأول، وبعد اندِراس طريق التزكية المدلول عليه من قِبل الله ورسوله، إلا فيما يخص قلة من المؤمنين، شاء الله لهم على مر الزمان، أن يبقوا على الأصل الأول للتديّن وإن خالفهم المخالفون. وهؤلاء هم الطائفة الظاهرة على الحق، الذين قال فيهم إمامنا وإمامهم صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تَزالُ طائِفَةٌ مِنْ أُمَّتي ظاهِرِينَ علَى الحَقِّ، لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ. وفي رواية: وَهُمْ كَذلِكَ.»[1] ؛ والطائفة، هي الجماعة. وقد رام شطر من فقهاء الدين، أن يجعلوا مناط أمر الطائفة الظاهرة على الحق، أصحاب الرأي السياسي الذي يوافق هواهم. بينما الأمر منوط في الدرجة الأولى بما تعلمه هذه الطائفة من الحق. ولا يُعلم الحق من أحد إلا من الإنسان القرآن، الذي عليه مدار الدين برمته. فيظهر من هذا، أن الاطلاع على الحق، لا يكون إلا لمن أطلعه الله من لدنه؛ وهذه صفة الربانيّين لا تتعدّاهم. ثم يأتي بعد ذلك الرأي الموافق للحق، من كل ذي رأي؛ وهذا يدل على أن الطائفة الظاهرة على الحق، لها الإمامة الدينية على طائفة الفقهاء. وكل ذوي السلطان أو ذوي الشوكة، من عموم الأمة، ينبغي أن يأتمروا بأمر هؤلاء الأئمة. وهذا الذي نقول، يخالف تنظير عوام الفقهاء في جانب علم السياسة؛ بل إننا نراهم، ونرى من يقلّدهم، داخلين في معصية الله بمخالفة أولي الأمر. يقول الله تعالى آمرا عباده المؤمنين أمر وجوب: {یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِیعُوا۟ ٱلرَّسُولَ وَأُو۟لِی ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ} [النساء: 59]؛ والسياق يقتضي أن من لا طاعة له للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، لا طاعة له لربه؛ ومن لا طاعة له لأولي الأمر من زمانه، لا طاعة له للرسول نفسه. وإن كان سواد الأمة لا يختلف على طاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، على الأقل من حيث القاعدة العامة؛ فإن الشيطان قد وجد مدخلا إلى تفريق الأمة، عند تهوين مخالفة أئمة الدين على الفقهاء أولا، ثم على مقلديهم من بعدهم؛ مع أن طاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، لا تتحقق في الزمان، إلا بطاعة الإمام كما أسلفنا. ولو تقصّى الناظرون أحوال الأمة واستقروها، لعلموا أن سبب كل انحراف وكل انحطاط، هو التنكّر لأولي الأمر، مع الزعم على البقاء على الأصل في التديّن. ورغم أن الفصل (ولا الكتاب) يحتمل منّا الكلام في جانب السياسة الشرعيّ، الذي أُهمل منذ الفتنة الكبرى؛ فإننا نذكر أن الفسوق السياسي الذي وقع في ذلك الزمان، قد انجرّ عنه كل فسوق عام إلى زماننا، وبعده إلى ما يشاء الله. ونقصد من كلامنا، أن الدين قد أصبح عند المسلمين مبتورا وشائها؛ يخدم أهواء أهل الأهواء، ومَن وراءهم من الأعداء. فاعجب لدين كان في أصله ربّانيّا يصل بين العبد وربه، فصار شيطانيا يطعن الأمة في سويداء قلبها. ولولا الطائفة الربانية الظاهرة على الحق، والتي هي بمثابة الروح لجسد الأمة، لكفرت الأمة كفرا أكبر، كما كفرت الأمم السابقة. ولا يحسبنّ أحد أننا نبالغ في الكلام، لأن المبالغة ليست من دأبنا؛ وما هو إلا الحق في توصيف الحال، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر!... وحتى نبيّن أصول مخالفتنا لما ورد في النصّ المنقول عن الفقيه المذكور، فإنه لا بد لنا من تناول العبارات المنقولة واحدة واحدة، حتى نُبين ما تنطوي عليه من الآفات المنكرة: - [علم التفسير عسير يسير]: المقصود من الكلام، هو أن ما سيُسمّى تفسيرا من قِبل المفسرين أو من قبل الفقهاء عامة، سيؤخذ على أنه المعنى الذي ينبغي لعامة المسلمين اعتقاده والعمل به؛ وهو يشمل -كما هو معلوم- شق العقيدة (الكلام)، وشق الفقه العملي، في مستواهما الأول الذي يصعب على المخالف إنكاره. وهذا، لأن العامة سيفهمون من التفسير، تقريب معاني القرآن؛ ولن يخطر لهم -وإن كانوا من فِرق إسلامية مختلفة- أن التفسير قد يكون مؤسِّسا لبدع وضلالات، هي ما سيبقى مانعا من قيام الوحدة الإسلامية بالمعنى الديني الشرعي بالفعل. وقد نتج عن هذه الانطباعات العامية، النظرُ إلى أهل التفسير من بين علماء الدين، على أنهم أعلى طبقة فيهم؛ حتى إن العالم إن لم تكن له مشاركة في التفسير ولو بمعنى جزئي، فإنه سيبقى تحت من تمّ له ذلك ولو زعما. وقد كان تاريخ المسلمين على اختلاف مراحله، تباريا في تفسير القرآن؛ خصوصا لمن توافرت له الأرضية اللغوية، التي ظلت من غير شك، بوابة التفسير بحق. ونحن بكلامنا هذا، نريد أن يُنظر إلى التفسير كما يُنظر إلى سواه من العلوم الدينية، نظرة نسبية؛ لا على أنه موافق لما عند الله ورسوله من الحق دائما. وهذا يعني أن القول في التفسير -إن لم يكن نقلا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لا تتطرق إليه الشبهة- هو قول بالرأي في القرآن، نجيزه في باب الفقه بالمعنى الاصطلاحي، للضرورة، ولا نجيزه في غيره. ولعل هذا سيظهر أكثر فأكثر مع تقدمنا في هذا الباب بإذن الله تعالى... وأما وصف التفسير بأنه عسير يسير، فلا معنى له إلا ما يوافق فهم عوام الفقهاء، الذين يرون النحو والصرف وأصول البلاغة هي أقصى ما يُستند إليه فيه. ونحن لا نقول بذلك، وسيأتي البيان في حينه إن شاء الله... - [أما عسره فظاهر من وجوه: أظهرها أنه كلام متكلم لم يصل الناس إلى مراده بالسماع منه، ولا إمكان للوصول إليه، بخلاف الأمثال والأشعار]: وقياس كلام الله على كلام الناس من أمثال وأشعار، هو أجهل الجهل!... وهل مع كلام الله كلام، حتى يُقاس إليه؟!... ونعني في الأصل، هل مع صفات الله صفات، حتى تقاس إليها، كقياس الكلام على كلام بالمعنى المجازي؟!... وعلى كل حال، ففي مثل هذه الأمور تظهر إمامة من له العلم بالله، على كل علماء الشريعة، مهما بلغوا -بحسب إدراكهم- من العلم!... وسنتناول جوانب هذه المسألة بالتدريج، مرة بعد مرة، لنبيّن العلة في الأحكام التي ننطق بها. لهذا فلا يظنَّ أحد أننا نبغي ترسيخ أحكام موافقة لهوى أحد، كما لا نقصد إلا تبيين الحق، بغير نظر إلى ما يوافق رأينا أو يخالفه. ولكن بما أن المسائل تكون أحيانا واسعة، ومتعددة الوجوه، فإننا نجزئ الكلام فيها إلى مراحل؛ من دون أن نقصد بذلك تهرّبا من مواجهتها، أو فرارا من جوانب فيها لا نُتقنها. وهذه قاعدة في نمط كتابتنا، نرجو أن يتنبه إليها الدارسون ومن يأخذون عنّا... وأما قول الفقيه عن الله المتكلم: لم يصل الناس إلى مراده بالسماع منه؛ فهو قول بعبثية الكلام، من غير أن يشعر القائل بعِظم مقولته وشدة نكارتها؛ والله يتعالى كلامه عن العبث. فإن سمع بعض الناس كلام الله ولم يفهموا، فلعلة أخرى غير التي تُعلَم من كلام الناس المعتاد. ولولا هذا الوجه من القرآن، ما حرص العامة من كل زمان على سماعه؛ فإن قيل إن ذلك السماع هو من باب التبرك، قلنا حتى التبرك لا يُطاق من غير حصول نوع من الفهم للسامعين. ونحن من أعلم الناس بثقل القرآن على النفوس، وهو ما ذكره الله صراحة في قوله تعالى، مخاطبا لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: {إِنَّا سَنُلۡقِی عَلَیۡكَ قَوۡلًا ثَقِیلًا} [المزمل: 5]. فإذا كان القرآن يثقل على أكمل الناس استعدادا، صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه يصير بالنظر إلى ضعفاء العوام غير مطاق، لولا أن الله يفتح لعباده من جهة بواطنهم بابا يستروحون منه إلى معانيه. ويدخل في هذه الصفة كبار فقهاء الدين، من كونهم في الغالب، ومع اعتبار المراتب الدينية، لا يختلفون عن عموم العوام إلا من جهة الظاهر، والتي منها يُقَرّ لهم بفقههم. ونعني من هذا، لولا الحجاب الذي بين الفقهاء والقرآن، ما أطاقوا سماعه ولا مدارسته!... وهذا الصنف من الحجاب، هو من النعم التي ينبغي شكر الله عليها، عند حصول العلم به. ثم إن لم يفهم قوم، معاني القرآن كما هي في نفسها، وإن كانوا أغلبية من جهة العدد، فهذا لا يعني أن غيرهم لم يفهموا. بل الواقع، هو أن الفاهمين لمختلف المستويات من المعاني، موجودون في كل زمان؛ وفي أحيان كثيرة، يتكلمون بما فهموا. ولكن العامة، وبسبب تقليدهم لمثل هذا الكلام الشائه المـُصرَّح به في هذا النقل من قِبل الزركشي، قد صاروا يُنكرون الفهم بمعناه الشرعي الأصلي، ويقولون بعدمه؛ وكأن الأصل في الدين العمى لا الإبصار، والكلالة لا الفهم!... وهذا له أصل في التنزيه القاصر، المـُعتمد لدى العامة من الفقهاء ومـُقلِّدتهم... وأما قوله: ولا إمكان للوصول إليه، فهو لا يدل إلا على انقطاعه في نفسه، وانقطاع أمثاله ممن هم على جهلهم الذي يُسمونه تواطؤا علما، وعلى كلالتهم التي يُسمّونها كذبا عقلا وفهما، وعلى عماهم الذي يُسمّونه افتراء إبصارا. يقول الله تعالى لعامة من يسمع: {أَفَلَا یَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَاۤ} [محمد: 24]؛ وسنتكلم عن التدبر في أواخر هذا الفصل إن شاء الله. ويقول سبحانه: {فَإِنَّهَا لَا تَعۡمَى ٱلۡأَبۡصَـٰرُ وَلَـٰكِن تَعۡمَى ٱلۡقُلُوبُ ٱلَّتِی فِی ٱلصُّدُورِ} [الحج: 46]؛ ويقول سبحانه: {إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا یُوحَىٰۤ إِلَیَّۚ قُلۡ هَلۡ یَسۡتَوِی ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِیرُۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} [الأنعام: 50]. وما دام الأمر عائدا إلى اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم للوحي، فإن العمى والإبصار المذكوريْن في الآية منوطان بالنظر في القرآن. وهذا يعني أن البصير، هو من آتاه الله نورا لفهم كلامه؛ وأن الأعمى، هو -كغالبية الفقهاء- من لا نور له، وبالتالي لا فهم له. وقد يغلط مَن يظن أن فعل التفكر المـُشاد به في آخر الآية، يعود إلى إبراز الوسيلة الكبرى في فهم كلام الله؛ والأمر على غير ذلك بالكلّيّة. ونعني، أن دعوة الله إلى التفكّر هنا، هي للتفريق بين حالَيْ العمى والإبصار، ولتمييز المـُبصرين من العُمي، فحسب. وحتى لا نغمط فئة الفقهاء الأحِقّاء حقها، فلا بد من أن نُثبت عملية التفكّر لأهل الاستنباط الذين يقول الله عنهم: {وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰۤ أُو۟لِی ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِینَ یَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡۗ} [النساء: 83]؛ والمستنبطون هم طبقة من الفقهاء، يُصطلح عليهم بـ "أهل الاجتهاد". لكنّ هذا الاجتهاد، يجوز لهم في آيات الأحكام التي هي أساس كل الأعمال المشروعة؛ أما الآيات التعريفية، فلا اجتهاد فيها. وسيأتي في الباب الثالث من هذا الكتاب، إن شاء الله، بيان كيفية وقوع من اجتهد (أعمل فكره) في غير ما أُذن له فيه، في الضلال من أقصر الطرق!... وأما الوصول إلى الله، الذي تكلم عنه الفقيه، فهو أقوى في المعنى حتى من الإمكان المفيد للاحتمال وضده. وهذا، لأن الحقيقة سارية في الموجودات، وحاكمة عليهم، وإن كانوا لا يعلمون. وأما من سلك الصراط المستقيم، وائتمّ حقيقة بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه يرجو أن يتحقق له الوصول؛ بخلاف الفقهاء الذين لا قدم لهم في الغالب الأغلب في ذلك الوصول من جهة فقههم. ونحن نُخبر هنا، عن ذوق لا عن فكر، كما قد يتوهم السامع من الفقهاء عمي البصائر!... وهذا الكلام الذي أورده الزركشي، يمكن أن يقال فيه أي شيء، إلا أنه دين؛ بل هو عندنا ترسيخ للتديّن التاريخي، وتنظير له. وهو ما لا يكاد المسلمون في عمومهم يعرفون غيره، في أزمنة الانحطاط كلها. فأي مصيبة هذه!... وما أشد فداحتها!... - [فإن الإنسان يمكن علمه لمراد المتكلم بأن يسمع منه، أو يسمع ممن سمع منه]: وهذه العبارة تدل على أن القائل لها، أو المعتقد، لم يسمع القرآن بعد، وإن كان حافظا له، تاليا وسامعا. وهو قياس -على عادة المتكلمين- للحق على الخلق؛ وهو عكس المطلوب كما قرّرنا أكثر من مرة، في الباب الأول من هذا الكتاب. وأما غير هؤلاء المنقطعين، فهم يسمعون كلام الله من الله، بواسطة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ونعني أنهم في حال سماعهم، قد ينحجبون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بسبب حكم الذوق في الوقت؛ ولكنهم من جهة العلم، وعندما ينظرون إلى المسألة بشروطها، فإنهم يعلمون حتما أن ذلك ما وقع لهم إلا بالوساطة النبوية. فإن كانت بعض العقول تحيل هذا، فليعلموا أنهم كالأنعام بالنظر إلى كلام الله، التي لا يطمع أحد من أن تَفهمه (من جهة الظاهر) إن هو كلمها؛ ألم يسمع هذا المتفيهق قول الله تعالى: {وَلَقَدۡ ذَرَأۡنَا لِجَهَنَّمَ كَثِیرًا مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِۖ لَهُمۡ قُلُوبٌ لَّا یَفۡقَهُونَ بِهَا وَلَهُمۡ أَعۡیُنٌ لَّا یُبۡصِرُونَ بِهَا وَلَهُمۡ ءَاذَانٌ لَّا یَسۡمَعُونَ بِهَاۤۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ كَٱلۡأَنۡعَـٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡغَـٰفِلُونَ} [الأعراف: 179]؛ وليعلم كل من هو على رأي الزركشي وأضرابه، أنه مصداق لهذا الصنف من الغافلين، وإن تعلّم علوم الثقليْن!... ونحن نعي أن المحجوبين من الفقهاء، لن يفهموا دلالتنا لهم على حقيقة حالهم، رغم أننا نكلمهم بلسان عربي فصيح؛ وسينصرف من لا تصديق له منهم، وهو يظنّ بنا الظنون!... فليقيسوا عدم فهمهم لكلام الله، على عدم فهمهم لكلامنا، إن كانوا يُحكّمون في أنفسهم العلم، كما يحلو لهم أن يزعموا... وأما الربانيون من الأمة المحمدية، فإن لهم بفضل الله قلوبا يفقهون بها، وأعينا يبصرون بها، وآذانا يسمعون بها؛ والفقهاء المعلومون من هذه الأمة، ليسوا أعلى طبقة منها حتى يعود إليهم الرأي في عظام الأمور!... وفي أحيان كثيرة، يكون اتصاف الرجل -فيما يبدو- بصفة ما محمودة، دليلا على كونه إما عاميّا، وإما قريبا من طبقة العوام. وأما كبار الرجال، فلِعُلُوّ مكانتهم، نجد أن الناس مِن حولهم يجهلونهم، ولا يكادون يُقرّون لهم بعلم ولا بمكانة. وهذه المعاملة داخلة -وإن لم يعلم العالمون- في قول الله تعالى: {وَقَالَ ٱلرَّسُولُ یَـٰرَبِّ إِنَّ قَوۡمِی ٱتَّخَذُوا۟ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُورًا} [الفرقان: 30]؛ أي لم يعلموا قرآنية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فهجروها منه!... ومن اعتبر ما نقول، فإنه سيجد نفسه ملزما في أحيان كثيرة، بخلاف ما هو معتاد عليه، عند النظر إلى الرجال. ويكفي دليلا على ما نذكر، أن نعلم أن الطبقة العليا من الكبار، تبقى مجهولة للناس على مر الأزمنة؛ ويكون ذلك شرطا في تحقّقها بمكانتها. ونعني من كلامنا هذا، أنه علينا أن نميّز بين من تحكم عليه مكانته بأن يكون مجهولا في زمانه لعموم الناس، ومَن يكاد يكون مجهولا في جميع الأزمنة. وهذا الذي نبرزه، نفيس في بابه، وجدير بأن يُعدّ قاعدة علمية ثابتة، إلى جانب القواعد الأخرى المعمول بها، عند تقييم الرجال؛ وهي قاعدة مخالِفة لما يتوهّم علماء الحديث خصوصا، أنه الحق الذي كل ما عداه يكون باطلا. نقول هذا، ونحن نؤكّد على القاعدة المعمول بها ضمن علم الرجال المعروف؛ لكن من دون أن نسمح بتحكيمها، في غير مجالها... - [أمّا القرآن فتفسيره على وجه القطع لا يُعلم إلا بأن يُسمع من الرسول عليه السلام، وذلك متعذّر إلا في آيات قلائل]: ظاهر هذا الكلام صحيح، لكن لا بفهم القائل؛ ونعني أن معاني القرآن حتما تُنال بمدد من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لكن الفقيه يظن أن تفسير النبي هو ما سمعه الصحابة منه صلى الله عليه وآله وسلم، على وجه الحصر؛ وهذا هو ما أدى به إلى حصر التفسير النبوي في آيات قلائل. ولم يدر المسكين أنه لو كان ذلك هو السبيل الوحيد إلى الظفر بالتفسير النبوي، لعددنا أنفسنا من غير أهل القرآن، ولَهَلَكت الأمة بذلك الانقطاع هلاكا مبينا. وهذا القول من هذا القائل، يظهر مدى تحجّر العقل الفقهي، إلى الحد الذي صار الفقهاء يشترطون كون المتلقّي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إما صحابيا أو سامعا من صحابي. وأين الناس من هذا الشرط؟!... وأين واقع الحال منه؟!... فعلى الفقيه صاحب هذا الكلام، وعلى من جاراه في قصوره العقلي والإيماني، أن يعلموا أنهم ما وفوا بظاهر القرآن الذي يتوهمون أنه قريب من منالهم؛ فكيف بباطنه الذي يُنكرونه على أهله في غالب الأحيان؟!... ونحن نجزم أن الفقهاء لا يقرّون بأن للقرآن باطنا، لتوهمهم أن القول في القرآن بالباطن، هو من صفات الباطنية المبتدعة وحدهم؛ بينما الفرق بين أهل الباطن والباطنية، هو إقرار ظاهر القرآن أولا؛ ما دام الباطنية يُنكرون ظاهر القرآن ويخالفونه، ليتمكنوا من اتباع أهوائهم. أما أهل باطن القرآن، فهم أحرص الناس على ظاهره، وعلى الالتزام بأحكامه!... وعلى كل حال، فمن أنكر باطن القرآن، فإنه يدخل في الكفر بعموم القرآن. ولعل هذا الوجه، هو السبب في انطماس بصائر الفقهاء، حتى ما عادوا يعلمون من القرآن لا ظاهرا ولا باطنا!... وإذا كان الله يصف نفسه بقوله تعالى: {هُوَ ٱلۡأَوَّلُ وَٱلۡـَٔاخِرُ وَٱلظَّـٰهِرُ وَٱلۡبَاطِنُۖ} [الحديد: 3]، فكيف يكون القرآن على نصف هذه الصفات أو على ربعها؟ وهو عينه ليس إلا صفة لله؟!... وهذا على اعتبار أن القرآن هو التجلّي الإلهي للذات بجميع مراتبها، كما أخبر الإمام جعفر الصادق عليه السلام (وهو النسخة القرآنية في زمانه من غير شك) بقوله: "لَقَدْ تَجَلَّى اللهُ لِخَلْقِهِ فِي كَلامِهِ، وَلَكِنَّهُمْ لا يُبْصِرُونَ!"[2] . وهو يشير عليه السلام، إلى جهل أناس زمانه -وعلى رأسهم كبار الفقهاء- بحقيقته، من كونه نسخة وراثية لا خلاف عليها. ولو علم أحد ممن تتلمذ من الفقهاء له، بهذه الحقيقة، لأخبر بها من باب دخول ذلك العلم، في الفقه الأعلى من غير شك؛ ولكننا برؤيتنا لقصور كبار الفقهاء عن ذلك، وبعدم ذكرهم لتلك المكانة القرآنية، ضمن ما يدلّون عليه من أحكام قرآنية، علمنا أنهم دونها؛ وأنهم لم يؤذن لهم بالنظر إليها؛ هذا إن لم يكونوا على علم بذلك، ولم يُخبروا، فلم يبلغنا. وهنا ينبغي علينا استخلاص حكم فقهي جدير بالاعتبار، وهو أن أئمة الفقه، لا يُقلَّدون في عموم الدين، ولكن يُقلّدون فيما دلّوا عليه من تفاصيل مرتبة الإسلام، ومدخل مرتبة الإيمان فحسب. وهذا الحكم ينبغي أن يُشاع في مجالس العلم الديني وجوبا، حتى يكون دالا على تمييز مراتب أهل الدين. وأما هذه الطريقة التي يعمل عليها العلماء من المتأخرين، فكأنها توصلهم إلى عكس ما يدّعون: وهو بتر الدين، وتحريفه، وفي النهاية الدلالة على غير الله لا عليه سبحانه. ومن عجز عن معرفة مكانة الإمام جعفر، وهو من أقوى الأختام المحمديّين نورا، فكيف سيعرف ختم زمانه، في هذه الأزمنة المتأخرة، التي صارت الإمامة الفقهية (بالمعنى الاصطلاحي) فيها لأتباع الدجال؛ والذين عرّفهم النبي بما ينبغي أن يتمسك به المؤمن، قائلا: «خَطَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا بِيَدِهِ، ثُمَّ قالَ: هَذا سَبِيلُ اللهِ مُسْتَقِيمًا! وَخَطَّ خُطوطًا عَنْ يَمينِهِ وَشِمالِهِ، ثُمَّ قالَ: هَذِهِ السُّبُلُ، لَيْسَ مِنْها سَبِيلٌ إِلّا عَلَيْهِ شَيْطانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ! ثُمَّ قَرَأَ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}.» [3]. وهذا يجعل الفقهاء المترسمين، في الغالب، أئمة على السبل الجانبية، أي شياطين يدلّون على ما يدعو إليه الشيطان عينه؛ ويجعل مقلّدة الفقهاء من العامة، أتباعا للشياطين بالنيابة. ولولا أن هذا هو الحاصل، ما كان يُصيب الأمةَ ما أصابها من انحراف، شهد له انقسامها فيما بينها، واتخاذ بعضها لبعض غرضا، حتى صارت العداوة التي بين بعض المسلمين أشد من تلك التي بين مؤمن وكافر!... ومن لم يعظه واقع الحال، فلن يظفر بواعظ بعده!... وهذا، لأن الواقع، يُمحّص المسائل من جهة نتائجها، ومنها تُعلم حقيقة منطلقاتها، ويُعلم المنهج العلمي المتبع عند استنباط الأحكام فيها. فإن أُتقن كل ذلك، فإنه يُرجى لطالب الفقه أن يعود إليه البصر، فيعلم الحق من الباطل في مسألة بعينها. وقد يُصحِّح كل أخطائه، فيعود إلى الحق، ويتوب إلى ربه. وربما عند إشاعته ذلك في الناس، يكون قد أعان كثيرا من العباد على تبيّن الحق واتباعه. وهذا الذي انتهينا إليه، هو ما ينبغي أن يكون عليه عمل الفقهاء، بدايةً ونهاية؛ ولكنّ للقدر حكما آخر في هذه الأمور... - [فالعلم بالمراد يُستنبط بأمارات ودلائل]: وهذا لا يصح، إلا في باب الأحكام الفقهية، كما نقول دائما؛ أما في سائر أحكام القرآن -ونخصّ منها أحكام المعاملات القلبية- فإن "المراد" يُعلم بتعليم المريد سبحانه. وعدم إدخال هذا الأصل في الاعتبار عند الفقهاء، هو شهادة على أنفسهم بأنهم منقطعون عن الدين المحمدي انقطاعا كبيرا؛ وهم متّبعون لما تحكم به عقولهم فيه، لا لحكم الله؛ وهذا سبيل المتفلسفة، لا سبيل الدين، كما ننبّه دائما. ومن أخطأ الطريق، ضل عن الغاية!... يقول الله تعالى: {وَمَن یُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَیَتَّبِعۡ غَیۡرَ سَبِیلِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَاۤءَتۡ مَصِیرًا} [النساء: 115]. وهذا الصنف من الفقهاء المنقطعين، قد بدت مشاققتهم للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، عندما انشقوا عن هديه؛ واتبعوا غير سبيل المؤمنين، المعتمدين للتسليم والتصديق بين يديه صلى الله عليه وآله وسلم؛ فكانت نتيجتهم أن وكلهم الله إلى أنفسهم، فعَموا عن معاني القرآن؛ بل ودلوا على ما يخالفها ضرورة. فلينتظروا إن لم يتوبوا، أن يصلوا إلى جهنم كما توعدهم الله، وتوعد أمثالهم؛ إلا أن يعفو سبحانه!... ولنذكر هنا أمرا، كثيرا ما يلتبس على الفقهاء، وعلى مقلدتهم من بعدهم؛ وهو أنهم يظنون أنهم على إسلام بالمعنى القرآني، وهيهات!... فيحكموا لأنفسهم تبعا لذلك، في الدنيا والآخرة، بما حكم الله للمؤمنين، مع أنهم من أبعد الناس عن ذلك، وإن لم يكونوا كافرين كفرا أكبر. ونحن نقول لهم: إن الفهم الذي تفهمونه به عوار، من وجوه: 1. أنكم تقعون في التألّي على الله: أي تقعون في سبق الله بالحكم، وهذا سوء أدب كبير، يخاف المرء على نفسه معه، أن ينجر إلى ما هو أعظم إثما؛ أو أن يصيبه من الله غضب، لا يدري عاقبته في دنياه وآخرته. وقد حذر الله من هذه الآفات في غير ما موضع من القرآن العظيم، كما في قوله تعالى: {وَقَالُوا۟ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّاۤ أَیَّامًا مَّعۡدُودَةً قُلۡ أَتَّخَذۡتُمۡ عِندَ ٱللَّهِ عَهۡدًا فَلَن یُخۡلِفَ ٱللَّهُ عَهۡدَهُۥۤۖ أَمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} [البقرة: 80]. ولا يُحجبْ أحد عن استدلالنا بالآية، لكونها نزلت في اليهود؛ لأن معناها يتعدى إلى من يُشابههم من المسلمين ولا بد. وهذا الباب من الفقه، لا خبر للفقهاء المترسمين عنه؛ وهو باب عظيم من العلم كثير النفع لعالمه. وسيأتي مزيد بيان لهذه المسألة، عند كلامنا عن أسباب النزول في حينه بإذن الله تعالى... 2. أنكم تقعون في الحكم بغير ما حكم به الله: وهو ما توعد الله عليه أقواما بقوله تعالى: {وَمَن لَّمۡ یَحۡكُم بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡكَـٰفِرُونَ} [المائدة: 44]؛ وهذا إن كان الحاكم متعمدا غير مخطئ، وكان مجترئا على مقام الله غير موقِّر. ومن عجيب الأمر أن الإسلاميين يُنزلون الآية بوعيدها، على الحكام من الساسة (السلاطين) وحدهم، بينما هي تتنزل على الفقهاء والقضاة قبل غيرهم؛ لكونهم أدخل في المعنى، من ذلك الغير. ومن تقوّل على الله في كلامه، بما لم يقل به عن نفسه سبحانه، أو بما لم يقل به عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد حكم بغير ما أنزل الله؛ وبالتالي، فهو واقع في الوعيد المذكور... 3. أنكم تضلّون الناس: وذلك عند تعليمهم ما ليس من العلم، على أنه علم؛ وليس هو إلا من الجهل الذي حكمت به أنفسكم، وزينته لكم شياطينكم. يقول الله تعالى عن هذا الصنف: {لِیَحۡمِلُوۤا۟ أَوۡزَارَهُمۡ كَامِلَةً یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ وَمِنۡ أَوۡزَارِ ٱلَّذِینَ یُضِلُّونَهُم بِغَیۡرِ عِلۡمٍۗ أَلَا سَاۤءَ مَا یَزِرُونَ} [النحل: 25]. وإنّ عموم فقهاء المسلمين من المتأخرين، قد وقعوا في الضلال المبين، وأضلوا مَن يسمع لهم؛ فلينتظروا تحمُّل نتائج أوزار ضلالهم في أنفسهم، زائدة على نتائج إضلال من يُضلونهم بغير علم. وليلاحظ القارئ عبارة "بغير علم" في الآية، ليعلم أن الضلال الأكبر هو، ما يستند من أصله على الجهل. وهذا الإضلال الذي يكون عن جهل، مختلف عن ذلك الذي يكون على علم؛ وهو الصنف الذي يذكره الله تعالى في مثل قوله: {أَفَرَءَیۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلۡمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمۡعِهِۦ وَقَلۡبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَـٰوَةً فَمَن یَهۡدِیهِ مِنۢ بَعۡدِ ٱللَّهِۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية: 23]؛ ولا نعني من الاختلاف، أن هذا الضلال الثاني أهون من الضلال الأول إلا من وجه: وهو الضلال في النفس، من غير تبعاتٍ لإضلال الغير. فإن وقع لهذا الصنف أيضا، الإضلال للغير، فإنه حتما يلحق بالصنف الأول الذي يحتمل أوزاره وأوزار كل من يَضلون بسببه. وفي كثير من الأحيان، يكون إضلال الشيطان نفسه للناس، على علم؛ لا كما يتوهّم الجهلة من عوام الفقهاء. ونعني من هذا، أن الشيطان قد يكون عالِماً بتفاصيل إضلاله؛ أما العبد المـُضَلّ، فلا بدّ من أن تبقى بعض جوانب ما دعاه الشيطان إليه مجهولة لديه. ومن هنا يظهر أن العلم في حقيقته، شفاء للنفوس، يقيها الوقوع في حبائل الشيطان. لكنّ هذا العلم الذي نذكره هنا، ليس العلم باصطلاح علماء الدين أو باصطلاح علماء الأكوان؛ ولكنّه العلم النور، الذي يستمدّه العبد من الله ورسوله، غير مخلوط بشيء من الفكر. وكون المرء ضالا على علم، بالمعنى الذي أسلفنا، يقتضي في أحيان كثيرة، أن يكون ممن لهم علم بألفاظ الوحي، كحال فقهائنا عندما يكونون حافظين للقرآن لفظا، وحافظين للحديث النبوي من ذلك الوجه وحده أيضا. وهذا الصنف من الضلال له علم مخصوص، يضيق الفصل هنا عن تناوله؛ ولكننا سنشير إلى أهم سبب يقود إليه، والذي هو أمن مكر الله، والاطمئنان إلى ما حكمت به النفس (العقل) في النص، من باب إحسان العبد للظن بها. ولولا أن هذه الآفة تكون بالسبب الذي ذكرنا، ما كان القرآن نفسه سببا إلى الضلال، في حق قوم، كما أخبر الله تعالى: {یُضِلُّ بِهِۦ كَثِیرًا وَیَهۡدِی بِهِۦ كَثِیرًاۚ وَمَا یُضِلُّ بِهِۦۤ إِلَّا ٱلۡفَـٰسِقِینَ} [البقرة: 26]. وقد يتوهم الفقيه الضال، بأنه على الحق، عندما يجد ضالين آخرين غيره، على مذهبه نفسه؛ فتتولد لديه طمأنينة كاذبة، ناشئة عن التواطؤ، يظن المسكين أنه معها على الحق؛ وهيهات!... 4. جهلكم لمعنى الإسلام بالاصطلاح القرآني، كما نبّهنا سابقا: وهذا، وقع عندما حلّت الغفلة على الأمة، وصار فقهاؤها ينظرون إلى "الإسلام" من كونه منظومة شَعَرِيّة، تقابل المنظومات التي عليها غيرهم من أهل الأديان المخالفة. ولا يخفى هنا، ما لفعل التعصّب للملة، من أثر في تغليظ الحجاب المانع عن إدراك حقيقة الإسلام. وقد يتقوّى حجاب الكافرين نفسه، باستمدادهم من حجاب المؤمنين ذاك، وهو من عجيب ما يقع للناس؛ حتى إنني سمعت من أحد متأخري الكافرين رفضه لدين الإسلام، بالاستناد إلى مقولة أحد المسلمين الضالين من أهل بلده (وهو بلد عجمي)، بأن معنى الاستسلام المـُضمَّن في لفظ الإسلام، لا يليق، ولا ينبغي لأحد أن يعتقده. والشبهة لدى ذلك المسلم المنظّر، كانت هي أن الاستبداد الشائع بين المسلمين، والرّق الذي استمر فيهم مـُددا طويلة، كانا يستندان إلى معنى الاستسلام ذاك. وهذا بعيد غاية البعد، وفيه تزلّف غير خافٍ إلى الدجّاليّين، الذين يعجّ بهم البلد المذكور. وهذا الفعل من هذا المثقف المتعالم نفسه، تأسيس للمذهب الدجّالي لدى المسلمين المصدّقين له؛ علم القائل، أم لم يعلم!... وإن لم يكن معنى الاستسلام لله حاضرا، ضمن معنى الإسلام بالمعنى الاصطلاحي القرآني (وهو المعنى الذي لم يُخطئه النصارى ولا اليهود من قبل)، فما الذي سيبقى للناس من معنى للدين؟!... ولولا أن العبد الضعيف سمع تلك الشناعة بأذنه ووعاها، ما كان يظن أن يبلغ الضلال بالمسلمين هذا المبلغ!... فإنا لله وإنا إليه راجعون!... - [والحكمة فيه أن الله تعالى أراد أن يتفكر عباده في كتابه]: "فيه"، أي في الكلام الذي هو القرآن. والقول الذي خلص إليه الفقيه، لا يصح إلا في باب استنباط الأحكام الفقهية من مظانها القرآنية وحدها، كما نكرر القول. وأما في غير ذلك من أبواب العلم، والتي تكون في متناول عقول الفقهاء حكمةً إلهية، فلا يتعلّق الأمر فيها بالتفكر من الأصل؛ بل إن التفكر في كثير من الأحيان، يكون سببا إلى الضلال عن الحق نفسه، الذي يُفترض أن يؤخذ من القرآن، قبل غيره من الكلام. فما بقي مع هذا الاحتمال، إلا أن يعود المتعلم في الظفر بمعاني القرآن، إلى الله ورسوله حصرا. وقولنا "حصرا"، لا يُقصي الورثة من ربانيّي هذه الأمة؛ بل على العكس من ذلك، هم مشمولون بالحكم السابق وداخلون فيه. ومن كان قد اطلع على كتبنا أو سمع كلامنا، فلا شك أنه سيكون على علم بهذا الأصل في العلم عندنا. وحتى ما يؤخذ عن طريق التفكر، إما من القرآن أو من خارجه (ولا شيء خارجه على التحقيق)، وإما مما ينقدح من فهوم في أذهان الفاهمين؛ فلا يكون إلا مخلوقا لله تعالى، ولا بدّ. غير أنه لا يُنسب إلى الله، حتى لا يختلط بما يؤخذ عنه سبحانه من طريق التلقّي (الوحي والكشف). فليُعتبر هذا الأصل، فإنه نفيس!... - [فلم يأمر نبيه بالتنصيص على المراد]: وهذا القول محض جهل!... ودخول من القائل فيما لا يعنيه. وأنى له ولأمثاله، أن يعلموا ما بين الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، حتى يحكموا؟!... وإن كانوا يتوهمون أنهم يعلمون ظاهرا من كلامٍ لله يدل على أصل ذلك، ولم يتبيّنوا بعد ذلك صنوف الأوامر ومتعلَّقاتها؛ فلا سبيل لهم إلى الحكم في كل ذلك، بما تُنتجه عقولهم القاصرة المنكوسة. فوالله إن كلامهم عندنا، لهو أضعف من كلام الصبيان!... وهذا القول منا ليس مبالغة، وما نظن أن السامع قد عهد منا أننا نبالغ في كلامنا... - [وإنما هو عليه السلام صوّب رأي جماعة من المفسرين]: يقصد من الصحابة رضي الله عنهم. لكن هذا الكليل، لم يتنبّه إلى أن ما صوبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، من بعض الصحابة، كان دليلا على أنهم استمدوه منه، فكانوا محتاجين بعد نيل العلم منه، إلى أن يُقَرّوا عليه؛ حتى يأمنوا السوء الذي يمكن أن يدخل عليهم من أنفسهم أو من شياطينهم. وهذه المكانة التي أهّلت الصحابة المرضيين للأخذ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لم يبلغوها إلا بتزكيته لهم. يقول الله تعالى: {لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ إِذۡ بَعَثَ فِیهِمۡ رَسُولًا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ یَتۡلُوا۟ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتِهِۦ وَیُزَكِّیهِمۡ وَیُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُوا۟ مِن قَبۡلُ لَفِی ضَلَـٰلٍ مُّبِینٍ} [آل عمران: 164]. فلولا تزكية النبي صلى الله عليه وآله وسلم للصحابة ثم لنا من بعدهم، ما تأهلنا لقبول تعليمه صلى الله عليه وآله وسلم. ولكن هذا الفقيه المطموس ونظراءه، لا يفهمون ظاهر هذه الآية، وهم من يزعمون أن ظاهر القرآن لا يغيب عنهم. نعوذ بالله من الخذلان!... ومختصر ما هم عليه الفقهاء في هذه المسألة، أنهم يحكمون بثبوت الوحي؛ لكنهم يُثبتون معه فعلا لهم من عند أنفسهم، هو: فهمهم، الذي لا يرون (يؤمنون) أنه مخلوق لله فيهم. والفهم من الصحابي أو من غيره، يقتضي أن يعرض الفاهم فهمه على النبيّ استحبابا، فإن صحح له النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهمه، فإنه يكون قد أصاب الحق من نفسه؛ وإلا فإنه يبقى على ظنّ. وأما إن كان الفاهم من أهل الأزمنة المتأخرة الذين أبعدوا في الانقطاع، فإنه يكون أكثر حرية بحسبه في فهم القرآن، خصوصا إن دخل عليه التفلسف. وهذا كله لا يصح عندنا، في كل الأزمنة؛ وهذا لأن القرآن يُعلّمه الله للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وحيا (لفظا ومعنى)، ويعلمه للعلماء من بعده بواسطته كشفا. فإن أنكر الفقهاء الكشف، فذاك شأنهم؛ لكن ليعلموا أنهم يشهدون بذلك على أنفسهم بالجهل المـُطبق والعمى التّامّ. يقول الله تعالى: {ٱلرَّحۡمَـٰنُ . عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ . خَلَقَ ٱلۡإِنسَـٰنَ . عَلَّمَهُ ٱلۡبَیَانَ} [الرحمن: 1-4]. والمعاني التي أوردناها آنفا، تدخل كلها في معنى الآية؛ لأن لفظ "الإنسان"، وإن كان بالأصالة ينطبق على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما بيّنّا في الباب الأول؛ إلا أنه يشمل بالضرورة كل من يأخذ عنه: كالأنبياء السابقين، والورثة اللاحقين. وأخذ الأنبياء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، هو ما جعلنا نثبت لهم قرآنيةً بقدر ما، في الوحي الذي نزل عليهم. والفقهاء على عمومهم، يُنكرون أخذ الأنبياء عن النبي صلى الله عليه وآله سلم، ويُنكرون تبعا لذلك أخذ الورثة. وهو ما يجعلهم بعيدين عن العلم بحقيقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبحقيقة القرآن. فإن ثبت لهم هذا الجهل، فإنهم يكونون آخر من يُستأمن على معاني الوحي!... - [فصار ذلك دليلا قاطعا على جواز التفسير من غير سماع من الله ورسوله.]: وهو يعني بالدليل القاطع: الدليل العقلي، لا الدليل الشرعي؛ لأننا رأيناه لا يعلم الأدلة الشرعية في التفسير، وربما إن انتهت إلى سمعه، لا يُقر بها. ويدخل في معنى الدليل العقلي، الدلالة اللغوية، وتواطؤ الفهوم من عدة أشخاص، والقول من "عالم" معتبر موثوق، وغير ذلك.... وأما قوله: "من غير سماع من الله ورسوله"، فهو عندنا من جهةٍ، هدم لأصل الدين، الذي هو الصلة بالله ورسوله، والتي لا يعلم صاحبنا عنها شيئا؛ ومن جهةٍ أخرى هو دلالة على الكفر، ما دام الذي سيحل محلّ الوحي من الله ورسوله، هو وحي الشيطان في الغالب. يقول الله تعالى: {وَمَن یَتَّخِذِ ٱلشَّیۡطَـٰنَ وَلِیًّا مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدۡ خَسِرَ خُسۡرَانًا مُّبِینًا} [النساء: 119]، ويقول سبحانه: {وَإِنَّ ٱلشَّیَـٰطِینَ لَیُوحُونَ إِلَىٰۤ أَوۡلِیَاۤىِٕهِمۡ لِیُجَـٰدِلُوكُمۡۖ وَإِنۡ أَطَعۡتُمُوهُمۡ إِنَّكُمۡ لَمُشۡرِكُونَ} [الأنعام: 121]. وإن لوحي الله ورسوله نورا يراه ذوو البصائر، كما أن لوحي الشيطان ظلمة تُرى أيضا للرائين. ونحن نقطع بأن هذا الكلام الذي نقله الزركشي، ويتناقله أهل الظلمة من المتفقهة، هو من وحي الشيطان؛ لا نشك في ذلك ذرة!... فكيف لقوم يقتاتون على وحي الشيطان، أن يزعموا لأنفسهم بأنهم على علم بالاصطلاح القرآني؟!... إن هذه لأعظم فرية!... ثم كيف لمن كان يتلقى عن الشيطان، أن يكون سببا في هداية غيره من المسلمين ومن الناس؟!... لهذا، ولغيره مما ذكرنا في مواضع أخرى، فنحن ندعو المسلمين إلى نبذ سبيل الفقهاء، وإلى طلب العلم -إن كانوا يطلبونه حقا- عند أئمة الدين، الذين لا يخلو منهم زمان بحمد الله. بل نحن ندعو الفقهاء، إلى اتباع أئمة الدين، ليصححوا ما هم عليه مما يتوهمون أنه فقه. فلم يبق بعد إبانة السبيل، إلا الضلال؛ نعوذ بالله من الضلال وأهله!... [1]. أخرجه مسلم، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. |
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وكل عبد من الصالحين.
إن الكلام في التصوف قد تشعب حتى كاد يخرج عن الضبط في نظر الناظرين. وإن تحديد موقع التصوف من الدين، كان ولا زال موضع خلاف بين المسلمين. والميل إلى طرف دون آخر متأرجح بحسب خصوصية كل مرحلة من مراحل عمر الأمة الإسلامية. لكننا نرى أنه حان الوقت، وبعد أن أصاب الأمة ما أصاب، أن نقول: إن التصوف إسلام. ونعني أنه تحقيق للإسلام!
قد يرى البعض أن هذا تعسف باعتبار أن الكلمة مبهمة وغير ذات أصل شرعي؛ أو هي دخيلة إن اعتبرنا نسبتها إلى الأديان الكـتابية والوثنية على السواء...
وقد يرى البعض الآخر في ذلك مبالغة وتضخيما، إذا رجع إلى مدلول الكلمة وإلى تجليات التصوف المنصبغة بصبغة كل زمن زمن...
وقد يقول قائل: كان في إمكانكم تجاوز لفظ " التصوف " تسهيلا للتواصل والتلاقي، إن كان المراد مجرد عرض للإسلام أو إعادة تناول لمختلف جوانبه...
لكن، نقول: حفاظا على الأدب مع قوم بذلوا في الله مهجهم، سبقونا، ورجاء في اللحوق بهم، نحافظ على اللفظ؛ ومن أجل التنبيه إلى منهج التصوف في التربية، التي ليست إلا التزكية الشرعية، نقول: إن التصوف..إسلام!
لم ينفع بعضَ المسلمين مجرد انتساب للإسلام واعتبار لظاهره على حساب الباطن. ولم يجد إنكار بعض الفقهاء له وقد كذبتهم الأيام. وهاهي الأمة تكاد تنسلخ عن الدين في عمومها..
وها هي الأزمة نعيشها في تديننا، لا يتمكن أحد من إنكارها.. وها هي تداعيات الأزمة تكتنفنا من كل جانب..
ومن جهة أخرى ، لم يعد يجدي من ينتسب إلى التصوف الانزواء الذي كان مباحا أو مستحبا في عهود مضت، وواجب الوقت بلا شك، هو إقامة الدين ظاهرا إلى باطن، بعد أن ولى زمن حماة الشريعة من الفقهاء الورعين أصحاب النور، المجتهدين المجددين .
ولم يعد يكفي الكلام عن الطريقة التربوية الاجتهادية الخاصة بكل شيخ، إلا مع التنبيه إلى الطريق المحمدي الجامع الشامل، حتى تسقط الحواجز الوهمية التي صارت حجبا في زماننا، تمنع من إدراك صحيح للدين.
لذلك ولغيره، نرى أنه من الواجب في زمن العولمة المبشرة بجمع شمل الأمة الكلام عن التصوف بالمعنى المرادف لتحقيق الإسلام، بشموليته واستيعابه كل مذاهب المسلمين.
ونأمل من الله عز وجل، أن يكون هذا الموقع من أسباب ذلك، راجين منه سبحانه وتعالى السداد والقبول، فإنه أهل كل جود وفضل.